عیون الانظار المجلد 5

اشارة

سرشناسه : بهبهانی، محمدعلی، 1352 -

عنوان و نام پدیدآور : عیون الانظار [کتاب]/ محمدعلی بهبهانی.

مشخصات نشر : قم: محمدعلی بهبهانی، 1437ق.= 2016م.= 1395 .

مشخصات ظاهری : 10ج.

شابک : دوره:978-600-04-3019-1 ؛ ج.1 978-600-04-3017-7: ؛ ج.2 978-600-04-3018-4: ؛ ج.3 978-600-04-5819-5 : ؛ ج.4 978-600-04-6758-6 : ؛ ج.5 978-600-04-6759-3 :

یادداشت : عربی.

یادداشت : عنوان روی جلد: عیون الانظار فی علم الاصول.

یادداشت : نمایه .

مندرجات : ج.1. مبادی علم الاصول.- ج.2. مباحث الالفاظ الاول.- ج.3. مباحث الالفاظ الثانی.- ج.4. مباحث العقلیه.

عنوان روی جلد : عیون الانظار فی علم الاصول.

موضوع : اصول فقه شیعه

موضوع : * Islamic law, Shiites -- Interpretation and construction

رده بندی کنگره : BP159/8/ب857ع9 1395

رده بندی دیویی : 297/312

شماره کتابشناسی ملی : 3846970

عیون الأنظار / الجزء الأول

- المؤلف: محمد علی البهبهانی

- شابک الجزء الأول: 7-3017-04-600-978

- شابک الدورة: 1-3019-04-600-978

- الطبعة الأولی

- سنة النشر: 1436ه- ق – 1394 ه- ش

- السعر: 30000

- عدد النسخ: 1000

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

عُیُونُ الأَنظَار

(المجلد الخامس)

المباحث العقلیة (2)

مباحث: «الضد» و «الترتّب» و «اجتماع الأمر و النهی»

و «اقتضاء النهی عن العبادة أو المعاملة»

ص: 3

ص: 4

الفهرس

البحث الثالث: الضّد / 15

مقدمات.. 17

المقدمة الأُولی: فی أنّ هذه المسألة أُصولیّة أو فقهیة؟. 17

الوجه الأوّل: 17

الوجه الثانی: 17

المقدمة الثانیة: فی أنّ هذه المسأله عقلیة أو لفظیة. 19

المقدمة الثالثة: المراد من الأمر و النهی فی عنوان البحث... 20

المقدمة الرابعة: المراد من الاقتضاء. 22

المقدمة الخامسة: المراد من الضد. 23

المقام الأوّل: «الضدّ الخاصّ». 27

الوجه الأوّل علی الاقتضاء: المقدمیة. 28

تمهید فی ذکر أنظار الأعلام فی المقدمیة. 29

مناقشات فی الوجه الأوّل: 32

التفصیل فی المقدمیة: 49

الوجه الثانی علی الاقتضاء: الملازمة. 53

مناقشتان فی الوجه الثانی: 54

المقام الثانی: «الضدّ العام». 57

ص: 5

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) للقول الثانی: 60

تقریر القول الثالث: 62

بیان القول الرابع: 63

بیان صاحب الکفایة (قدس سره) للقول الخامس: 64

تنبیه: فی ثمرة المسألة. 69

الثمرة الأُولی: 69

الثمرة الثانیة: 69

الثمرة الثالثة: 70

الأمر الأوّل: 74

استدلّ علی الصغری بوجهین: 74

الوجه الأوّل: من المحقّق الخراسانی (قدس سره) 74

الوجه الثانی: من جماعة من المتأخرین منهم المحقّق النائینی (قدس سره) 76

تحقیق فی اعتبار القدرة فی متعلّق التکلیف: 80

القول الأوّل: 81

القول الثانی: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) 81

القول الثالث: نظریة المحقّق الخوئی (قدس سره) 82

الأمر الثانی: 84

البحث الرابع: الترتب / 85

مقدمات.. 87

المقدمة الأُولی: 94

المقدمة الثانیة: 95

المقدمة الثالثة: 96

المقدمة الرابعة: للواجبین المتضادین ثلاث صور. 97

قولان فی الصورة الثالثة: 97

بیان المحقق النائینی (قدس سره) للقول الأوّل: 97

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) للقول الثانی: 98

ص: 6

المقدمة الخامسة: فی جریان الترتب فی ما إذا کان الواجب المهم مشروطاً بالقدرة شرعاً 99

بیان المحقّق النائینی (قدس سره) لعدم جریان الترتب: 99

تحقیق المحقّق الخوئی (قدس سره) لتصحیح الوضوء و الغسل فی هذا الفرع: 102

المقام الأوّل: أدلّة إنکار الترتّب... 103

الدلیل الأوّل: ما أفاده المحقّق الخراسانی (قدس سره) بطریق الإنّ. 103

الدلیل الثانی علی إنکار الترتّب: 105

الدلیل الثالث علی إنکار الترتّب: 106

المقام الثانی: أدلة القائلین بالترتّب... 113

الوجه الأوّل لتصحیح الترتّب فی کلام صاحب الکفایة (قدس سره): 113

الوجه الثانی لتصحیح الترتّب فی کلام صاحب الکفایة (قدس سره): 115

الوجه الثالث لتصحیح الترتّب فی کلام صاحب الکفایة (قدس سره): 115

الوجه الرابع لتصحیح الترتّب فی کلام صاحب الکفایة (قدس سره): 117

الوجه الخامس: ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) بمقدماته الخمس... 118

المقدّمة الأُولی: 118

المقدّمة الثانیة: 119

المقدّمة الثالثة: فی إشکال یتوجه إلی المحقق النائینی (قدس سره) 124

المقدّمة الرابعة: ثلاثة تقادیر للحاظ الخطاب... 133

وجهان للفرق بین التقدیرین الأوّلین و التقدیر الثالث: 135

المقدّمة الخامسة: 140

الوجه السادس علی إثبات الترتّب: نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره) 142

بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) لتجویز الترتّب: 143

الوجه السابع علی إثبات الترتّب: نظریة المحقّق العراقی (قدس سره) 144

البحث الخامس: اجتماع الأمر و النهی / 149

المقدمة الأُولی.. 151

الأمر الأوّل: عنوان البحث... 151

ص: 7

نظریة المحقق النائینی (قدس سره): 151

الأمر الثانی: النزاع کبروی أو صغروی؟. 153

هل یستحیل اجتماع الأمر و النهی بالذات؟. 153

هل یلزم علی الاجتماع التکلیف بالمحال؟. 153

الأمر الثالث: الأقوال فی المسألة. 155

الأمر الرابع: هذه المسألة من صغریات التعارض أو التزاحم؟. 167

بیان المحقّق النائینی (قدس سره): للمسألة صور أربع. 167

المقدمة الثانیة: مقدّمات البحث علی نهج کفایة الأُصول. 169

الأمر الأوّل: المراد من الواحد فی عنوان المسألة. 169

مقدمة: فی أقسام الواحد. 169

القول الأوّل: نظریة صاحب الفصول (قدس سره) 170

القول الثانی: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) 172

الأمر الثانی: الفرق بین هذه المسألة و مسألة النهی عن العبادة. 174

البیان الأوّل: ما أفاده المحقّق القمی (قدس سره) صاحب القوانین.. 174

البیان الثانی: ما أفاده صاحب الفصول (قدس سره) 174

البیان الثالث: ما عن المدقّق الشیروانی (قدس سره) 176

البیان الرابع: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) 177

البیان الخامس: ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) 177

البیان السادس: 178

الأمر الثالث: مسألة الاجتماع أُصولیة أو لا؟. 179

القول الأوّل: إنّها من المسائل الأُصولیة العقلیة. 180

القول الثانی: إنّها من المبادی الأحکامیة. 181

القول الثالث: إنّها من المبادی التصدیقیة. 183

القول الرابع: إنّها من المسائل الفقهیة. 184

القول الخامس: إنّها من المسائل الکلامیة. 185

الأمر الرابع: إنّ مسألة الاجتماع عقلیة لا لفظیة. 186

الأمر الأوّل: 186

الأمر الثانی: 186

ص: 8

الأمر الخامس: شمول النزاع لجمیع أقسام الإیجاب و التحریم. 189

هل یشمل النزاع الواجب و الحرام التخییری؟. 190

القول الأوّل: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) 190

القول الثانی: نظریة المحقّق الخوئی (قدس سره) 191

الأمر السادس: فی عدم اعتبار قید المندوحة فی جریان النزاع. 194

وجه اعتبار وجود المندوحة: 194

بیان الکفایة لعدم اعتبار وجود المندوحة: 195

بیان المحقّق الإصفهانی (قدس سره) لعدم اعتبار المندوحة فی محلّ النزاع: 198

نظریة المحقّق النائینی (قدس سره): 198

نظریة المحقّق الخوئی (قدس سره): 199

الأمر السابع: ارتباط هذه المسألة بتعلق الأحکام بالطبائع أو الأفراد. 201

التوهّم الأوّل: 201

التوهّم الثانی: 202

تذنیب: هل یبتنی الجواز و الامتناع علی مسألة أصالة الوجود أو الماهیة؟. 205

بیان المحقّق الخراسانی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) فی دفع التوهّم: 205

الأمر الثامن: هل تکون مسألة الاجتماع من صغریات التعارض؟. 207

الأمر التاسع: إحراز وجود الملاک فی الحکمین.. 218

الأمر العاشر: ثمرة البحث... 229

بیان صاحب الکفایة (قدس سره): 229

المقام الأوّل: دلیل القول بالامتناع. 241

نظریة المحقّق الخراسانی (قدس سره) بمقدماتها الأربع: 241

المقدّمة الأُولی: تضادّ الأحکام فی مرتبة الفعلیة. 242

النظریة الأُولی: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) 242

النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) 245

النظریة الثالثة: ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره): 251

النظریة الرابعة: ما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله): 253

المقدّمة الثانیة: متعلّق الحکم هو المعنون.. 257

النظریة الأُولی: من المحقّق الخراسانی (قدس سره) 257

ص: 9

النظریة الثانیة: من المحقّق الإصفهانی (قدس سره) 258

بیان بعض الأساطین (حفظه الله): 259

المقدّمة الثالثة: تعدّد العنوان لایوجب تعدّد المعنون.. 261

نظریة المحقّق الخراسانی (قدس سره): 261

بیان المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی توضیح کلام صاحب الکفایة (قدس سره): 261

المقدّمة الرابعة: إنّ الموجود بوجود واحد، له ماهیة واحدة. 263

توهّمان ذکرهما صاحب الفصول (قدس سره): 263

دفع صاحب الکفایة (قدس سره) لهذین التوهّمین: 263

المقام الثانی: أدلّة القول بالجواز. 267

الدلیل الأوّل: ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) 267

الدلیل الثانی للقول بالجواز: ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) 273

الدلیل الثالث للقول بالجواز: من المحقّق القمی و الشیخ الأنصاری (قدس سرهما) .. 285

الدلیل الرابع للقول بالجواز: 287

الدلیل الخامس للقول بالجواز: 289

جواب صاحب الکفایة (قدس سره) عن هذا الاستدلال: 289

الجواب الإجمالی: 289

الجواب التفصیلی: 290

القسم الأوّل من العبادات المکروهة: کصوم یوم عاشوراء. 291

الطریق الأوّل: طریق الانطباق.. 291

الطریق الثانی: طریق الملازمة. 294

الطریق الثالث: طریق إرشادیة الأمر. 295

نظریات ثلاث بالنسبة إلی القسم الأوّل: 295

النظریة الأُولی: عن المحقّق النائینی (قدس سره) . 295

النظریة الثانیة: عن المحقّق العراقی (قدس سره) . 298

النظریة الثالثة: عن المحقّق الإصفهانی و المحقّق الفشارکی (قدس سرهما) ... 298

تکملة و بحث استطرادی: 302

کلام بعض الأساطین (حفظه الله) حول صوم یوم عاشوراء. 302

القول الأوّل: الحرمة. 302

ص: 10

القول الثانی: الکراهة. 306

القول الثالث: الاستحباب... 307

القول الرابع: الأحوط وجوباً ترکه. 308

القسم الثانی من العبادات المکروهة: کالصلاة فی الحمام. 309

کلام المحقّق النائینی (قدس سره) حول القسم الأوّل و الثانی: 309

القسم الثالث من العبادات المکروهة: کالصلاة فی موضع التهمة. 312

تنبیه: فی الاضطرار إلی ارتکاب الحرام. 313

المقام الأوّل: الاضطرار إلی الحرام لا بسوء الاختیار. 313

بیان المحقّق النائینی (قدس سره): 313

فائدة: فی حکم الصلاة عند الاضطرار لا بسوء الاختیار. 318

الحالة الأُولی: إذا لم یتمکّن من الخروج.. 318

القول الأوّل: 318

القول الثانی: 319

القول الثالث: نظریة بعض الأساطین (حفظه الله) .. 321

الحالة الثانیة: إذا تمکّن من الخروج.. 321

الصورة الأُولی: 321

الصورة الثانیة: 322

الصورة الثالثة: 322

المقام الثانی: فی الاضطرار إلی الحرام بسوء الاختیار. 324

الجهة الأُولی: فی حکم الخروج فی حدّ ذاته. 324

القول الأوّل: 324

القول الثانی: نظریة المحقّق القمی (قدس سره) 324

القول الثالث: نظریة صاحب الفصول (قدس سره) 327

القول الرابع: نظریة الشیخ الأنصاری وتبعه المحقّق النائینی (قدس سرهما) .. 328

القول الخامس: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) 330

الجهة الثانیة: حکم الصلاة فی المکان الغصبی.. 337

الصورة الأُولی: 337

الصورة الثانیة: 338

الصورة الثالثة: 338

ص: 11

البحث السادس: اقتضاء النهی عن العبادة أو المعاملة / 341

تمهید مقدّمات: 343

المقدّمة الأُولی: الفرق بین هذه المسألة و مسألة الاجتماع. 343

قال جمع من الأعلام فی الفرق بین المسألتین: 343

بیان صاحب الکفایة (قدس سره): 343

المقدّمة الثانیة: هل تکون هذه المسألة عقلیة أو لفظیة؟. 346

المقدّمة الثالثة: فی دخول أقسام النهی فی محل النزاع. 348

قال بعض الأساطین (حفظه الله): النهی خمسة أقسام. 348

القسم الأوّل: النهی التشریعی.. 348

القسم الثانی: النهی الذاتی الإرشادی.. 348

بیان المحقّق الخوئی (قدس سره) لخروجه عن محلّ النزاع: 348

القسم الثالث: النهی الذاتی المولوی الغیری.. 349

النظریة الأُولی: عن المحقّق الخوئی (قدس سره) . 349

النظریة الثانیة: عن المحقّق النائینی (قدس سره) . 349

النظریة الثالثة: عن صاحب الکفایة (قدس سره) . 351

القسم الرابع: النهی الذاتی المولوی النفسی التنزیهی.. 353

النظریة الأُولی: عن صاحب الکفایة (قدس سره) . 353

النظریة الثانیة: عن المحقق النائینی (قدس سره) . 354

النظریة الثالثة: تفصیل المحقّق الخوئی (قدس سره) بین التفسیرین للنهی التنزیهی.. 354

القسم الخامس: النهی الذاتی المولوی النفسی التحریمی.. 355

المقدّمة الرابعة: معنی العبادة و المعاملة فی هذا البحث... 356

بیان صاحب الکفایة (قدس سره): 356

بیان المحقّق الخوئی (قدس سره): 357

المقدّمة الخامسة: تحریر محل النزاع. 359

المقدّمة السادسة: تعریف الصحّة و الفساد. 360

النظریة الأُولی: عن صاحب الکفایة (قدس سره) 360

النظریة الثانیة: عن المحقق القمی (قدس سره) 360

ص: 12

تنبیه: فی أنّ الصحّة و الفساد عند المتکلّم و الفقیه حکم اعتباری أو حکم عقلی أو حکم شرعی؟ 362

النظریة الأُولی: عن صاحب الکفایة (قدس سره) 362

النظریة الثانیة: عن المحقّق النائینی (قدس سره) 363

النظریة الثالثة: عن المحقّق الخوئی (قدس سره) 365

المقدّمة السابعة: فی مقتضی الأصل العملی (هنا نظریات أربع): 367

النظریة الأُولی: عن المحقّق الخراسانی (قدس سره) 367

النظریة الثانیة: عن المحقّق النائینی (قدس سره) 368

النظریة الثالثة: عن المحقّق الإصفهانی (قدس سره) 370

النظریة الرابعة: عن بعض الأساطین (حفظه الله) .. 371

المقدّمة الثامنة: فی أقسام تعلّق النهی بالعبادة. 373

قال صاحب الکفایة (قدس سره): إنّ متعلّق النهی علی خمسة أنحاء. 373

المقام الأوّل: فی النهی عن العبادة. 377

القسم الأوّل: تعلّق النهی بذات العبادة. 377

القول الأوّل: اقتضاء الفساد. 377

بیانات أربعة فی الاستدلال علی الفساد: 377

بیان الأوّل: عن صاحب الکفایة (قدس سره) 377

بیان الثانی: عن المحقّق النائینی (قدس سره) 379

بیان الثالث: عن المحقّق الخوئی (قدس سره) 380

بیان الرابع: عن بعض الأساطین (حفظه الله) .. 380

القول الثانی: عدم دلالة النهی عن العبادة علی الفساد. 381

النظریة الأُولی: عن المحقّق العراقی (قدس سره) 381

النظریة الثانیة: عن المحقّق الحائری (قدس سره) 382

القسم الثانی: تعلّق النهی بجزء العبادة. 385

النظریة الأُولی: عن صاحب الکفایة (قدس سره) 385

النظریة الثانیة: عن المحقّق النائینی (قدس سره) 385

القسم الثالث: تعلّق النهی بشرط العبادة. 389

النظریة الأُولی: عن صاحب الکفایة (قدس سره) 389

ص: 13

النظریة الثانیة: عن المحقّق النائینی (قدس سره) 389

القسم الرابع: تعلّق النهی بالوصف الملازم للعبادة. 392

القسم الخامس: تعلّق النهی بالوصف غیرِ الملازم للعبادة. 393

المقام الثانی: فی النهی عن المعاملة. 395

المطلب الأوّل: فی تعیین محل النزاع. 396

المطلب الثانی: فی بیان الآراء. 397

النظریة الأُولی: عن صاحب الکفایة (قدس سره) 398

النظریة الثانیة: عن المحقّق النائینی (قدس سره) 399

المطلب الثالث: فی مقتضی النصوص فی المسألة. 402

الفهارس... 407

ص: 14

البحث الثالث: الضّد

اشارة

فیه مقدّمات خمس و مقامان و تنبیه

ص: 15

ص: 16

مقدمات

المقدمة الأُولی: فی أنّ هذه المسألة أُصولیّة أو فقهیة؟

اشارة

فیه وجهان:

الوجه الأوّل:
اشارة

قد ادّعی أنّها من المسائل الفقهیة، لأنّ البحث فیها عن حرمة فعل الضدّ أو عدمها و هذه مسألة فقهیّة.

الإیراد علیه:

إنّ البحث هنا عن ثبوت الملازمة بین وجوب الشیء و حرمة ضدّه أو عن مقدّمیّة ترک أحد الضدّین لفعل الضدّ الآخر.

الوجه الثانی:
اشارة

إنّ هذه المسألة أُصولیة و لیست من مبادی علم الأُصول و الوجه فی ذلک هو أنّ مناط أُصولیة المسألة موجود هنا.

ص: 17

بیان المحقّق الخوئی (قدس سره) لکونها أُصولیة:

((1))

إنّ المسائل الأُصولیة ترتکز علی رکیزتین:

الرکیزة الأُولی: أن تکون استفادة الأحکام الشرعیة من الأدلّة من باب الاستنباط و التوسیط، لا من باب التطبیق أی تطبیق مضامینها بأنفسها علی مصادیقها، کتطبیق الطبیعی علی أفراده، و الکلی علی مصادیقه.

الرکیزة الثانیة: أن یکون وقوعها فی طریق الحکم بنفسها من دون حاجة إلی ضمّ کبری أُصولیة أخری.((2))

فکل مسألة إذا ارتکزت علی هاتین الرکیزتین فهی من المسائل الأُصولیة و إلّا فلا و هاتان الرکیزتان قد توفّرتا فی مسألتنا هذه فهی من المسائل الأُصولیة إذ إنّها واقعة فی طریق استفادة الحکم الشرعی من باب الاستنباط و التوسیط بنفسها بلا توسط کبری أُصولیة أخری.

ص: 18


1- المحاضرات، ج3، ص6.
2- تقدّم فی ج1 (المبادی التصوریة و التصدیقیة لعلم الأصول) مقدمات خمس: المقدمة الأولی فی تعریف علم الأصول و ذکر هناک تعریفات سبعة (الأول للقدماء و المشهور. الثانی للشیخ الأنصاری. الثالث لصاحب الکفایة. الرابع للمحقق النائینی. الخامس للمحقق الإصفهانی. السادس للمحقق العراقی و السابع للمحقق الخوئی فی المحاضرات) و بعد ذکر التعریف السابع نقل إشکالاً من المحقق الخوئی و جوابین منه و لکن نُوقِش فیهما؛ و مختارنا هو قول المحقق الإصفهانی باختلافٍ یسیرٍ حیث ذکر هذا المحقق تعریفین لعلم الأصول أخذ فی تعریف المختار من کل منهما شطراً و قال: مقتضی التحقیق فی تعریف علم الأصول هو أن یقال: القواعد الممهّدة لتحصیل الحجّة علی حکم العمل.

المقدمة الثانیة: فی أنّ هذه المسأله عقلیة أو لفظیة

إنّ البحث عن الملازمة أو مقدّمیة ترک أحد الضدّین للضدّ الآخر عقلی، لأنّ الحاکم بهما هو العقل، بل المراد من الأمر هنا أعم من کونه مستفاداً من اللفظ أو الإجماع أو العقل أو الإشارة.

و من جانب آخر: إنّ الاقتضاء اللفظی (أی الدلالة اللفظیة) متصوّر فی بحث الضدّ العام، أمّا اقتضاء الأمر بالشیء للنهی عن ضدّه فلایتصوّر فی الضدّ الخاصّ کما سیأتی إن شاء الله.((1))

ص: 19


1- سیجیء فی المقام الأول أی الضد الخاص أنّ القائلین بالإقتضاء إستدلّوا بوجهین: المقدمیة و الملازمة و کلاهما دلیل عقلی و قد صرّح أنّ الإقتضاء هنا عقلی فقط و فی المقام الثانی أنّ فی الضد العام أقوالاً خمسة، ثلاثة منها هی القول بالإقتضاء بنحو الدلالة اللفظیة (القول بالعینیة الذی اختاره صاحب الفصول و القول بالدلالة التضمنیة الّذی اختاره صاحب المعالم و القول بالدلالة اللفظیة الإلتزامیة الذی اختاره المحقق النائینی (قدس سره) و واحدة منها هی القول بالإقتضاء بنحو الدلالة العقلیة الإلتزامیة (الذی اختاره صاحب الکفایة (قدس سره) و واحدة منها هی القول بعدم الإقتضاء الذی اختاره المحقق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله) و هو المختار.

المقدمة الثالثة: المراد من الأمر و النهی فی عنوان البحث

إنّ المراد من الأمر و النهی فی عنوان البحث لیس خصوص مادّة الأمر و لاصیغته بل المراد هو الطلب المبرز((1)) سواء أُبرز باللفظ أو الإشارة أم استفید من الإجماع أو العقل، لأنّ البحث أعمّ من ذلک حیث إنّ المبحوث عنه فی المقام هو الملازمة بین الأمر بالشیء و النهی عن ضدّه أو المقدّمیة لترک أحد الضدّین لفعل الضدّ الآخر من غیر فرق بین أن یکون الأمر لفظیاً أو غیر لفظی و أمّا ما یوهم اختصاص محلّ النزاع بالأمر اللفظی فلیس إلّا غلبة هذه الأفراد و کثرتها بالنسبة إلی غیرها.

ص: 20


1- قد ذکر فی هذا الکتاب، ج2، البحث الأول (الأوامر)، الفصل الأول (مادة الأمر)، الأمر الأول (معنی مادة الأمر)، الموضع الثانی (معنی الأمر إصطلاحاً) نظریّتین الأولی و هی مختار المشهور أنّ الأمر حقیقةٌ فی القول المخصوص (أی صیغة الأمر) مجاز فی غیره و الثانیة و هی مختار المؤلف نفسه أنّ الأمر الإصطلاحی إسمٌ للطلب المخصوص و الإرادة المبرزة التی هی أعمّ من کونه بصیغة إفعل أو بمادة الأمر أو بالجملة الخبریّة أو بغیر ذلک مما یفهم منه الأمر. و ذکرنا فی الموضع الأول (معنی الأمر لغةً و عرفاً)، النظریة الأولی (و هی للمحقق القوچانی) فی التعلیقة علی قوله عبارة من المحقق الرشتی فی بدائع الأفکار، ص243 قال: «إختلفوا بعد اتّفاقهم علی أنّ الأمر المقصود للأصولیین المقابل للنهی لایخلو من أحد المعنیین الأولین [أشار إلیهما فی عبارته السابقة حیث قال: منها القول المخصوص و هذا متّفقٌ علیه و منها الطلب ذکره صاحب الفصول و السید المحقق الکاظمی] فمنهم من جعله حقیقة فی مطلق الطلب سواء کان مستکشفاً من القول أو الإشارۀ أو الکتابة و مجازاً فی القول کما فی الفصول؛ و منهم من جعله حقیقة فی کل من القول و الطلب کالسید المحقق الکاظمی؛ و منهم من جعله حقیقة فی القول ساکتاً عن الطلب و هو المصرّح به فی کلمات الکل بل إدّعی جماعة من المحققین علیه الإجماع؛ و منهم من جعله حقیقة فی القول الدالّ علی الطلب لا القول المجرّد صرّح به فی التهذیب و وافقه المحقق القمی».

ثمّ إنّ بعضهم قرروا الملازمة بین وجوب الشیء و حرمة ضدّه و الملاک أیضاً أعمّ و لایختصّ بما إذا کان الوجوب مدلولاً لدلیل لفظی.

ص: 21

المقدمة الرابعة: المراد من الاقتضاء

إنّ المراد من الاقتضاء أعمّ من اللفظی و العقلی و الاقتضاء اللفظی أعم من الدلالة اللفظیة المطابقیة و التضمنیة و الالتزامیة و الاقتضاء العقلی أعمّ من أن یکون من باب مقدّمیة ترک أحد الضدّین لوجود الآخر أو من باب الملازمة بین وجود أحدهما و عدم الآخر.

توضیح ذلک: إنّه إذا کان المراد من الضدّ هو الضدّ العامّ یمکن أن یکون الاقتضاء لفظیاً أو عقلیاً، حیث إنّ بعضهم فسّروا الأمر بطلب الشیء مع المنع من الترک و ما شابه ذلک.

و أمّا إذا کان المراد من الضدّ هو الضدّ الخاصّ فلایمکن أن یکون الأمر بأحد الضدّین نهیاً عن الآخر بإحدی الدلالات اللفظیة، لأنّه لایمکن أن یکون النهی عن الصلاة (أو حرمتها) عین الأمر بالإزالة (أو وجوبها) و لا جزأه و لا لازمه باللزوم البین بالمعنی الأخصّ لانفکاکهما فی مقام التصور.

و علی هذا إن کان المراد منه هو الضدّ الخاصّ فلابدّ أن یکون الاقتضاء عقلیاً من باب المقدّمیة أو الملازمة.

ص: 22

المقدمة الخامسة: المراد من الضد

اشارة

إنّ المراد من الضدّ هو مطلق ما ینافی الشیء.

توضیح ذلک:

إنّ للضدّ اصطلاحین: الاصطلاح الفلسفی و الاصطلاح الأُصولی.

أمّا علی الاصطلاح الفلسفی فإنّ الشیئین إمّا متماثلان و إمّا متخالفان و إمّا متقابلان((1)).

و المتقابلان((2)) علی أربعة أقسام: تقابل التناقض و تقابل العدم و الملکة و

ص: 23


1- [1] الغیران علی ثلاثة أقسام و هذا المطلب مذکور فی الفلسفة: فی شرح المنظومة، ج 2، ص390، 42- غررٌ فی الحمل و تقسیمه: «بکثرة تعلّقت غیریة کذاک بالوحدة هوهویة. قد مهّدنا أوّلاً أنّ الهوهویة التی هی إتّحادٌ مّا و هی مقسم للحمل من العوارض الذاتیة للوحدة فهی من متعلقات الوحدة و الغیریة التی هی مقسم للتقابل و للتخالف و للتماثل بوجه بأنّ یقال الغیران إمّا متقابلان أو متخالفان أو متماثلان من العوارض الذاتیة للکثرة و من متعلقاتها».
2- تعریف التقابل فی الحکمة: فی شرح المنظومة، ج 2، ص398: 43- غررٌ فی التقابل و أقسامه: «قد کان من غیریة تقابل: کما أشرنا إلیه سابقاً عرّفه أصحابنا الأفاضل بمنع جمع فی محل قد ثبت من جهة فی زمنٍ توحّدت هذا الفعل صفة للثلاثة- أی فی محل واحد من جهة واحدة فی زمان واحد فبقید وحدة المحل دخل مثل تقابل السواد و البیاض المجتمعین فی الوجود فی محلین و بقید وحدة الجهة دخل مثل تقابل الأبوّة و البُنوّة المجتمعین فی واحد من جهتین. و بقید وحدة الزمان دخل تقابل المجتمعین فی زمانین. و تنوین جمع عوض عن المضاف إلیه أی الغیرین لأنّ التقابل نوع من الغیریة. فحینئذ خرج التماثل من التعریف لأنّ التماثل و إن کان بوجهٍ من الغیریة لکنّ جهة الإتّحاد و الهوهویة علیه أغلب. أو نقول تنکیر جمع للنوعیة أی التقابل إمتناع نوع اجتماع فی المتخالفین. و ذلک النوع اجتماع متغایرین فی الماهیة». و فی نهایة الحکمة ص187، المرحلة السابعة فی الواحد والکثیر، الفصل الخامس فی الغیریة و أقسامها: «قد تقدّم أنّ من عوارض الکثرة الغیریة و تنقسم الغیریة إلی ذاتیة و غیر ذاتیة فالغیریة الذاتیة هی أن یدفع أحد شیئین الآخر بذاته فلایجتمعان لذاتیهما کالمغایرة بین الوجود و العدم و تسمی تقابلاً و قد عرّفوا التقابل بأنّه إمتناع اجتماع شیئین فی محل واحد من جهة واحدة فی زمان واحد».

تقابل التضاد و تقابل التضایف((1)).

و المتضادّان عندهم هما الأمران الوجودیان بینهما غایة المنافرة لایجتمعان وجوداً فی زمان واحد، فی محل واحد، من جهة واحدة((2)).

ص: 24


1- قد ذکر وجه حصر أقسام التقابل فی أربعة فی أساس الإقتباس، ط. دانشگاه تهران، مقالت دوم (قاطیغوریاس در مقولات عشر)، فصل 8 (در معرفت اقسام تقابل)، ص53. و فی نهایة الحکمة ص189: «و التقابل ینقسم إلی أربعة أقسام و هی: تقابل التناقض و تقابل العدم و الملکة و تقابل التضایف و تقابل التضاد و الأصوب فی ضبط الأقسام أن یقال: إنّ المتقابلین إمّا أن یکون أحدهما عدماً للآخر أو لا، وعلی الأوّل إمّا أن یکون هناک موضوع قابل کالبصر والعمی فهو تقابل العدم و الملکة، أو لا یکون کالإیجاب و السلب و هو تقابل التناقض، و علی الثانی – و هو کونهما وجودیین - فإمّا أن لا یعقل أحدهما إلّا مع الآخر و بالقیاس إلیه کالعلوّ والسفل و هو تقابل التضایف، أو لا و هو تقابل التضاد». و قال المحقق فی التعلیقة: «هذا وجه ضبط ذکره التفتازانی فی شرح المقاصد والقوشجی فی شرح التجرید واللاهیجی فی شوارق الإلهام و صدر المتألهین فی الأسفار و ذکر له وجوهٌ آخر فراجع المباحث المشرقیة و کشف المراد و شرح المواقف» أسقطنا رقم الصفحات لاختلاف الطبعات. و راجع أیضا الحکمة المتعالیة، ج7، المرحلة الخامسة (فی الوحدة و الکثرة)، الفصل السادس (فی بیان أصناف التقابل و أحکام کل منها)، ص105 – 121. و العلّامة المظفر فی المنطق وضع أبحاث المنطق فی ستة أبواب و فی الباب الأول (مباحث الألفاظ) جاء البحث عن الدلالة و تقسیمات ثلاثة للألفاظ و ورد البحث عن أقسام التقابل فی التقسیم الثانی (الترادف و التباین) راجع ص52 – 58.
2- تعریف التضاد عند الحکماء: فی بدایة الحکمة ص136، الفصل السابع فی تقابل التضاد: «التضاد - علی ما تحصّل من التقسیم السابق - کون أمرین وجودیین غیر متضائفین متغایرین بالذات أی غیر مجتمعین بالذات». و فی نهایة الحکمة، ص194، الفصل التاسع فی تقابل التضاد: «قد عرفت أنّ المتحصّل من التقسیم السابق أنّ المتضادین أمران وجودیان غیر متضائفین لا یجتمعان فی محل واحد فی زمان واحد من جهة واحدة و المنقول عن القدماء أنّهم إکتفوا فی تعریف التضاد علی هذا المقدار، و لذلک جوزوا وقوع التضاد بین الجواهر، و أن یزید أطراف التضاد علی اثنین . لکن المشّائین أضافوا إلی ما یتحصل من التقسیم قیوداً آخر، فرسموا المتضادین بأنّهما أمران وجودیان غیر متضائفین متعاقبان علی موضوع واحدٍ داخلان تحت جنس قریب بینهما غایة الخلاف و لذلک ینحصر التضاد عندهم فی نوعین أخیرین من الأعراض داخلین تحت جنس قریبٍ بینهما غایة الخلاف، و یمتنع وقوع التضاد بین أزید من طرفین». و فی تحفة الحکیم، ص45: «تقابل التضاد فی ما امتنعا * لغایة الخلاف أن یجتمعا * هما وجودیان عند الفلسفی * و عند غیره أعم فاعرف».

و قد یقسّم الضدّان بما لا ثالث لهما و بما لهما ثالث. (و فصّل المحقّق النائینی (قدس سره) بینهما فی المقام فقال بالملازمة فی الأوّل دون الثانی).

و أمّا علی الاصطلاح الأُصولی فإنّ الضدّ إمّا ضدّ عام و إمّا ضدّ خاص.

أمّا الضدّ العام فی الأُصول فیشمل المتناقضین و العدم و الملکة.

و أمّا الضدّ الخاصّ فی الأُصول فیشمل الضدّین (المذکور فی المنطق و الفلسفة) و بعض مصادیق المتماثلین و المتخالفین و المتضایفین یکون أیضاً من مصادیق الضدّ الخاصّ الأُصولی و هذا فی ما ینافی امتثال کل واحد منهما امتثال الآخر کما مثّلوا بالحرکة إلی الکربلاء و الحرکة إلی البصرة و صرّحوا بأنّهما متماثلان و هکذا الأمر فی المتخالفین کما مثّّلوا له بوجوب الصلاة و وجوب إزالة النجاسة عن المسجد و هکذا فی المتضایفین فی ما إذا تنافی إکرام الأب و إکرام الابن مثلاً و أمّا مع عدم التنافی بین امتثالهما فلایکون تلک الموارد (المتماثلان، المتخالفیان، المتضایفان) من مصادیق الضدّ الخاصّ.

ثمّ إنّه یقع الکلام فی مبحث الضدّ فی مقامین: الضدّ الخاصّ و الضدّ العامّ.

ص: 25

ص: 26

المقام الأوّل: «الضدّ الخاصّ»

اشارة

قد استدلّ علی اقتضاء الأمر بالشیء للنهی عن ضدّه الخاصّ((1)) - و الاقتضاء هنا عقلی فقط- بوجهین:

ص: 27


1- قد تقدّم الأقوال فی الضد العام و هی خمسة: 1- عدم الإقتضاء أصلاً 2- العینیة 3- التضمن 4- الإستلزام لفظاً 5- الإستلزام عقلاً. و فی بدائع الأفکار للمحقق الرشتی، ص388: «و أمّا الضّد الخاص فمقتضی ما یستفاد من عنوان المسألة و الأقوال المذکورة فی کلام کثیر منهم و الأدلّة التی أقاموها لتحقیق الحال فی المقال جریان جمیع الأقوال المذکورة فی الضدّ العام هنا أیضا سوی التضمّن إذ القول به عادم و الوجه الذی یعتمد علیه معدوم و یزید علی تلک الأقوال هنا قولان آخران أحدهما ما حکی عن الشیخ المحقق صاحب المقابیس من التفصیل بین ما إذا کان فعل الضدّ رافعاً للتمکّن عن الواجب إمّا عقلاً کرکوب السّفینة فراراً عن الغریم أو شرعاً کالإشتغال بالصلاة المانع عن أداء الشهادة أو أداء الدّین أو إزالة النجاسة بناءً علی حرمة قطعها فی تلک الحال و بین ما إذا لم یکن کذلک کتلاوة القرآن المانعة عن أداء الشهادة فقال فی الأوّل بالإقتضاء و فی الثانی بعدمه ثانیهما قول الشیخ الفاضل البهائی و هو أنّ الأمر بالشی ء یقتضی عدم الأمر بضدّه الخاصّ دون النهی عنه فیبطل لمکان عدم الأمر و یأتی الکلام فیهما و فی دلیلهما ردّاً و قبولاً». و فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج 3، ص656: «و عن البهائی القول بأنّه یقتضی فی الضدّ الخاصّ عدم الأمر به، إلّا أنّ عبارته فی الزبدة لاتقضی بکونه مختاراً له علی سبیل الجزم، لأنّه قال- بعد ما زیف أدلّة القولین باقتضاء النهی و عدمه: "و لو أبدل النهی عن الضدّ الخاص بعدم الأمر به فیبطل لکان أقرب" نعم یظهر الجزم به من السید فی الریاض فی لباس المصلّی فی مسألة کون اللباس مغصوباً». و فی مفتاح الأحکام لملّا أحمد النراقی، ص117: «و من تلک المواضع الأمر بالشی ء فاختلفوا فی أنّه هل یستلزم النهی عن ضدّه أم لا؟ و الحقّ فیه أیضاً الإستلزام عقلاً باللزوم البین فی الضدّ العامّ و غیر البین فی الخاصّ ... و خالف هنا بعضهم فنفی اللزوم فی الخاصّ لأصالة عدمه و لانتفاء الدّلالات أمّا غیر الإلتزام فظاهر، و أمّا هو فلتوقّفها علی اللزوم البین و ثبوت شبهة الکعبی لأنّ کلّ مباح ضدٌّ لبعض الواجبات». و فی التعلیقة: «قال الفیض الکاشانی رحمه الله فی نقد الأصول: لنا علی عدم الإقتضاء لفظاً أنّه لو دلّ لکانت واحدة من الثلاث، و کلّها منتفیة، أمّا المطابقة و التضمّن فظاهر، و أمّا الإلتزام فلأنّ شرطها اللزوم العقلی أو العرفی، و نحن نقطع بأنّ تصوّر معنی صیغة الأمر لایحصل منه الإنتقال إلی تصوّر الضدّ الخاصّ فضلاً عن النهی عنه».

الوجه الأوّل علی الاقتضاء: المقدمیة

اشارة

الدلیل الأوّل علی الاقتضاء هو من جهة المقدّمیة.

ملخصه هو أنّ ترک أحد الضدّین مقدّمة لوجود الضدّ الآخر، فإذا فرضنا وجوب الضدّ الآخر فیجب وجود مقدّماته و ترک أحد الضدّین من مقدّماته، فإذن کان الترک واجباً، ثمّ إنّه إذا کان ترک فعل الضدّ واجباً فیکون نفس فعله حراماً و حیث إنّ أساس هذا الاستدلال هو أنّ ترک أحد الضدّین مقدّمة لوجود الضدّ الآخر فسمّی الاستدلال به الاستدلال من طریق المقدّمیة.

و بعبارة أخری إنّ العلّة التامّة مرکّبة من المقتضی و الشرط و عدم المانع فعلی هذا یکون عدم المانع من أجزاء العلّة التامّة و إنّ کلّاً من الضدّین یکون مانعاً عن الآخر فیکون ترک کلّ منهما من مصادیق عدم المانع بالنسبة إلی وجود الآخر فیکون عدم کلّ منهما مقدّمة لوجود الآخر.

ص: 28

تمهید فی ذکر أنظار الأعلام فی المقدمیة

قبل الورود فی بیان المناقشات لابدّ من ذکر خلاصة أنظار الأعلام فی المقدّمیة: (علی ما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله)).

القول الأوّل: المقدّمیة محققّة مطلقاً، بمعنی أنّ وجود أحد الضدّین مقدّمة لعدم الضدّ الآخر و عدم الضدّ الآخر أیضاً مقدّمة لوجود هذا الضدّ و هکذا بالعکس فإنّ عدم أحد الضدّین مقدّمة لوجود الضدّ الآخر و وجود الضدّ الآخر أیضاً مقدّمة لعدم أحد الضدّین (و هذا القول منسوب إلی الحاجبی و العضدی)((1)).

القول الثانی: إنکار المقدّمیة مطلقا -فی طرف الوجود و العدم کلیهما- فوجود الضدّ لیس مقدّمة لعدم الضدّ الآخر و أیضاً عدم الضدّ لیس مقدّمة لوجود الضدّ الآخر، و هذا القول مختار المحقّقین((2)).

ص: 29


1- فی مطارح الأنظار، ط.ق. ص108: «و ذهب الحاجبی و العضدی إلی التوقف من الطرفین حیث إنّهما ذکرا شبهة الکعبی الآتیة إن شاء الله و أجابا عنها بمنع وجوب المقدمة و هذا إعترافٌ صریحٌ بکون فعل أحد الأضداد مقدمة لترک الضدّ الآخر المحرم ثمّ لمّا جاءا فی بحث اقتضاء الأمر بالشی ء النهی عن ضده أجابا عن الدلیل المعروف الذی یأتی ذکره إن شاء الله بمنع وجوب المقدمة و هذا أیضا إعترافٌ بأنّ ترک أحد الضدین مقدمةٌ للآخر».
2- هذا قولٌ کثیرٌ من الأصولیین نذکر منهم أحد عشر و هم بحسب تاریخ الوفاة: العلّامة فی التهذیب و الشیخ البهائی و میر داماد و سلطان العلماء و الفاضل الجواد المحقق الکاظمی و المحقق السبزواری و السید یوسف القانئی و السید علی القزوینی و صاحب الکفایة و الشیخ علی القوچانی و صاحب عنایة الأصول. راجع إشارات الأصول، ص155؛ مطارح الأنظار، (ط.ج): ج 1، ص519 و ص535؛ بدائع الأفکار للمحقق الرشتی، ص372؛ وقایة الأذهان للشیخ محمدرضا النجفی، ص296؛ کفایة الأصول مع حواشی المشکینی، ج 2، ص15؛ عنایة الأصول، ج 1، ص422..

القول الثالث: التفصیل و القول بأن وجود أحد الضدّین مقدّمة لعدم الضدّ الآخر فعدم أحد الضدّین متوقّف علی وجود الضدّ الآخر.((1))

القول الرابع: التفصیل و القول بأن عدم أحد الضدّین مقدّمة لوجود الضدّ الآخر لا العکس و هذا مختار المشهور((2)).

ص: 30


1- قال فی فوائد الأصول، ص306: «و علیه یبتنی شبهة الکعبی من نفی المباح». فی مطارح الأنظار، ط.ق. ص108: «فالمذاهب مع مذهب الکعبی القائل بکون الفعل مقدمة للترک أربعة». و فی تعلیقة القوچانی، ج 1، ص311: «ثانیها: توقف الترک علی فعل الضد، کما عن الکعبی». و فی کفایة الأصول مع حواشی المشکینی، ج 2، ص15: «الثالث: مقدّمیة الفعل للترک نُقل عن الکعبی». و فی عنایة الأصول، ج 1، ص421: «الثالث التوقف من طرف العدم علی الوجود فعدم أحد الضدین یتوقف علی وجود الآخر دون العکس و هذا القول هو فی قبال المشهور منسوب إلی الکعبی القائل بانتفاء المباح و بمقدمیة أحد الأضداد الخاصة للتروک الواجبة کترک الزنا و ترک الخمر و ترک القمار و نحو ذلک من التروک فإذا وجب أحد هذه التروک للنهی عن فعلها وجب فعل أحد الأضداد الخاصة مقدمة للترک الواجب فإذا لا مباح».
2- فی مطارح الأنظار، ط.ق. ص108: «و المشهور بین المتأخرین من أصحابنا علی ما قیل و المتأخرین منهم کصاحب القوانین و الفصول و أخیه فی حاشیته علی المعالم إثبات التوقف من طرف الوجود دون العدم فقالوا بکون الترک مقدمة للفعل دون العکس حذراً من شبهة الکعبی المبنیة علی توقف الترک علی الفعل». و فی تعلیقة القوچانی علی کفایة الأصول: «أحدها: توقف الفعل علی الترک فقط کما نسب الی المشهور». و فی کفایة الأصول مع حواشی المشکینی: «الأقوال فی المسألة خمسة: الأوّل: ما هو المشهور من مقدّمیة ترک الضدّ لفعل الضدّ دفعاً و رفعاً دون العکس». و فی قوانین الأصول، ص108: «الثانیة أنّ ترک الضد مما یتوقف علیه فعل المأمور به لاستحالة وجود الضدین فی محل واحد فوجود أحدهما یتوقف علی انتفاء الآخر عقلاً فالتوقف عقلی و إن کان الضد شرعیا إذ المراد بعد فرضه ضدّا». و فی هدایة المسترشدین، ج 2، ص222 فی التعلیقة علی قوله: «أحدهما أنّ فعل الواجب»: «قد عرفت أنّ جلّ القائلین بدلالة الأمر بالشی ء علی النهی عن ضدّه الخاصّ أو کلّهم إنّما یقولون به من جهة الدلالة العقلیة بملاحظة قیام الدلیل العقلی القاطع علیه حسب ما صرّح به المفصّل المذکور، کما یقتضیه هذه الحجّة المقرّرة و هی عمدةُ حُجَجهم علی المسألة و المعوّل علیها کما ستعرف الحال فیها و تقریرها: أنّ ترک کلّ من الأضداد الخاصّة من مقدّمات حصول الواجب نظراً إلی استحالة اجتماع کلٍّ منها مع فعل الواجب فیکون مانعاً من حصولها و ترک المانع من جملة المقدّمات، و قد مرّ أنّ مقدّمة الواجب واجبةٌ فیکون ترک الضدّ واجباً و إذا کان ترکه واجبا کان فعله حراما و هو معنی النهی عنه و قد یورد علیه بوجوه [خمسة]» إلخ و یجیب عنها جمیعا. و فی الفصول الغرویة، ص94: «و الجواب قضیة تضاد الأفعال والأکوان أن یکون وجود کل فرد منها مشروطا بعدم الآخر فإنّ عدم الضد لمانعیته معتبرٌ فی وجود الضد الآخر بخلاف عدم فرد منها فإنّه لایعتبر فیه وجود الآخر و إنّما ذلک من لوازم وجود الموضوع علی ما مرّ التنبیه علیه سابقاً» إلخ.

القول الخامس: التفصیل و القول بأن العدم مقدّمة دون الوجود و لکن المقدّمیة محقّقة بالنسبة إلی الضدّ الموجود لا الضدّ المعدوم، فیکون عدم الضدّ فی ما إذا کان الضدّ موجوداً مقدّمة لوجود الضدّ الآخر. (و هذا التفصیل منسوب إلی المحقّق الخوانساری((1)) و کذا الشیخ الأنصاری((2)) (علیهما السلام))

ص: 31


1- و فی مطارح الأنظار، ط.ج. ج 1، ص517: «و یلوح من أستاذ الکلّ المحقّق الخوانساری تفصیلٌ آخر و هو توقّف وجود الضدّ المعدوم علی رفع الضدّ الموجود، و عدم توقّف رفعه علی وجود الآخر». راجع أیضاً ص530. و فی تعلیقة القوچانی علی کفایة الأصول: «رابعها: التفصیل ... ذهب الیه المحقق الخوانساری مع استظهار ذلک من المحقق الدوانی».
2- فی مطارح الأنظار، (ط.ج): ج 1، ص532: «هذه خلاصة مراده و هی خیر ما یقال فی هذا المقام، و لذا جنح إلیه الأستاذ- دام ظله المتعال- إلّا أنّها مع ذلک لاتخلو عن المناقشة، و الإشکال من وجوهٍ [ثلاثة]».
مناقشات فی الوجه الأوّل:
المناقشة الأُولی لصاحب الکفایة (قدس سره):
اشارة

إنّ الضدّین بینهما کمال المعاندة و المنافرة و أمّا بین أحد الضدّین و ما هو نقیض الآخر و بدیله فلامنافاة و لامنافرة، بل بینهما کمال الملاءمة، فوجود أحد الضدّین و نقیض الضدّ الآخر فی مرتبة واحدة.((1))

جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) و بعض الأساطین عن هذه المناقشة:

إنّ کمال الملاءمة بین أحد الضدّین و عدم الضدّ الآخر لایوجب اتحادهما فی المرتبة کما أنّ بین العلّة و المعلول کمال الملاءمة مع أنّ وجود المعلول و العلّة لایتحدان فی المرتبة فلابدّ من ملاک وجودی للمعیة فی الرتبة و لایکفی فیها انتفاء ملاک التقدم و التأخّر.

المناقشة الثانیة لصاحب الکفایة (قدس سره) أیضاً:

و هی النقض بالمتناقضین، فإنّ التنافر بینهما أشدّ من التنافر بین الضدّین مع أنّ العدم لیس مقدّمة للوجود (فی المتناقضین) و [هکذا بالعکس فإنّ الوجود أیضاً لیس مقدّمة للعدم]، بل ترک الوجود أیضاً لیس مقدّمة للعدم و لا بالعکس فعدم أحد النقیضین لیس مقدّمة للآخر و لذلک براهین مختلفة، منها أنّ اختلاف المرتبة بین النقیضین محال مع أنّ رتبة المقدّمة و ذی المقدّمة مختلفة.((2))

ص: 32


1- کفایة الأصول، ص130.
2- نفس المصدر.
المناقشة الثالثة لصاحب الکفایة (قدس سره) أیضاً:
اشارة

((1))

و هذا هو إشکال الدور المذکور فی هدایة المسترشدین.((2))

بیانه: إنّه لو اقتضی توقّف وجود الشیء علی عدم ضدّه توقّف الشیء علی عدم مانعه، لاقتضی توقف عدم الضدّ علی وجود الشیء توقف عدم الشیء علی مانعه. بداهة ثبوت المانعیة فی الطرفین و کون المطاردة من جانبین.

جواب المحقّق الخوانساری (قدس سره) عن الدور:

((3))

إنّ التوقّف من طرف الوجود فعلی بخلاف التوقف من طرف العدم فإنّه شأنی.

ص: 33


1- کفایة الأصول، ص130.
2- فی هدایة المسترشدین، ج 2، ص222 بعد ذکر الإستدلال علی الإقتضاء: «و قد یورد علیه بوجوه [خمسة]: أحدها المنع من کون ترک الضدّ من مقدّمات الفعل و إنّما هو من الأمور المقارنة له و لیس مجرّد استحالة اجتماع الضدّ مع أداء الواجب قاضیاً بکونه من موانع الواجب لیکون ترکه مقدّمة لفعله، فإنّ الأمور اللازمة للموانع ممّا یستحیل اجتماعها مع الفعل مع أنّها لیست مانعةً منه و لا ترکها مقدّمة لحصوله. و قد یحتجّ علی ذلک أیضا بوجوه [ثلاثة]: ... ثانیها: أنّه لو کان کذلک لزم الدور، فإنّه لو کان فعل الضدّ من موانع فعل الواجب کان فعل الواجب مانعا منه أیضا، ضرورةَ حصول المضادّة من الجانبین، و کما أنّ ترک المانع من مقدّمات حصول الفعل فکذا وجود المانع سبب لارتفاع الفعل فیکون فعل الواجب متوقّفا علی ترک الضدّ و ترک الضدّ متوقّفا علی فعل الواجب، ضرورة توقّف المسبّب علی سببه؛ غایة الأمر إختلاف جهة التوقّف من الجانبین فإنّ أحدهما من قبیل توقّف المشروط علی الشرط و الآخر من توقّف المسبّب علی السبب، و هو غیر مانع من لزوم الدّور. و یرد علی الأوّل ... و علی الثانی: أنّ وجود الضدّ من موانع وجود الضدّ الآخر مطلقا فلایمکن فعل الآخر إلّا بعد ترکه و لیس فی وجود الآخر إلّا شأنیة کونه سبباً لترک ذلک الضدّ، إذ لاینحصر السبب فی ترک الشی ء فی وجود المانع منه، فإنّ انتفاء کلٍّ من أجزاء العلّة التامّة علّة تامّة لترکه، و مع استناده إلی أحد تلک الأسباب لا توقّف له علی السبب المفروض حتّی یرد الدور» ثم یذکر إشکالات ثلاثة مع الجواب عنها.
3- علی ما نقل فی مطارح الأنظار، ص109؛ کفایة الأصول، ص130.

توضیحه: إنّ وجود الضدّ فی الخارج یکون بوجود علّته التامّة من المقتضی و الشرط و عدم المانع و توقف وجود المعلول علی جمیع أجزاء علّته من المقتضی و الشرط و عدم المانع فعلی.

أمّا عدم الضدّ فلایتوقف علی وجود الضدّ الآخر فعلاً بل یستند إلی عدم المقتضی له لا إلی وجود المانع و لعلّ وجود المقتضی له کان مستحیلاً لاحتمال أن یکون وجود أحد الضدّین و عدم الضدّ الآخر منتهیاً إلی تعلّق الإرادة الأزلیة بالضدّ الموجود وعدم تعلّقها بالضدّ المعدوم حسب ما اقتضته الحکمة البالغة الإلهیة فیکون عدم الضدّ دائماً مستنداً إلی عدم المقتضی لا إلی وجود المانع لیلزم الدور.

إن قلت: إنّ استناد عدم الضدّ إلی عدم المقتضی یکون فی ما إذا کانت الإرادة من شخص واحد، و أمّا إذا کان کلّ من الضدّین متعلّقاً لإرادة شخص، فأراد مثلاً أحد الشخصین حرکة شیء و أراد الآخر سکونه، فیکون المقتضی لکلّ منهما حینئذ موجوداً، فالعدم یکون مستنداً إلی وجود المانع.

قلت: إنّ عدم الضدّ فی هذه الصورة (أی صورة إرادة إیجاد الضدّین من شخصین) أیضاً مستند إلی عدم المقتضی، لأنّ إحدی الإرادتین مغلوبة و إذا کانت الإرادة مغلوبة فیصدق عدم المقتضی.

ثمّ إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) یعتقد بما أفاده المحقّق الخوانساری (قدس سره) فی دفع الدور و لکن یقول ببقاء ملاک الإشکال و لما کان هذا الإشکال غیر إشکال الدور فیندرج تحت عنوان المناقشة الرابعة.

المناقشة الرابعة لصاحب الکفایة (قدس سره) أیضاً:

إنّه یلزم تقدّم المتأخر و تأخر المتقدّم و هکذا یلزم أن یکون ما هو فی رتبة علّة

ص: 34

الشیء فی رتبة معلول ذلک الشیء و هذا یرجع إلی التناقض.((1))

توضیحه: إنّ الضدّ الموجود (مثل الإزالة) متوقف فعلاً علی عدم المانع (مثل عدم الصلاة) و معنی ذلک تقدم عدم الصلاة علی وجود الإزالة مثلاً.

ومن جانب آخر: إنّ عدم الصلاة مثلاً یصلح أن یکون متوقفاً علی الإزالة و بعبارة أُخری إنّ عدم الصلاة متوقف شأناً علی وجود الإزالة بمعنی أنّه إذا فرضنا وجود المقتضی و الشرط لوجود الصلاة فیصلح أن یکون الإزالة مانعاً عنها فیکون عدم الصلاة فی هذا الفرض مستنداً إلی وجود الإزالة و معنی ذلک هو تقدّم الإزالة علی عدم الصلاة.

فیکون عدم الصلاة متقدّماً علی وجود الإزالة و الإزالة متقدّماً علی عدم الصلاة و هذا مستحیل.

المناقشة الخامسة للمحقّق النائینی (قدس سره):
اشارة

إنّه یلزم فی فرض المقدّمیة أن یتحقّق اقتضاء وجود الضدّین فی آن واحد و لکنّه محال لأنّ ما هو محال وجوداً محال اقتضاءً.

بیان ذلک: إنّا فرضنا وجود السواد و مانعیته عن البیاض و فی هذا الفرض نقول: إنّ عدم البیاض مستند إلی وجود مانعه و هو السواد و معنی استناد عدم البیاض إلی وجود مانعه هو تحقّق مقتضی وجود البیاض و شرائطه و إلّا فلابدّ أن یستند عدم البیاض إلی عدم المقتضی أو عدم الشرط لأنّ رتبة المقتضی مقدم علی رتبة الشرط و رتبة الشرط مقدم علی رتبة عدم المانع حیث إنّ أجزاء العلّة التامّة بعضها مقدم علی بعض.

ص: 35


1- کفایة الأصول، ص131.

فحینئذ لزم وجود المقتضی للسواد لأنّه موجود فلابدّ أن یکون له المقتضی و أیضاً لزم وجود المقتضی للبیاض لأنّ عدم البیاض حسب الفرض مستند إلی وجود مانعه وعدم الشیء لایستند إلی وجود مانعه إلّا فی ما إذا کان لذلک الشیء مقتضٍ و شرط و معنی ذلک تحقّق اقتضاء وجود الضدّین و هو محال.

و هذا الاستدلال متوقّف علی مقدّمتین:

المقدّمة الأُولی: أن یکون أجزاء العلّة التامّة بعضها مترتباً علی بعض و بعبارة أُخری أن یکون المقتضی مقدّماً علی الشرط و هو مقدّماً علی عدم المانع.

المقدّمة الثانیة: أن یکون المحال وجوداً محالاً اقتضاءً و بعبارة أُخری أن یستحیل تحقّق اقتضاء للضدّین فلو قلنا بإمکان اقتضاء الضدّین یلزم انقلاب المحال إلی الممکن، فإنّ معنی وجود المقتضی للضدّین هو إمکان وجود الضدّین مع أنّ الضدّین یستحیل تحقّقهما فلابدّ أن یقال بعدم إمکان تحقّق المقتضی لکلا الضدّین فتحصّل من ذلک بطلان المقدّمیة لأنّها توجب تحقّق مقتضی الضدّین و هو محال.

جوابان عن هذه المناقشة:
الجواب الأوّل: من المحقّق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((1))

لامانع من ثبوت المقتضی لکلّ من الضدّین فی نفسه، مع قطع النظر عن الآخر و لا استحالة فیه، لأنّ کلّاً من المقتضیین إنّما یقتضی أثره فی نفسه مع عدم ملاحظة الآخر، فمقتضی البیاض مثلاً إنّما یقتضیه فی نفسه کما أنّ مقتضی السواد إنّما یقتضیه کذلک و إمکان هذا واضح و لانری فیه استحالة.

ص: 36


1- المحاضرات، ج3، ص14.

فإنّ المستحیل إنّما هو ثبوت المقتضی لکلّ من الضدّین بقید التقارن و الاجتماع لا فی نفسه، کما أنّ اقتضاء شیء واحد بذاته لأمرین متنافیین فی الوجود أیضاً محال و هذا مصداق قولنا: اقتضاء المحال محال.

برهان ذلک:

إنّه لولا ما ذکرناه من إمکان ثبوت المقتضی لکل منهما فی نفسه لم یمکن استناد عدم المعلول إلی وجود مانعه أصلاً، لأنّ أثر المانع کالرطوبة مثلاً لایخلو من فرضین:

الفرض الأوّل: أن یکون أثر المانع مضادّاً للمعلول (و هو الإحراق مثلاً)

الفرض الثانی: أن لایکون أثر المانع مضادّاً له.

أمّا علی الفرض الأوّل فیستحیل ثبوت المقتضی للمعلول لیکون عدمه مستنداً إلی وجود مانعه، لفرض وجود ضدّه و هو أثر المانع و قد سبق أنّ عند وجود أحد الضدّین یستحیل ثبوت المقتضی للآخر فیکون عدمه من جهة عدم المقتضی لا من جهة وجود المانع مع ثبوت المقتضی له.

و علی الفرض الثانی لا موجب لکونه مانعاً عنه لعدم مضادّته له.

فتحصّل من هذا البیان: أنّه إذا قلنا بإمکان استناد عدم المعلول إلی وجود مانعه فلابد أن نلتزم بثبوت المقتضی لکلا الضدّین فی نفسه.

و تصویر ثبوت المقتضی لکلا الضدّین و استناد عدم المعلول إلی وجود المانع یظهر فی هذا المثال: إذا فرض وجود المقتضی لحرکة شیء إلی طرف المشرق و فرض أیضاً وجود المقتضی أیضاً لحرکته إلی طرف المغرب فکل من المقتضیین إنّما یقتضی الحرکة فی نفسه إلی کلّ من الجانبین مع عدم ملاحظة الآخر.

ص: 37

فعندئذ کان تأثیر کلّ واحد منهما فی الحرکة إلی جانب خاصّ متوقّفاً علی عدم المانع منه فإذا وجدت إحدی الحرکتین دون الأُخری فلامحالة یکون عدم هذه مستنداً إلی وجود الحرکة الأُولی لا إلی عدم مقتضیها، فإنّ المقتضی لها موجود علی الفرض و لولا المانع لکان یؤثر أثره و لکن المانع هو وجود تلک الحرکة و یزاحمه فی تأثیره.

و منشأ غفلة المحقّق النائینی (قدس سره) عن ذلک هو تخیل أنّ المقام من موارد الکبری المتسالم علیها و هی أنّ اقتضاء المحال محال، مع أنّ المقام أجنبی عنه فإنّ اقتضاء المحال إنّما یتحقّق فی موردین:

المورد الأوّل: ما إذا

کان هناک شیء واحد یقتضی بذاته أمرین متنافیین فی الوجود.

المورد الثانی: ما إذا فرض هناک ثبوت المقتضی لکل من الضدّین بقید الاجتماع و التقارن.

ولکن مقام البحث أجنبی عنهما بل هناک مقتضیان لکل واحد منهما مقتضٍ فی نفسه بلا ارتباط له بالآخر (أی من دون تقیید بالاجتماع و التقارن).

الجواب الثانی: من بعض الأساطین (حفظه الله)
الإیراد النقضی:

إنّ لازم ما أفاده هو إنکار مانعیة جمیع الموانع و إبطال الأصل المسلّم الذی هو أنّ عدم المانع من أجزاء العلّة التامّة.

بیانه: إنّ مانعیة المانع لایتصور إلّا فی ما إذا کان بنفسه مانعاً أو فی ما إذا کان بأثره مانعاً و أمّا إذا لم یمنع بنفسه و لا بأثره فلا معنی للمنع و لایبقی مجال للتضادّ.

ص: 38

و إن کان مضاداً بنفسه فتثبت مقدّمیة عدم الضدّ و عدم المانع حینئذ مقدّمة.

و إن کان مضادّاً بأثره و الأثر ضدّ للممنوع و لابدّ حینئذ من أن یکون للمانع مقتضی الوجود فیکون لأثره أیضاً مقتضی الوجود.

و قد قلنا سابقاً: إنّ مانعیة المانع تتوقّف علی وجود المقتضی للممنوع و إلّا فمع عدم المقتضی للممنوع لاتصل النوبة إلی مانعیة المانع.

و نتیجة ذلک هو تحقّق المقتضی لأثر المانع و لوجود الممنوع فثبت تحقّق المقتضی للضدّین.

و بالنتیجة لازم ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) أحد الأمرین:

إمّا إنکار مانعیة المانع و القول بأنّ عدم المانع لیس من المقدّمات و هذا خلاف الضرورة العلمیة و إمّا أن نقول بوجود المقتضی للضدّین.

و بعبارة أُخری:

إن کان المانعیة موجودة فالمقتضی للضدّین أیضاً موجود و إن قلنا بعدم المقتضی للضدّین فلا مانعیة بین الضدّین.

الإیراد الحلّی:

إنّ کلامه مشتمل علی الصغری و الکبری.

أمّا الکبری فهو أنّ اقتضاء المحال محال و هذه الکبری غیر قابل للنقاش لأنّ لازم اقتضاء المحال هو أنّه کان قابلاً للوجود و هذا خروج عن المحالیة الذاتیة و خلف.

و أمّا الصغری و هی أنّه یلزم من مقدّمیة أحد الضدّین للضدّ الآخر الاقتضاء المحال.

ص: 39

و الاستحالة الذاتیة هنا فی اجتماع الضدّین، فإنّ وجود کل واحد من الضدّین لیس بمحال بل الاستحالة فی الجمع بین وجودی الضدّین، فالمقتضی لکلّ من الضدّین فی نفسه لیس بمحال بل المحال هو اقتضاء الجمع بین الضدّین.

فإنّ کل ما له اقتضاء الوجود (المقتضی) له وجودان بالفعل و بالقوة و التمانع بین الضدّین إنّما هو فی الوجود الفعلی منهما، أمّا الوجود بالقوة منهما فلا تضادّ و لا تمانع فیه و بعبارة أُخری: إنّ التضادّ بین الوجود الفعلی منهما لا بین المقتضی لهذا الضدّ و المقتضی للضدّ الآخر، لأنّه لا تضادّ بین الموجودین بالقوة.

و هذا المطلب جار فی جمیع العلل الطبیعیة.

المناقشة السادسة: ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) أیضاً
اشارة

((1))

و هذه المناقشة تتشکل من ثلاثة أُمور:

الأمر الأوّل: إنّ وجود الضدّین فی مرتبة واحدة.

الأمر الثانی: إنّ نقیض الشیء فی رتبة نفس هذا الشیء فتثبت وحدة الرتبة بین النقیضین.

الأمر الثالث: (و هی نتیجة الأمرین الأوّلین) إنّ نقیض کل ضدّ هو فی رتبة الضدّ الآخر.

فإذا کان نقیض کل ضدّ متّحداً مع الضدّ الآخر فی الرتبة فتبطل المقدّمیة لأنّ المقدّمة و ذیها لابدّ أن یختلفا فی الرتبة.

ص: 40


1- أجود التقریرات، ج2، ص16.
جواب المحقّق الخوئی (قدس سره):

((1))

«إنّ التقدّم و التأخّر بین شیئین إذا کانا بالزمان، فکلّ ما هو متّحد مع المتقدّم فی الزمان متقدّم علی المتأخر لامحالة، کما أنّ مقارن المتأخر متأخّر عن المتقدّم بالضرورة.

و أمّا إذا کان التقدّم و التأخّر بلحاظ الرتبة دون الزمان، فلا استحالة فی کون شیء متقدّماً علی شیء و لایکون متقدّماً علی ما هو متّحد مع المتأخر فی الرتبة، کما لا استحالة فی تأخّر شیء عن شیء و عدم تأخّره عمّا هو متّحد مع المتقدّم فی الرتبة.

و الوجه فی ذلک أنّ التقدّم فی الرتبة لابدّ من أن یکون ناشئاً من ملاک موجب له و لتأخّر المتأخر، فکل ما لایکون فیه الملاک لایعقل فیه التقدّم و التأخّر ... لکن عدم المعلول الذی هو فی مرتبة وجوده، غیر متأخّر عن وجود العلّة، لعدم تحقّق ملاک التأخّر فیه ... فعدم المعلول متّحدٌ فی الرتبة مع وجود المعلول و مع وجود علّته، کما أنّ عدم العلّة متّحد رتبةً مع وجود العلّة و وجود معلولها.

و علی ذلک فعدم أحد الضدّین و إن کان فی رتبة وجوده المتّحد مع وجود الآخر فی المرتبة إلّا أنّه لاینافی کونه فی رتبة سابقة علی وجود الآخر لتحقّق ملاک التقدّم و التأخّر فیهما و عدم تحقّق ملاکهما فی عدم کل منهما بالإضافة إلی وجوده و لا فی وجود کل منهما بالإضافة إلی وجود الآخر.»

و هذا الکلام مأخوذ من عبارة أُستاذه المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی نهایة الدرایة.((2))

ص: 41


1- تعلیقة أجود التقریرات، ج2، ص16 و راجع أیضاً المحاضرات، ج3، ص21 – 22.
2- نهایة الدرایة، ج2، ص181 - 182.
المناقشة السابعة: ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ عدم الضدّ إنّما یستند إلی وجود مقتضی الآخر المزاحم لمقتضیه فی التأثیر المساوی له فی القوّة أو الأقوی منه فلایستند عدم أحد الضدّین إلی وجود الآخر أبداً، فیستحیل کون أحد الوجودین مانعاً من الآخر، فیکون توقّف وجود الشیء علی عدم ضدّه محالاً.

بیان المحقق الخوئی (قدس سره):

إنّ المقتضیین الموجودین فی عرض واحد لایخلوان من أن یکونا متساویین فی القوّة أو أن یکون أحدهما أقوی من الآخر.

أمّا علی الأوّل (أی کونهما متساویین فی القوّة) فلایوجد شیء من الضدّین لاستحالة تأثیر کل منهما أثره مع الآخر و تأثیرُ أحدهما المعین فیه دون الآخر ترجیح من دون مرجّح أو خلف إن فرض له مرجّح و من ذلک یعلم أنّ المانع من وجود الضدّ مع فرض ثبوت مقتضیه إنّما هو وجود المقتضی للضدّ الآخر لا نفس وجود الضدّ فیکون عدم کل من الضدّین مستنداً إلی وجود المقتضی للضد الآخر لا إلی نفسه.

أمّا علی الثانی فیؤثر القوی فی مقتضاه و یکون مانعاً عن تأثیر المقتضی الضعیف و الضعیف لایمکن أن یکون مانعاً من القوی فنفس وجود القوی موجب لفقد شرط من شرائط الضعیف و هو عدم المزاحم فإنّه شرط تأثیره و مصححّ فاعلیته، فیکون عدم القوی شرطاً لتأثیر الضعیف و وجوده مانعاً عنه فالمانع هو الإرادة القویة الغالبة.

ص: 42


1- أجود التقریرات، ج2، ص16؛ و تبعه المحقّق الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات، ج3، ص17.

(و الفرق بین تقریر المحقّق النائینی (قدس سره) و تقریر المحقّق الخوئی (قدس سره) هو أنّ المحقّق النائینی (قدس سره) یری عدم إمکان وجود المقتضیین للضدّین و لکن المحقّق الخوئی (قدس سره) یری إمکان المقتضیین لکل من الضدّین فی نفسه کما مضی ذیل بیان الإیراد علی المناقشة الخامسة).

المناقشة الثامنة: ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّه (قدس سره) قال أوّلاً بتسلیم مقدّمیة عدم الضدّ لوجود الضدّ الآخر بنحو التقدّم بالطبع و قال:

«إلا أنّه مع ذلک لایجدی الخصم شیئاً، إذ لیس کل متقدّم بالطبع یجب بالوجوب المقدّمی کما عرفت فی أجزاء الواجب، فإنّ الجزء له التقدّم الطبعی لکنّه حیث لا وجود للأجزاء بالأسر وراء وجود الواجب النفسی فلا معنی لإیجابها بوجوب غیری زیادة علی وجوبها النفسی و کذا فی عدم الضدّ الموقوف علیه وجود ضدّه.

أمّا فی العدم الأزلی، فإنّ البعث کافٍ فی تحصیله، لأنّه لایوجد إلّا و شرطه متحقّق و هو عدم ضدّه، و لایکون وجوده موقوفاً خارجاً علی تحصیل عدم ضدّه، بخلاف المقدّمات المباینة تحقّقاً لذیها.

أمّا فی العدم الطارئ فإن کان المأمور به ممّا یتحقّق بمجرد الإرادة کالأعراض القائمة بالأشخاص من الإزالة و الصلاة، فوجود الإرادة (و هی مقتضی الإزالة) مساوق لعدم إرادة الصلاة و لو کان فی أثنائها، فعدم الصلاة و رفع الید عنها لایحتاج إلی تسبیب.

ص: 43


1- نهایة الدرایة، ج2، ص186.

و إن کان المأمور به لایتحقّق بمجرد الإرادة، کما إذا أمر بإیجاد البیاض فی محلّ أسود، فإنّ إرادة وجود البیاض و عدم إرادة بقاء السواد لایکفی فی زوال السواد، فلامحالة یجب رفعه و حیث إنّ حک السواد أو غسله أمر وجودی لایؤثّر فی العدم (عدم السواد) بل ملازم له، لانتقال السواد بانتقال الأجزاء الصغار القائم بها فیوجب الحک أو الغسل حرکتها من مکان إلی مکان و هی ملازمة لعدم السواد فی المحلّ، فلامحالة لایجب الحک أو الغسل لعدم المقدّمیة.

تحقیق المحقق الإصفهانی (قدس سره):

قال (قدس سره): و التحقیق یقتضی طوراً آخر من الکلام و قال فی هذا التحقیق بعدم مقدّمیة ترک أحد الضدّین للضدّ الآخر فإنّ علل الشیء أربع: اثنتان منها من علل الوجود و اثنتان منها من علل القوام.

أمّا علل الوجود:

الأوّل: العلّة الفاعلیة و هی ما منه الوجود و الثانی: العلّه الغائیة و هی ما لأجله الوجود

أمّا علل القوام:

الأوّل: العلّة المادیة و الثانی: العلّة الصوریة.

أمّا الشرائط فهی لیست برأسها من العلل و هی علی قسمین:

القسم الأوّل: ما یؤخذ فی جانب العلّة الفاعلیة فیکون من مصحّحات فاعلیة الفاعل فیکون المقتضی المقترن بکذا تامّ الفاعلیة.

القسم الثانی: ما یؤخذ فی جانب المعلول فیکون من متمّمات قابلیة القابل فیکون المحلّ المتقید بکذا قابلاً لأثر العلّة الفاعلیة.

ص: 44

فنقول: إنّ عدم الضدّ لیس من علل الضدّ الآخر لأنّ الوجود لایترشح من العدم.

بیانه: إنّ عدم الضدّ لیس فاعلاً للضّد الآخر فإنّ العلّة الفاعلیة للضدّ الآخر هو مقتضی وجود ذلک الضدّ.

و عدم الضدّ لیس علّة غائیة أیضاً للضدّ الآخر لأنّ العلّة الغائیة منشأ للفاعلیة کما قال صدر المتألهین (قدس سره) ((1)):

إنّ کل واحد من الفاعل و الغایة سبب للآخر من جهة فالفاعل من جهة سبب للغایة و کیف لا؟ و هو الذی یحصّلها فی الخارج، و الغایة من جهة سبب للفاعل و کیف لا؟ و هی التی یفعل الفاعل لأجلها، و لذلک إذا قیل لک: لم ترتاض؟ فتقول: لأصحّ و إذا قیل: لم صححت؟ فتقول: لأنّی ارتضت، فالریاضة سبب فاعلی للصحّة و الصحّة سبب غائی للریاضة، و الفاعل علّة لوجود ماهیة الغایة فی العین لا لکون الغایة غایة و لا لماهیتها، و الغایة علّة لکون الفاعل فاعلاً.

و عدم الضدّ لایکون منشأ للفاعلیة و عدم الضدّ لایکون جنساً و لا فصلاً حتی یکون من علل القوام فلایکون علّة مادیة و لا علّة صوریة، فلابدّ أن یکون من الشرائط.

أمّا عدم الضدّ فلایکون مصححاً لفاعلیة الضدّ الآخر لأنّ الضدّ لیس فاعلاً حتی تکون تمامیته موقوفة علی عدم ضدّة، بل الضدّ مفعول لعلّته و سببه، فلو کان عدم الضدّ دخیلاً فی فاعلیة الفاعل لکان دخیلاً فی تمامیة سبب ضدّه (لأنّ

ص: 45


1- فی الأسفار، ج2، ص129.

الضدّ لیس فاعلاً بل الفاعل هو سبب الضدّ) فیخرج عن المبحوث عنه، لأنّ الکلام فی مقدّمیة عدم الضدّ لوجود ضدّه حتی یجب بوجوبه، لا مقدّمیته لسبب ضدّه.

و یمکن هنا أن یستدلّ القائل بالمقدّمیة بأنّه یکفی کون عدم الضدّ مقدّمة لسبب ضدّه لأنّا لانرید أزید من مقدّمیته للضدّ الآخر و لو کان بمقدّمیته لسببه.

إیرادان علی هذا التحقیق:

((1))

أوّلاً: إنّه ربّما لایکون سبب ضدّه فعلاً اختیاریاً حتی یکون واجباً فیجب مقدّمة السبب أیضاً، کما فی ترک الصلاة بالإضافة إلی الإزالة التی توجد بالإرادة فلو فرض دخل ترک الصلاة فی تأثیر الإرادة فی الإزالة لم یکن مثل هذا الدخیل واجباً حیث لا تکلیف بالإرادة بل بالإزالة الإرادیة.

ثانیاً: إنّ عدم الضدّ بنفسه لیس مصححاً لفاعلیة سبب الضدّ، إذ لیس الضدّ فی مرتبة سبب ضده و هذا ینافی ما سبق من أن عدم المعلول قد یکون فی مرتبة العلّة حتی یکون عدمه دخیلاً لکون وجوده مانعاً بل المانع المزاحم لسبب الضدّ هو سبب الضدّ الآخر و إن کان منشأ تزاحم السببین تضادّ المسببّین.

أمّا عدم الضدّ فلایکون متمّماً لقابلیة القابل، فإنّ المحلّ إمّا أن یلاحظ من حیث قبوله لکلا الضدّین معاً و إمّا أن یلاحظ من حیث قبوله لکل منهما بما هو.

أمّا المحلّ من الحیثیة الأُولی فغیر قابل لکلا الضدّین معاً و عدم القابلیة من ذاتیات المحل، و أمّا من الحیثیة الثانیة فقابل لکلّ منهما بما هو، فالمحل المشغول بالضدّ لایقبل ضدّاً آخر معه، لا ضدّاً آخر بدلاً عنه و قائماً مقامه.

ص: 46


1- نهایة الدرایة، ج2، ص189.

و الحیثیة الأُولی محال فلایمکن تتمیم قابلیة المحل و الحیثیة الثانیة ممکن لا نقص فی قابلیّته کی تتمّ.

إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) علی هذا التحقیق:

((1))

إن کان المراد من قابلیة المحلّ لأحدهما هو الأحد المردّد فهذا غیر معقول لأنّ المردّد لا ذات له و لا وجود، فالمراد هو الأحد الواقعی.

ثمّ إنّ المحلّ القابل لأحد الضدّین لایکون مهملاً بالنسبة إلی الضدّ الآخر لأنّ الإهمال فی الواقعیات محال.

فالمحل القابل لأحد الضدّین إمّا أن یکون مشروطاً بوجود الضدّ الآخر و هذا محال لأنّه یستلزم اجتماع الضدّین و إمّا أن یکون لا بشرط بالنسبة إلی الضدّ الآخر و هذا یستلزم إمکان اجتماعه مع الضدّ الآخر فیلزم اجتماع الضدّین و هذا أیضاً محال، و إمّا أن یکون بشرط لا بالنسبة إلی الضدّ الآخر فیکون عدم الضدّ الآخر شرطاً و مقدّمة له.

الجواب عن هذا الإیراد:

إنّ المحلّ قابل لأحد الضدّین فی ظرف عدم الضدّ الآخر و لیس قابلاً لأحد الضدّین المقید بعدم الآخر لأنّه لا معنی لتقیید المقبول بعدم ضدّه کما قال فی هامش نهایة الدرایة:((2))

إذا کان عدم الضدّ ملحوظاً فی أصل قابلیة القابل کان مفروض الثبوت [لأنّه یکون شرطاً للضدّ الأوّل و کل شرط فهو مفروض الوجود للمشروط] مع أنه

ص: 47


1- تحقیق الأصول، ج3، ص144.
2- نهایة الدرایة، ج2، ص188.

غیر معقول، إذ المحل لایتأثّر إلّا بنفس البیاض لا البیاض المتقید بعدم السواد فلایکون قابلیته إلّا بالإضافة إلی ما یتأثّر به، و بعد خروج عدم السواد عن مرحلة القابلیة و انّ المحلّ قابل لذات المقبول - و هو البیاض مثلاً- فلا نقص حتی یحتاج إلی تتمیمه فی مرحلة الفعلیة.

المناقشة التاسعة:

و هی البیان الذی أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) تقریراً للمناقشة الأُولی التی أفادها صاحب الکفایة (قدس سره) ((1))و حیث إنّ ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) کان دلیلاً مستقلاً -لأنّه یبتنی علی استحالة اجتماع الضدّین بخلاف بیان صاحب الکفایة (قدس سره) فی المناقشة الأُولی فإنّ أساسه علی کمال الملاءمة بین الضدّ و نقیض الضدّ الآخر، و بینهما بون- أفردناه بالذکر.

و توضیح هذه المناقشة هو أنّ الضدّین یستحیل تحقّقهما و وجودهما فی زمان واحد و فی محل واحد و کذلک یستحیل تحقّقهما فی محلّ واحد و فی مرتبة واحدة و لذا کان عدم أحدهما فی کل مرتبة و فی کل زمان ضروریاً، و إلّا یلزم ارتفاع النقیضین فی المرتبة بأن لایکون وجوده فی تلک المرتبة و لا عدمه.

ص: 48


1- راجع المحاضرات، ج3، ص20.
التفصیل فی المقدمیة:
اشارة

و هذا التفصیل منسوب إلی المحقّق الخوانساری و الشیخ الأنصاری (قدس سرهما) .

بیانه: إنّ عدم الضدّ الموجود مقدّمة لوجود الضدّ الآخر المعدوم و توضیحه هو أنّ المحلّ إذا تحقّق فیه أحد الضدّین لایکون قابلاً للضدّ الآخر و لذا تحقّقُ الضدّ الآخر فی هذا المحلّ مشروط بارتفاعِ الضدّ الموجود و عدمِه و هذا معنی مقدّمیة عدم الضدّ الموجود لوجود الضدّ الآخر. و أمّا إذا کان المحلّ مجرّداً عن الضدّین فهو قابل لکلّ منهما من دون اشتراط بعدم الضدّ الآخر.

تحقیق بعض الأساطین (حفظه الله) فی ردّ هذا التفصیل:

((1))

إنّ جماعة((2)) قد ذهبوا إلی أن مناط حاجة الممکنات إلی العلّة هو الحدوث و

ص: 49


1- تحقیق الأصول، ج3، ص148.
2- فی بحار الأنوار، ج54، ص256 - 258: «إعلم أنّ علة الحاجة إلی المؤثر حینئذ یمکن أن تکون هی الإمکان... و یمکن أن تکون علة الحاجة إلی المؤثر هی الحدوث أو الإمکان بشرط الحدوث و قد ذهب إلی کل منها جماعة و أحد الأخیرین هو الظاهر من أکثر الأخبار کما أومأنا إلیه فی بعضها و منها حدیث الرّضا علیه السلام فی علة خلق السماوات والأرض فی ستة أیام» إلخ. و فی نهایة الحکمة، المرحلة الرابعة فی مواد القضایا وانحصارها فی ثلاث، الفصل السادس فی حاجة الممکن إلی العلة و أنّ علة حاجته إلی العلة هو الإمکان دون الحدوث، ص79: «و هل علة حاجته إلی العلة هی الإمکان أو الحدوث؟ قال جمعٌ من المتکلمین بالثانی» إلخ. و فی تعلیقة المحقق علی قوله «قال جمع من المتکلمین»: «نسبه إلیهم فی شرح المقاصد و کشف الفوائد و نسبه الشیخ الرئیس إلی ضعفاء المتکلمین فی النجاة و نسبه اللاهیجی إلی قدماء المتکلمین فی الشوارق و کذا العلّامة فی أنوار الملکوت و نسبه صدر المتألهین إلی قوم من المتسمین بأهل النظر و أولیاء التمیز فی الأسفار و نسبه ابن میثم إلی أبی هاشم من المتکلمین فی قواعد المرام فی علم الکلام فالمراد من قوله: "جمعٌ من المتکلمین" هو قدماء المتکلمین و أمّا المتأخرون منهم فذهبوا إلی خلاف ذلک».

فی قبالهم قال المحقّقون((1)): إنّ المناط هو الإمکان، بمعنی أنّ المعلول الممکن

ص: 50


1- فی قواعد المرام فی علم الکلام لابن میثم البحرانی، القاعدة الثانیة (فی أحکام کلیة للمعلومات)، البحث التاسع (فی خواص الممکن لذاته)، ص48: «الثالثة علة حاجة الممکن إلی المؤثر هی إمکانه وعند أبی هاشم هی الحدوث و عند أبی الحسین البصری هی المرکب منهما و عند الأشعری الإمکان بشرط الحدوث لنا وجهان» إلخ. و فی کشف المراد (تحقیق الآملی)، ص77 – 78، المسألة التاسعة و العشرون فی علة الإحتیاج إلی المؤثر: «قال: و إذا لحظ الذهن الممکن موجودا طلب العلة و إن لم یتصور غیره و قد یتصور وجود الحادث فلایطلبها ثمّ الحدوث کیفیة الوجود فلیس علة لما یتقدم علیه بمراتب. أقول: إختلف الناس هنا فی علة إحتیاج الأثر إلی مؤثّره فقال جمهور العقلاء: إنّها الإمکان لا غیر، و قال آخرون: إنّها الحدوث لا غیر، و قال آخرون: هما معاً و الحقّ الأوّل لوجهین». و فی مجمع الفائدة، ج13، ص347: «إنّ علة الإحتیاج هو الإمکان لا الحدوث کما حُقّق فی محله». و فی الحکمة المتعالیة، ج2، ص206 – 207، المرحلة الأولی فی الوجود و أقسامه الأولیة و فیها مناهج، المنهج الثانی فی أصول الکیفیات و عناصر العقود و خواص کل منها، فصلٌ فی أنّ علة الحاجة إلی العلة هی الإمکان فی الماهیات و القصور فی الوجودات: «إنّ قوماً من الجدلیین المتسمّین بأهل النظر و أولیاء التمییز العارین عن کسوة العلم و التحصیل کان أمرهم فُرُطاً و تجشّموا فی إنکارهم سبیل الحق شططا و تفرقوا فی سلوک الباطل فرقا فمنهم من زعم أنّ الحدوث وحده علة الحاجة إلی العلة و منهم من جعله شطرا داخلا فیما هو العلة و منهم من جعله شرطا للعلة و العلة هی الإمکان و منهم من یتأهب للجدال بالقدح فی ضرورة الحکم الفطری المرکوز فی نفس الصبیان بل المفطور فی طباع البهیمة من الحیوان الموجب لتنفره عن صوت الخشب و العیدان و الصوت و الصولجان و کلامهم کله غیر قابل لتضییع العمر بالتهجین و تعطیل النفس بالتوهین لکن نفوس الناس و جمهور المتعلمین متوجهة نحوه طائعة الیه فنقول: ألیس وجوب صفة مّا و امتناعها بالقیاس إلی الذات یغنیان الذات عن الإفتقار إلی الغیر و یحیلان إستنادها الیه بحسب تلک الصفة؟! فلو فرض کون الحدوث مأخوذا فی علة الحاجة شرطا کان أو شطرا کان إنّما یعتبر و یؤخذ فیما هو ممکن للذات لا واجب أو ممتنع فقد رجع الأمر أخیراً إلی الإمکان وحده و هو الخلف. و بسبیلٍ آخر» إلخ. و راجع گوهر مراد، ط. مؤسسة الإمام الصادق، مقاله دوم، باب اول، فصل6، ص230. و فی الفصول الغرویة، ص232 - 233: «أُجیب عن الأوّل ... لما تحقّق فی محله من أنّ الممکن الباقی یحتاج فی بقائه أیضا إلی العلة لأنّ علة الحاجة هی الإمکان دون الحدوث». و فی تحفة الحکیم، ص26 عند ذکر مباحث خاصة بالإمکان: «و علة الحاجة فی الماهیة * إمکانها و هکذا الهویة و لیس للحدوث من علیة * فإنّه کیفیة الإنّیّة» إلخ. و فی تعلیقة العلّامة الشعرانی علی شرح أصول الکافی، ج4، ص171: «قد بینّا مراراً أنّ علة إحتیاج الممکن إلی العلة هی الإمکان دون الحدوث». و فی بدایة الحکمة، المرحلة الرابعة، الفصل الثامن فی حاجة الممکن إلی العلة، و ما هی علة إحتیاجه إلیها؟، ص66: «و هل علة حاجة الممکن إلی العلة هی الإمکان أو الحدوث؟ الحقّ هو الأول و به قالت الحکماء» ثم یذکر برهانین. و فی نهایة الحکمة، المرحلة الرابعة فی مواد القضایا و انحصارها فی ثلاث، الفصل السادس فی حاجة الممکن إلی العلة و أنّ علة حاجته إلی العلة هو الإمکان دون الحدوث، ص79: «و هل علة حاجته إلی العلة هی الإمکان أو الحدوث؟ قال جمعٌ من المتکلمین بالثانی و الحقّ هو الأول و به قالت الحکماء» ثم یذکر برهانین.

یحتاج إلی العلّة حدوثاً و بقاءً((1)).

فلو کان المناط هو الحدوث فیتمّ التفصیل الذی ذکره المحقّق الخوانساری (قدس سره) و الوجه فی ذلک هو أنّ الضدّ الموجود بعد حدوثه لایحتاج إلی المقتضی و لذا یکون مقتضیه معدوماً و الضدّ المعدوم یکون مقتضیه موجوداً بحسب الفرض فیکون عدم وجوده مستنداً إلی وجود الضدّ الموجود لا إلی مقتضی الضدّ الموجود لفرض انتفاء مقتضیه بعد حدوثه، و معنی ذلک مقدّمیة عدم الضدّ الموجود لوجود الضدّ المعدوم.

ص: 51


1- قد عرفت أنّ فی مسألة علة إحتیاج الممکن إلی العلة أقوالاً: 1- الإمکان 2- الحدوث 3- الإمکان و الحدوث معاً 4- الإمکان بشرط الحدوث. و هنا قولً خامسً ففی تعلیقة علی نهایة الحکمة، ص97: «و قد وقع الخلاف بین الفلاسفة و المتکلمین فی تعیین مناط الحاجة ... و قال صدر المتألهین فی موضع من الأسفار بعد الإشارة إلی هذا الإختلاف ما لفظه: "ألحقّ أنّ منشأ الحاجة إلی السبب لا هذا و لا ذاک بل منشؤها کون الشیء تعلّقیا متقوّما بغیره مرتبطا إلیه" و هذا هو الذی یعبر عنه بالإمکان الفقری أو الوجودی».

و إن کان المناط هو الإمکان فلایتمّ لأنّ المقتضی للضدّ الموجود یجب وجوده بقاءً و لذا یکون التمانع بین مقتضی الضدّین فلیس وجود الضدّ الموجود مانعاً عن الضدّ الآخر حتی یکون عدم الضدّ الموجود مقدّمة لتحقّق الضدّ الآخر.

و الحقّ هو ما ذهب إلیه المحقّقون من أنّ مناط حاجة المعلول إلی العلّة هو الإمکان لا الحدوث و بذلک یظهر بطلان التفصیل المنسوب إلی المحقّق الخوانساری و الشیخ (قدس سرهما).

فتحصل من ذلک بطلان القول الأوّل (المنسوب إلی الحاجبی و العضدی و هو المقدّمیة مطلقاً) و القول الرابع (و هو مختار المشهور و هو مقدّمیة عدم أحد الضدّین للضدّ الآخر) و القول الخامس (و هو تفصیل المحقّق الخوانساری1) أمّا القول الثالث (و هو التفصیل المنسوب إلی الکعبی بأن کان وجود أحد الضدّین مقدّمة لعدم الضدّ الآخر) أیضاً فظاهر البطلان فلانطیل الکلام بذکرها فثبت القول الثانی و هو بطلان المقدّمیة مطلقاً.

ص: 52

الوجه الثانی علی الاقتضاء: الملازمة

اشارة

و هذا الدلیل یتشکّل من مقدّمتین: الصغری و الکبری.

أمّا الصغری فهی أنّ وجود الضدّ ملازم لترک الضدّ الآخر و هذه المقدّمة تتکفّل بیان ثبوت الملازمة بین وجود الشیء و عدم ضدّه.

و أمّا الکبری فهی أنّ المتلازمین لایختلفان فی الحکم فإذا کان أحد الضدّین واجباً فیکون ترک الآخر أیضاً واجباً، و إلّا یلزم تخالفهما فی الحکم.

أمّا الدلیل علی الصغری فهو أنّه إذا فرضنا وجود أحد الضدّین فلو قلنا حینئذ بجواز وجود الضدّ الآخر یلزم اجتماع الضدّین و هو محال.

و أمّا الدلیل علی الکبری فلأنّ المتلازمین لو اختلفا فی الحکم فإمّا یکون الحکم الآخر هی الحرمة فیلزم التکلیف بالمحال و طلب المتناقضین و هو محال بالنسبة إلی الشارع الحکیم، و إمّا یکون الحکم الآخر هو الاستحباب أو الکراهة أو الإباحة فحینئذ یلزم التناقض فی لوازم حکم الشارع و بحسب العقل، لأنّ معنی الأمر بالشیء هو أنّ الشارع لایرخص فی ترک ذلک و هکذا العقل و معنی استحباب ملازمه أو کراهته أو إباحته هو أنّ الشارع یرخص فی ترکه و هکذا العقل و هذا تناقض بین لوازم الحکم الشرعی و تناقض فی حکم العقل و هو محال فالمتلازمان لابدّ أن یکونا متوافقین فی الحکم الشرعی.

ثمّ إنّه لا فرق فی ذلک بین أن یکون الضدّان ممّا لهما ثالث أو ممّا لا ثالث لهما لأنّ ملاک دلالة الأمر بالشیء علی النهی عن ضدّه هو استلزام وجود ذلک الشیء لعدم ضدّه و هو أمر یشترک فیه جمیع الأضداد.

نعم الضدّان اللذان لا ثالث لهما یکون وجود أحدهما ملازماً لترک الآخر و

ص: 53

ترک أحدهما ملازماً لوجود الآخر و أمّا الضدّان اللذان لهما ثالث یکون وجود أحدهما ملازماً لترک الآخر أیضاً و لکن ترک أحدهما لایلازم وجود الآخر لاحتمال وجود الضدّ الثالث و لکن هذا أجنبی عن ملاک الدلالة، هذا ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)) دفعاً لما ذهب إلیه المحقّق النائینی (قدس سره) من أنّ الدلالة یکون فی ما إذا فرضنا الضدّین اللذینِ لا ثالث لهما دون الضدّین اللذینِ لهما ثالث.

مناقشتان فی الوجه الثانی:
المناقشة الأُولی: من المحقّق الخوئی (قدس سره)

((2))

إنّ الذی لایمکن الالتزام به هو کون المتلازمین مختلفین فی الحکم بأن یکون أحدهما متعلَّقاً للأمر و الآخر متعلَّقاً للنهی لاستلزام ذلک التکلیف بما لایطاق و بغیر المقدور و أمّا کونهما محکومین بحکم واحد و متوافقین فیه فلا موجب له أصلاً، لأنّ المحذور المتقدّم (و هو لزوم التکلیف بما لایطاق) کما یندفع بالالتزام بکونهما متوافقین فی الحکم یندفع بکون أحدهما غیر محکوم بحکم من الأحکام، فإنّ الالتزام بالتوافق فی الحکم یحتاج إلی دلیل یدلّ علیه و لا دلیل فی المقام بل الدلیل علی خلافه.

و الدلیل علی نفی توافق المتلازمین فی الحکم هو لزوم اللغویة، و ذلک لأنّ الشارع إذا أمر بأحد المتلازمین فالأمر بالآخر لغو، فإذا أمر الشارع باستقبال القبلة مثلاً فالأمر باستدبار الجدی أو کون الیمین علی طرف المغرب و الیسار علی طرف المشرق بلا فائدة، فإنّ تلک الأُمور من ملازمات وجود المأمور به فی الخارج سواء

ص: 54


1- المحاضرات، ج3، ص37.
2- المحاضرات، ج3، ص37.

أکانت متعلّقة للأمر أم لم تکن، و ما کان کذلک فلایمکن تعلّق الأمر به.

نعم لو توقّف ترک الحرام خارجاً علی الإتیان بفعلٍ ما للملازمة بین ترک هذا الفعل و الوقوع فی الحرام وجب الإتیان به عقلاً، أمّا شرعاً فلا، لعدم الدلیل علی سرایة الحکم من متعلّقه إلی ملازماته الخارجیة فالملازمة فی الوجود لاتستلزم الملازمة فی الاعتبار الشرعی.

و بهذا البیان ناقش المحقّق الخوئی (قدس سره) فی الملازمة بین الأمر بالشیء و النهی عن ضدّه العامّ فقال:((1))

قد ظهر أنّ الأمر کذلک فی النقیضین و المتقابلین بتقابل العدم و الملکة کالتکلّم و السکوت فإنّ اعتبار الشارع الفعل علی ذمة المکلّف لایستلزم النهی عن نقیضه، کما أنّ اعتبار الملکة فی ذمة المکلف لایستلزم النهی عن عدمها، فإنّ کل حکم شرعی متعلّق بشیء لاینحل إلی حکمین: أحدهما متعلّق به و الآخر بنقیضه، فإنّ النهی عن أحد النقیضین مع الأمر بالنقیض الآخر لغو فلایترتّب علیه أثر.

المناقشة الثانیة: من بعض الأساطین (حفظه الله)
اشارة

((2))

أوّلاً بالنقض:
اشارة

فإنّ الأمر بالصلاة یتوجّه إلی طبیعی الصلاة دون خصوصیاته من الزمان و المکان و غیرهما فهذه الخصوصیات لیست محکومة بحکم.

ملاحظتنا علیه:

إنّ الأمر المتعلّق بطبیعی الصلاة هو الأمر النفسی و الکلام فی الأمر الغیری.

ص: 55


1- المحاضرات، ج3، ص39.
2- تحقیق الأصول، ج3، ص151.
ثانیاً بالحلّ:
اشارة

إنّه هنا قاعدة کلیة و هی «ما من واقعة إلّا و فیها حکم شرعی». و لکن هذه القاعدة لابدّ أن تکون مع ملاک و الملاک أحد الأُمور الثلاثة:

الأمر الأوّل: أنّ الأحکام تابعة للمصالح و المفاسد فإن ثبت وجود المصحلة الملزمة أو المفسدة الملزمة فنستکشف الوجوب أو الحرمة فلابدّ من وجود الحکم عند وجود مبادیه.

الأمر الثانی: أنّه یجب جعل الحکم لأنّه الداعی إلی تحقّق أغراض الشارع.

الأمر الثالث: أنّه یجب جعل الحکم للزوم خروج المکلّف عن التحیر بالنسبة إلی کل واقعة من الوقائع

و هذه الأُمور کلها مفقودة فی المتلازمین:

أمّا الأوّل: فلأنّه لادلیل علی وجود المصلحة أو المفسدة فی جمیع ملازمات الشیء الذی هو واجد للمصلحة أو المفسدة.

أمّا الثانی: فلأنّ الحکم المجعول للملازم یکفی للداعویة إلی تحقّق غرض الشارع فلانحتاج إلی جعل الداعی بالنسبة إلی جمیع ملازماته.

أمّا الثالث: فلأنّ جعل الحکم لأحد المتلازمین یرفع تحیر المکلّف فی مقام العمل فلا نحتاج إلی جعل الحکم بالنسبة إلی ملازماته.

یلاحظ علیه:

إنّ جعل الحرمة الغیریة للضدّ الآخر لایحتاج إلی ملاک آخر (أی مفسدة فی متعلّقه) کما أنّ جعل الداعی الشرعی بالنسبة إلیه لیس لغواً بل قد یکون مؤکِّداً إلّا أنّه لادلیل إثباتی علی جعل الحرمة الغیریة.

ص: 56

المقام الثانی: «الضدّ العام»

اشارة

و الأقوال المهمّة هنا خمسة((1)):

القول الأوّل: عدم اقتضاء الأمر بالشیء للنهی عن الضدّ العامّ((2)) (المحقّق

ص: 57


1- فی ضوابط الأصول، ص106: «و أمّا الأقوال فی الضدّ العام فهی العینیة و التضمن و الإلتزام اللفظی و العقلی و هذا الأخیر أعنی الإقتضاء العقلی فی الضدّ العام وفاقی ... و إنّما النزاع فی دلالة الامر علی النهی عن الضدّ العام بالدلالة اللفظیة فبین من أنکرها بأقسامها کالمرتضی ره و منهم من أثبتها و إسناد القول بالإنکار مطلقاً حتی عقلاً إلی السید ره سهوٌ». و فی نتائج الأفکار للسید إبراهیم القزوینی، ص52: «ثمّ أقوال الضد العام أربعةٌ العینیة و التضمن و الإلتزام اللفظی و العقلی الذی هو وفاقی حتی من المرتضی و إسناد الإنکار المطلق الیه سهو». و فی کشف الغطاء عن مبهمات الشریعة الغراء، (ط.ج): ج 1، ص186: «و المفاهیم کثیرةٌ ... الثامن: مفهوم الإقتضاء کإیجاب المقدّمة و النهی عن الضدّ العامّ».
2- فی نهایة الوصول إلی علم الأصول، ج 1، ص530: «و اعلم أنّ الخلاف هنا مع نفرین: أحدهما القائلون بعدم الإستلزام، کالغزالی و المرتضی و الثانی القائلون بالإتّحاد کالقاضی أبی بکر». و فی مطارح الأنظار، ط.ج. ج 1، ص554: «أحدها نفی الإقتضاء رأساً و هذا صریح العضدی و الحاجبی و المنسوب إلی العمیدی و جمهور المعتزلة و کثیرٌ من الأشاعرة و دعوی بعض- کصاحب المعالم- أنّه لا خلاف فی الضدّ العام فی أصل الإقتضاء بل فی کیفیته- کما تقدّم- لا أصل لها». و فی بدائع الأفکار، ص387: «أحدها نفی الإقتضاء رأسا و عزی فی المنیة إلی جمهور المعتزلة و کثیرٌ من الأشاعرة و الفاضل البهائی فی حاشیة الزبدة علی ما حکی عنه إلی البعض و یلوح من کلام العلّامة فی محکی النّهایة أیضا و استظهره غیرُ واحدٍ من کلام علم الهدی فی الذریعة ». و فی أصول الفقه، ص296: «ألحقّ أنّه لایقتضیه بأی نحو من أنحاء الإقتضاء». و فی تحریرات فی الأصول، ج 3، ص305: «و الأخیر [عدم الاقتضاء] هو الأوفق بالتحقیق ». و فی مجمع الأفکار و مطرح الأنظار، ج 1، ص323: «و أمّا الضد العام و هو الترک فهل یکون النهی عنه أم لا بنحو العینیة أو بالتضمن أو بالإلتزام؟ ففیه إختلافٌ فمثّل شیخنا الأستاذ العراقی و النائینی (قدس سرهما) ذهبا إلی أنّه یقتضیه و الحقّ خلافه».

الخوئی((1)) (قدس سره) و بعض الأساطین((2)) (حفظه الله)).

القول الثانی: الاقتضاء بنحو العینیة بمعنی أنّ الأمر بالشیء عین النهی عن ضدّه العامّ((3)) (صاحب الفصول (قدس سره) ((4))).

ص: 58


1- فی المحاضرات، ج 3، ص48: «و التحقیق هو عدم الإقتضاء و الوجه فی ذلک هو أنّ دعوی استلزام الأمر بشی ء النهی عن ترکه باللزوم البین بالمعنی الأخص واضحة الفساد، ضرورةَ أنّ الآمر ربما یأمر بشی ء و یغفل عن ترکه و لایلتفت إلیه أصلا، لیکون کارِهاً له فلو کانت الدلالة علی نحو اللزوم البین بالمعنی الأخص لم یتصور غفلة الآمر عن الترک و عدم إلتفاته إلیه فی موردٍ من الموارد، و من هنا قد إعترف هو (قدس سره) أیضاً ببداهة إمکان غفلة الآمر بشی ء عن ترک ترکه فضلاً عن أن یتعلّق به طلبه، و هذا منه یناقض ما أفاده من نفی البعد عن اللزوم البین بالمعنی الأخصّ». و فی الهدایة فی الأصول، ج 2، ص137: «... و الحقّ هو الأوّل و عدم الإقتضاء بوجهٍ من الوجوه».
2- تحقیق الأصول، ج 3، ص161.
3- فی مطارح الأنظار: «ثانیها: الإقتضاء علی وجه العینیة، علی معنی أنّ الأمر بالشی ء و النهی عن ترکه عنوانان متّحدان ممتازان بحسب المفهوم». و فی بدائع الأفکار: «ثانیها القول علی وجه العینیة و نسبه الفاضل الصّالح المازندرانی إلی جماعة من المحققین و الفاضل الجواد علی ما حکی عنه إلی القاضی و متابعیه و هو مختار بعض المحققین و بعض من تبعه». و راجع کفایة الأصول مع حواشی المشکینی، ج 2، ص29؛ المحجة فی تقریرات الحجة، ج 1، ص234؛ قواعد الأصول، ص174.
4- فی الفصول الغرویة، ص92: «لنا علی أنّ الأمر بالشی ء عین النهی عن الضد العام إن فسّر الترک فیهما بعدم الفعل أنّ معنی النهی عن الترک حینئذ طلب ترک الترک لأنّ معنی النهی طلب الترک و طلب ترک الترک عین طلب الفعل فی المعنی و ذلک ظاهرٌ و إنّما قلنا إنّه عینه فی المعنی إذ لا ریب فی تغایرهما بحسب المفهوم کالوجود و عدم العدم».

القول الثالث: الاقتضاء بنحو التضمّن (صاحب المعالم (قدس سره) ((1))).

القول الرابع: الاقتضاء بنحو الدلالة الالتزامیة اللفظیة بأن کان اللزوم بیناً بالمعنی الأخصّ (المحقّق النائینی (قدس سره) ((2))).

القول الخامس: الاقتضاء بنحو الدلالة الالتزامیة العقلیة((3)) (صاحب

ص: 59


1- فی معالم الدین، ص64: «و لنا علی الإقتضاء فی العام بمعنی الترک ما عُلِم من أنّ ماهیة الوجوب مرکبة من أمرین أحدهما المنع من الترک فصیغة الأمر الدالة علی الوجوب دالة علی النهی عن الترک بالتضمن و ذلک واضحٌ». و فی بدائع الأفکار: «ثالثها الإقتضاء علی سبیل التضمّن و هو صریح المعالم و نسبه بعضٌ إلی غیره».
2- فی فوائد الأصول، ج 1، ص303: «لا دعوی العینیة تستقیم و لا دعوی التضمّن نعم لا بأس بدعوی اللزوم بالمعنی الأخصّ حیث إنّ نفس تصوّر الوجوب و الحتم و الإلزام یوجب تصوّر المنع من الترک و الإنتقال إلیه و ذلک معنی اللازم بالمعنی الأخصّ».
3- فی حاشیة السلطان علی معالم الدین، ص284: «قوله "من أنّ ماهیة الوجوب مرکبةٌ من أمرین" لایخفی أنّ ترکب معنی الوجوب من أمرین علی تقدیر تسلیمه لایستلزم تضمن الأمر لهما فإنّ الوجوب حکم من أحکام المأمور به و لیس مفهومه غیر عین مفهوم الأمر بل الحقّ إستلزام الأمر بالشی ء النهی عن ترکه لزوما بیناً بالمعنی الأعم فتأمل». و فی قوانین الأصول، ط.ق. ص108: «قانونٌ: الحقّ أنّ الأمر بالشی ء لایقتضی النّهی عن ضدّه الخاصّ مطلقا و أمّا الضدّ العامّ فیقتضیه إلتزاماً». و فی مفتاح الأحکام لملّا أحمد النراقی، ص117: «و من تلک المواضع الأمر بالشی ء فاختلفوا فی أنّه هل یستلزم النهی عن ضدّه أم لا؟ و الحقّ فیه أیضاً الإستلزام عقلاً باللزوم البین فی الضدّ العامّ و غیر البین فی الخاصّ». و فی بدائع الأفکار: «رابعها الإقتضاء علی سبیل الإلتزام و علیه الباقون و هم بینٌ مطلقٌ للإستلزام و مصرّح بثبوته لفظاً أو مقید بثبوته معنی و هو خیرة جماعةٍ من المحقّقین منهم سید محققی الحکماء و سلطان العلماء و المدقق الشیروانی و الفاضل الصالح و المحقق القمّی». و فی نهایة الأفکار، ج 2، ص376: «و أمّا الضدّ العام بمعنی الترک فلا إشکال فیه فی اقتضاء الأمر بالشی ء للنهی عنه کما تقدّم، و إنّما الکلام و الإشکال فی أنّه هل هو بنحو العینیة أو التضمن أو من جهة الإلتزام؟ حیث إنّ فیه وجوها و فی مثله کان المتعین هو الأخیر من کونه علی نحو الإلتزام دون العینیة و التضمّن».

الکفایة (قدس سره) ((1))).

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) للقول الثانی:

أمّا القول الثانی (نظریة صاحب الفصول (قدس سره) - و هو الاقتضاء بنحو العینیة- فإنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) قد احتمل فی معنی العینیة ثلاث صور و احتمالات:((2))

الصورة الأُولی: العینیة فی مقام الإثبات و الدلالة بمعنی أنّ الأمر بالشیء عین النهی عن ترکه فهما یدلان علی معنی واحد و الاختلاف فی التعبیر.

الصورة الثانیة: العینیة فی مقام الثبوت و الواقع بمعنی أنّ النهی عن الضدّ لایکون نهیاً حقیقیاً ناشئاً عن مبغوضیة الضدّ بل هذا النهی نشأ عن محبوبیة ترک الضدّ و قیام مصلحة بترک الضدّ فهذا أمر حقیقی أُبرز بصورة النهی.

الصورة الثالثة: العینیة فی مقام الثبوت و الواقع بمعنی أنّ النهی عن الضدّ نهی حقیقی و ناشٍ عن مبغوضیة فعل الضدّ و وجود المفسدة الملزمة فیه.

أمّا الصورة الأُولی فهی لا إشکال فیه لأنّ التعبیر عن طلب الشیء بالنهی عن ترکه أمر متعارف فی الروایات فی باب الواجبات و المستحبات و فی کلمات الفقهاء فتری أنّهم یعبّرون عن الاحتیاط الواجب بقولهم: لایترک الاحتیاط و کما

ص: 60


1- فی کفایة الأصول مع حواشی المشکینی، ج 2، ص28: «و اختار ... بعض اللزوم البین بالمعنی الأخصّ و ظاهر المتن البین بالمعنی الأعمّ، و إثباته موقوفٌ علی مقدّمات: الأولی: أنّ الأحکام من قبیل البسائط سواء کان المراد منها الإرادات و المجعولات، و بها یندفع القول بالتضمّن. الثانیة: أنّ من لوازم الوجوب المنعُ من الترک، و بها یندفع القول بالعینیة بکلا قسمیها. الثالثة: أنّ اللّزوم لیس من قبیل البین بالمعنی الأخص، لأنّه لایلزم من مجرّد تصوّر الوجوب تصوّر المنع من الترک، و لا من قیل غیر البین، لأنّ ثبوته له لایحتاج بعد التصوّرات الثلاثة إلی شی ء آخر. و إلیها أشار بقوله: بمعنی أنّه لو التفت إلی آخره».
2- راجع المحاضرات، ج3، ص45.

أنّه یمکن إبراز کون الصلاة علی ذمة المکلّف مرّة بلفظ صلّ و أُخری بکلمة لاتترک الصلاة و المراد إبراز وجوبها، و لیس المقصود من «صلّ» إبراز وجوبها و من «لاتترک الصلاة» إبراز حرمة ترکها و هذا هو المقصود من الروایات الناهیة عن ترک الصلاة و لیس المراد من النهی فیها النهی الحقیقی الناشی من مفسدة إلزامیة فی متعلّقه و لذلک لم یتوهم أحد حرمة ترک الصلاة و أنّ تارکها یستحق عقابین: عقاب لترکه الواجب و عقاب لارتکابه الحرام و لذا صحّ أن یقال: إنّ الأمر بالشیء عین النهی عن ضدّه العامّ بحسب المعنی و الدلالة علیه.

فإن أُرید من العینیة هذا المعنی فهی صحیحة، لکن الظاهر أنّ العینیة بهذا المعنی لیست مرادة للقائل بها.

أمّا الصورة الثانیة فهی لا معنی له أصلاً لأنّ ترک الترک و إن کان مغایراً للفعل مفهوماً إلّا أنّه عینه مصداقاً و خارجاً، لأنّه عنوان انتزاعی له و لیس له ما بإزاء فی الخارج ما عداه، فإنّ عدم العدم لایتجاوز حدّ الفرض و التقدیر و لیس له واقع فی قبالهما و إلّا لأمکن أن یکون فی الواقع أعدام غیر متناهیة فإنّ لکل شیء عدماً و لعدمه عدماً و هکذا إلی غیر النهایة.

فالقول بأنّ الأمر بالشیء یقتضی النهی عن ضدّه فی قوّة القول بأنّ الأمر بالشیء یقتضی الأمر بذلک الشیء و هو قول لا معنی له أصلاً لاستلزام ذلک النزاع فی أنّ الأمر بالشیء یقتضی نفسه و هذا النزاع لا محصل له أبداً.

أمّا الصورة الثالثة فهی و إن کان معنی معقولاً فی نفسه إلّا أنّه غیر مراد، لاستحالة أن یکون بغض الترک متحداً مع حبّ الفعل أو جزئه و ذلک لاستحالة الصفتین المتضادتین فی الخارج.

فإنّ الأمر الحقیقی و النهی الحقیقی متباینان ذاتاً من ناحیة المبدأ و الاعتبار و المنتهی.

ص: 61

أمّا المبدأ فی الأمر فهو المصلحة الملزمة و فی النهی المفسدة الملزمة و أمّا الاعتبار فی الأمر فهو اعتبار الفعل علی ذمّة المکلّف و فی النهی اعتبار حرمة الفعل علیه و أمّا المنتهی فی الأمر فیمتثل بإتیان المتعلّق و فی النهی بترکه.

تقریر القول الثالث:

اشارة

أمّا القول الثالث (نظریة صاحب المعالم (قدس سره) -و هو الاقتضاء بنحو التضمن- فتقریره هو أنّ الوجوب عرّف بأنّه طلب الفعل مع المنع من الترک فهو مرکب من الجزئین فدلالة الأمر علی المنع من الترک دلالة لفظیة تضمنیة.

إیرادان علی هذا القول:
الإیراد الأوّل:

((1))

إنّ الأعلام ناقشوا فیه بأنّ الوجوب بسیط لا مرکب و التعریف المذکور تسامحی فإنّ حقیقة الوجوب إمّا إرادة نفسانیة و إمّا اعتبار عقلی و إمّا اعتبار شرعی.

أمّا الإرادة فهی من الأعراض و هی من البسائط الخارجیة.

و أمّا الاعتبار العقلی فالوجوب علی هذا أمر انتزاعی عقلی بمعنی أنّ العقل یحکم باللزوم والوجوب عند اعتبار المولی فعلاً علی ذمّة المکلّف مع عدم نصب قرینة علی الترخیص فی الترک و هذا أشدّ بساطة من الأعراض فلایعقل لها الجنس و الفصل.

ص: 62


1- المحاضرات، ج3، ص47.

أمّا الاعتبار الشرعی فهو أیضاً فی غایة البساطة لأنّ الأُمور الاعتباریة کلّها من البسائط و لایعقل لها جنس و فصل.

الإیراد الثانی:

((1))

إنّ بغض الترک کما لایمکن أن یکون عین حبّ الفعل لایمکن أن یکون جزأه لأنّهما صفتان متضادّتان و النهی الحقیقی ینشأ من البغض و الأمر الحقیقی ینشأ من الحبّ.

بیان القول الرابع:

اشارة

أمّا القول الرابع- و هو الاقتضاء بالدلالة اللفظیة الالتزامیة- فإنّ المحقّق النائینی (قدس سره) اختار اللزوم البین بالمعنی الأخص و علی تقدیر التنزّل اختار اللزوم البین بالمعنی الأعم فقال((2)):

أمّا دعوی الدلالة علیه بنحو اللزوم البین بالمعنی الأخصّ بأن یکون نفس تصوّر الوجوب کافیاً فی تصوّر المنع من الترک فلیست ببعیدة، و علی تقدیر التنزّل عنها فالدلالة الالتزامیة باللزوم البین بالمعنی الأعم ممّا لا إشکال فیها و لا کلام.

إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علیه:

((3))

إنّ دعوی استلزام الأمر بشیء النهی عن ترکه باللزوم البین بالمعنی الأخص واضحة الفساد ضرورة أنّ الآمر ربّما یأمر بشیء و یغفل عن ترکه و لایلتفت إلیه

ص: 63


1- المحاضرات، ج3، ص48.
2- أجود التقریرات، ج2، ص7.
3- المحاضرات، ج3، ص48.

أصلاً لیکون کارهاً له فلو کانت الدلالة علی نحو اللزوم البین بالمعنی الأخصّ لم یتصوّر غفلة الآمر عن الترک و عدم التفاته إلیه فی مورد من الموارد.

و من هنا قد اعترف هو (قدس سره) أیضاً ببداهة إمکان غفلة الآمر بشیء عن ترک ترکه فضلاً عن أن یتعلّق به طلبه، و هذا منه یناقض ما أفاده من نفی البعد عن اللزوم البین بالمعنی الأخصّ.

بیان صاحب الکفایة (قدس سره) للقول الخامس:

اشارة

((1))

و هو الاقتضاء باللزوم العقلی؛ قال صاحب الکفایة (قدس سره):

الوجوب لایکون إلّا طلباً بسیطاً و مرتبة أکیدة من الطلب لا مرکّباً من طلبین، نعم فی مقام تحدید تلک المرتبة و تعیینها ربما یقال: الوجوب یکون عبارة عن طلب الفعل مع المنع من الترک و یتخیل منه أنّه یذکر له حدّاً، فالمنع عن الترک لیس من أجزاء الوجوب و مقدّماته، بل من خواصّه و لوازمه، بمعنی أنّه لو التفت الآمر إلی الترک لما کان راضیاً به لامحالة و کان یبغضه البتة.

فقد أشار صاحب الکفایة (قدس سره) بقوله «لو التفت الآمر إلی الترک» بأنّ الدلالة لیست بیناً بالمعنی الأخصّ.

إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علی مختار صاحب الکفایة (قدس سره):
اشارة

((2))

إنّ الدلالة الالتزامیة باللزوم البین بالمعنی الأعم لا دلیل علیها من العقل و لا من الشرع.

ص: 64


1- کفایة الأصول، ص133.
2- المحاضرات، ج3، ص49.
أمّا من ناحیة العقل:

فلأنّه لایحکم بالملازمة بین اعتبار الشرع وجوب شیء و اعتباره حرمة ترکه لأنّ کلاً من الوجوب و الحرمة یحتاجان إلی اعتبار مستقلّ و کذا لایحکم العقل بالملازمة بین إرادة شیء و کراهة نقیضه، إذ قد یرید الإنسان شیئاً غافلاً عن ترکه و غیر ملتفت إلیه فالحرمة النفسیة للترک باطل لعدم الملاک و کذا الحرمة الغیریة أوّلاً لعدم المقدّمیة و ثانیاً لکونها لغواً.

[ملاحظتنا علی هذا الإیراد: إنّ اللغویة مخدوشة بل الحرمة الشرعیة الغیریة لا مانع منها إلّا أنّه لا دلیل علیها إثباتاً کما مضی.]

و أمّا من ناحیة الشرع:

فلأنّ ما دل علی وجوب شیء لایدلّ علی حرمة ترکه لأنّ الحکم الواحد و هو الوجوب فی المقام لاینحل إلی حکمین أحدهما یتعلّق بالفعل و الآخر بالترک، لیکون تارکه مستحقاً

لعقابین من جهة ترکه الواجب و ارتکابه الحرام.

تحقیق المحقّق الإصفهانی (قدس سره):

((1))

إنّ کون الوجوب مرتبة أکیدة وحیدة من الطلب مبنی علی کونه من الکیفیات النفسانیة و توصیفها بالتأکّد بملاحظة ما اشتهر من أنّ الوجوب و الاستحباب مرتبتان من الإرادة متفاوتان بالضعف و الشدّة.

أمّا الذی یقتضیه دقیق النظر و إن کان خلاف ما اشتهر فهو أنّه لا فرق فی الإرادة الوجوبیة و الندبیة من حیث المرتبة، بل الفرق من حیث کیفیة الغرض الداعی و البرهان علیه أنّ المراد التکوینی یختلف من حیث اللزوم و عدمه

ص: 65


1- نهایة الدرایة، ج2، ص205.

کالمراد التشریعی، ضرورة أنّ ما یفعله الإنسان بإرادة لیس دائماً ممّا لابدّ منه و لامناص عنه و مع ذلک ما لم یبلغ الشوق حدّه المحرّک للعضلات لم یتحقّق المراد.

فلیس المراد اللزومی ممّا لابدّ فی إرادته من مرتبة فوق مرتبة إرادة المراد غیرِ اللزومی، بحیث لو لم یبلغ تلک المرتبة لم یتحقّق المراد و إنّما التفاوت فی الغرض الداعی من حیث کونه لزومیاً أو غیر لزومی.

بل الشوق الطبعی ربّما یکون أشدّ من الشوق العقلی لموافقة المراد فی الأوّل (أی الشوق الطبعی) لهوی نفسه دون الشوق العقلی، مع عدم اللابدّیة فی الشوق الطبعی حتّی من حیث هوی النفس و ثبوت اللابدّیة فی الشوق العقلی.

فإذا کان الأمر کذلک فی الإرادة التکوینیة فکذا الإرادة التشریعیة، إذ لا فرق بینهما إلّا من حیث تعلّق الإرادة التکوینیة بفعل نفسه و تعلّق الإرادة التشریعیة بفعل غیره.

فالشوق إلی فعل الغیر إذا بلغ حدّاً ینبعث منه البعث کان إرادة تشریعیة سواء کان المشتاق إلیه ذا مصلحة ملزمة أم لا.

و لیس الغرض من هذا البیان أنّ الإرادة لیست ذات مراتب لبداهة کونها ذات مراتب کسائر الکیفیأت النفسانیة بل الغرض أنّ التحریک الناشئ من الإرادة فی ما لابدّ منه و فی غیر ما لابدّ منه لایختلف من هذه الحیثیة.

و التحقیق: أنّ المراد اللزومی و غیره یختلفان من حیث شدّة الملاءمة للطبع و عدمها، فلا محالة ینبعث منهما شوقان متفاوتان بالشدّة و الضعف و کذا فی الإرادة التشریعیة یکون الشوق المتعلّق بما فیه مصلحة لزومیة أشدّ حیث إنّ ملاءمته لطبع المولی أقوی و إن کان بلوغه دون هذه المرتبة کافیاً فی الحرکة و التحریک فی التکوینی و التشریعی.

ص: 66

[ملاحظتنا فی المقام: بل قد یکون الشوق إلی الأمر غیر الإلزامی أشدّ من الشوق إلی الأمر الإلزامی و لکنه لم یجب لمصلحة تسهیلیة کما فی السواک نعم البعث و الإرادة التشریعیة نحو الأمر غیرِ اللزومی یکون أضعف من البعث و الإرادة التشریعیة نحو الأمر اللزومی؛ و ما هو المنفی فی عالم الاعتبار هو الاشتداد لا الشدة و الضعف].

ثم قال المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی آخر هذه التعلیقة: إنّ هذه المعانی من المنع عن الترک أو کراهة الترک أو عدم الرضا بالترک أو عدم الإذن فی الترک کلها لوازم الشدّة لا عینها و لوازم الوجوب لا من مقوّماته.

و لایستفاد من هذه العبارة القول بالاقتضاء باللزوم العقلی لأنّ مراده هنا أعمّ من المنع الشرعی من الترک أو المنع العقلی من الترک فلم یثبت قوله بالحرمة الشرعیة للضدّ العامّ و هذا هو المختار.

فتحصل إلی هنا عدم اقتضاء الأمر بالشیء للنهی عن ضدّه العامّ.

ص: 67

ص: 68

تنبیه: فی ثمرة المسألة

اشارة

إنّهم قد ذکروا فی ثمرة البحث عن الضدّ أُموراً:

الثمرة الأُولی:

و هی ترتّب العقاب علی ارتکاب الضدّ بناء علی اقتضائه للنهی عن الضدّ، و عدم ترتّبه بناء علی عدم اقتضائه.

و هذه الثمرة تجدی فی ما إذا کانت الحرمة الثابتة للضدّ حرمة نفسیة و أمّا إذا کانت الحرمة غیریة فلاتترتّب الثمرة و أکثر القائلین بحرمة الضدّ صرّحوا بأنّها غیریة.

الثمرة الثانیة:

و هی ترتّب عنوان المعصیة فیوجب حیئنذ ترتّب الأحکام التی یکون موضوعها عنوان المعصیة مثل إتمام الصلاة فی السفر إذا کان السفر معصیة فعلی القول بالاقتضاء لابدّ من إتمام الصلاة و علی القول بعدم الاقتضاء لابدّ من التقصیر.

ص: 69

و ترتّب هذه الثمرة متوقّف علی عدم انصراف أدلّة وجوب إتمام الصلاة فی سفر المعصیة عن معصیة النواهی الغیریة.

الثمرة الثالثة:

اشارة

و هی بطلان العبادة بناءً علی الاقتضاء مع ضم الکبری الأُصولیة الآتیة إن شاء الله تعالی من أنّ النهی فی العبادة یوجب فسادها و أمّا مع عدم الاقتضاء أو عدم فساد العبادة بالنهی عنها فلاتبطل العبادة.

و القول ببطلان الصلاة الأدائیة فی ما لم یضق وقتها إذا اشتغلت ذمّتها بالصلاة القضائیة مبنی علی هذا البحث حیث قالوا: إنّ الأمر بالصلاة القضائیة فوری و استفادوا من ذلک النهی عن الضدّ و الصلاة الأدائیة تکون من مصادیق الضدّ الخاص فیتوجّه النهی إلیها بناءً علی الاقتضاء و تبطل بناءً علی اقتضاء النهی للفساد فی العبادة و لکن هذا مبنی علی أنّ النهی الذی یوجب فساد العبادة یشمل النهی الغیری و إلّا فلا تترتّب هذه الثمرة.

أمّا صور المسألة:

إنّ الضدّین المتزاحمین إمّا أن یکون أحدهما مضیقاً و الآخر موسع مثل الأمر بالإزالة حیث إنّه فوری مضیق و الأمر بالصلاة فإنّه موسّع فعلی القول بالاقتضاء تکون الصلاة منهیاً عنه فتبطل بناءً علی اقتضاء النهی الغیری للفساد.

و إمّا أن یکون کلاهما مضیقین، فحینئذ إمّا أن یکون أحدهما أهمّ من الآخر مثل الصلاة فی آخر وقتها و الإزالة فکلاهما فوریان فإنّ الصلاة أهمّ فتقتضی النهی عن الإزالة و مثل الصلاة فی آخر وقتها و إنقاذ النفس المحترمة من الهلکة فالإنقاذ أهمّ فتقتضی النهی عن الصلاة و إمّا أن یکونا متساویین و لا

ص: 70

بحث مهمّ فی صورة التساوی.

إیرادان علی الثمرة الثالثة:
الإیراد الأوّل: من الشیخ البهائی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ العبادة باطلة مطلقاً حتی علی القول بعدم الاقتضاء فهذة الثمرة منتفیة و ذلک لاشتراط صحّة العبادة بتعلّق الأمر بها فعلاً فتفسد عند المزاحمة بالواجب الأهمّ أو المضیق سواء قلنا بالاقتضاء أم بعدمه.

و الوجه فی ذلک هو أنّ الأمر بالشیء لو لم یقتضِ النهی عن ضدّه فلا أقل من أن یکون مقتضیاً لعدم الأمر به لاستحالة تعلّق الأمر بالضدّین، فالعبادة المضادّة لیست مأموراً بها بالأمر الفعلی و حیث إنّ صحّة العبادة مشروطة بتعلّق الأمر بها فعلاً فتکون فاسدة.

جوابان عن هذا الإیراد:
الجواب الأوّل: من صاحب الکفایة (قدس سره) و المحقّق الخوئی (قدس سره)

((2))

إنّه قد ذکر فی مبحث التعبّدی و التوصّلی مناط صحة العبادة و قلنا هناک: إنّ العبادة یصحّ إتیانها بقصد القربة و مضافاً إلیه تعالی و لاینحصر صحّتها فی صورة قصد الأمر فیصحّ إتیانها بقصد کونها محبوباً لله تعالی و لا دلیل یدلّ علی لزوم قصد الأمر فی صحة العبادة.((3))

ص: 71


1- زبدة الأصول، ص82.
2- المحاضرات، ج3، ص51.
3- کفایة وجود الملاک فی صحّة العبادة هو قولُ کثیرٍ من الأصولیین نذکر عدّة منهم: الأول: الشیخ الأنصاری (أجود التقریرات (ط.ق): ج1، ص309 و منتهی الدرایة، ج2، ص509). الثانی: المحقق الخراسانی (کفایة الأصول، ص133). الثالث: المحقق النائینی (أجود التقریرات ط.ق. ج1، ص265و ج 1، ص387). الرابع: المحقق العراقی (قاعدة لا ضرر و لا ضرار، ص236). الخامس: المحقق داماد (المحاضرات، ج 1، ص292 و ص368). السادس: المحقق الحکیم (مستمسک العروة، ج2، ص159). السابع: الشیخ محمد تقی الآملی (مصباح الهدی فی شرح عروة الوثقی، ج2، ص26). الثامن: بعض الأعاظم فی معتمد الأصول، ص215. التاسع: میرزا هاشم الآملی (مجمع الأفکار ومطرح الأنظار، ج5، ص149). العاشر: المحقق الأراکی (کتاب الصلاة للشیخ محمد علی الأراکی، ج2، ص498). الحادی عشر: المحقق الجزائری (منتهی الدرایة ج3، ص54). و قال بعض الأصولیین بعدم إمکان کشف الملاک إذا فقد الأمر: الأول: المحقق الخوئی (کتاب الطهارة للسید الخوئی، ج2، ص283 – 284) الثانی: المحقق الصدر (دروس فی علم الأصول، ج1، ص318 – 319)؛ الثالث: صاحب تحریرات فی الأصول، ج3، ص339؛ الرابع: المحقق الروحانی (زبدة الأصول، ج2، ص30 و ج2، ص144؛ و ج2، ص218 – 219؛ و فی فقه الصادق (علیه السلام)، ج9، ص402). و أمّا القول بلزوم وجود الأمر فی صحة العبادة فهو لغیر واحدٍ من متأخری المتأخرین: (المحقق الجزائری فی منتهی الدرایة، ج 2، ص493 و فی ریاض المسائل، ج4، ص285 – 286).
الجواب الثانی: من المحقّق الثانی (قدس سره)

((1))

إنّ الإشکال منتفٍ فی بعض الموارد مثل المضیق و الموسّع و أمّا فی بعض الموارد مثل المضیقین فالإشکال باق بحاله.

توضیح ذلک: إنّ التکلیف یتعلّق بالمقدور و مناط اعتبار القدرة حکم العقل خلافاً للمحقّق النائینی (قدس سره) حیث یقول: إنّ مناطه هو اقتضاء الخطاب.

ثمّ إنّ التکلیف یتعلّق بالطبیعة لا بالفرد فإذا کان بعض أفراد الطبیعة مقدوراً فلایمکن أن یقال بانتفاء الأمر بالطبیعة.

ص: 72


1- جامع المقاصد، ج5، ص14؛ أجود التقریرات، ج2، ص22.

فعلی هذا إنّ الأمر بطبیعة الواجب الموسّع لایمکن أن ینتفی.

الإیراد الثانی: من المحقّق النائینی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّک عرفت فی مبحث التعبّدی و التوصّلی کفایة قصد الملاک فی صحّة العبادة و عدم اشتراطها بقصد الأمر (إذ لم یدل دلیل شرعی علی اعتبار أزید من قصد التقرّب بالعمل فی وقوعه عبادة و أمّا تطبیقه علی قصد الأمر و غیره من الدواعی القربیة فإنّما هو بحکم العقل، و قصد الملاک إن لم یکن أقوی فی حصول التقرّب بنظر العقل من قصد الأمر فلا أقل من کونه مثله).

فإذا بنینا علی کفایة الاشتمال علی الملاک فی الصحّة فلابدّ من الالتزام بصحّة الفرد المزاحم سواء قلنا باقتضاء الأمر بالشیء للنهی عن ضدّه أم لم نقل بالاقتضاء، لما عرفت من أنّه تامّ الملاک حتی بناءً علی کونه منهیاً عنه أیضاً، لما ستعرف فی بحث النهی عن العبادة إن شاء الله تعالی من أنّ النهی المانع عن التقرّب بالعبادة إنّما هو النهی النفسی لا الغیری، لأنّ النهی الغیری لاینشأ من مفسدة فی متعلّقه لیکشف عن عدم تمامیة ملاک الأمر.

و ما أفاده هنا یبتنی علی أمرین:

ص: 73


1- أجود التقریرات، ج2، ص25.
الأمر الأوّل:
اشارة

إنّ الفرد المزاحم للواجب المضیق تامّ الملاک مطلقاً حتی علی القول باقتضاء الأمر للنهی عن ضدّه و إنّ قصد الملاک یکفی فی وقوع الشیء عبادة.

إشکال المحقّق الخوئی (قدس سره): الأمر الأوّل متوقف علی کبری و صغری
اشارة

((1))

إنّ بیانه یتوقّف علی إثبات المقدّمتین: إحداهما کبری القیاس و ثانیهما صغراه.

أمّا المقدّمة الأُولی (کبری القیاس) فلا إشکال فیها لأنّ المعتبر فی صحّة العبادة هو قصد القربة بأی وجه تحقّق، سواء تحقّق فی ضمن قصد الأمر أو قصد الملاک أو غیر ذلک من الدواعی القربیة، و لا دلیل علی اعتبار قصد الأمر خاصّة بل قام الدلیل علی خلافه.

و أمّا المقدّمة الثانیة (صغری القیاس) فقد استدلّ علیها بوجوه.

استدلّ علی الصغری بوجهین:
الوجه الأوّل: من المحقّق الخراسانی (قدس سره)
اشارة

إنّه ادعی القطع بأنّ الفرد المزاحم تامّ الملاک و قال: «إنّ الفرد المزاحم للواجب المضیق أو الأهمّ و إن کان خارجاً عن الطبیعة المأمور بها بما هی مأمور بها إلّا أنّه لما کان وافیاً بغرضها (کالباقی من أفرادها) کان عقلاً مثله فی الإتیان به بداعی الأمر بالطبیعة فی مقام الامتثال بلا تفاوت فی نظر العقل بینه و بین بقیة الأفراد من هذه الجهة أصلاً نعم إنّه یفترق عن البقیة فی أنّه خارج عن الطبیعة

ص: 74


1- المحاضرات، ج3، ص69.

المأمور بها بما هی کذلک و البقیة داخلة فیها و هذا لیس لقصور فیه لیکون خروجه عنها من باب التخصیص و عدم الملاک بل لعدم إمکان تعلّق الأمر بما یعمّه عقلاً.

إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علی الوجه الأوّل:

((1))

إنّه لاطریق لنا إلی إحراز ملاکات الأحکام الواقعیة و جهات المصالح و المفاسد فی متعلّقاتها مع قطع النظر عن ثبوت تلک الأحکام.

نعم فی لحظة ثبوتها نستکشف اشتمال متعلّقاتها علی الملاک، بناءً علی ما هو الصحیح من تبعیة الأحکام لما فی متعلّقاتها من المصالح و المفاسد الواقعیة و أمّا إذا سقطت تلک الأحکام فلایمکننا إحراز أنّ متعلّقاتها باقیة علی ما کانت علیه من الاشتمال علی الملاک.

إذ کما نحتمل أن یکون سقوطها من جهة المانع مع ثبوت المقتضی لها نحتمل أن یکون من جهة انتفاء المقتضی و عدم ثبوته فلا ترجیح لأحد الاحتمالین.

و علی الجمله حکم العقل بأنّ فعلاً ما مشتمل علی الملاک منوط بأحد الأمرین لا ثالث لهما:

الأوّل: ما إذا کان الشیء بنفسه متعلّقاً للأمر، فإنّ تعلّق الأمر به یکشف عن وجود ملاک فیه لامحالة.

الثانی: ما إذا کان مصداقاً للمأمور به بما هو مأمور به، فإنّه یکشف عن أنّه واف بغرض المأمور به و واجد لملاکه و أمّا إذا لم یکن هذا و لا ذاک فلا ملاک لحکمه أصلاً.

ص: 75


1- المحاضرات، ج3، ص70.

و الفرد المزاحم فی المقام کذلک، فإنّه لیس متعلّقاً للأمر و لا مصداقاً للمأمور به بما هو مأمور به فلایحکم العقل بأنّ فیه ملاکاً و أنّه واف بغرض المأمور به کبقیة الأفراد بل هو حاکم بضرورة التفاوت بینهما فی مقام الامتثال و الإطاعة.

ملاحظتنا علیه:

إنّ الأحکام التابعة للملاکات لیست خصوص الأحکام الفعلیة المنجزة بل الأحکام الاقتضائیة الفعلیة غیرُ المنجزة تکشف عن الملاکات و التزاحم یوجب عدم التنجّز لاعدم الفعلیة.

الوجه الثانی: من جماعة من المتأخرین منهم المحقّق النائینی (قدس سره)
اشارة

إنّ سقوط اللفظ فی الدلالة المطابقیة عن الحجیة لایستلزم سقوطه عنها فی الدلالة الالتزامیة إذ الضرورة تتقدّر بقدرها.

فإنّ الدلالة الالتزامیة و إن کانت تابعة للدلالة المطابقیة فی مقام الثبوت و الإثبات إلّا أنّها لیست تابعة لها فی الحجیة.

و الوجه فی ذلک هو أنّ ظهور اللفظ فی معناه المطابقی غیر ظهوره فی معناه الالتزامی و کل واحد من الظهورین حجّة فی نفسه بمقتضی أدلّة الحجیة و لایجوز رفع الید عن حجیة کل واحد منهما بلا موجب فإذا سقط ظهور اللفظ فی معناه المطابقی عن الحجیة من جهة قیام دلیل أقوی علی خلافه فلا وجه لرفع الید عن ظهوره فی معناه الالتزامی لعدم المانع عنه أصلاً.

و بعد ذلک فنقول: بما أنّ الأمر قد تعلّق بفعل غیر مقید بحصّة خاصّة و هی الحصّة المقدورة فهو کما یدلّ علی وجوبه مطلقاً یدل علی کونه ذا ملاک بناءً علی تبعیة الأحکام لما فی متعلّقاتها من المصالح و المفاسد الواقعیة.

ص: 76

غایة الأمر أنّ دلالته علی وجوبه بالدلالة المطابقیة و علی کونه ذا ملاک بالدلالة الالتزامیة.

نتیجة ذلک عدة أُمور:

الأمر الأوّل: إنّ الدلالة الالتزامیة تابعة للدلالة المطابقیة حدوثاً لا بقاءً.

الأمر الثانی: إنّ الملاک قائم بالجامع بین الحصّة المقدورة و غیرها و لازم ذلک صحّة الفرد المزاحم، فإنّ الصغری (و هی کونه تامّ الملاک) محرزة و الکبری (و هی کفایة قصد الملاک فی وقوع الشیء عبادة) ثابتة.

الأمر الثالث: یختص الوجوب بخصوص الحصّة المقدورة من جهة حکم العقل باعتبار القدرة فی متعلّقه أو من جهة اقتضاء نفس التکلیف لذلک.

الأمر الرابع: إنّ الملاک تابع للإرادة الإنشائیة المتعلّقة بالفعل دون الإرادة الجدیة فإنّ الإرادة الإنشائیة تعلّقت بالجامع و الإرادة الجدیة تعلّقت بحصّة خاصّة منه و هی الحصّة المقدورة.

إیرادان من المحقّق الخوئی (قدس سره) علی الوجه الثانی:
اشارة

((1))

الإیراد الأوّل: یشتمل علی نقوض و حلّ
أمّا الجواب النقضی:

النقض الأوّل: إذا قام البینة علی ملاقاة الثوب للنجاسة – و هی تدلّ بالالتزام علی نجاسة الثوب- ثم علمنا بکذب البینة تسقط الدلالة المطابقیة فهل یمکن بقاء الدلالة الالتزامیة علی نجاسة الثوب (حیث إنّا نحتمل نجاسة الثوب بمنجس آخر و لکن لم یثبت ذلک) و لانظن أن یلتزم بذلک أحد.

ص: 77


1- المحاضرات، ج3، ص74.

النقض الثانی: إذا کانت الدار تحت ید زید و قامت بینة علی کونها لعمرو و بینة أُخری علی کونها لبکر فتساقط البینتان فهل یمکن الأخذ بمدلولهما الالتزامی و هو عدم کون الدار لزید فیعامل الدار معاملة مجهول المالک و لایلتزم به أحد.

النقض الثالث: إذا کانت الدار تحت ید زید و شهد واحد علی أنّ الدار لعمرو و شهد واحد علی أنّها لبکر فإنّ شهادة الواحد تحتاج إلی ضمّ الیمین مع قطع النظر عن معارضة الشهادتین فهل یمکن الأخذ بمدلولهما الالتزامی و هو عدم کون الدار لزید لشهادتهما بلاحاجة إلی ضمّ الیمین و هذا أیضاً لایمکن الالتزام به.

النقض الرابع: إذا کانت الدار تحت ید عمرو و قامت البینة علی أنّها لزید و لکن أقرّ زید بأنّها لیست له فتسقط البینة من جهة الإقرار لأنّ الإقرار مقدم علی البینة فهل یمکن الأخذ بمدلولها الالتزامی و الحکم بأنّ الدار لیست لعمرو فیکون مجهول المالک و هذا أیضاً لایلتزم به فی الفقه.

أمّا الجواب الحلّی:

إنّ الدلالة الالتزامیة ترتکز علی رکیزتین:

الرکیزة الأُولی: ثبوت الملزوم حدوثاً و بقاءً و الرکیزة الثانیة: ثبوت الملازمة بین الملزوم و لازمه.

و تنتجانِ ثبوت اللازم و هو المدلول الالتزامی فإنّ ظهور الکلام فی المدلول الالتزامی غیر ظهوره فی المدلول المطابقی و لکن ظهوره فی المدلول الالتزامی لیس علی نحو الإطلاق بل هو ظاهر فی ثبوت حصّة خاصة منه و هی الحصّة الملازمة للمدلول المطابقی.

ص: 78

مثال ذلک: إنّ الإخبار عن ملاقاة الثوب للدم إخبار عن نجاسته أیضاً و لکنّه لیس هذا المدلول الالتزامی هو الإخبار عن النجاسة علی الإطلاق بأی سبب کان بل إخبار عن حصّة خاصّة من النجاسة و هی الحصّة الملازمة لملاقاة الدم فإذا علمنا بکذب البینة علی ملاقاة الثوب للدم نعلم بکذب نجاسته بالدم و نجاسة الثوب بسبب آخر أجنبیة عن مفاد البینة.

الإیراد الثانی:
اشارة

إنّ الوجوب إنّما یکشف عن الملاک کشف المعلول عن علّته بمقدار ما تعلّق به واقعاً و المفروض أنّ ما تعلّق به الوجوب هنا هو خصوص الحصّة المقدورة دون الأعم منها و بعبارة أُخری: إنّ ثبوت الملاک علی مذهب العدلیة إنّما هو فی متعلّق الإرادة الجدیة فسعة الملاک فی مقام الإثبات تدور مدار سعة الإرادة الجدیة و لا أثر للإرادة الإستعمالیة فی ذلک أصلاً.

یلاحظ علیه:

إنّ القدرة مأخوذة فی التکلیف عقلاً لا باقتضاء نفس الخطاب خلافاً للمحقّق النائینی (قدس سره) فعلی هذا المبنی الإرادة الجدیة تعلّقت بالحصّة غیرِ المقدورة کما أنّ الإرادة الاستعمالیة تعلّقت بها بل الوجوب أیضاً تعلّق بالحصّة المزاحمة و لذا وقع التزاحم إلّا أنّ الوجوب الفعلی لم یصل إلی حد التنجّز، فإنّ القدرة قد تکون شرطاً لفعلیة التکلیف و أُخری تکون شرطاً لتنجّزه و القدرة المفقودة فی الفرد المزاحم هی القدرة التی تکون شرطاً للتنجّز و إلّا فإنّ المکلّف یقدر علی الإتیان بالفعل و هذا نظیر فقدان القدرة علی الصوم عند المرض فإنّ الوجوب تعلّق بالصوم و هو فعلی إلّا أنّه لم یتنجّز للمرض و هکذا الأمر إن قلنا بأنّ القدرة غیر معتبرة فی صحّة التکلیف کما هو مبنی المحقّق الخوئی (قدس سره) .

ص: 79

تحقیق فی اعتبار القدرة فی متعلّق التکلیف
اشارة

((1)):

إنّ هنا ثلاثة أقوال فی اعتبار القدرة فی متعلّق التکلیف:

ص: 80


1- فی آراء حول مبحث الألفاظ فی علم الأصول للفانی الإصفهانی، ج 2، ص75 – 79: «و مما ذکرناه ظهر حالُ مسئلةٍ عویصةٍ صارت معرکةُ الآراء بین متأخّری الأصولیین و هی الترتب حتی ادّعی صاحب الکفایة (قده) استحالته علی مبناه الذی علیه المشهور من دخل القدرة فی التکلیف شرعاً بأحد أنحائه الآتیة و تصدّی جلُّ من تأخّر عنه لو لا الکل لتصحیحه مشیاً علی ارتکاز دخلها فی الإمتثال عقلا مریدین تطبیق المصطلحات علی المرتکز فلم ینجحوا و وقعوا فیما وقعوا من المحاذیر التی ستعرفها ... و توضیح ذلک زیادة عما عرفت آنفاً فی نفی الثمرة یستدعی تفصیل الأقوال فی مورد اعتبار القدرة و الحاکم باعتبارها فنقول و نستمدّ التوفیق من الله عزّ و جل: إنّ اعتبارها یتصور علی أنحاء أربعة: الأوّل أن تکون القدرة شرطا للجعل بالمعنی المصدری أی لصدور التکلیف عن الآمر الملتفت إلی عجز المکلف عن الإمتثال یقبح عقلاً صدور التکلیف منه فمورد اعتبار القدرة علی هذا قبل الجعل و الحاکم بالإعتبار هو العقل فتکون مسئلة کلامیة، و أظنّ بأنّه قد ذهب إلی هذا النحو من الإعتبار بعضُ الأصولیین ... الثانی أن تکون القدرة شرطاً للجعل بالمعنی الإسم المصدری أی حدّا شرعیاً للحکم و قیداً مأخوذاً فی مضمون الخطاب شرعا و الکاشف عن هذا التقیید هو العقل المستقل بقبح توجیه الخطاب نحو العاجز، و قد ذهب إلی هذا النحو من الإعتبار صاحب الکفایة و تبعه بعض تلامذته قدّس سرهم ... الثالث أن تکون القدرة شرطا فی متعلّق الخطاب عقلا بأن یکون التکلیف متعلقا بالحصّة المقدورة من المتعلق دون غیر المقدورة من أوّل الأمر بمقتضی ذات البعث قیاساً للإرادة التشریعیة أی جعل التکلیف بالإرادة التکوینیة أی المیل الطبعی الصادر منه الفعل فی الخارج، إذ کما أنّ الإرادة التکوینیة لاتتعلّق بغیر المقدور فلاتتحرک عضلات الفاعل نحوَ إیجاد ما لایقدر علیه تکویناً و فی عالم الخارج أبداً فلتکن کذلک الإرادة التشریعیة أی البعث الذی حقیقته حمل المکلف و دفعه نحو ایجاد المبعوث إلیه ضرورة أنها تابعة للارادة التکوینیة من الجاعل، فلا یتعلق التکلیف شرعا بفعل غیر مقدور أبداً، و قد ذهب إلی هذا النحو من اعتبار القدرة فی التکلیف بعض الأساطین (ره) علی ما یظهر من شتات کلماته الّتی منها ما تقدّم فی مقام نفی الثمرة إشکالاً علی مقال المحقق الثانی (قده) و منها غیر ذلک ... الرابع ما هو المختار الذی ظهر من خلال کلماتنا السالفة بأن تکون القدرة شرطاً لتنجّز الخطاب أی فی مرحلة امتثال التکلیف عقلاً فقط فوجود القدرة مصحّحٌ للمؤاخذة علی ترک امتثال التکلیف و عدمها أی العجز مُؤمّنٌ عنها، و هذا النحو من الإعتبار مما یوافقه الثبوت و الإثبات معاً».
القول الأوّل:

إنّ القدرة شرط فی صحّة التکلیف بحکم العقل و اختلف القائلون به فبعضهم قالوا: إنّ القدرة علی بعض أفراد الطبیعة تکفی لصحّة الأمر بالطبیعة و هذا هو مختار المحقّق الثانی (قدس سره) و بعضهم قالوا: إذا کان بعض أفراد الطبیعة مقدوراً و بعضها غیر مقدور لایمکن تعلّق الأمر بالطبیعة الجامعة بین الأفراد المقدورة و الأفراد غیرِ المقدورة.

القول الثانی: نظریة المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

إنّ القدرة شرط فی صحّة التکلیف باقتضاء الخطاب و الدلیل علی ذلک هو أنّ المُنشَأ بصیغة الأمر أو ما شاکلها إنّما هو الطلب و البعث نحو الفعل الإرادی، و الطلب و البعث التشریعیان عبارتان عن تحریک عضلات العبد نحو الفعل بإرادته و اختیاره و جعل الداعی له إلی إتیان الفعل و جعل الداعی یقتضی إمکان المدعوّ إلیه، فإنّ النسبة بین الداعی و المدعوّ إلیه نسبة التضایف فإمکان تحقّق الداعی لایکون إلّا فی ما إذا أمکن تحقّق المدعوّ إلیه فحینئذ جعل الداعی إنّما یمکن فی الفعل الذی یکون مقدوراً فاقتضاء الخطاب هو مقدوریة متعلّقه فما هو غیر المقدور لایکون متعلّق التکلیف و لایصحّ توجه الخطاب و الأمر نحوه.

ثمّ إنّ ما لیس مقدوراً بالقدرة الشرعیة لایتوجه إلیه الخطاب أیضاً لأنّ الممتنع شرعاً کالممتنع عقلاً.

إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علی هذا القول:

إنّ حقیقة التکلیف عبارة عن اعتبار المولی کون الفعل علی ذمّة المکلّف و

ص: 81

إبرازه فی الخارج بمبرزٍما من صیغة الأمر أو ما شاکلها و لا نتصور للإنشاء معنی ماعدا إبراز ذلک الأمر الاعتباری.

و علی هذا إنّ الصیغة لاتدلّ علی الوجوب بل تدلّ علی إبراز الأمر الاعتباری القائم بالنفس و لکن العقل ینتزع منه الوجوب بمقتضی قانون العبودیة و المولویة ما لم تنصب قرینة علی الترخیص فی الترک.

فالوجوب إنّما هو بحکم العقل و من لوازم إبراز الشیء علی ذمّة المکلّف إذا لم تکن قرینة علی الترخیص.

أمّا الطلب فقد ذکرنا أنّه عبارة عن التصدّی لتحصیل شیء فی الخارج وصیغة الأمر أو ما شاکلها من أحد مصادیق هذا الطلب و لیس مدلولاً للصیغة بل الآمر یتصدّی بصیغة الأمر لتحصیل مطلوبه فی الخارج فالصیغة من أظهر مصادیق الطلب.

فلامقتضی لاختصاص الفعل بالحصّة المقدورة، فإنّ اعتبار المولی الفعل علی عهدة المکلّف و ذمّته، لایقتضی اختصاص الفعل بالحصة المقدورة، ضرورة أنّه لا مانع من اعتبار الطبیعی الجامع بین المقدور و غیر المقدور علی عهدة المکلّف.

کما أنّ إبراز المولی لذلک الأمر الاعتباری النفسانی بمبرز فی الخارج لایقتضی ذلک فبالنتیجة لامقتضی من قبل نفس التکلیف لاعتبار القدرة فی المتعلّق.((1))

القول الثالث: نظریة المحقّق الخوئی (قدس سره)

((2))

إنّ القدرة علی المتعلّق لاتعتبر فی صحّة التکلیف فلامانع من تکلیف العاجز؛

ص: 82


1- المحاضرات، ج3، ص66.
2- المحاضرات، ج3، ص67.

و المکلّف إن لم یکن قادراً حین جعل التکلیف و صار قادراً فی ظرف الامتثال صحّ التکلیف و لم یکن التکلیف حینئذ قبیحاً.

بل العقل یحکم بلزوم القدرة علی المتعلّق فی ظرف الامتثال فإنّ ملاک حکم العقل إنّما هو قبح توجیه التکلیف إلی العاجز عنه فی مرحلة الامتثال.

فالعبرة إنّما هی بالقدرة فی مرحلة الامتثال سواء کان قبلها قادراً أم لم یکن فبالنتیجة تحصّل أمران:

الأمر الأوّل: أنّ القدرة لیست شرطاً للتکلیف لا باقتضاء الخطاب و لا بحکم العقل و الأمر الثانی: أنّ القدرة شرط لحکم العقل بلزوم الامتثال و الإطاعة و مأخوذة فی موضوع حکم وجوب الإطاعة و الامتثال.

فلا متقضی لاختصاص الفعل بالحصّة المقدورة.

أمّا الإشکال بأنّ تعلّق التکلیف بالجامع بین المقدور و غیره و إن لم یکن مستحیلاً و لکنّه لغو، إذ المکلّف لاینبعث نحو المقدور و لایتمکّن إلّا من إیجاد المقدور، إذن ما هی فائدة تعلّقه بالجامع؟ فمدفوع؛

أوّلاً: بأنّ الفرد غیر المقدور حین الخطاب قد یکون مقدوراً فی ظرف الامتثال و الفائدة هی توجه الخطاب نحوه لیکون بإتیانه ممتثلاً للتکلیف فی ظرف الامتثال.

ثانیاً: بأنّه قد یکون الفرد مقدوراً عقلاً و غیر مقدور شرعاً من جهة و مصداقاً للطبیعة المأمور بها من جهه أُخری، فحینئذ الإتیان به یکون من مصادیق إتیان المأمور به فإذا أتی به بقصد القربة یکون المکلّف ممتثلاً للتکلیف المتوجه إلی طبیعی المأمور به فیسقط التکلیف بل یسقط التکلیف بتحقّق فرد منه فی الخارج بغیر اختیاره و إرادته (فی الواجب التوصّلی).

ص: 83

الأمر الثانی:
اشارة

الأمر الثانی الذی یتوقف علیه إیراد المحقّق النائینی (قدس سره) علی الثمرة الثالثة هو أنّ النهی الغیری لایکون مانعاً من صحّة العبادة لأنّه لاینشأ من مفسدة فی متعلّقه لیکون کاشفاً عن عدم تمامیة ملاک الأمر (کما هو مختار المحقّق النائینی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما).((1))

إشکال علی هذا الأمر:

قد استشکل علیه بأنّ النهی الغیری نحو الشیء یوجب مبغوضیّته فإنّ ما زجر عنه المولی یکون مبغوضاً عنده و المبغوض لایکون مقرّباً.

بل لا أقل من الشک فی المقرّبیة و المرجع حینئذ قاعدة الاشتغال.

جواب عن هذا الإشکال:

إنّ ما تعلّق به النهی الغیری لیس مغبوضاً فی نفسه بل قد یکون أمراً حسناً و محبوباً للمولی فی نفسه و بحسب العنوان الأوّلی و النهی الغیری تعلّق به بجهة أُخری.

و النهی الغیری لا ملاک له فی متعلّقه فهو کما لایکون واجداً للملاک المستقل فی متعلّقه لایکون موجباً لانعدام ملاک الأمر حیث إنّ ملاک الأمر له واقعیة خارجیة و لاینعدم إلّا إذا وجد فی المتعلّق مفسدة غالبة علیه و غایة ما یقتضیه النهی الغیری هو إسقاط الأمر.

ص: 84


1- المحاضرات، ج3، ص88.

البحث الرابع: الترتب

اشارة

فیه مقدمات خمس و مقامان

ص: 85

ص: 86

مقدمات

اشارة

قد تصدّی جمع من الأعلام((1)) لتصحیح الأمر بالضدّ بنحو الترتّب علی عصیان الضدّ الأوّل أو العزم علی عصیانه.

ص: 87


1- فی الفوائد الأصولیة للشیخ الأنصاری، ص405، فائدة 12 (فی أنّ الأمر بشی ءٍ [هل] یقتضی النهی عن ضدّه أم لا؟): «قد صدر من المحقّق الثانی- فی محکی شرح القواعد- قولٌ بصحّة العبادة و لو کان آثِماً فی تقدیمها علی أداء الدّین ثمّ تبعه بعضٌ من متأخّری المتاخرین کالشیخ الفقیه فی کشف الغطاء و تبعه تلمیذه المحقق الشیخ فی الحاشیة مع زیادة تحقیقٍ منه فی تصحیح ذلک ثم تبعهما فی الفصول و غیره کصاحب القوانین و نحوه». و فی قلائد الفرائد للشیخ غلامرضا القمی (1332)، ج 1، ص653 عند التعلیقة علی قوله رحمه الله: «و الثالث ما ذکره کاشف الغطاء رحمه الله»: «أقول: قد سبقه فی ذلک المحقّق الکرکی فی محکی باب الدِّین و الشهید فی محکی الروض، و تبعهم عدّة من مشایخ متأخّری المتأخّرین». و فی تعلیقة القوچانی (1333) علی کفایة الأصول، ج 1، ص325: «قوله "ثم إنّه تصدّی جماعةٌ من الأفاضل لتصحیح الأمر بالضد" کصاحب کشف الغطاء و صاحب الحاشیة و صاحب الفصول و السید الشیرازی و بعض تلامذته». و فی أجود التقریرات، ج 1، ص285: «و بالجملة بعد امتناع بقاء کلٍّ من الواجبین المتزاحمین علی حاله و لزوم بقاء إطلاق الأمر بالأهمّ علی ما کان علیه وقع الکلام فی أنّ السّاقط عند المزاحمة هل هو أصل الأمر بالمهم أو إطلاقه؟ ذهب المحقق الثانی قده و جملةٌ ممّن تأخّر عنه و منهم سید أساتیذنا المحقق العلّامة الشیرازی قدّس الله أسرارهم إلی الثانی و لأجله إلتزموا ببقاء الأمر بالمهم أیضا حال المزاحمة مشروطاً بعصیان الأمر بالأهمّ و مترتباً علیه و ذهب بعضهم و منهم العلّامة الأنصاری و المحقق صاحب الکفایة قدّس سرهما إلی الأول و الحقّ ما ذهب إلیه المحقق الثانی قده». و فی دُررالفوائد، ط.ج. ص140: «و الوجه الثانی ما أفاده سید مشایخ عصرنا المیرزا الشیرازی قدّس سرّه و شید ارکانه و أقام برهانه تلمیذه الجلیل و النّحریر الّذی لیس له بدیلٌ سیدنا الأستاذ السید محمد الإصفهانی جزاهما الله عن الإسلام و أهله أفضل الجزاء». و فی إیضاح الفرائد للسید محمد التنکابنی (1359)، ج 2، ص411: «أوّل من قال بالترتب لکن فی مسئلة الضدّین بناء علی أنّ الأمر بالشی ء مقتضٍ للنهی عن ضده الخاص هو المحقق الثانی فی جامع المقاصد علی ما ذکره شیخنا قدّس سره و تلمیذ المصنّف فی مطارح الأنظار و تبعه فی ذلک کاشف الغطاء فی المسألة المزبورة و فی مسئلة الضدّین المضیقین مع کون أحدهما أهمّ و فی مسئلتی القصر و الإتمام و الجهر و الإخفات و قرّره علی ذلک المحقّق المحشّی الإصفهانی و أخوه صاحب الفصول و جمعٌ آخر ممّن عاصرناهم منهم المحقق المدقق العلّامة الحاج میرزا محمّد حسن الشیرازی رفع الله مقاماتهم الشریفة لکن لم یصرّحوا بتسریته إلی المقام و قد نقل شیخنا قدّس سره فی الحاشیة عبارات المحقق الثانی و کاشف الغطاء و المحقق المحشی من أرادها راجع الیها». و فی مقالات الأصول، ج 1، ص341: «و إلیه ذهب جملةٌ من أساطین الفن، مبدؤهم المحقّق الثانی صاحب جامع المقاصد علی ما نسب إلیه و أید هذا المسلک سید الأساطین المیرزا الشیرازی عطّر الله مرقده و تبعه جملةٌ من أساتیذ العصر رضوان الله علیهم». راجع أصول الفقه للشیخ محمد رضا المظفر (1383)، ج 1، ص309؛ و تهذیب الأصول للسید عبدالأعلی السبزواری؛ ج 1 ص230؛ و منتهی الدرایة فی توضیح الکفایة، ج 2، ص468. و القائلین بالترتب عدّةٌ من الأعلام: راجع صاحب هدایة المسترشدین، ط.ج. ج 2، ص271؛ و صاحب الفصول الغرویة، ص98؛ و وقایة الأذهان، ص301 و ص494؛ و حاشیة الکفایة للعلّامة الطباطبائی، ج 1، ص130 و 131؛ و عنایة الأصول، ج 1، ص438 و ص446.

و أوّل من تصدّی لذلک هو المحقّق الثانی (قدس سره) ((1)) و التزم به الشیخ جعفر الکبیر کاشف الغطاء((2)) و المحقق التقی و صاحب الفصول و السید المجدّد المیرزا

ص: 88


1- جامع المقاصد، ج5، ص12 – 14.
2- کشف الغطاء ط.ق. ج1، ص27.

الشیرازی((1)) و السید الفشارکی((2)) و المحقّق النائینی و المحقّق الحائری((3)) و

ص: 89


1- فی تقریرات آیة الله المجدد الشیرازی، ج2، ص273: «ثمّ إنّه بعد البناء علی جواز تعلیق الوجوب السابق علی الشرط المتأخر و تعلّقه بأحد الوجوه المتقدمة بحیث لایلزم محذورٌ من جهة تأخر شرط الوجوب، فهل یعقل کون ذلک الأمر المتأخر المعلّق علیه الوجوب من المحرّمات إذا کان من المقدمات الوجودیة للواجب أیضاً مع عدم بدلٍ له - بمعنی انحصار المقدمة الوجودیة فیه بمعنی أنّه لایلزم محذورٌ من جهة کون المعلّق علیه المتأخّر حراماً - أو لا؟ المنسوب إلی المشهور هو الثانی لکنّ الحقّ - وفاقاً لجمعٍ من المحققین منهم الکرکی قدّس سره فی باب الدّین من جامع المقاصد فی شرح کلام العلّامة قدّس سره فی بیان اشتغال المدیون المتمکّن من أداء الدِّین بالصلاة مع مطالبة ذی الدین و منهم الشیخ الأجلّ الشیخ جعفر قدّس سره فی مقدّمات کشف الغطاء فی مسألة اقتضاء الأمر النهی عن الضد و بعضُ من تأخّر عنهما من الأعلام – الأوّلُ». و أیضاً راجع ص276 – 278؛ و ج3 ص121 – 124.
2- فی الرسائل الفشارکیة، ص185 - 189: «و قد ذکر لصحّة الترتّب وجوه آخر: أحدها أنّ التکلیف الثانی لمّا کان معلّقا علی أمرٍ اختیاری للمکلّف و هو معصیة التکلیف الأوّل، أو علی أمر حصوله باختیار المکلّف و هو کون المکلّف ممّن یعصی التکلیف الأوّل جاز تنجّزه عند حصول شرطه من لزوم إرادة إیجاد المتنافیین فی زمانٍ لایسع لهما لایمنع عن صحة التکلیف، لأنّ التکلیف بالمحال إذا کان ناشئا من اختیار المکلّف لا ضیر فیه ... و فیه ... الثانی: أنّ التکلیف المشروط مرتبته متأخّرة عن التکلیف المطلق و لیس أحدهما فی مرتبة الآخر و معه لا مانع من تحقّقهما ... و فیه ... الثالث: أنّ التکلیف بالمتنافیین إنّما یکون قبیحا إذا لزم منه إرادة الجمع بینهما، و إذا لم یلزم منه ذلک فلا مانع منه، لأنّ المانع من التکلیف بذلک لیس إلّا التکلیف بغیر المقدور، و الخارج عن قدرة المکلّف هو الجمع بینهما و التکلیف بأحد المتنافیین حال التکلیف بالآخر إنّما یلزم منه إرادة الجمع إذا کان کلاهما مطلقین، و أمّا مع تقیید الثانی بعدم إیجاد المکلّف متعلّق الأوّل لایلزم منه ذلک ... هذا غایة ما یمکن أن یقال فی تصحیح الأمر بالمتنافیین علی وجه الترتیب و أَمتَنُها الوجه الأخیر الّذی هو من أفکار السید الأستاذ».
3- فی دررالفوائد ط.ج. ص138 - 147: «... و اّلذی یمکن أن یکون وجهاً لذلک أحد أمرین: الأوّل: ما نُقل عن بعض الأساطین من أنّ الأمر بالضد إنّما ینافی الأمر بضدّه الآخر لو کانا مضیقین، أمّا لو کان أحدهما مضیقا و الآخر موسّعا فلا مانع من الأمر بکلیهما، لأنّ المانع لیس إلّا لزوم التکلیف بما لایطاق... و الوجه الثانی: ما أفاده سید مشایخ عصرنا المیرزا الشیرازی ... و هو أن یتعلق الأمر أوّلاً بالضد الذی یکون أهمّ فی نظر الآمر مطلقا من غیر التقیید بشی ءٍ، ثمّ یتعلّق أمرٌ آخر بضدّه متفرّعا علی عصیان ذلک الأمر الأوّل و إثبات هذا المطلب یستدعی رسم مقدّمات [أربع] ... إذا عرفت المقدمات المذکورة فنقول ... هذا غایة ما یمکن أن یقال فی المقام و علیک بالتأمّل التّامّ فإنّه من مزالّ الأقدام.

المحقّق العراقی((1)) و المحقّق الإصفهانی (قدس سره).

و خالفهم فی ذلک المحقّق الخراسانی صاحب الکفایة((2)) (قدس سره) و المشهور عن

ص: 90


1- فی مقالات الأصول، ج 1، ص341: «و إنّما الإشکال و معرکة الآراء فی أنّ الأمر بشی ء یقتضی عدم الأمر بضدّه علی الإطلاق و یقتضی عدم إطلاق أمره و أمّا إذا کان مشروطاً بعصیانه بنحو الشرط المقارن فلایقتضی الأمر بضدّه منعه ... و لایخفی أنّ هذا المسلک یقتضی قهراً طولیة الأمرین و لعلّه وجه مناسبة تسمیة هذه المسألة بالترتّب و عمدة نظرهم فی وجه تصحیح الأمرین المزبور فی زمان واحد هو أنّ وجهَ المضادّة بین الأمرین علی الإطلاق وقوعُ المطاردة بینهما حیث إنّ کلّ أمر یقتضی وجوداً طارداً لضدّه و لازمه إیقاع المکلّف فیما لایطاق، و أمّا إذا کان أحدهما مشروطا بعصیان الآخر فلایقتضی هذا الأمر طردُ الآخر لعدم اقتضاء الأمر المشروط حفظ شرطه کما أنّ الآخر أیضاً لایطارد هذا الأمر المشروط بعصیانه لأنّه فی مرتبة وجود المشروط منعزلٌ عن التأثیر بل لایکون فی هذه المرتبة موجوداً لاستحالة إطلاقه مرتبة عصیانه أو إطاعته و حینئذ فمن قبل هذین الأمرین لایقع المکلّف فیما لایطاق لعدم أوّل أمره إلی الجمع بین الضدین ... هذا ملخّص بیان مرامهم. أقول ما أفید فی بیان المرام فی غایة المتانة و لکنّ هذا المقدار لایقتضی طولیة الأمرین و اشتراط أحدهما بعصیان الآخر و توضیح ذلک بأن یقال: إنّه لا شبهة فی صورة تساوی المصلحتین فی حکم العقل بالتخییر بینهما» إلخ. و فی نهایة الأفکار، ج 2، ص373: «و من ذلک البیان ظهر أیضا عدم الحاجة إلی التشبث بالترتّب و الطولیة فی إثبات الأمر التامّ بالمهم بإناطة أمره بعصیان الأهمّ، و ذلک لأنّه و إن کان هذا التقریب أیضا بنفسه تقریبا تامّا نفیسا و یرتفع به محذور المطاردة بین الأمرین بلحاظ صیرورة الأمر بالمهمّ حسب إناطته بعصیان الأهمّ فی رتبة متأخرة عن سقوط أمر الأهمّ إلّا أنّه غیرُ محتاجٍ إلیه بعد إمکان الجمع بین الأمرین فی مرتبة واحدة و اندفاع محذور المطاردة بینهما بجعل الأمر بالمهم أمراً ناقصاً غیرُ تامٍّ، بل و لئن تدّبرت تری کون مثل هذا التقریب فی طول التقریب الّذی ذکرناه و عدم وصول النوبة إلی الأمر التام بمقتضی الترتب إلّا فی فرض عدم إمکان تأثیر مصلحة المهمّ فی الأمر الناقص فی رتبة الأمر بالأهم».
2- فی درر الفوائد فی الحاشیة علی الفرائد (الحاشیةالجدیدة) ص278 – 280 عند التعلیقة علی قوله قده: «و یردّه أنّا لانعقل التّرتیب بین المقامین» یذکر إشکالات ثلاثة و یجیب عنها: الإشکال الأول: «توجیه التکلیف إلی المتضادّین إنّما یقبح إذا لم یکن بتوسیط إختیار المکلّف فی البین و بعبارةٍ أخری إذا لم یکن له مناصٌ کما کان له فیما نحن فیه، حیث یکون له الإتیان بالأهمّ فی مسألة الضّدّین، و القصر و الجهر فی هذه المسألة لو لا تقصیره فی التعلّم». الإشکال الثانی: «نعم لا مجال لإنکار قبح الأمر بهما علی کلّ حال و لو علّق علی الإختیار لکنّه إذا لزم منه إرادة الأمر للجمع بینهما لا مطلقا و لایلزم ذلک مع الترتیب بینهما کما فیما نحن فیه، کیف و إیجاب أحدهما لمّا کان معلّقاً علی عدم إتیان الآخر فی زمانه، و عصیانه لأمره، کان الجمع بینهما فرضاً محالاً موجباً للتفریق بین التکلیفین لانتفاء ما علّق علیه الثانی منهما فکیف یریده و بالجملة إنّما یراد الجمع لو لم یلزم من فرضه إنتفاء الأمر بأحدهما، کما فیما إذا لم یکن بین تکلیفهما ترتّب». الإشکال الثالث: «التکلیف بالمتضادّین علی نحو الترتّب من العقلاء فوق حدّ الإحصاء من دون نکیر فلولا جوازه عقلاً فکیف یصدر منهم بدون ذلک». و تبعه فی ذلک المحقق القوچانی و المشکینی: ففی تعلیقة القوچانی علی کفایة الأصول، ج 1، ص327: «إنّما الکلام فی صحّته [أی الأمر بغیر الأهمّ] مع تحقّق الوحدتین [أی وحدة زمان الأمرین و زمان الفعلین] و غایة ما یمکن أن یقال فی تقریبه وجهان: أحدهما: أنّ الأمر بالمهم مشروط بترک الأهمّ فی وقته، و المشروط بشی ء لایشمل حال عدمه، فلایتحقق فی ظرف إیجاد الأهمّ ثم إنّ الأمر بالأهمّ لایکون شاملاً لحال عدمه أیضا کما هو شأن کلِّ أمرٍ مطلقٍ، حیث إنّه لایمکن اطلاقه فی رتبة عدمه و إلّا لزم الأمر بالنقیض فی مرتبة نقیضه الآخر و هو محال، و حینئذ فلایجتمعان فی مرتبة واحدة ... و لکنّ التحقیق: عدم صحة التقریب، و بیانه یتمّ برسم أمورٍ». و فی ص332 – 334: «الثانی من التقریبین: أنّه یرجع الأمر بالمهم إلی طلب سدّ أنحاء عدمه إلّا سدّ عدمه الذی ینشأ من قبل فعل الأهمّ ... ثم إنّک بعد ما عرفت البرهان علی امتناع الترتب تعلم أنّه علی تقدیر عدم إتیان المکلف للضدین لایعاقب إلّا بالنسبة إلی مخالفة الأهمّ، دون غیره، لعدم فعلیة أمره؛ و أمّا إستبعاد ذلک من ملاحظة بعض الأمثلة فهو شبهة فی مقابلة الوجدان و إشتباه الأهمّ بغیره ... إذا عرفت ما ذکرنا من عدم صحة القول بالترتب، فیظهر أنّ صحة الضد منحصرةٌ بما ذکرنا من کفایة الحسن الذاتی فی کون الشی ء عبادة و إن لم یکن أمرٌ فی البین». و فی کفایة الأصول مع حواشی المشکینی، ج 2، ص44: «إنّ الحقّ بطلان الترتّب، و ما یمکن الإستدلال- أو استدلّ- به علیه وجوهٌ [ثمانیة]».

ص: 91

الشیخ الأنصاری (قدس سره) أیضاً إنکار الترتّب و لکن قال بعض الأساطین (حفظه الله): إنّ کلمات الشیخ (قدس سره) اختلفت هنا((1)) فیستفاد من بعضها استحالة الترتّب((2)) کما

ص: 92


1- قد أورد بعضٌ علی کلمات الشیخ بالتهافت و أجاب عنه بعضٌ آخر فننقل کلیهما لوضوح الحقّ: ففی أجود التقریرات، ج 1، ص287: «و من الغریب أنّ العلّامة الأنصاری (قدس سره) مع إنکاره الترتب و بنائه علی سقوط أصل خطاب المهم دون إطلاقه ذهب فی تعارض الخبرین بناءً علی السببیة إلی سقوط إطلاق وجوب العمل علی طبق کلٍّ من الخبرین ببیان أنّ محذور التزاحم یرتفع عند سقوط الإطلاقین فیکون وجوب العمل بکل منهما مشروطاً بعدم العمل علی طبق الآخر و هذا التقیید و الإشتراط إنّما نشأ من اعتبار القدرة فی فعلیة التکلیف و حاصل ما ذکره (قدس سره) یرجع إلی الإلتزام بخطابین مترتب کل منهما علی عدم امتثال الآخر (فلیت شعری) لو امتنع ترتّب أحد الخطابین علی عدم امتثال الآخر کما فیما نحن فیه لاستلزامه طلب الجمع بین الضدین کما توهّم فهل ضمّ ترتّب إلی مثله یوجب ارتفاع المحذور؟ إلّا أنّ الإشتباه من الأساطین قدس الله أسرارهم غیرُ عزیزٍ». و راجع زبدة الأصول، ج 2، ص300 – 302 .
2- فی مطارح الأنظار، (ط.ق): هدایةٌ [فی صحة اشتراط الوجوب بمقدمة محرّمة عقلا]، ص56: «قال المحقق الثانی فی شرح قول العلّامة رحمه الله و لایصح الصلاة فی أوّل وقتها ممن علیه دَینٌ واجبُ الأداء فوراً ... و یظهر مراده إجمالاً مما أفاده الشیخ فی الکشف قال فی مبحث اقتضاء الأمر النهی عن ضده: إنحصار المقدمة بالحرام بعد شغل الذمة لاینافی الصحة و إن استلزم المعصیة ... إنتهی قلت و کأنّه یشیر بقوله کما هو أقوی الوجوه إلی الإشکال المعروف بینهم من صحة صلاة الجاهل بهما و لو کان مقصّر!ا مع التکلیف بالواقع و حلّه علی ما زعمه هو أنّ التکلیف بالواقع مقدم علی تکلیفه بما یخالفه فعلی تقدیر المخالفة یصح صلاته و إن کان آثما فی التأخیر و منشأ هذا التوهم هو الخلط بین اشتراط الوجوب بمقدمةٍ محرمةٍ مقدمة علی الواجب زمانا کما عرفت فی طی المسافة إلی المیقات للحجّ و بین اشتراطه بمقدمةٍ مقارنةٍ له فی الوجود و یظهر من بعضهم تقریباً للمطلب المذکور تمثیل فی المقام و هو أنّه لایمتنع عند العقل أن یقول المولی الحکیم لعبده أحرم علیک الکون فی دار زید و لکن لو عصیتنی و کنت فیها فیجب علیک الکون فی زاویةٍ خاصةٍ منها فالعبد حال کونه فی تلک الزاویة منهی عن الکون فیه مطلقا و مأمور به بشرط الکون فیها أقول فساده غیرُ خَفی إذ لایعقل أن یکون الأمر متعلقا بالکون الخاص علی تقدیر تعلق النهی عن مطلق الکون و أمّا ما یری من تجویز ذلک فی بعض المراتب فذلک مما لایجدی ... و لذلک سلک بعض أصحاب هذا القول مسلکا آخر فی تعلیقاته علی المعالم و محصّله أنّه زعم أنّ العصیان إنّما هو من مقدمات الوجوب فلایتّصف بالوجوب لما عرفت من أنّ المقدمة الوجوبیة غیرُ واجبةٍ فالأمر بالصلاة لیس منجّزا ما لم یحصل الشرط و هو و إن استقام کلامه بما زعمه من جهة عدم لزوم التکلیف بما لایطاق و لا اجتماع الأمر فی المقدمة إلّا أنّه مع ذلک غیرُ مستقیمٍ إذ الکلام فی جواز الدخول فی الفعل قبل حصول الشرط و استغربه و دفعه بأمرٍ غیرِ معقولٍ عندنا و هو جواز تأخیر الشرط عن المشروط قال فی جملة کلام له فی ذلک ... إنتهی موضع الحاجة من کلامه بتفاوت قلیل و فیه ما عرفت من أنّه لایعقل اشتراط الشی ء بالشرط المتأخر إذ حال عدم الشرط یمتنع وجود المشروط و إلّا لم یکن شرطا و أمّا الإجازة فی الفضولی فقد بینّا فی محله أنّ القاعدة یقضی بالنقل فیها و علی القول بالکشف لابدّ من الکشف الحکمی و أمّا الکشف الحقیقی فما لا واقع له و إن بالغ فیه بعض الأفاضل و بالجملة فنحن لانؤمن بما لانعقله بعد کونه من الأمور التی من شأنها التعقل کما فی المقام و لذلک قد أعرض عن هذا المسلک أیضاً بعض من تبعهم فی أصل المطلب و زعم تفریع ذلک علی ما توهّمه من الفرق بین الواجب المشروط و الواجب المعلّق و تصدّی لبعض ما ذکرنا من عدم معقولیة تأخر الشرط عن المشروط بأنّ الشرط هو الوصف الإعتباری المنتزع عن الشی ء باعتبار لحوق الشرط له قال بعد إبداء الفرق بین ما تخیله من نوعی الوجوب ... إنتهی ما أفاده قدّس سره و فیه أوّلاً ما عرفت من فساد أصل المبنی مضافاً إلی تناقض صریح بین کلماته إذ الکلام إنّما هو فی الواجب المعلق علی ما زعمه و هو یغایر المشروط». إلخ و راجع فرائد الأصول، ج 2، ص437 – 439. و فی الفوائد الأصولیة للشیخ الأنصاری، ص405: «قال فی کشف الغطاء فی البحث عن المقدمات: « إنحصار المقدمة فی الحرام بعد شغل الذمة ل ینافی الصحة و إن استلزم المعصیة» ... و قد ذکرنا هذه العبارة و غیرها فی بحث مقدمة الواجب، و بینّا فسادها و فساد ما قیل من توجیهها و تشییدها من کلمات الشیخ فی الحاشیة و کلمات أخیه فی الفصول ببیانٍ مُشبِعٍ، فلانطیل بذکرها و ذکر ما فیها هنا» و راجع قلائد الفرائد، ج 1، ص653 و 654.

یستفاد من کلامه فی التعادل و التراجیح عند البحث عن الأصل فی المتعارضین علی القول بالسببیة إمکان الترتّب.((1))

ص: 93


1- تحقیق الأصول، ج3، ص199. و عبارة الشیخ فی فرائد الأصول، ج 4، ص36 و 37 هکذا: «لمّا کان امتثال التکلیف بالعمل بکلٍّ منهما [أی المتعارضین] کسائر التکالیف الشرعیة و العرفیة مشروطاً بالقدرة و المفروض أنّ کلّاً منهما مقدور فی حال ترک الآخر و غیر مقدور مع إیجاد الآخر، فکلّ منهما مع ترک الآخر مقدور یحرم ترکه و یتعین فعله، و مع إیجاد الآخر یجوز ترکه و لایعاقب علیه، فوجوب الأخذ بأحدهما نتیجة أدلّة وجوب الإمتثال و العمل بکلٍّ منهما، بعد تقیید وجوب الإمتثال بالقدرة و هذا ممّا یحکم به بدیهة العقل، کما فی کلّ واجبین إجتمعا علی المکلّف، و لا مانع من تعیین کلّ منهما علی المکلّف بمقتضی دلیله إلّا تعیین الآخر علیه کذلک ... لکن هذا کلّه علی تقدیر أن یکون العمل بالخبر من باب السببیة، بأن یکون قیام الخبر علی وجوب فعل واقعا، سببا شرعیا لوجوبه ظاهراً علی المکلّف، فیصیر المتعارضان من قبیل السببین المتزاحمین، فیلغی أحدهما مع وجود وصف السببیة فیه لإعمال الآخر، کما فی کلّ واجبین متزاحمین» إلخ.

قبل الورود فی البحث لابدّ من تقدیم أُمور:

المقدمة الأُولی:

إنّ البحث عن الترتّب یجدی فی ما إذا قلنا بسقوط الأمر بالعبادة و عدم إحراز تمامیة ملاکه و إلّا فإن قلنا بتصحیح العبادة المضادة للواجب الأهمّ بأحد الأمرین (1- وجود الأمر به و عدم سقوطه 2- وجود الملاک و تمامیته) فلا ثمرة فی البحث عن الترتّب.

و بعض الأعلام مثل السید الخوئی (قدس سره) حیث قال بعدم استکشاف تمامیة الملاک عند تزاحم الواجب الموسّع و الواجب المضیق أو عند تزاحم الواجبین المضیقین و أیضاً قال بعدم الأمر بالواجب المهمّ عند فعلیة الأمر بالأهمّ عند تزاحم الواجبین المضیقین (لاستحالة الأمر بالضدّین) فلابدّ لهم من البحث عن الترتّب لتصحیح العبادة المضادّة للواجب الأهمّ، فللبحث عندهم ثمرة مهمة جداً و للمحقّق النائینی (قدس سره) هنا کلام یأتی فی الأمر الخامس.((1))

ص: 94


1- فوائد الأصول، ص367.

المقدمة الثانیة:

إنّ البحث عن الترتّب من المباحث العقلیة، لأنّ البحث فیه عن إمکان الأمر بالضدّین علی نحو الترتّب و طولیاً أو استحالته و الحاکم بالإمکان أو الاستحالة هو العقل فهذا البحث بحث عقلی لا لفظی.((1))

ص: 95


1- المحاضرات، ج3، ص94.

المقدمة الثالثة:

((1))

إنّ البحث عن الترتّب بحث ثبوتی و لانحتاج فیه إلی بحث إثباتی لأنّ إمکان تعلّق الأمر بالضدّین علی نحو الترتّب یکفی لوقوعه.

توضیحه: إنّ الأمر بالضدّین محال لأنّه تکلیف بما لایطاق و تکلیف بالمحال و لکن لدفع هذا المحذور إمّا أن نرفع الید عن الأمر بالمهمّ و نقول بسقوطه و إمّا أن نرفع الید عن إطلاق الأمر بالمهمّ و نقول: إنّ الأمر بالمهم یکون فی فرض عصیان الأمر بالأهمّ أو العزم علی معصیته.

فإذا أمکن رفع الید عن الإطلاق فلاتصل النوبة إلی رفع الید عن أصل الأمر بالمهمّ لأنّ الضرورات تتقدّر بقدرها.

ص: 96


1- المحاضرات، ج3، ص94 - 95.

المقدمة الرابعة: للواجبین المتضادین ثلاث صور

اشارة

((1))

إنّ الواجبین المتضادّین یتصوران علی ثلاث صور:

الصورة الأُولی: أن یکونا موسعین و هی لاتدخل فی کبری التزاحم قطعاً لتمکن المکلّف من الجمع بینهما فی سعة الوقت من دون مزاحمة.

الصورة الثانیة: أن یکونا مضیقین کالإزالة و الصلاة فی آخر وقتها و هی القدر المتقین من کبری التزاحم.

الصورة الثالثة: أن یکون أحدهما موسعاً و الآخر مضیقاً.

قولان فی الصورة الثالثة:
اشارة

هی داخلة فی التزاحم عند المحقّق النائینی (قدس سره) و خارجة عنه عند المحقّق الخوئی (قدس سره) .

والوجه فی ذلک هو أنّ تقابل الإطلاق و التقیید عند المحقّق النائینی (قدس سره) تقابل الملکة و العدم و عند المحقّق الإصفهانی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) تقابل الضدّین بحسب مقام الثبوت و تقابل الملکة و العدم بحسب مقام الإثبات لأنّ الإطلاق فی مقام الثبوت هو لحاظ القیود و رفضها و الرفض أمر وجودی.

بیان المحقق النائینی (قدس سره) للقول الأوّل:

أمّا وجه دخوله فی التزاحم عند المحقّق النائینی (قدس سره) فهو أنّ کل مورد لایکون قابلاً للتقیید لایکون قابلاً للإطلاق أیضاً و فی ما نحن فیه یستحیل تقیید

ص: 97


1- المحاضرات، ج3، ص91 - 94.

الواجب الموسع بخصوص الفرد المزاحم فإطلاقه بالنسبة إلیه أیضاً لابدّ أن یکون مستحیلاً.

فعلی هذا یقع التزاحم بین فعلیة الواجب المضیق و إطلاق الواجب الموسع بالنسبة إلی الفرد المزاحم للواجب المقید فلابدّ إمّا من رفع الید عن فعلیة الواجب المضیق حتّی یکون إطلاق الواجب الموسع بالنسبة إلی الفرد المزاحم جاریاً و إمّا من التحفّظ علی فعلیة الواجب المضیق فیکون الإطلاق فی الواجب الموسع مستحیلاً و هذا هو التزاحم.

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) للقول الثانی:

أمّا وجه عدم دخوله فی التزاحم عند المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)) فهو أنّ استحالة تقیید متعلّق الحکم أو موضوعه بقید خاص تستلزم کون الإطلاق أو التقیید بخلاف ذلک القید ضروریاً فتلک الصورة خارجة عن کبری باب التزاحم، لأنّ معنی إطلاق الواجب الموسع هو أنّ الواجب صرف وجوده الجامع بین المبدأ و المنتهی من دون خصوصیات الأفراد و تشخصاتها فیه و علی هذا إنّ الفرد المزاحم و الفرد غیرَ المزاحم غیر داخلان فی متعلّق الوجوب بل متعلّق الوجوب هو الطبائع، فعند استحالة التقیید یجب الإطلاق لاستحالة الإهمال فی الواقعیات و لذا لا تنافی بین إطلاق الواجب الموسع و فعلیة الواجب المضیق، لأنّ المفروض فی وجوب الصلاة مثلاً هو أنّ الوجوب تعلّق بصرف وجوب الصلاة فی مجموع هذه الأزمنة لا فی کل زمان من تلک الأزمنة لینافی وجوب واجب آخر فی بعضها و لذلک صحّ الإتیان بالفرد المزاحم بداعی الأمر المتعلّق بصرف وجود الواجب فلا حاجة عندئذ إلی القول بالترتّب.

ص: 98


1- المحاضرات، ج3، ص93.

المقدمة الخامسة: فی جریان الترتب فی ما إذا کان الواجب المهم مشروطاً بالقدرة شرعاً

اشارة

إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) قال بعدم جریان الترتّب فی ما إذا کان الواجب المهمّ مشروطاً بالقدرة شرعاً و خالفه المحقّق الخوئی (قدس سره) و فصّل فی المقام بین الأمثلة التی ینطبق علیها کلام المحقّق النائینی (قدس سره) .

بیان المحقّق النائینی (قدس سره) لعدم جریان الترتب:

((1))

إنّ الخطاب المترتّب علی عصیان الخطاب الأهم یتوقّف علی کون متعلّقه حال المزاحمة واجداً للملاک و قد بینا أنّ الکاشف عن ذلک هو إطلاق المتعلّق، فإذا کان المتعلّق مقیداً بالقدرة الشرعیة سواء کان التقیید مستفاداً من القرینة المتّصلة أم المنفصلة لم یبق للخطاب بالمهمّ محل أصلاً.

والوجه فیه هو أنّ الکاشف عن الملاک إطلاق متعلّق الأمر بالمهمّ و أمّا مع تقییده بالقدرة شرعاً فلا أمر عند عدم القدرة فلا کاشف عن الملاک و لایبقی مجال للتکلیف بالواجب المهمّ ترتّباً.

ثمّ قال المحقّق النائینی (قدس سره):

و منه یظهر أنّه لایمکن تصحیح الوضوء فی موارد الأمر بالتیمّم بالملاک أو بالخطاب الترتّبی، فإنّ الأمر بالوضوء مقید شرعاً بحال التمکّن من استعمال الماء بقرینة تقیید وجوب التیمّم بحال عدم الماء، ففی حال عدم التمکّن لا ملاک للوضوء کی یمکن القول بصحّته إمّا من باب الاکتفاء بالاشتمال علی

ص: 99


1- أجود التقریرات، ج2، ص90.

الملاک فی الحکم بالصحّة و إمّا من باب تجویز الخطاب الترتّبی (أی إمّا بالملاک و إمّا بالترتّب).

ولأجل ذلک لم یذهب العلامة المحقّق الشیخ الأنصاری (قدس سره) و لا العلّامة المحقّق تملیذه أُستاذ أساتیذنا1 إلی الصحّة فی الفرض المزبور مع أنّ الشیخ الأنصاری (قدس سره) یری کفایة الملاک فی صحّة العبادة و السید المحقّق المیرزا الشیرازی (قدس سره) یری جواز الخطاب الترتّبی.

و أمّا ذهاب السید المحقّق الطباطبایی الیزدی (قدس سره) إلی الصحّة فی مفروض الکلام فهو ناشئ من الغفلة عن حقیقة الأمر.

و قال فی فوائد الأُصول:((1))

إذا وجب صرف ما عنده من الماء لحفظ النفس المحترمة کان وضوؤه خالیاً عن الملاک، فلو عصی و توضّأ کان وضوؤه باطلاً و لایمکن تصحیحه بالملاک و لا بالأمر الترتّبی و من الغریب ما حکی عن بعض الأعاظم فی حاشیته علی النجاة من القول بصحّة الوضوء و الحال هذه و لایخفی فساده.

إیراد المحقّق الخوئی علی المحقّق النائینی (قدس سره)

((2)):

لابدّ من التفصیل بحسب الموارد و الأمثلة:

أمّا المثال الأوّل: (و هو بطلان الوضوء أو الغسل فی مورد الأمر بالتیمّم بتوهّم کونهما فاقداً للملاک فلایمکن تعلّق الأمر بهما و لو علی نحو الترتّب لاستحالة وجود الأمر بلاملاک).

ص: 100


1- فوائد الأصول، ج1-2، ص367.
2- المحاضرات، ج3، ص97.

فیرد علیه: أنّ القول بجواز تعلّق الأمر بالضدّین علی نحو الترتّب لایتوقّف علی إحراز الملاک فی الواجب المهمّ إذ لایمکن إحرازه فیه إلّا بتعلّق الأمر به فلو توقّف تعلّق الأمر به علی إحرازه لدار.

ولایفرق فی ذلک بین أن یکون الواجب المهمّ مشروطاً بالقدرة عقلاً و أن یکون مشروطاً بها شرعاً؛ و ذلک لما تقدّم من أنّه لایمکن إحراز الملاک إلّا من ناحیة الأمر فلو تمّ هذا التوهّم لکان مقتضاه عدم جریان الترتّب مطلقاً حتّی فی الواجب المشروط بالقدرة عقلاً.

إذن الصحیح هو عدم الفرق فی صحّة الترتّب و إمکانه بین الواجب المشروط بالقدرة الشرعیة و المشروط بالقدرة العقلیة لأنّ مبدأ إمکان الترتّب نقطة واحدة و هی أنّ تعلّق الأمر بالمهمّ علی تقدیر عصیان الأهمّ لایقتضی الجمع بین الضدّین لیکون محالاً، بل یقتضی الجمع بین الطلبین فی زمان واحد و لا إشکال فیه حیث إنّ المطلوب فی أحدهما مطلق و فی الآخر مقید بعدم الإتیان به فلو أتی بهما جمیعاً بقصد الأمر لکان تشریعاً محرّماً.

فعدم جریان الترتّب فی المشروط بالقدرة الشرعیة یبتنی علی أمرین:

الأوّل: أن یکون المهمّ واجداً للملاک حتّی فی حال مزاحمته للأمر بالأهمّ و فیه ما قلنا من أنّ الترتّب لایتوقّف علی إحراز الملاک فی المهمّ.

الثانی: أن یکون الأمر بالأهمّ مانعاً عن الأمر بالمهمّ و فیه أنّ مانعیته یکون فی ما إذا کان فی عرضه أمّا إذا کان فی طوله فلامانعیة.

أمّا المثال الثانی: (وهو ما إذا دار الأمر بین صرف الماء فی الوضوء أو الغسل و صرفه فی تطهیر الثوب و البدن).

فیرد علیه: أنّ عدم جریان الترتّب لیس لاشتراط المهمّ بالقدرة الشرعیة بل

ص: 101

لأنّ التزاحم یجری بین الواجبین النفسیین کالصلاة و الإزالة و لایعقل التزاحم بین أجزاء واجب واحد لأنّ الجمیع واجب بوجود واحد و یسقط الأمر بتعذّر أحد الأجزاء فحینئذ ثبوت الوجوب لسائر الأجزاء یحتاج إلی أمر جدید و هذا الدلیل فی الصلاة موجود و عندئذٍ یعلم إجمالاً بجعل أحد هذین الجزئین أو الشرطین فی الواقع.

ثمّ إنّ ما نسبه المحقّق النائینی (قدس سره) إلی السید الطباطبایی (قدس سره) خلاف ما أفاده فی العروة الوثقی (المسوّغ السادس للتیمّم) حیث قال ببطلان الوضوء أو الغسل فی هذا الفرع.

تحقیق المحقّق الخوئی (قدس سره) لتصحیح الوضوء و الغسل فی هذا الفرع:

((1))

إنّ الأقوی صحّة الوضوء و الغسل بما أنّهما عبادة فی نفسهما و متعلّق الأمر النفسی الاستحبابی و ذلک بالالتزام بأمره الاستحبابی النفسی ترتّباً.

ص: 102


1- المحاضرات، ج3، ص101.

المقام الأوّل: أدلّة إنکار الترتّب

الدلیل الأوّل: ما أفاده المحقّق الخراسانی (قدس سره) بطریق الإنّ

اشارة

قال (قدس سره):((1))لا أظنّ أن یلتزم القائل بالترتّب، بما هو لازمه من الاستحقاق لعقوبتین فی صورة مخالفة الأمرین، ضرورة قبح العقاب علی ما لایقدر علیه العبد و لذا کان سیدنا الأُستاذ (قدس سره) (السید المجدد المیرزا الشیرازی (قدس سره) لایلتزم بتعدّد العقاب علی ما هو ببالی.

إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره):

(2)

إنّ الالتزام بجواز الترتّب یستلزم الالتزام بجواز تعدّد العقاب و لایلزم من الالتزام بالترتّب کون العقاب علی الأمرین من العقاب علی الأمر المستحیل ضرورة أنّ معنی إمکان الترتّب هو جواز تعلّق الأمر بالأهمّ علی وجه الإطلاق

ص: 103


1- کفایة الأصول، ص135.
2- المحاضرات، ج3، ص142. و فی رسائل السید جمال الدین گلپایگانی، قاعدة الترتب، ص51: «و ما حکی أستاذنا الأعظم فی الکفایة من أنّ سید مشایخنا رفع الله مقامه، کان غیرُ ملتزمٍ بتعدد العقاب، و کان عدم إلتزامه به، من جهة التأمّل فی تصویر العقابین المترتبین المعلولین للعصیانین المترتبین، فإن کان رحمه الله متأمّلاً فی تعقل الترتب بین عقابیهما، لا فی أصل ترتب العقاب علیهما، فإنّه کان ملتزماً به، کما حکی عنه الأستاذ دام بقاه؛ غایة الأمر کان متأمّلاً فی تعقّله، و قد کان رحمه الله یعتبر عن العقابین المترتبین بتأکّد العقاب، لا أنّه ینفیهما کما هو ظاهر الکفایة، و لکن لا حاجة الی ذلک، حیث إنّ الترتب إنّما کان بین الخطابین، و ذلک لایلازم الترتب بین عقابیهما أیضا، فإنّه فعلٌ للشارع و جزاءٌ للعصیان، و المفروض أنّ المکلف التارک لکلا الخطابین تارکٌ لهما مستقلا، کما إذا لم یکن بینهما ترتّبٌ أصلاً کما لایخفی».

و بالمهمّ مقیداً بعصیان الأهمّ، لفرض أنّهما علی هذا النحو مقدور للمکلّف، فإذا کانا مقدورین فلامحالة یستحق عقابین علی ترکهما فی الخارج.

و فرق بین أن یکون العقاب علی ترک الجمع بین الواجب الأهمّ و المهمّ و أن یکون العقاب علی الجمع فی الترک بمعنی أنّه یعاقب علی ترک کل منهما فی حال ترک الآخر فإنّ الأوّل محال دون الثانی.

فإنّ الترتّب لیس معناه طلب الجمع بین الضدّین بل هو جمع بین طلب الضدّین بنحو طولی بل یمکن أن یقال: إنّ تعدّد العقاب فی صورة مخالفة المکلّف و ترکه الواجب الأهمّ و المهمّ معاً من المرتکزات فی الأذهان، مثلاً إذا فرض وقوع المزاحمة بین صلاة الفریضة فی آخر الوقت و صلاة الآیات بحیث لو اشتغل المکلّف بصلاة الآیات لفاتته فریضة الوقت، فعندئذ لو عصی المکلّف الأمر بالصلاة و لم یأت بها فلامحالة یدور أمره بین أن یأتی بصلاة الآیات و أن یترکها.

و من الواضح جداً أنّه إذا ترکها فی هذا الحال فتشهد المرتکزات العرفیة علی أنّه یستحق العقوبة علیه أیضاً، فإنّ المانع بنظرهم عن الإتیان بصلاة الآیات هو الإتیان بفریضة الوقت و أمّا إذا ترک الفریضة فلایجوز له أن یشتغل بفعل آخر و یترک صلاة الآیات و بذلک نستکشف إمکان الترتّب و إلّا لم یکن هذا المعنی مرتکزاً فی أذهانهم.

ص: 104

الدلیل الثانی علی إنکار الترتّب:

اشارة

إنّ الغرض الداعی إلی جعل التکلیف جعل الداعی له لینبعث منه، و الانبعاث لایمکن إلّا فی ما إذا کان الفعل ممکناً بالإمکان الوقوعی و أمّا إذا کان ممتنعاً وقوعاً فلایمکن الانبعاث نحو الفعل فیکون جعله لغواً فلایصدر من الحکیم لاستحالة تکلیف العاجز.

إیرادان علی هذا الدلیل:
الإیراد الأوّل: من المحقّق النائینی (قدس سره)
اشارة

إنّ الأمر بالأهمّ و المهمّ و إن کانا فعلیین حال العصیان معاً إلّا أنّ اختلافهما فی الرتبة أوجب عدم لزوم طلب الجمع بین الضدّین، لأنّ الأمر بالأهمّ فی رتبة تقتضی هدم موضوع الأمر بالمهمّ و عدمه و أمّا الأمر بالمهمّ فلایقتضی وجود موضوعه.

جواب المحقّق الخوئی (قدس سره):

((1))

أوّلاً: إنّ الأحکام الشرعیة ثابتة للموجودات الزمانیة و لا أثر لاختلافهما فی الرتبة، فلایجدی تقدّم الأمر بالأهمّ علی المهمّ رتبة بعد ما کانا متقارنین زماناً فإنّ المحال هو طلب الجمع بین الضدّین فی الخارج، لا فی الرتبة لأنّ التضادّ و التماثل و التناقض و ما شاکلها جمیعاً من صفات الموجودات الخارجیة.

و ثانیاً: إنّ الأمر بالأهمّ لایتقدم علی الأمر بالمهمّ رتبة، لأنّ تقدّم شیء علی الآخر بالرتبة یحتاج إلی ملاک کامن فی صمیم ذات المتقدم، فلایتعدی منه إلی ما

ص: 105


1- المحاضرات، ج3، ص149.

هو فی مرتبته فضلاً عن غیره و من الواضح أنّه لا ملاک لتقدّم الأمر بالأهمّ علی الأمر بالمهمّ.

الإیراد الثانی: من المحقّق الخوئی (قدس سره)

((1))

إنّه لایلزم من اجتماع الأمرین فی زمان واحد طلب الجمع، لیستحیل داعویة کل منهما لإیجاد متعلّقه فی هذا الزمان، و الوجه فیه أنّ انبعاث المکلّف عن کلا الأمرین فی عرض واحد و إن کان لایمکن، إلّا أنّ انبعاثه عنهما علی نحو الترتّب ممکن بالإمکان الوقوعی، فإنّه عند انبعاثه عن الأمر بالأهمّ لا بعث بالإضافة إلی المهمّ لیزاحمه فی ذلک و یقتضی انبعاث المکلف نحوه و علی تقدیر عدم انبعاثه عنه باختیاره و إرادته لا مانع من انبعاثه عن الأمر بالمهمّ بداهة أنّ المهمّ مقدور للمکلّف فی هذا الحال عقلاً و شرعاً.

الدلیل الثالث علی إنکار الترتّب:

اشارة

إنّ عصیان الأمر بالأهمّ عند أکثر القائلین بالترتّب شرط فی فعلیة الأمر بالمهمّ و هذا العصیان إمّا أن یکون بوجوده الخارجی علی نحو الشرط المقارن شرطاً لفعلیة الأمر بالمهمّ فحینئذ لایمکن فعلیة الأمرین فی زمان واحد لأنّ فعلیة الأمر بالمهمّ تتحقّق فی زمان سقوط فعلیة الأمر بالأهمّ، فلا نحتاج إلی بحث الترتّب.

و إمّا أن یکون العصیان بوجوده الخارجی علی نحو الشرط المتأخر أو بوجوده الانتزاعی (بأن یکون المکلّف متصفّاً بأنّه یعصی فی ما بعد) شرطاً لفعلیة

ص: 106


1- المحاضرات، ج3، ص146 - 148.

الأمر بالمهمّ فلامحالة یلزم طلب الجمع بین الضدّین، لأنّ الأمر بالمهم یصیر فعلیاً فی زمان عدم سقوط الأمر بالأهمّ، لأنّ شرط فعلیة الأمر بالمهمّ إمّا هو العصیان المتأخر (علی نحو الشرط المتأخر) و إمّا هو عنوان تعقبه بالعصیان المتأخر و یلزم من هذا الفرض فعلیة الأمرین و طلب الجمع بین الضدّین.

إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره):

((1))

أمّا الصورة الأُولی من کلامه و هی أنّ العصیان إذا کان شرطاً بوجوده الخارجی علی نحو الشرط المقارن فلایمکن فیه فرض اجتماع الأمر بالأهمّ و الأمر بالمهمّ فیرد علیه أنّ ذلک یبتنی علی نقطة فاسدة و هی توهّم أنّ العصیان مهما تحقّق و وجد فی الخارج فهو مسقط للأمر و لکنه غیر صحیح لأنّا إذا حللنا مسألة سقوط الأمر تحلیلاً علمیاً نری أنّ الموجب لسقوطه أمران:

الأوّل: امتثاله حیث إنّ ذلک موجب لحصول الغرض منه و الأمر معلول للغرض الداعی له حدوثاً و بقاء فمع تحقّق الغرض فی الخارج لایعقل بقاء الأمر و إلّا لزم بقاء الأمر بلا غرض و هو کبقاء المعلول بلا علّة محال.

أمّا الامتثال فی نفسه فلایقتضی سقوط الأمر، لأنّ الامتثال معلول للأمر فلایعقل أن یکون معدماً له.

الثانی: امتناع الامتثال و عدم تمکّن المکلّف منه، فإنّه یوجب سقوط الأمر لامحالة لقبح توجیه التکلیف نحو العاجز.

أمّا العصیان بما هو عصیان فلایعقل أن یکون مسقطاً للأمر، لأنّ الأمر لو سقط فی حال الامتثال أو العصیان فلا أمر عندئذ لیمتثله المکلّف أو یعصیه.

ص: 107


1- المحاضرات (ط.ق): ج3، ص153 و (ط.ج): ج2، ص456.

نعم لو استمرّ العصیان إلی زمان لایتمکن المکلّف بعده من الامتثال لسقط الأمر لامحالة، و لکن لا من جهة العصیان بما هو، بل من جهة عدم قدرة المکلّف علیه و عدم تمکّنه منه، کما أنّ الامتثال إذا استمرّ إلی آخر جزء من الواجب لسقط الأمر من جهة حصول الغرض به.

و إذا کان المکلّف متمکّناً من الامتثال و لکنه عصی و لم یأت به فی الآن الأوّل فمن الواضح أنّ مجرد ترکه فی ذلک الآن و عدم الإتیان به فیه لایوجب سقوطه مع تمکّنه منه فی الآن الثانی.

نعم لو کان الواجب الأهمّ آنیاً لسقط الأمر به بالعصیان فی الآن الأوّل من ناحیة عدم تمکّن المکلّف فی الآن الثانی فیخرج هذا الفرض عن الترتّب إلّا فی ما إذا کان الواجب المهمّ أیضاً آنیاً فیدخل فی محل البحث و لایمکن إثبات الأمر به إلّا بناءً علی القول بالترتّب.

و بالنتیجة إنّ الأمر بالأهمّ ثابت حال عصیانه و حال الإتیان بالمهمّ.

أمّا الصورة الثانیة من کلامه و هی أنّ العصیان کان شرطاً بوجوده الخارجی بنحو الشرط المتأخر أو کان شرطاً بعنوانه الانتزاعی، فیرد علیه:

أوّلاً: أنّ العصیان لیس بوجوده المتأخر و لا بعنوانه الانتزاعی شرطاً بل العصیان شرط بوجوده الخارجی و علیه فما لم یتحقّق العصیان فی الخارج لم یصر الأمر بالمهمّ فعلیاً.

توضیح ذلک: نحن إن قلنا بأنّ الشرط لفعلیة الأمر بالمهمّ هو معصیة الأمر بالأهمّ آناً ما بمعنی أنّ معصیة الأهمّ فی الآن الأوّل کافیة لفعلیة الأمر بالمهمّ فی جمیع أزمنة امتثاله فلاتتوقف فعلیته فی الآن الثانی علی استمرار معصیة الأمر بالأهمّ إلی ذلک الآن بل لو تبدّلت معصیته بالإطاعة فی الزمن الثانی کان الأمر

ص: 108

بالمهمّ باقیاً علی فعلیته و هذا مستلزم لطلب الجمع بین الضدّین و لعل هذا هو مورد نظر المنکرین للترتّب کما یظهر من الکفایة.

أمّا إذا قلنا بأنّ شرط فعلیة الأمر بالمهمّ عصیان الأمر بالأهمّ فی جمیع الأزمنة بمعنی أنّ فعلیته تدور مدار عصیانه حدوثاً و بقاءً فلایکفی عصیانه آناً ما لبقاء أمره إلی الجزء الأخیر منه، ففعلیة الأمر بالصلاة عند مزاحمتها بالإزالة مشروطة ببقاء عصیان أمر الإزالة و استمراره إلی آخر أزمنة امتثال الصلاة و بانتفائه فی أی وقت کان ینتفی الأمر بالصلاة.

ثانیاً: أنّ اجتماع الأمرین فی زمان واحد علی نحو الترتّب لایستلزم طلب الجمع و قد ذکرنا((1)) أنّ طلب الجمع إنّما یلزم علی أحد تقادیر لا رابع لها:

التقدیر الأوّل: أن یکون کلا الخطابین علی وجه الاطلاق.

التقدیر الثانی: أن یکون خطاب المهمّ مقتضیاً لوجود موضوعه و هو عصیان الأهمّ.

التقدیر الثالث: أن یکون خطاب المهمّ مشروطاً بإتیان الأهمّ فیکونا مطلوبین علی نحو الاجتماع

و من المعلوم أنّ ما نحن فیه لیس من شیء منها:

أمّا أنّه لیس من قبیل الأوّل فلأنّ الأمر بالمهمّ مقید بعصیان الأمر بالأهمّ فلیس مطلقاً أمّا أنّه لیس من قبیل الثانی فلأنّ الحکم یستحیل أن یقتضی وجود موضوعه فی الخارج أمّا أنّه لیس من قبیل الثالث فلأنّ الأمر بالمهمّ مقید بعدم إتیان الأهمّ لا بإتیانه.

ص: 109


1- فی المحاضرات، ج3، ص147.

هنا أدلة أخری لانطیل الکلام بذکرها.((1))

ص: 110


1- منها ما حکی عن المیرزا محمد تقی الشیرازی: ففی تعلیقة المحقق القوچانی علی کفایة الأصول، ج 1، ص330: «هذا کلّه، مع أنّه یرد علی الترتب کما عن الشیخ المدقق الشیرازی دام ظله بأنّ ترک المهم حرام، فحینئذ لایخلو: إمّا أن یکون المحرّم هو مطلق الترک أعمّ من الموصل إلی الأهمّ و غیره الجامع مع فعل الأهمّ و لا إشکال فی فساده بعد حرمة ترک الأهمّ مطلقاً و عدم تمکّن المکلف من امتثالهما، فلیست ثمرة البعثین إلّا ثبوت العقابین و هو قبیحٌ من الحکیم لو لم نقل باستحالته، لأنّ جعل التکلیف لأجل ترتب العقوبة بلا داع الإمتثال لا شبهة فی فساده و إمّا أن یکون الحرام الترک الخاص غیر الموصل إلی فعل الأهمّ فیرد علیه: أوّلاً بأنّ لازمه عدم وجوب الفعل، لما عرفت سابقا من أنّ نقیض الترک الخاص هو ترک هذا الترک أعمّ من الفعل و الترک الموصل، فیکون الواجب هو ترک الترک الأعمّ، لا الفعل الذی یکون أخصّ منه و ثانیاً: علی تقدیر تسلیم وجوبه لابدّ أن یکون عینیاً بعد حصول شرطه، و حینئذ فیلزم التخییر بین الواجب التعیینی و غیره الذی هو الترک الموصل إلی فعل الأهمّ. و بعبارةٍ أخری: یلزم الوجوب التخییری بین الإزالة و الصلاة؛ و لا معنی للتخییر فی الواجب التعیینی کما هو واضح و ثالثاً: یرد علیه ما عرفت من عدم الثمرة لهذا التکلیف- مع وجود التکلیف بالأهمّ- إلّا ترتب العقوبة علی المخالفة القهریة بالنسبة الی أحدهما، و لا شبهة فی فساده من الحکیم». و فی نهایة الدرایة، ج 2، ص244: «و ربما ینسب إلی بعض الأعلام إشکالٌ آخر فی المقام و هو أنّ الترک المحرّم من المهمّ إمّا هو الترک المطلق حتی إلی فعل الأهمّ، أو خصوص الترک المقارن لترک الأهمّ، و هو الترک الغیر الموصل فإن کان الأوّل فهو منافٍ لفرض الأهمیة، فإنّ مقتضی الأهمیة جواز ترک المهمّ إلی فعل الأهمّ، و منافٍ لفرض طلب المهمّ علی تقدیر ترک الأهمّ، و معه کیف یعقل حرمة ترکه الموصل أیضا؟ و إن کان الثانی فحرمة ترک المهمّ حینئذ نقیضه ترک الترک الغیر الموصل، لا فعل المهمّ، بل له لازمان: أحدهما الترک الموصل، و الآخر فعل المهم، و لایسری الحکم إلی لازم النقیض، و مع فرض السریان أو فرض مصداقیة الفعل لترک الترک یکون الفعل- حیث إنّه له البدل- واجباً تخییریاً، مع أنّ وجوب المهم تعیینی بناءً علی ثبوته». ثم أجاب عنه بقوله: «و یندفع باختیار الشّقّ الأوّل و مقتضی أهمّیة الأهمّ إبطال تقدیر المهمّ و هدمه، فلیس ترکه إلی فعل الأهمّ من جملة تروکه فی فرض مطلوبیته، فترکه المطلق مع حفظ تقدیر وجوبه لازم من دون لزوم المحذور، و لا منافاته لفرض الأهمیة و باختیار الشّقّ الثانی بتقریب أنّ إیجاب المهمّ لیس من ناحیة حرمة ترک المهمّ، بل لدلیله المقتضی لحرمة نقیضه عرضاً». و فی کفایة الأصول مع حواشی المشکینی، ج 2، ص48: «الثامن: ما عن المحقّق الورع التّقی الشیرازی- طاب ثراه- و حاصله أنّ وجوب الصلاة المقیدة بترک الإزالة- کما هو المفروض علی القول بالترتّب- مقتضٍ لحرمة نقیضها، و هو عدم هذا المقید حسب اقتضاء الأمر بالشی ء النهی عن النقیض، و حرمة هذا النقیض مقتضیة لوجوب نقیضه حسب اقتضاء النهی عن الشی ء الأمر بنقیضه، و نقیض ترک الصلاة المقیدة بترک الإزالة- المحکوم علیه بالوجوب- هو الجامع بین الصلاة و الإزالة، فیکون کلٌّ منهما واجباً بوجوب تخییری، و الحال أنّ کلّاً منهما واجب تعیینی عند خلوّ المکلّف من الإزالة واقعا. و ما أورد علیه من أنّ تقیید الصلاة بترک الإزالة مبنی علی کون الترتّب بنحو التعلیق، و أمّا علی الإشتراط فإنّ الواجب- حینئذٍ- هی الصلاة المطلقة مردودٌ بأنّ تقیید الطلب هادمٌ لإطلاق المادّة، فالواجب و إن کان غیر مقید، إلّا أنّه متقید، کما تقدّم فی بحث المقدّمة». إلخ.

ص: 111

ص: 112

المقام الثانی: أدلة القائلین بالترتّب

اشارة

إنّ المحقّق الخراسانی (قدس سره) جاء بکلامٍ یشتمل علی تقریب صحّة الترتّب بوجوه أربعة و الإشکال علی جمیع تلک الوجوه((1))و هنا وجه خامس نشیر إلیه.

الوجه الأوّل لتصحیح الترتّب فی کلام صاحب الکفایة (قدس سره):

اشارة

هو ما تصدّی جماعة من الأفاضل لتصحیح الأمر بالضدّ أوّلاً بنحو الترتّب علی العصیان و مخالفة الأمر الأهمّ بنحو الشرط المتأخر لا المتقدّم و لا المقارن.

و الوجه فی کونه بنحو الشرط المتأخر هو أنّ عصیان الأهمّ موضوع للأمر بالمهمّ و کل موضوع شرط و کل شرط موضوع، أمّا تأخّره فلأنّ عصیان الأمر بالأهمّ متوقّف علی الإتیان بالمهمّ و الإتیان بالفعل المهمّ متوقّف علی الأمر به، فعلی هذا عصیان الأمر بالأهمّ متأخّر عن الإتیان بالأمر المهمّ.

أمّا کون الشرطاً المتقدّم أو المقارن خارجاً عن محل البحث، فلأنّه إن فرضنا تحقّق عصیان الأمر بالأهمّ قبل فعلیة الأمر بالمهمّ فلایجتمع الأمر بضدّین لأنّ

ص: 113


1- کفایة الأصول، ص134.

الأمر بالأهم یسقط قبل فعلیة الأمر بالمهمّ، و هکذا الشأن إن کان سقوط الأمر بالأهمّ مقارناً لفعلیة الأمر بالمهمّ فلایجتمع الأمر بالأهمّ و المهمّ.

و ثانیاً بنحو الترتّب علی العزم و البناء علی المعصیة بنحو الشرط المتقدّم أو المقارن و لم یذکر بنحو الشرط المتأخر لأنّ العزم و البناء علی عصیان الأهمّ لایتوقّف علی فعل المهمّ حتّی یکون متأخّراً عنه بل قد یکون متقدّماً علی فعل المهمّ و أُخری یکون مقارناً له (نعم لا مانع من کونه بنحو الشرط المتأخر أیضاً إلّا أنّه لا ملزم له).

توضیح استدلال القائلین بالترتّب حسب ما قرّره المحقّق الخراسانی (قدس سره):

إنّه لا مانع عقلاً من تعلّق الأمر بالضدّین کذلک، أی بأن یکون الأمر بالأهمّ مطلقاً و الأمر بغیره معلّقاً علی عصیان ذلک الأمر أو البناء و العزم علیه، بل هو واقع کثیراً عرفاً.

إیراد المحقّق الخراسانی (قدس سره):

((1))

ما هو ملاک استحالة طلب الضدّین فی عرض واحد آتٍ فی طلبهما ترتّباً، لأنّه و إن لم یلزم طلب الضدّین عند طلب الأهمّ، إلّا أنّه یلزم طلب الضدّین عند طلب المهمّ و هو یتحقّق إمّا بعصیان الأهمّ أو بالعزم علی عصیانه، و الوجه فی ذلک هو فعلیة الأمر بالأهمّ فی هذه المرتبة و عدم سقوط الأهمّ بمجرد المعصیة فی ما بعد ما لم تتحقّق المعصیة (لأنّ المعصیة بنحو الشرط المتأخر) أو بالعزم علی المعصیة و هکذا فعلیة الأمر بالمهمّ لتحقّق شرط فعلیته.

ص: 114


1- کفایة الأصول، ص134.

الوجه الثانی لتصحیح الترتّب فی کلام صاحب الکفایة (قدس سره):

اشارة

لا إشکال فی طلب الضدّین إذا کان بسوء اختیار المکلّف حیث إنّ المکلّف یعصی فی ما بعد باختیاره، فلولا سوء اختیاره لما یتوجّه إلیه إلّا الطلب بالأهمّ و لا برهان علی امتناع طلب الضدّین إذا کان بسوء الاختیار.

إیراد المحقّق الخراسانی (قدس سره):

((1))

استحالة طلب الضدّین من الحکیم لاتختصّ بحال دون حال و إلّا لصحّ طلب الضدّین فی ما إذا علّق علی أمر اختیاری فی عرض واحد بلاحاجة إلی تصحیحه بالترتّب.

الوجه الثالث لتصحیح الترتّب فی کلام صاحب الکفایة (قدس سره):

اشارة

إنّ الطلب فی کل من الضدّین یطارد الآخر إذا کانا عرضیین، و أمّا إذا کانا طولیین فإنّ طلب المهمّ لایطارد طلب الأهمّ لأنّ طلب المهمّ منوط بعدم إتیان الأهمّ و معصیته.

إیراد المحقّق الخراسانی (قدس سره):

((2))

أوّلاً: إنّ المطاردة موجودة فی الترتّب حیث إنّ أمر المهمّ (فی صورة عصیان الأهمّ فی ما بعد ذلک) یکون فعلیاً و أمر الأهمّ أیضاً یکون فعلیاً مطلقاً فیتحقّق طلب الضدّین فی آنٍ واحد و کل من الأهمّ و المهم یطارد الآخر.

ص: 115


1- کفایة الأصول، ص134.
2- کفایة الأصول، ص135.

ثانیاً: لو سلّمنا انّ طلب المهمّ لایطارد طلب الأهمّ، و لکن طلب الأهم یطارد طلب المهمّ و هذا یکفی فی استحالة الترتّب لأنّه یکفی الطرد من طرف واحد، فإذا قلنا بأنّ طلب الأهم یطرد طلب المهمّ فلایبقی معه مجال لطلب المهمّ فیستحیل حینئذ طلب الأهمّ و المهمّ معاً.

مناقشة المحقّق الخوئی فی جواب المحقّق الخراسانی عن الوجه الأوّل والثالث:

((1))

إنّ المطاردة بین الأهمّ و المهمّ لا أساس لها.

أمّا الأمر بالمهمّ فلایعقل أن یکون طارداً للأمر بالأهمّ بداهة أنّ طرده له یبتنی علی أحد تقدیرین لا ثالث لهما:

التقدیر الأوّل: أن یکون الأمر بالمهمّ مطلقاً و فی عرض الأمر بالأهمّ فحینئذ لامحالة تقع المطاردة بینهما من ناحیة مضادة متعلّقهما و عدم تمکّن المکلّف من الجمع بینهما.

التقدیر الثانی: أن یکون الأمر بالمهمّ علی تقدیر تقییده بعصیان الأهمّ مقتضیاً لترک الأهمّ و عصیانه فعندئذ تقع المطاردة و المزاحمة بین الأمر بالأهمّ و المهمّ باعتبار أنّ الأمر بالمهم یقتضی عصیان الأهمّ و ترک متعلّقه و الأمر بالأهم یقتضی امتثال الأهمّ

و لکن کلا التقدیرین خلاف مفروض الکلام:

أمّا الأوّل فلأنّ محل الکلام ما إذا کان الأمر بالمهمّ مقیداً بحال ترک الأهمّ و عصیان أمره فلایکون مطلقاً.

و أمّا الثانی فلأنّ الحکم یستحیل أن یقتضی وجود موضوعه فی الخارج،

ص: 116


1- المحاضرات، ج3، ص139.

فالأمر بالمهمّ (کما لایکون مطلقاً) لایکون متعرضاً لحال موضوعه و هو عصیان الأهمّ بل هو ثابت علی تقدیر تحقّق موضوعه فیستحیل أن یکون طارداً للأمر بالأهمّ، لأنّ الأمر بالمهمّ لا اقتضاء له بالنسبة إلی حال وجود موضوعه و عدمه و ما لا اقتضاء فیه لایزاحم ما فیه الاقتضاء، فإنّ اقتضاء الأمر بالمهمّ لإتیان متعلّقه إنّما هو علی تقدیر عصیان الأمر بالأهمّ و اقتضاء الأمر بالمهمّ علی هذا التقدیر لاینافی اقتضاء الأمر بالأهمّ.

أمّا الطرد من جانب الأمر بالأهمّ فهو أیضاً غیر متحقّق لأنّ الأمر بالأهمّ إنّما یطارد الأمر بالمهمّ فی ما إذا فرض کونه ناظراً إلی متعلّقه و لکن المفروض أنّه غیر ناظر إلیه و إنّما هو ناظر إلی موضوعه و مقتضٍ لرفعه، و علی هذا فلاتنافی بینهما أصلاً لیکون الأمر بالأهمّ طارداً للأمر بالمهمّ، لأنّ المفروض هو أنّ الأمر بالمهمّ لایقتضی وجود موضوعه فی الخارج و غیر متعرض لحاله أصلاً لا وجوداً و لا عدماً (و موضوعه هو عصیان الأهمّ) و معه کیف یکون الأمر بالأهمّ طارداً له؟ بداهة أنّ الطرد لایتصور إلّا فی مورد المزاحمة، و لا مزاحمة بین ما لا اقتضاء فیه بالنسبة إلی شیء و ما فیه الاقتضاء بالنسبة إلی هذا الشیء.

الوجه الرابع لتصحیح الترتّب فی کلام صاحب الکفایة (قدس سره):

اشارة

و هو الدلیل الإنّی علی تصحیح الترتّب لأنّ وقوع الترتّب فی العرفیات دلیل علی إمکانه فلا وجه للالتزام باستحالة الترتّب.

إیراد المحقّق الخراسانی (قدس سره):

إنّ الأمثلة العرفیة یحمل علی أحد الأمرین:

الأمر الأوّل: هو أنّ الأمر بالمهم یکون بعد التجاوز عن الأمر بالأهمّ والصفح

ص: 117

و الإعراض عنه فلا أمر بالأهمّ عند الأمر بالمهمّ.

الأمر الثانی: أنّ الأمر بالمهم یکون إرشادیاً و الأمر بالأهم یکون مولویاً فلیس هنا أمران مولویان توضیح ذلک: إنّ الأمر بالمهمّ إرشاد إلی محبوبیته و بقائه علی ما هو علیه من المصلحة لولا المزاحمة و إرشاد إلی أنّ الإتیان بالمهم یوجب استحقاق المثوبة فیذهب بها بعض ما استحقه من العقوبة علی مخالفة الأمر بالأهمّ.((1))

مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) فی إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) علی الوجه الرابع:

((2))

إنّ الأمثلة الفرضیة تشتمل علی الأمرین المولویین مترتّباً، کما أنّ الأب یأمر ابنه بالذهاب إلی المدرسة و علی تقدیر عصیانه یأمره بالجلوس فی الدار و الکتابة فیها و ذلک واقع أیضاً فی المسائل الفقیهة مثل ما إذا وجبت الإقامة علی المسافر فی بلد مخصوص فإن خالف ذلک و ترک قصد الإقامة فیحرم علیه الصوم و یجب علیه تقصیر الصلاة، و مثل ما إذا حرمت الإقامة علی المسافر فی مکان مخصوص فإن خالف ذلک و قصد الإقامة یجب علیه الصوم و إتمام الصلاة.

الوجه الخامس: ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) بمقدماته الخمس

اشارة

((3))

إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) أفاد فی هذا المقام مقدّمات خمس

المقدّمة الأُولی:

و هذه المقدّمة تشتمل علی أمرین:

ص: 118


1- کفایة الأصول، ص135.
2- المحاضرات، ج3، ص102.
3- فوائد الأصول، ج1، ص336؛ أجود التقریرات، ج2، ص55.

الأوّل: إنّ الفعلین المتضادّین إذا کان التکلیف بکل منهما أو بخصوص أحدهما مشروطاً بعدم الإتیان بمتعلّق الآخر، فلامحالة یکون التکلیفان المتعلّقان بهما طولیین لا عرضیین، و بعبارة واضحة لایلزم من الطلبین کذلک طلب الجمع بین الضدّین، و لذا لو أتی المکلّف بهما بعنوان المطلوبیة (لو فرض إمکان ذلک) لکان ذلک تشریعاً فیستکشف من ذلک أنّ نفس ترتّب الخطابین یمنع تحقّق طلب الجمع.

الثانی: إذا وقع التزاحم فلا مناص عن الاقتصار علی ما یرتفع به التزاحم أمّا الزائد علیه فیستحیل سقوطه فإنّه بلا موجب.

و من ثمّ وقع الکلام فی أنّ الموجب للتزاحم هل هو إطلاق الخطابین لیکون الساقط هو إطلاق خطاب المهمّ فقط دون أصل خطابه أو أنّ الموجب للتزاحم هو نفس فعلیة الخطابین، لیسقط خطاب المهمّ من أصله.

و علی الأوّل یبتنی صحّة الترتّب و علی الثانی یبتنی بطلانه.

المقدّمة الثانیة:
اشارة

إنّ شرائط التکلیف کلّها ترجع إلی قیود الموضوع و لابدّ من أخذها مفروضة الوجود فی مقام الجعل و الإنشاء علی نهج القضایا الحقیقیة، و إنّ فعلیة التکلیف تتوقف علی فعلیتها و تحقّقها فی الخارج فحالها حال الموضوع بعینه، إذ کل موضوع شرط و کل شرط موضوع.

و من الواضح أنّ الموضوع بعد وجوده خارجاً لاینسلخ عن الموضوعیة، فلا وجه لما ذکره بعضهم من أنّ الواجب المشروط بعد تحقّق شرطه ینقلب مطلقاً، إذ هو مساوق للقول بأنّ الموضوع بعد وجوده خارجاً ینسلخ عن الموضوعیة.

ص: 119

و لایبعد أن یکون ذلک من جهة خلط موضوع الحکم بداعی الجعل و علّة التشریع بتوهم أنّ شرط التکلیف خارج عن موضوعه بل هو من قبیل الداعی لجعل الحکم علی موضوعه، فبعد وجوده یتعلّق الحکم بموضوعه و لایبقی للاشتراط مجال.

و قد بینّا أنّ الشرط دائماً یکون من وسائط العروض لا وسائط الثبوت و هذا التوهم یبتنی علی أن تکون القضایا المتکفّلة لبیان الأحکام الشرعیة من قبیل الإخبار عن إنشاء تکالیف عدیدة یتعلّق کل واحد منها بمکلّف خاص عند تحقّق شرطه، و أبطلنا ذلک المبنی.

و لهذا التوهم قالوا: إنّه بعد عصیان الأمر بالأهم یکون الأمر بالمهمّ أیضاً مطلقاً فلامحالة یقع التزاحم بین الخطابین فی هذه المرتبة.

إیراد المحقّق الإصفهانی (قدس سره) علی المقدّمة الثانیة:

((1))

أوّلاً إنّه أنکر الشرطیة بمعنی الوساطة فی الثبوت، و الباعث لهذا القائل (أی المحقّق النائینی (قدس سره) إلی ذلک (أی إرجاع الشرطیة إلی الموضوع و إنکار الوساطة فی الثبوت) أمران:

الباعث الأوّل: أنّ ظاهر أدلة الأحکام، اشتمالها علی أحکام کلّیة متعلّقة بموضوعات خاصّة بنحو القضایا الحقیقیة و فعلیة تلک الأحکام الکلّیة بفعلیة تلک الموضوعات.

ولو کانت هذه الأُمور المسماة بالشرائط من قبیل الوسائط فی ثبوت الحکم له لم یکن هناک جعل الحکم من الأوّل بل کانت الأدلّة متکفّلة بالوعد بإنشائه عند

ص: 120


1- نهایة الدرایة، ج2، ص227.

حصول الشرط، لا جعل الحکم، و أیضاً کانت الأدلة من قبیل الإخبار به لا من قبیل إنشائه.

و الجواب هو أنّ إنشاء الحکم لیس عین جعل الحکم حقیقة، فإنّ للبعث نحوین من الوجود:

الأوّل: إنّ البعث قد یوجد بوجوده الإنشائی الذی تمام حقیقته إیجاد المعنی بإیجاد لفظی عرضی فإنّه نحو من أنحاء استعمال اللفظ فی المعنی.

الثانی: إنّ البعث قد یوجد بوجوده الحقیقی المناسب له فی نظام الوجود و هو المعنی الاعتباری الذی ینتزع من الإنشاء بداعی جعل الداعی.

و بینهما فرق کما بین الموجود بالحمل الأوّلی و الموجود بالحمل الشائع، فالأدلّة متکفّلة لإنشاء الحکم علی تقدیر کذا، و الإنشاء و المنشأئئئئئئ موجودان کالإیجاد و الوجود من دون انفکاک و حیث إنّ هذا الإنشاء متضمن لتعلیق ذلک الأمر الاعتباری الذی هو حقیقة الحکم، فلامحالة لایکون تامّ المنشئیة إلّا بعد تحقّق المعلّق علیه، فکما لا مجعول بالحقیقة لا جعل بالحقیقة لاستحالة الانفکاک.

نعم حیث إنّه جعل ذات المنشأ مع التعلیق فیکون ذلک الأمر الانتزاعی مجعولاً بجعله بالقوة قبل حصول المعلّق علیه و بالفعل بعد حصوله و لا حاجة إلی جعل آخر.

الباعث الثانی: أنّ وساطة المسمّی بالشرط فی الثبوت إمّا تکوینیة و إمّا تشریعیة فإن أُرید الوساطة التکوینیة لزم خروج المجعول التشریعی المنبعث عنه عن کونه مجعولاً تشریعیاً زمام أمره بیده الشارع الجاعل له، فإنّه علی الفرض من رشحات ما لیس زمام أمره بید الشارع و هو خلف.

و إن أُرید الوساطة التشریعیة فهو محال لأنّ القابل للجعل التألیفی ما کان

ص: 121

من المحمول بالضمیمة دون ما کان من خارج المحمول و العلّیة (و هی هنا الشرطیة المجعولة للاستطاعة مثلاً) من قبیل الثانی فیستحیل جعل العلیة لشیء.

و الجواب: أمّا إذا أُرید الوساطة التکوینیة فما أفاده خلط بین المقتضی و الشرط فإنّ المعلول یترشح من العلّة بمعنی السبب و المقتضی لا من الشرط، بداهة أنّ الإحراق یترشح من النار لا من الوضع و المحاذاة و یبوسة المحل و من الواضح أنّ کل فعل طبیعی أو إرادی ینبعث من فاعله و لایخرج عن کونه فعلاً له بدخالة أمر خارجی فی فاعلیة الفاعل أو قابلیة القابل.

و أمّا إذا أُرید الوساطة التشریعیة فتحقیق الحال أنّ الجعل التألیفی لایختصّ بالمحمول بالضمیمة فإنّ ملاک قبول شیء للجعل هو ما إذا لم یکن ضروریاً خارجاً عن حدّ الجعل نظیر ذاتیات شیء بالإضافة إلی ذاته، فإنّ جعل الذات عین جعل ذاتیاته فکما لامعنی لجعل الإنسان إنساناً لا معنی لجعله حیواناً أو ناطقاً و نظیر لوازم الماهیة التی لاتنفک عنها کالزوجیة للأربعة فإنّ جعل الأربعة جعل الزوجیة فلا معنی لجعل الأربعة زوجاً.

أمّا الأُمور الانتزاعیة (التی لیست ذاتیة لذات منشأ الانتزاع کجعل الجسم فوقاً) فهی قابلة للجعل التألیفی، غایة الأمر أنّ سنخ المجعول (حیث إنّه مقولة انتزاعیة) یستحیل قبوله الجعل استقلالاً، بل یتبع جعل منشأ انتزاعه.

و علی هذا شرطیة الطهارة للصلاة لیست من ذاتیات الطهارة و لا من لوازمها غیر المفارقة عنها فیتعلّق بها الجعل التألیفی بجعل مصحّح انتزاعها و هو بالأمر بالصلاة المقیدة بالطهارة، و هکذا شرطیة الاستطاعة لوجوب الحج، فإنّ الإنشاء المتضمن لتعلیق وجوب الحج علی الاستطاعة مصحّح عنوانین متضایفین فی وجوب الحج و الاستطاعة و هما عنوانا المشروطیة و الشرطیة.

ص: 122

فتبین من ذلک أنّه لا مانع من وساطة المسمّی بالشرط للثبوت، فالحاجة إلی إرجاعه إلی الموضوع مع أنّ إرجاعه إلی الموضوع لایخرجه عن العلّیة (الشرطیة) فإنّ دوران الحکم مدار الموضوع لایکون إلّا بنحو من العلّیة، فإنّ التلازم بین الشیئین لایکون إلّا بالعلّیة و المعلولیة أو المعلولیة لعلّة واحدة.

ثانیاً: إنّ إناطة الطلب أو المطلوب (بحیث لایکون الطلب الإنشائی مصداقاً للبعث الحقیقی إلّا بتحقق الشرط، و لایکون المتعلق موصوفاً بالمطلوبیة إلّا بتحقّقه) أمر معقول بحقیقة معنی الشرطیة.

فإنّ الشیء ربما یکون دخیلاً فی المصلحة المترقبة من الصلاة واقعاً فما لم یقترن به الصلاة لایترتّب علیها الأثر المترقب منها کالطهارة مثلاً، فدخلها حینئذ فی فعلیة أثر الصلاة واقعی و الشرطیة واقعیة، بمعنی مصحّح فاعلیة الصلاة لأثرها، أو متمّم قابلیة النفس للتأثر منها، کما هو معنی الشرط حقیقة و ربما یکون دخیلاً فی اتصاف طبیعة الصلاة بالمطلوبیة و حیث إنّ اتصافها بالمطلوبیة لا موطن له إلّا بلحاظ مقام الطلب؛ فلابدّ أن یکون الدخل بلحاظ هذه المرحلة، بمعنی أنّ الصلاة ما لم تلحظ مقترنة بالطهارة لاتنتزع منها المطلوبیة و ما لم تقع فی الخارج مقترنة بها لاتکون مصداقاً للمطلوب بما هو مطلوب فتوهّم أنّ الشرطیة الجعلیة بمعنی التقیید فاسد.

ثالثاً: إنّ عدم خروج الواجب المشروط بتحقّق قیده عن الاشتراط إلی الإطلاق لایتوقف علی إرجاع الشرط إلی الموضوع بل لو کان بمعنی الواسطة فی الثبوت أیضاً کان کذلک لو لم یکن أولی بذلک، فإنّ العلّة بتأثیرها لاتخرج عن العلّیة، ففعلیة الشرطیة فعلیة العلّیة و لاتخرج العلّة بفعلیة العلّیة عن العلّیة، بل هو عین فعلیة الشرطیة و الإناطة.

ص: 123

المقدّمة الثالثة: فی إشکال یتوجه إلی المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

هذه المقدّمة تتکفّل لدفع إشکال فی المقام.

بیانه: إنّ المحقّق الخراسانی (قدس سره) قال فی الکفایة بلزوم تقدم البعث علی الانبعاث فی جمیع الواجبات فإنّه صرّح فی بحث الواجب المعلّق باعتبار سبق زمان التکلیف علی زمان الامتثال فقال:

«مع أنّه لایکاد یتعلّق البعث إلّا بأمر متأخر عن زمان البعث؛ ضرورة أنّ البعث إنّما یکون لإحداث الداعی للمکلّف إلی المکلّف به، بأن یتصوره بما یترتّب علیه من المثوبة و علی ترکه من العقوبة، و لایکاد یکون هذا إلّا بعد البعث بزمان، فلامحالة یکون البعث نحو أمر متأخر عنه بالزمان»

و قد حکی عن بعض الأعلام أنّه لابدّ فی بعض أقسام الواجب المضیق (و هو ما إذا اتحد زمان وجود الشرط و نفس التکلیف و زمان الامتثال کالصوم حیث إنّ فی الآن الأوّل الحقیقی من طلوع الفجر یثبت التکلیف و هکذا یتحد زمان وجود الشرط و التکلیف و الامتثال فی صلاة الآیات) من تقدیر سبق التکلیف آناً ما قبل زمان الامتثال، لیتمکّن المکلّف من الامتثال و لایمکن أن یقارن التکلیف لزمان الامتثال

و قال فی تقریر ذلک:((1))إنّ وجوب الإمساک مثلاً فی الصوم لو لم یکن متقدّماً علی الإمساک فی أوّل الفجر آناً مّا فإمّا أن یکون المکلّف حین توجه الخطاب إلیه أوّل الفجر متلبساً بالإمساک أو غیر متلبس به، و علی کلا التقدیرین یستحیل توجّه الخطاب إلیه، لأنّ طلب الإمساک ممن فرض تحقّقه منه طلب الحاصل، کما

ص: 124


1- نقله فی أجود التقریرات، ج2، ص60.

أنّ طلبه ممن فرض عدم تلبسه به طلب الجمع بین النقیضین و قد عبّر عنه بطلب ما هو المتعذر و هذا هو الصحیح و التعبیر بطلب الجمع بین النقیضین مسامحی و کلاهما مستحیل فلابدّ من تقدم الخطاب علی زمان الانبعاث و لو آناً ما و لازم ذلک هو الالتزام بالواجب المعلّق و الشرط المتأخر مع أن المحقق النائینی (قدس سره) ینکر الواجب المعلّق و الشرط المتأخر.((1))

ص: 125


1- قد ذکر لهذا الإشکال و هو لزوم تقدّم الخطاب علی الإمتثال زماناً عدّةُ وجوهٍ: الوجه الأول: عن صاحب الکفایة. ذکر المحقق الصدر هذا الوجه ثم أجاب عنه فقال فی بحوث فی علم الأصول، ج 2، ص342: «إنّه لا موجب للإلتزام بلزوم انفکاک الأمر عن الإمتثال، إذ لو کان ذلک من أجل ما ذکره صاحب الکفایة من أنّ الأمر یکون بداعی جعل الداعی فی نفس المکلف نحو الإمتثال و هو موقوفٌ علی حصول مبادیه من التصور و التصدیق بالفائدة و الجزم و العزم و هی أمورٌ زمانیةٌ لابدّ من تحقّقها من سبق زمان فلابدّ من تأخّر الأمر عن تحقق الداعی لامتثاله. ففیه- أنّ هذه المبادئ لایتوقف تحققها علی وجود الأمر و فعلیته بل یمکن تمامیتها قبل فعلیته کما هو واضح». و أشار إلی هذا الوجه أیضا الشیخ حسین الحلّی فقال فی أصول الفقه: «و هناک حجةٌ أخری علی ما ذکروا من التقدیر ... و هی أنّ الإنبعاث عن البعث یحتاج إلی العلم به، و انبعاث الإرادة عن ذلک العلم بتصوره و تصور ما یترتب علی فعله و ترکه من الثواب و العقاب، و ذلک محتاجٌ إلی مقدار من الزمان یتخلّل بین البعث و الإمتثال، فلو کان البعث مقارناً لزمان الإمتثال کما فی المضیقات لم یکن لنا محیصٌ عن الإلتزام بتقدیر البعث قبل زمان الإمتثال بمقدار ما یتوقف علیه من العلم بالبعث و الإرادة المتعلقة بامتثاله. و إلی ذلک أشار فی الکفایة عند التعرّض للشبهة الواردة علی الواجب المعلّق بما حاصله: أنّ الأمر لابدّ أن یکون باعثا علی المتأخر، و یستحیل أن یکون باعثا إلی المقارن». جواب الشیخ حسین الحلی عن الوجه الأول: «و الجواب عن هذه الحجة بعد إصلاحها بأنّه لیس المراد کون المأمور به مقیداً بالتأخر، و أنّ المراد هو أنّ زمان متعلقه لابدّ أن یکون متأخّراً قهراً عن زمانه، أنّ هذه الحجّة لاتتأتی فی الأوامر التی تکون علی نحو القضایا الحقیقیة، لما تقدّم من کفایة تقدّم العلم بالخطاب قبل حصول شرطه فی الإنبعاث عنه عند توجهه، من دون حاجة إلی علمٍ ثانٍ یکون متخلّلاً بین توجّهه و امتثاله. أمّا القضایا الخارجیة فإن کان الواجب فیها موسّعا لم تکن محتاجةً إلی ما ذکر من التقدیر، و إن کان مضیقا کان علی المولی أن ینشئ الوجوب قبل الوقت لیعلم به المکلف و یتمکن من امتثاله فی وقته، فإن لم یقدم ذلک الوجوب کان المولی مفوّتا لغرضه». الوجه الثانی: ما جاء فی بیان المحقق النائینی بتعبیر التوهّم و عرفته فی المقدمة الثالثة. و ذکر هذا الوجه ثم أجاب عنه المحقق الصدر فقال: «و إن کان ذلک من أجل ما أفاده فی تقریرات المیرزا (قدس سره) من أنّ الأمر لابدّ من تقدّمه زماناً علی زمان حصول الإمتثال و إلّا لزم إمّا تحصیل الحاصل إذا کان الطلب فی زمان وجود الإمتثال المحقق أو طلب المستحیل إذا کان الإمتثال فی زمان الأمر معدوماً. ففیه- أنّ ثبوت الأمر فی زمن وجود الإمتثال لیس طلبا للحاصل بل طلب لشی ء غیر حاصل بقطع النظر عن هذا التحصیل فطلب الحاصل أو الممتنع هو ذلک الطلب الذی یکون المطلوب حاصلا أو ممتنعا بقطع النظر عن ذاک التحصیل، کیف و لولا ذلک لورد النقض بالعلل التکوینیة فإنّ المعلول موجودٌ فی زمان وجود العلة و لا انفکاک بینهما فی الزمان فیقال: إنّ هذا یستلزم علیة العلة لمعلول حاصل أی طلبه الحاصل تکویناً و هو مستحیل. بل لو تمّ هذا المحذور لورد حتی علی تقدیر القول بتقدم الأمر علی الإمتثال زماناً إذ لو بقی الطلب إلی الزمن الثانی الذی هو زمن الإمتثال کان بقاؤه تحصیلاً للحاصل و إن ارتفع و انقطع لم یکن یلزم إمتثالٌ أصلاً فیکون کما إذا بدا للمولی فرفع وجوبه». الوجه الثالث: کون الطلب علة لوقوع الامتثال ذکره المحقق الصدر ثم أجاب عنه فقال: « و إن کان ذلک من أجل کون الطلب علة لوقوع الامتثال فلا بد و أن یکون متقدما علیه. ففیه: ان هذا غایة ما یلزم منه التقدم فی الرتبة لا فی الزمان» الوجه الرابع: کون الامتثال علة لسقوط الأمر. ذکره المحقق الصّدر ثم أجاب عنه فقال: «و إن کان ذلک من أجل ما یقال: من أنّ الإمتثال علّةٌ لسقوط الأمر و الطلب فیستحیل أن یکون الأمر ثابتاً فی زمن الإمتثال و إلّا لَاجتمع ثبوته مع سقوطه و هو تهافُتٌ فلابدّ من تقدّم الطلب علی الإمتثال زماناً. ففیه: ما سوف یأتی فی جواب بعض المناقشات الجانبیة الآتیة من عدم کون الإمتثال موجباً لسقوط الأمر فی آن الإمتثال بل فی طوله». الوجه الخامس: ما ذکره الشیخ حسین الحلی. قال فی أصول الفقه، ج3، ص327: «قلت: بل قد یقال: إنّ نفس الطلب مثل قولک: (قم) لایکون المنظور فیه إلّا القیام المتأخر عن نفس هذا الطلب و لو فی ثانی زمانه، بمعنی أّنه لایمکن أن یکون المراد من القیام فی قوله: قم هو القیام المقارن فی الزمان لهذا الطلب، بل لابدّ أن یکون متأخّراً عنه و لو فی الآن الثانی منه و بعد البناء علی ذلک نقول فیما نحن فیه إنّه لایمکننا القول بأنّه قد اجتمع الشرط و الطلب و المطلوب فی آنٍ واحدٍ، کما أنّه لایمکننا القول بأنّ هذا المطلوب و هو الصیام متأخّر عن أول الفجر بمقدار تحقق الطلب لیکون واقعاً فی ثانی زمان الطلب، لأنّ لازم ذلک أن یکون الصیام فی ذلک الآن- أعنی آن الطلب- غیر داخل تحت ذلک الطلب، و هو آن نهاری قامت الضرورة علی دخوله تحت الطلب. فلا مندوحة لنا إلّا اإالتزام بالتقدیر المذکور، بأن نلتزم بتحقق الطلب قبل الفجر إصلاحاً للمسألة، لیکون ذلک الآن- أعنی الآن المقارن لطلوع الفجر- داخلا تحت الطلب، کما أنّه یکون متأخّراً عنه و واقعاً فی الآن الثانی منه، و بذلک نحتفظ بما قامت به الضرورة من کون الإمساک فی أوّل الفجر داخلا تحت الطلب، و بما قدّمناه من القاعدة العقلیة و هی استحالة کون نفس المطلوب مقارنا لزمان الطلب». إیراد هذا المحقق علی الوجه الخامس: «و لکن لایخفی أنّ هذا الإشکال إنّما یتمّ لو قلنا بأنّ التکلیف زمانی یحتاج إلی مقدار من الزمان، فإنّه بناءً علی ذلک لایمکننا القول بکون الفعل الواقع فی ذلک الزمان داخلا تحت ذلک التکلیف إلّا بزحلقة ذلک التکلیف إلی ما قبل الفجر آنا ما. و هذه الدعوی- أعنی کون التکلیف الذی هو البعث و الخطاب یحتاج إلی مقدار من الزمان- هی إحدی موارد الخلط بین القضایا الحقیقیة و القضیة الخارجیة، فیتخیل المتخیل أنّه عند طلوع الفجر یتوجّه الطلب و الأمر بالصوم، بمعنی أن یکون الزمان المذکور شرطاً فی الجعل، و قبله لا جعل أصلاً و لا تشریع، و إنّما یکون الجعل و التشریع عند طلوع الفجر، و لا ریب أنّ الجعل و التشریع فعلٌ من أفعال الشارع الآمر، و هو محتاجٌ إلی زمانٍ یقع فیه ذلک الجعلُ و التشریع».

ص: 126

و هذا الإشکال یتوجّه إلی المحقّق النائینی (قدس سره) فی مسالة الترتّب حیث إنّ شرط التکلیف بالمهمّ و زمان فعلیة التکلیف و زمان امتثال الأمر بالمهمّ واحد أیضاً بناءً علی الترتّب و أجاب المحقّق النائینی (قدس سره) عن هذا الإشکال بوجوه

أجوبة خمسة عن هذا الإشکال: من المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

الوجه الأوّل:((1)) بالنقض لأنّ توقف الانبعاث علی البعث لیس بأزید من توقف المعلول علی علّته فکما أنّ وجود المعلول یکون مستنداً إلی علّته المقارنة له فی الوجود و صادراً عنه یکون الانبعاث مستنداً إلی البعث المقارن له فی الوجود.

ص: 127


1- فوائد الأصول، ص344؛ أجود التقریرات، ج2، ص61.

فلو صحّ تقدّم الخطاب علی الامتثال زماناً یستلزم تقدّم العلّة التکوینیة علی معلولها زماناً أیضاً و هو واضح البطلان.

ملاحظتنا علی الوجه الأول:

إنّ تقدم البعث علی الانبعاث لایقاس بباب العلّة و المعلول لما ذکرنا سابقاً فی بحث الشرط المتأخر من أنّ عالم الاعتبار موسّع فیمکن فیه تأخر العلّة أو أجزائها (مثل الشرط) عن المعلول

الوجه الثانی:((1)) بالحلّ فی المقامین لأنّ المعلول أو الامتثال إذا کان مفروض الوجود فی نفسه حین وجود العلّة أو الخطاب، فیلزم ما ذکر من المحذور و أمّا إذا کان فرض وجوده لا مع قطع النظر عنهما بل لفرض وجود علّته أو لتحریک الخطاب إلیه، فلایلزم من المقارنة الزمانیة محذور أصلاً. ((2))

الوجه الثالث:((3)) هو أنّ المکلّف إن کان عالماً قبل الفجر مثلاً بتوجّه وجوب الصوم إلیه عند الفجر، کفی ذلک فی إمکان تحقّق الامتثال حین الفجر، فوجود التکلیف قبله لغو محض، إذ المحرک له حینئذ هو الخطاب المقارن لصدور متعلّقه، لا الخطاب المفروض وجوده قبله، إذ لایترتّب علیه أثر فی تحقّق الامتثال أصلاً.

ص: 128


1- أجود التقریرات، ج2، ص61.
2- إیراد المحقق الشیخ حسین الحلی علی هذا الوجه: قال فی أصول الفقه بعد ذکر تقریبه- الذی جعلناه الوجه الخامس من وجوه لزوم تقدم الخطاب علی الإمتثال زماناً: «کما أنّه لایدفعه کون الفعل واقعاً بتحریک التکلیف لکونه بمنزلة علته، فإنّا بعد أن قلنا بأنّ التکلیف لایعقل أن یتناول الفعل المقارن له بحسب الزمان کیف یمکننا أن نقول إنّ ذلک الفعل الواقع فی زمان توجّه التکلیف کان واقعا بداعی ذلک التکلیف».
3- أجود التقریرات، ج2، ص61.

و أمّا إذا لم یکن عالماً به قبل الفجر فوجود الخطاب فی نفس الأمر لا أثر له فی تحقّق الامتثال فی ظرف العمل فیکون وجوده لغواً أیضاً.

و لأجل ما ذکرناه (من عدم کفایة وجود التکلیف واقعاً فی تحقّق الامتثال من المکلّف فی ظرفه، بل لابد فیه من وصول التکلیف إلیه) ذهبنا إلی وجوب تعلم الأحکام قبل حصول شرائطها الدخیلة فی فعلیتها، فالقائل بلزوم تقدّم الخطاب علی الامتثال قد التبس علیه لزوم تقدّم العلم علی الامتثال بلزوم تقدم الخطاب علیه((1)).

الوجه الرابع: هو أنّ تقدم الخطاب علی الامتثال ولو آناً ما یستلزم فعلیة الخطاب قبل وجود شرطه فلابدّ من الالتزام بالواجب المعلّق و الشرط المتأخر و قد عرفت استحالتهما((2)).

ص: 129


1- إیراد المحقق الشیخ حسین الحلی علی هذا الوجه: قال فی أصول الفقه بعد ذکر تقریبه: « کما أنّه لاینفع فی ردّه الإستناد إلی العلم بالتکلیف فی محرّکیة المکلف إلی فعل المکلف به فی الزمان المقارن لتعلّق ذلک التکلیف، لأنّ هذا المانع من المقارنة فی الزمان بین نفس التکلیف و نفس الفعل المکلف به هو مانعٌ واقعی، لا دخل له بأنّ المکلّفَ کیف یتحرک إلی المکلف به، کی یندفع بأنّ المحرّک له هو العلم؟».
2- إیراد الشیخ حسین الحلی علی الوجه الرابع: قال فی أصول الفقه بعد ذکر تقریبه: «و لایخفی أنّ تقریب المسألة بهذا الوجه لاینفع فی ردّه کونه مستلزما للشرط المتأخر أو للواجب المعلق، لأنّ صاحب هذه المقالة ملتزمٌ بصحة کل منهما، بل هو إنّما التزم بلزوم تأخّر الفعل الواجب عن الطلب إصلاحاً للواجب المعلق». إیرادٌ آخر علی الوجه الرابع ذکره المحقق الروحانی: قال فی منتقی الأصول، ج 2، ص402: «إنّ المستشکل علی الترتب باستلزامه الشرط المتأخر، و إنّه یبتنی علی القول بإمکانه أخذ جهة انفصال الخطاب عن امتثاله زمانا أمرا مفروغا عنه و مما لابدّ منه، و علیه فرع الإشکال المذکور، فالإلتزام بالواجب المعلق عند المستشکل أمرٌ مسلّمٌ و إنّما الإشکال من جهة ابتناء إمکان الترتب علی الإلتزام بالشرط المتأخر و علیه، فتحریر الإشکال بالنحو الأول الوارد فی کلام المحقق النائینی لیس تحریراً علمیاً صحیحاً، فإنّه أخذ انتهاء القول بالترتب إلی الإلتزام بالواجب التعلیقی محذوراً کانتهائه إلی الإلتزام بالشرط المتأخر، و أورد علیه بسرایة هذا الإشکال إلی جمیع الواجبات، و قد عرفت أنّه لیس محذورا فی نظر المستشکل بل هو أمرٌ مفروغٌ عنه فی محله، و إنّما هو مبنی الإشکال بالشرط المتأخر، فلیس استشکاله من جهة استلزام الترتب للقول بالواجب التعلیقی، لأنّه یقول به بل إستشکاله من جهة استلزامه الترتب للشرط المتأخر فیمتنع عند من یقول به».

الوجه الخامس: لایختص الإشکال بهذا القسم من المضیقات بل یلزم القول بسبق التکلیف حتی فی الموسعات لوضوح صحّة الصلاة المقارنة لأوّل الزوال حقیقة بحیث شرع فیها فی الآن الأوّل الحقیقی من الزوال، فإنّه و إن لم یلزم ذلک إلّا أنّه لا إشکال فی صحّتها و لو فعل ذلک یلزم تقدیر سبق التکلیف بالصلاة علی الزوال لیکون الامتثال عن التکلیف السابق مع أنّ الظاهر أنّ القائل بالإشکال لم یلتزم به فی الموسعات((1)).

إیراد المحقّق الإصفهانی (قدس سره):
اشارة

((2))

إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) یقول بأنّ علّة سقوط التکلیف بالأهمّ هو عصیانه و نتیجة ذلک هو تقدّم التکلیف و الخطاب و تقدّم عصیانه علی سقوطه، فالتکلیف بالأهمّ مقدّم رتبة علی سقوط الأمر بالأهمّ.((3))

ص: 130


1- إیراد الشیخ حسین الحلی علی هذا الوجه: قال بعد ذکر تقریبه: «و لایخفی أنّ تقریب المسألة بهذا الوجه لاینفع فی ردّه کونُه ... کما أنّه لاینفع فی ردّه النقض بالواجب الموسّع، لأنّه لابدّ من الإلتزام به لمن إلتزم بأنّه لابدّ فی کلّ باب التکالیف من تأخّر الفعل الواجب عن الطلب المتعلق به، بل نحن القائلون ببطلان کلٍّ من الشرط المتأخر و الواجب المعلق یلزمنا بعد تمامیة ما تقدم من استحالة مقارنة الفعل المطلوب لزمان الطلب و أنّه لابدّ من تقدیر الطلب، أن نلتزم بذلک و نجعله من قبیل شرطیة التعقب».
2- نهایة الدرایة، ج2، ص235 ذکرها بعنوان المقدّمة الثانیة.
3- هذا ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) فی فوائد الأصول، ص348 قبل بیان المقدّمة الرابعة.

و لکن المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یری أنّ ثبوت الأمر بالأهمّ و سقوطه متناقضان و ثبوت الأمر بالأهمّ متقدّم رتبة علی سقوطه.

والوجه فی ذلک هو أنّ الإطاعة لیست علّة للسقوط و کذلک المعصیة لیست علّة للسقوط و إلّا لزم علّیة الشیء لعدم نفسه فی الأُولی (أی فی ما قلنا: إنّ الإطاعة علّة للسقوط) و توقف تأثیر الشیء علی تأثیره فی الثانیة (أی فی ما قلنا بأنّ المعصیة علّة للسقوط)

[توضیح ما أفاده من أنّ المعصیة لو کانت علّة للسقوط یلزم توقف تأثیر الشیء علی تأثیره هو أنّ العلّة الباعثة علی جعل التکلیف یقتضی تأثیر الأمر و الخطاب فی حصول الامتثال، فلو کانت المعصیة مسقطةً للأمر فمعناه أنّه لما لم یؤثر الأمر بالأهمّ فی امتثاله فی الآن الأوّل لتحقّق العصیان فیسقط الأمر بالأهمّ، فلایجوز أن یؤثر فی الامتثال فی سائر الآنات لعدم قابلیتها للفعل، فیتوقّف تأثیر التکلیف فی جمیع الآنات علی تأثیره فی الآن الأوّل و هذا معنی توقّف تأثیر الشیء علی تأثیره] و استحالته ترجع إلی استحالة توقف الشیء علی نفسه بل بالإطاعة ینتهی أمد اقتضاء الأمر و بالمعصیة فی الجزء الأوّل من الزمان یسقط الباقی عن القابلیة للفعل، فلایبقی مجال لتأثیره، فیسقط بسقوط علّته الباعثة علی جعله.

هذا ما أفاده المحقّق الاصفهانی (قدس سره) فی تنقیح ما هو العلّة لسقوط الأمر.((1))

ص: 131


1- قال المحقق الإصفهانی فی بیان المقدمة الثانیة التی أفادها المحقق النائینی: «... و لا فرق بین أن یکون المقارن- المشروط به فعلیة الخطاب- عصیان خطاب آخر أو غیره، فإنّ العصیان و إن کان مسقطاً، إلّا أنّ الترتب بین التوجّه و السقوط أیضاً بالرتبة لا بالزمان من دون حاجةٍ إلی لزوم تقدیره قبل العصیان المسقط له آناً مّا». ثمّ استشکله بقوله: «و أمّا المقدمة الثانیة: فقد تقدم فی الحاشیة السابقة ما هو مناط الإشکال فی الشرط المقارن و جوابه، و أنّ ترتب السقوط علی فعلیة التکلیف و توجهه لایعقل أن یکون بالرتبة؛ لمناقضة الثبوت و السقوط، و أنّ الإطاعة لیست علّةً للسقوط و کذلک المعصیة، و إلّا لزم علیة الشی ء لعدم نفسه فی الأولی» إلخ. و نذکر کلام المحقق النائینی لیتّضح مقصود المحقق الإصفهانی قال فی أجود التقریرات: « فإن قلت: سلّمنا أنّ زمان خطاب المهم هو زمان فعلیة العصیان إلّا أنّ هذا الزمان هو زمان سقوط خطاب الأهمّ فلایجتمع الأمران فی زمانٍ واحدٍ- قلت: إنّ ذلک یبتنی علی القول بلزوم تقدم الخطاب علی الإمتثال زماناً فإنّه علیه لابدّ من تقدمه علی العصیان أیضا فإنّ العصیان و الإمتثال یتواردان علی موضوعٍ واحدٍ و زمان أحدهما هو بعینه الزمان الذی یمکن أن یقع فیه الآخر فإذا کان الخطاب متقدّماً علی الإمتثال فلابدّ من تقدّمه علی العصیان أیضا و لکنّک قد عرفت بطلان هذا المبنی و إنّ زمان الإمتثال أو العصیان متّحدٌ مع زمان الخطاب إذ لا معنی لامتثال الخطاب المعدوم أو عصیانه فیکون زمان فعلیة العصیان هو زمان الأمر بالأهمّ فیجتمع الأمران فی زمانٍ واحدٍ نعم عصیان الخطاب فی ظرفه المنقضی یوجب سقوطه لخروج زمانه لکنّه خارجٌ عن محل الکلام إذ المفروض فیه أنّ شرط فعلیة خطاب المهم هو العصیان المقارن لا المتقدم المنصرم بانصرام ظرفه کما عرفت فظهر مما ذکرناه أنّ زمان فعلیة العصیان هو زمان الأمر بالأهمّ و زمان الأمر بالمهم و زمان امتثاله أو عصیانه». هذا و قد أورد بعض الأساطین علی المحقق الإصفهانی فقال: «إنّا لم نجد فی کلام المیرزا ما یفید أنّ ثبوت الأمر متقدّمٌ رتبةً علی السقوط، نعم، قال: ثبوته متقدم رتبة علی عصیانه، و من الواضح أنّ العصیان غیر السقوط، لأنّ الأمر حال العصیان موجود و هو متقدم علیه رتبة کما ذکر، أمّا سقوطه فهو بعد العصیان». نهایة الدرایة، ج2، ص225.
ملاحظتنا علیه:

إنّ إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) لایتوجّه إلی أجوبة المحقّق النائینی (قدس سره) عن الإشکال، فإنّ الإشکال کما یتوجّه إلی المحقّق النائینی (قدس سره) یتوجّه إلی المحقّق الإصفهانی (قدس سره) حیث إنّه و إن قال بصحّة الشرط المتأخر و لکن اختار عدم معقولیة الواجب المعلّق (کما مضی صحّة الشرط المتأخر فی الاعتباریات و عدم معقولیة الواجب المعلّق لأنّ البعث یقتضی إمکان الانبعاث).

ص: 132

فالحقّ فی الجواب عن الإشکال هو ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) نقضاً (فی الوجه الخامس) و حلاً (فی الوجه الثالث).

المقدّمة الرابعة: ثلاثة تقادیر للحاظ الخطاب
اشارة

و هی أهمّ المقدّمات، بل علیها یبتنی أساس الترتّب و بیانها أنّ انحفاظ کل خطاب بالنسبة إلی ما یتصور من التقادیر و الانقسامات یکون علی أحد أنحاء ثلاثة:

الأوّل: الإطلاق و التقیید اللحاظی و ذلک بالنسبة إلی کل تقدیر و انقسام یمکن لحاظه عند الخطاب و ذلک إنّما یکون فی التقادیر و الانقسامات المتصورة فی المتعلّق مع قطع النظر عن ورود الخطاب، بحیث أمکن وقوع المتعلّق مقترناً بتلک التقادیر و إن لم یتعلّق به خطاب أصلاً.

الثانی: نتیجة الإطلاق و التقیید و ذلک بالنسبة إلی کل تقدیر و انقسام لاحق للمتعلّق بعد تعلّق الخطاب به، بحیث لایکون لذلک التقدیر وجود إلّا بعد ورود الخطاب کتقدیر العلم و الجهل بالخطاب، حیث إنّ تقدیر العلم و الجهل بالأحکام لایکون إلّا بعد ورود الخطاب (و یسمّی هذا القسم من الإطلاق بالإطلاق الذاتی و الملاکی)((1))

الثالث: اقتضاء ذات الخطاب و ذلک بالنسبة إلی کل تقدیر یقتضیه نفس الخطاب و هو الفعل أو الترک الذی یطالب به أو بنقیضه حیث یکون انحفاظ الخطاب فی حالتی الفعل و الترک بنفسه و باقتضاء هویة ذاته، لا بإطلاقه لحاظاً

ص: 133


1- أجود التقریرات، ج2، ص67.

أو نتیجةً إذ لایعقل الإطلاق و التقیید بالنسبة إلی تقدیری فعل متعلّق الخطاب و ترکه بل یؤخذ المتعلّق معرّی عن حیثیة فعله و ترکه و یلاحظ نفس ذاته، فیحمل علیه بالفعل إن کان الخطاب وجوبیاً، و بالترک إن کان الخطاب تحریمیاً و لایمکن تقیید المتعلّق بالفعل فی مقام البعث إلیه مثل «إنّ الصلاة الموجودة واجبة علیک» و لا تقییده بالترک مثل «إنّ الصلاة المتروکة هی واجبة علیک».

إنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یری أنّ الکلام فی إطلاق الطلب و تقییده لا فی إطلاق المطلوب و تقییده و لذا یکون المثال الأوّل عنده «إن صلیت فهی واجبة علیک» و المثال الثانی عنده «إن عصیت الصلاة فهی واجبة علیک» بالنسبة إلی تقدیری الفعل و الترک، لاستلزامه طلب الحاصل فی الأوّل و طلب الجمع بین النقیضین فی الثانی و کلا المحذورین فی الثالث.

قال (قدس سره):((1)) فإذا کان التقیید بکل من التقدیرین محالاً کان الإطلاق بالإضافة إلیهما أیضاً محالاً، إذ الإطلاق فی قوّة التصریح بکلا التقدیرین، فیکون فیه محذور طلب الحاصل و المحال معاً.

و قد أشرنا فی البحث المذکور إلی أنّ التقابل بین الإطلاق و التقیید إنّما هو تقابل العدم و الملکة، و أنّ امتناع التقیید یساوق امتناع الإطلاق.

فلابدّ من لحاظ ذات المتعلّق مهملاً معرّی عن کلا تقدیری الفعل و الترک فیخاطب به بعثاً أو زجراً و لیس فیه تقیید و لا إطلاق لا لحاظاً و لا نتیجةً.

و انحفاظ الخطاب فی کلتا حالتی الفعل و الترک إنّما یکون باقتضاء ذاته لأنّه بنفسه یقتضی فعل المتعلّق و طرد ترکه.

ص: 134


1- أجود التقریرات، ج2، ص68.
وجهان للفرق بین التقدیرین الأوّلین و التقدیر الثالث:

بذلک البیان یظهر لک أنّ الفرق بین هذا التقدیر و التقدیرین الأوّلین من وجهین:

الوجه الأوّل: نسبة تلک التقادیر فی القسمین الأوّلین إلی الخطاب نسبة العلّة إلی معلولها فإن أُخذ تلک التقادیر قیداً وشرطاً للخطاب فلمکان رجوع الشرط إلی الموضوع و کون الموضوع علّة لترتّب الخطاب علیه، یکون ذلک التقدیر علّة للخطاب و إن أُطلق الخطاب بالنسبة إلی تقدیر، فذلک التقدیر و إن لم یکن علّة للخطاب (لعدم أخذ ذلک التقدیر شرطاً) إلّا أنّه یجری مجری العلّة من حیث إنّ الإطلاق و التقیید من الأُمور الإضافیة فهما فی مرتبة واحدة، فإذا کان التقیید علّة للخطاب فالإطلاق الواقع فی رتبته یجری مجری العلّة من حیث الرتبة.

هذا بخلاف تقدیری فعل المتعلّق و ترکه فإنّ الأمر یکون فیه بالعکس، لأنّ الخطاب علّة للتقدیر لأنّ الخطاب یقتضی فعل متعلّقه و طرد ترکه (أی الامتثال) فإذا کانت نسبة الحکم إلی الامتثال نسبة العلّة إلی معلولها، کان الحال کذلک بالإضافة إلی العصیان، لأنّ مرتبة العصیان هی بعینها مرتبة الامتثال.

الوجه الثانی: إنّ الخطاب بالنسبة إلی سائر التقادیر یکون متعرّضاً و متکفّلاً لبیان أمر آخر غیر تلک التقادیر، غایة الأمر یتعرّض لذلک الأمر عند وجود تلک التقادیر فإنّ خطاب الحج یکون متعرضاً لفعل الحج من الإحرام و الطواف و غیر ذلک عند وجود الاستطاعة و لیس لخطاب الحجّ تعرّض لتقدیر الاستطاعة و هذا بخلاف تقدیری الفعل و الترک، فإنّ الخطاب بنفسه متکفّل لبیان هذا التقدیر و متعرّض لحاله حیث إنّه یقتضی فعل المتعلّق و عدم ترکه و لیس للخطاب تعرّض لشیء آخر سوی هذا التقدیر.

ص: 135

إذا عرفت ذلک فاعلم أنّه یترتّب علی ما ذکرناه (من الفرق الذی بین تقدیری الفعل أو الترک و بین سائر التقادیر) طولیة الخطابین و خروجهما من العرضیة و ذلک لأنّ الخطاب الأهمّ حینئذ یکون متعرّضاً لموضوع الخطاب المهمّ و طارداً و مقتضیاً لهدمه و رفعه فی عالم التشریع، لأنّ موضوع الخطاب المهمّ هو عصیان الخطاب الأهمّ و ترک امتثاله و الخطاب الأهمّ دائماً یقتضی طرد الترک و رفع العصیان.

أمّا الخطاب المهمّ فإنّما یکون متعرضاً لحال متعلّقه و لا تعرّض له لحال موضوعه، لأنّ الحکم لایتکفّل حال موضوعه من وضع أو رفع بل هو حکم علی تقدیر وجوده و مشروط به.

و الخطاب الأهمّ واقع فی الرتبة السابقة علی موضوع الخطاب المهمّ و موضوع الخطاب المهمّ أیضاً یکون فی رتبة سابقة علی نفس الخطاب المهمّ، فهو متقدّم علیه برتبتین أو ثلاث، و مع هذا الاختلاف فی الرتبة کیف یعقل أن یکونا فی عرض واحد؟

إیرادات المحقّق الاصفهانی علی کلام المحقّق النائینی (قدس سرهما) فی المقدّمة الرابعة:
اشارة

((1))

الإیراد الأوّل:

إنّ الکلام فی إطلاق الطلب و تقییده، لا إطلاق المطلوب و تقییده، ففرض إهمال المطلوب فرض تعلّق الطلب بذات الفعل أو ذات الترک لا فرض تعلّقه بالفعل المفروض حصوله أو المفروض عدمه. (لأنّ الکلام فی الترتّب بین الأمرین و الطلبین لا المطلوبین).

ص: 136


1- نهایة الدرایة، ج2، ص236.
الإیراد الثانی:
اشارة

إنّ محذور تقید نفس الطلب بفرض حصول متعلّقه، هو کون الشیء علّة لنفسه فی ما إذا کان الطلب منوطاً بفرض حصوله و لیس المحذور هنا هو طلب الحاصل.

توضیحه: إنّ الأمر علی الفرض من أجزاء علّة وجود متعلّقه فی الخارج، لفرض التسبیب به إلی ذات الفعل، لا إلی سببه و لا إلیه مع سبب آخر لیکون علّة العلّة و جزأها علی الثانی.

و مع فرض کون الأمر من أجزاء علّة وجود متعلّقه فی الخارج بلحاظ ضمیمة إرادة المکلّف فما یکون شرطاً للأمر یکون من أجزاء علّة وجود المتعلّق فی الخارج.

و حینئذ الفعل الخارجی (أی متعلّق البعث) من جهة أنّه متعلّق البعث و الطلب فهو معلول و من جهة أنّه شرط للأمر فهو جزء العلّة، فیلزم أن یکون الفعل جزء العلّة لتحقّق نفسه و هذا هو محذور کون الشیء علّة لنفسه.

جواب بعض الأساطین (حفظه الله):

إنّ ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) إشکال آخر و لاینافی ذلک صحّة ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) من إشکال طلب الحاصل.

ملاحظتنا علیه:

إنّ

المحقّق الإصفهانی (قدس سره) قال:((1)) إنّ إشکال طلب الحاصل باطل لأنّ

ص: 137


1- نهایة الدرایة، ج2، ص237.

الغرض من هذا البعث علی الفرض إیجاد ما هو موجود بهذا البعث لا بسبب آخر حتّی یکون طلبه طلب الحاصل و سیأتی الاستدراک عن هذا البیان فی الإیراد الرابع.

الإیراد الثالث:

إنّ محذور تقید الطلب بفرض عدم حصول متعلّقه هو کون العلّة معلولة لعدم معلولها.

توضیح ذلک: إنّ المفروض کون الأمر علّة للفعل فلو کانت الأمر (أی العلّة) منوطة بعدم الفعل لزم کون العلّة معلولة لعدم معلولها و بعبارة أُخری لزم إناطة تأثیرها بعدم تأثیرها، لوحدة التأثیر و الأثر ذاتاً و اختلافهما اعتباراً (أی إنّ إناطة علّیة الأمر و هی تأثیرها بعدم الأثر معناه إناطة تأثیرها بعدم تأثیرها لأنّ التأثیر و الأثر متحدان ذاتاً).

الإیراد الرابع:
اشارة

لو فرضنا أنّ الکلام فی تقیید المطلوب و إطلاقة و قلنا: إنّ الحصول قید للمطلوب فحینئذ إذا تعلّق طلب الوجود بالموجود فیلزم طلب الحاصل و وجه استحالته((1)) هو أنّ الطلب إن تعلّق بالموجود بهذا الطلب فمحذوره الخلف، لأنّ فرض وجوده بهذا الطلب هو فرض تعریته عن الوجود فی الرتبة السابقة علی الطلب و فرض وجوده فی مرتبة تعلّق الطلب خلاف ذلک الفرض، و إن تعلّق

ص: 138


1- إنّ طلب وجود ما هو الموجود لیس محالاً بالذات بل محال بالعرض، حیث إنّ الطلب قائمٌ بالنفس و لا استحالة فی وجود الطلب، إلّا أنّ هذا الطلب لغو. ثمّ إنّه لا فرق فی بطلان طلب الحاصل بین أن یکون حاصلاً بهذا الطلب أو بسببٍ آخر و کلاهما مصداقان لطلب الحاصل.

الطلب بإیجاد الموجود بغیر شخص هذا الطلب فمحذوره أنّ الموجود لایعرضه الوجود، فإنّ المماثل لایقبل المماثل، کما أنّ المقابل لایقبل المقابل.

لکن المقام لیس من باب تعلّق طلب الوجود بالموجود، بل الکلام فی تقیید المطلوب بنفسه و جعله مقترناً بنفسه، فلازمه - کما هو معنی التقیید- اثنینیة الواحد حتی یکون هناک قید و مقید فلیس هنا محذور طلب الحاصل کما توهّم.

ملاحظتنا علیه:

إنّ الطلب یتعلّق بالماهیة بداعی إیجادها خارجاً فالمطلوب المقید الماهیة و القید هو وجودها فهنا تقیید الماهیة بالوجود لا تقیید المطلوب بنفسه فلایلزم اثنینیة الواحد فالطلب من حیث تعلّقه بالقید یکون من باب طلب الوجود المتعلّق بالموجود و هو تحصیل الحاصل.

الإیراد الخامس: (و هو المهمّ فی المقام)

إنّ الإطلاق لیس إلّا تسریة الحکم إلی جمیع أفراد المطلق بما هی أفراد ذات المطلق لا بمعنی جمع القیود، فمعنی إطلاق الطلب لفرض الحصول و عدمه، عدم دخل الحصول و عدمه فی وجود الطلب، لا دخل وجوده و عدمه معاً، حتّی یلزم من الإطلاق الجمع بین محذور طلب الحاصل و محذور الجمع بین النقیضین.

فحینئذ إن قلنا بأنّ التقابل بین الإطلاق و التقیید تقابل الملکة و العدم فاستحالة التقیید تمنع عن الإطلاق اللحاظی المولوی، فإنّ قیام المولی مقام الإطلاق من هذه الجهة مع استحالة التقیید لغو.

أمّا الإطلاق الذاتی و هو ثبوت الطلب مقارناً للفعل و مقارناً للترک فهو

ص: 139

معقول فإنّه عدم التقیید بمعنی السلب المقابل للإیجاب و یستحیل خروج الشیء عنهما معاً (و الإطلاق الذاتی فی اقتضاء الأمر بالأهمّ لفعل الأهمّ و ترک معصیته أمر مجعول للشارع بخلاف الاقتضاء الذاتی الذی هو مختار المحقّق النائینی (قدس سره) فإنّه لیس مجعولاً للشارع بل هو اقتضاء العلّیة و المعلولیة.)

و من البین أنّ المانع من الترتّب ورود الطلبین علی تقدیر واحد، فتقیید طلب الأهمّ بترکه محال و هو المضرّ بالترتّب و لیس إطلاقه الذاتی أو إطلاقه اللحاظی علی فرض إمکانه مضراً بالترتّب، إذ لیس لازمه ورود الطلبین علی تقدیر لیکونا عرضیین لا طولیین.

الإیراد السادس:

إنّ تکلّف دفع الإطلاق و التقیید فی طرف الأهمّ لیس بمهمّ کما توهّم، بل النافع للمجوّز تقیید طلب المهمّ بعدم الأهمّ، فإنّه المصحّح للأمر بضدّ الجمع و عدم طلب الجمع.

المقدّمة الخامسة:
اشارة

إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) أشار فی هذه المقدّمة إلی صور و فروض کثیرة لانتعرض لها بل نقتصر بما لخصه المحقّق الإصفهانی (قدس سره) من هذه المقدّمة:

إنّ إطلاق کل واحد من الخطابین بالإضافة إلی حالتی فعل الآخر و ترکه، هو الذی یوقع المکلّف فی کلفة الجمع بین الضدّین، بحیث لو لم یکن لهما إطلاق لم یلزم منه محذور، فإذا رتب أحدهما علی عصیان الآخر لم یلزم منه محذور طلب الجمع المحال.

والشاهد علیه أمران:

ص: 140

الأمر الأوّل: هو أنّه إذا فرض الفعلان فی حدّ ذاتهما ممکن الجمع، کقراءة القرآن و الدخول فی المسجد، فإنّه لولا الترتّب یقعان علی صفة المطلوبیة عند اجتماعهما. لکنهما لایقعان علی صفة المطلوبیة مع ترتّب طلب أحدهما علی عدم الآخر (عند اجتماعهما) فعدم وقوعهما علی صفة المطلوبیة برهان إنّی علی عدم مطلوبیة الجمع، و إلّا فلماذا لم یقعا علی صفة المطلوبیة فی فرض وقوعها خارجاً؟

الأمر الثانی: هو أنّ وقوعهما علی صفة المطلوبیة مستلزم للمحال لأنّه مستلزم لوجود الشیء مع فرض ما أُخذ علّة لعدمه (أی مستلزم لوجود فعلیة المهمّ مع فرض وجود الأهمّ حیث إنّ وجود الأهمّ علّة لعدم وجود فعلیة المهمّ) و هذا برهان لمّی علی عدم مطلوبیة الجمع، إذ المفروض إناطة مطلوبیة المهمّ بعدم الأهمّ، ففعل الأهمّ کالعلّة لعدم المطلوبیة فی المهمّ.

فتحقّق مطلوبیة المهمّ مع تحقّق علّة عدمها (أی مع تحقّق الأهمّ) هو المحال المستلزم لاستحالة لازمه و هو طلب الجمع.

إیراد المحقّق الإصفهانی (قدس سره) علی المقدّمة الخامسة:

إنّ ما ذکر فیها من أنّ لازم إطلاق طلب کل من الضدّین کحالتی فعل الآخر و ترکه هو طلب الجمع بینهما مخدوش بما ذکرنا سابقاً من أنّ الإطلاق لیس جمعاً بین القیود لیکون لازمه طلب کل واحد علی تقدیر فعل الآخر أو مقترناً بفعل الآخر، لیکون طلباً للجمع بین الفعلین، بل الطلب فیهما لا علی تقدیر، و بمعنی عدم دخل فعل الآخر و ترکه فی فعلیة الطلب.

نعم لازم تعلّق الطلبین لا علی تقدیر هو طلب المطلوبین فی زمان واحد بحیث لهما المعیة الزمانیة فی المطلوبیة و لیس ذلک طلب معیتهما فی الزمان.

ص: 141

و بالجملة طلب فعلین لهما المعیة الزمانیة بحسب الفرض محقّق حتی فی الأمرین المترتّبین و طلب معیتهما فی الزمان غیر لازم حتی فی الأمرین المطلقین.

و طلب فعلین لهما المعیة الزمانیة إنّما یستحیل حیث إنّ القدرة الواحدة لاتفی بهما و أمّا مع الترتّب فالقدرة الواحدة تفی بهما، إذ مع إعمال القدرة فی فعل الأهمّ لا أمر بالمهمّ و مع عدم إعمالها فیه، لا مانع من إعمالها فی فعل المهمّ، فلا مانع من فعلیة أمره مع فعلیة الأمر بالأهمّ، حیث لایسقط الأمر به بمقارنته لعدم إعمال القدرة فی امتثاله.((1))

الوجه السادس علی إثبات الترتّب: نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره)

اشارة

((2))

تفاوت نظریة المحقق النائینی و المحقق الإصفهانی (قدس سرهما):

إنّ ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یغایر ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) من جهة أنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یری فعلیة کلا الأمرین (الأمر بالأهمّ و الأمر بالمهمّ) خلافاً للمحقق النائینی (قدس سره) حیث یقول بأنّ فعلیة الأمر بالمهم یتوقف علی عصیان الأمر بالأهمّ، و من جهة أنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یقول بالإطلاق الذاتی للأمر بالأهمّ بالنسبة إلی حالتی الفعل و الترک خلافاً للمحقق النائینی (قدس سره) حیث یقول باستحالة الإطلاق.

فإنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یقول بالتعلیق فی فعلیة اقتضاء الأمر المهمّ لا فی فعلیة الأمر فإنّ القدرة الفعلیة علی کلا الأمرین موجودة إلّا أنّ القدرة واحدة و إعمالها فی أحدهما یزاحم إعمالها فی الآخر.

ص: 142


1- نهایة الدرایة، ج2، ص239 نقله بعنوان المقدّمة الرابعة.
2- نهایة الدرایة، ج2، ص241.
بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) لتجویز الترتّب:
اشارة

إنّ الأمر بالإضافة إلی متعلّقه من قبیل المقتضی بالإضافة إلی مقتضاه.

فإذا کان المقتضیان المتنافیان فی التأثیر لا علی تقدیر و الغرض من کل منهما فعلّیة مقتضاه عند انقیاد المکلّف له، فلامحالة یستحیل تأثیرهما و فعلیة مقتضاهما و إن کان المکلّف فی کمال الانقیاد.

و إذا کان المقتضیان مترتّبین بأن کان أحد المقتضیین (مقتضی الأمر المهمّ) لا اقتضاء له إلّا عند عدم تأثیر الآخر، فلا مانع من فعلیة مقتضی الأمر المترتّب و حیث إنّ فعلیة أصل اقتضاء المترتّب منوطة بعدم تأثیر المترتّب علیه (أی اقتضاء الأمر الأهمّ) فلامحالة یستحیل مانعیته عن تأثیر الأمر المترتّب علیه، إذ ما کان اقتضاؤه منوطاً بعدم فعلیة مقتضی سبب من الأسباب یستحیل أن یزاحمه فی التأثیر و لا مزاحمة بین المقتضیین إلّا من حیث التأثیر و إلّا فذوات المقتضیات بما هی لا تزاحم بینها.

إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) علی نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره):

((1))

إنّ ما التزم به من إطلاق فعلیة کلا الخطابین مخدوش لاستلزامه اللغویة، فإنّه یعتبر فی الإطلاق عدم اللغویة و هنا وجود الأمر بالمهمّ مع إتیان فعل الأهمّ لغو فالإطلاق بالنسبة إلیه باطل: کما أنّ إهمال الأمر أیضاً محال لعدم الإهمال فی حکم الشارع فلابدّ من أن یکون الأمر بالمهمّ مقیداً بترک الأهمّ، فالحقّ هو ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) .

ص: 143


1- تحقیق الأصول، ج3، ص237 و 238.
دفع الإشکال عن نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره):

إنّ الإطلاق لایستلزم اللغویة، لأنّ الإطلاق ثابت فی مرحلة الفعلیة و عدم وفاء القدرة بامتثال کلا الخطابین مربوط بمرحلة الامتثال.

توضیح ذلک: إنّ القدرة الإجمالیة شرط فی فعلیة التکلیف و مع فقدها لایکون التکلیف فعلیاً لاستحالة التکلیف بغیر المقدور من الشارع الحکیم، أمّا القدرة التفصیلیة فهی شرط تنجّز التکلیف و فقدها لایوجب عدم فعلیة التکلیف و هنا القدرة الإجمالیة علی کلا الخطابین موجودة و لکنها لاتفی بهما و أمّا مع الترتّب (عند عدم إعمالها فی الأهمّ) فلا مانع من إعمالها فی المهمّ فالحقّ هو ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) .

الوجه السابع علی إثبات الترتّب: نظریة المحقّق العراقی (قدس سره)

اشارة

((1))

إنّ الضدّین إمّا متساویان فی الملاک و إمّا أن یکون لأحدهما مزیة و هما إمّا مضیقان و إمّا موسعان و إمّا مختلفان، فهنا صور لابدّ من التعرض لها فی بحث الضدّ.

و خلاصة نظریته هو جواز طلب الضدّین بنحو العرضیة بحیث یکون الطلب و المطلوب مطلقان و لکن الإیجاب الناقص هو طریق حلّ المشکلة، فإنّ الإیجاب قد یکون تامّاً یقتضی سدّ جمیع أنحاء عدم الشیء و قد یکون ناقصاً یقتضی سدّ بعض أنحاء عدم الشیء، مضافاً إلی أنّه یجوز الترتّب أیضاً بالإیجاب التامّ و الناقص.

ص: 144


1- نهایة الأفکار، ج1-2، ص365.

توضیح ما أفاده: إنّ الضدّین إذا کانا متساویین فی الملاک و کانا مضیقین فإن لم یکن لهما ثالث کما فی الحرکة و السکون و النوم و الیقظة فالحکم فیهما التخییر العقلی و إن کان لهما ثالث بحیث یتمکّن المکلّف من ترک کلا الأمرین معاً کما فی الأمر بإنقاذ الغریقین و کما فی مثل الصلاة و الإزالة ففی مثله لا إشکال فی أنّه لیس له ترک کلا الأمرین معاً و أنّه یجب علیه الإتیان بأحد الأمرین مخیراً بینهما إنّما الکلام فی ما ینتهی إلیه مرجع هذا التخییر و أنّه هل هو راجع إلی تقیید الطلب فی کل من الأمرین بعدم الآخر و عصیانه أو بتقیید المطلوب أو بإیجاب ناقص، فهنا یتصوّر ثلاثة احتمالات:

الاحتمال الأوّل: تقیید الطلب فی کل من الواجبین بعدم الآخر، إمّا بعدمه المحفوظ قبل الأمر و إمّا بعدمه المتأخر عن الأمر المنتزع عنه عنوان العصیان الذی هو نقیض الإطاعة.

أمّا الشق الأوّل منه فغیر دافع لمحذور المطاردة بین الأمرین من جهة بقاء المطاردة بینهما علی حالها، بملاحظة تحقّق ما هو الشرط فیهما قبل الإتیان بواحد منهما.

و أمّا الشق الثانی فهو و إن اندفع به محذور المطاردة، نظراً إلی وقوع تأثیر کل منهما فی رتبة سقوط الآخر إلّا أنّه یتوجّه علیه حینئذ محذور طولیة الأمرین و تأخر کل منهما عن الآخر برتبتین حسب إناطة کل منهما بعصیان الآخر.

الاحتمال الثانی: تقیید المطلوب فی کل منهما بعدم الآخر مع إطلاق الطلب فیهما و هذا إمّا بأخذ القید فی کل منهما مطلقَ عدم الآخر بنحو یقتضی وجوب تحصیله و إمّا بأخذ القید فی کل منهما العدم الناشی من قبل سائر الدواعی غیر دعوة الأمر و الطلب بحیث لایقتضی الطلب وجوب تحصیله.

ص: 145

و هذا أیضاً بکلا شقّیه کذلک، لأنّ مقتضی الإناطة حینئذ هو تأخّر کل من الواجبین رتبةً عن عدم الآخر و لازمه بمقتضی حفظ الرتبة بین النقیضین هو تأخر کل من الوجودین عن الآخر و هو ملازم لکون کل منهما فی رتبتین و هو محال.

مضافاً إلی أنّ الشقّ الأوّل منه مستلزم لوقوع المطاردة بین الأمرین بلحاظ اقتضاء إطلاق الأمر فی کل منهما لزوم ترک الضدّ الآخر من باب المقدّمة و اقتضاء الأمر به عدم ترکه و لزوم إیجاده، إذ حینئذ یصیر کل واحد منهما وجوداً و عدماً مورداً للتکلیف الإلزامی و هو محال.

و بعد بطلان الوجهین المذکورین یتعین الوجه الثالث.

الاحتمال الثالث: الإیجاب الناقص بنحو لایقتضی إلّا المنع عن بعض أنحاء تروکه و هو النهی عن الترک فی حال ترک الآخر و هذا یرجع إلی إیجاب متمّم الوجود، لا إیجاب الوجود علی الإطلاق و فی مثله یرتفع المطاردة بین الأمرین حیث لاتنافی بین هذین الأمرین بالضدّین بعد کونهما من قبیل متمّم الوجود و عدم اقتضائهما لوجوب الحفظ علی الإطلاق کما فی الأمرین التامّین.

و بعد التأمّل فی ما ذکرنا فی الضدّین المتساویین ظهر أیضاً حال ما إذا کان أحدها أهمّ و الآخر مهمّاً، فإنّه فیهما أیضاً أمکن بالتقریب المزبور الجمع بین الأمرین فی رتبة واحدة: أمر تامّ بالأهمّ و أمر ناقص بالمهمّ علی نحو کان مقتضاه لزوم حفظ المهمّ من سائر الجهات غیر جهة ضدّه الأهمّ، فأمکن حینئذ الجمع بین الأمرین فی مرتبة واحدة من دون احتیاج إلی الترتّب المعروف.

و من ذلک البیان ظهر عدم الحاجة إلی التشبث بالترتّب و الطولیة فی إثبات الأمر التامّ بالمهمّ بإناطة أمره بعصیان الأهمّ و ذلک لأنّه و إن کان هذا التقریب أیضاً بنفسه تقریباً تامّاً نفسیاً و یرتفع به محذور المطاردة بین الأمرین إلّا أنّه غیر

ص: 146

محتاج إلیه بعد إمکان الجمع بین الأمرین فی مرتبة واحدة بل لئن تدبّرت تری کون تقریب الترتّب فی طول التقریب الذی ذکرناه ثم قرّب المحقّق العراقی (قدس سره) الترتّب بعین ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((1))

إیراد المحقّق الإصفهانی (قدس سره) علی نظریة المحقّق العراقی (قدس سره):

((2))

إنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یحتمل أن یکون مراد المحقّق العراقی (قدس سره) من التقریب المذکور أنّ صحّة الترتّب لاتدور مدار الواجب المشروط و کیفیة إناطة المشروط بالشرط بل یصح الترتّب بناءً علی الواجب المعلّق.

ثم یستشکل علیه بأنّ هذا المعنی لایتوقف علی هذا التقریب الغریب و الالتزام بالإیجاب الناقص و تحلیل العدم إلی حصص متعددة بل لابدّ للمحقّق العراقی (قدس سره) من أن یقول حینئذ بالوجوب الفعلی و الواجب الاستقلالی بأن یکون ظرف الواجب عصیانَ الأهمّ مع أنّ الواجب المعلّق مستحیل عند المحقّق الإصفهانی (قدس سره) .

مضافاً إلی أنّ ما بنی علیه فی مبحث الواجب المعلّق - من أنّ الوجوب فی المعلّق فعلی لکنّه لا فاعلیة و لا محرکیة له، فینفک الفعلیة عن الفاعلیة و بهما یمتاز الواجب المشروط عن المعلّق- مخدوش بأنّ الأمر الحقیقی لیس إلّا لجعل الداعی بحیث یکون باعثاً للمکلّف و محرّکاً له فلاینفک فعلیته عن فاعلیته من قبل المولی.

و بهذا تمّ مبحث الترتّب.

ص: 147


1- راجع نهایة الأفکار، ج2-1، ص375.
2- نهایة الدرایة، ج2، ص223.

ص: 148

البحث الخامس: اجتماع الأمر و النهی

اشارة

فیه مقدمتان و مقامان و تنبیه

ص: 149

ص: 150

المقدمة الأُولی

اشارة

فیها أُمور أربعة:

الأمر الأوّل: عنوان البحث

اشارة

عنوان البحث عند القدماء:

إنّ القدماء من الأُصولیین عنونوا هذه المسألة بالنحو المذکور فی الکفایة فقالوا: هل یجوز اجتماع الأمر و النهی فی شیء واحد ذی جهتین أو لا؟

نظریة المحقق النائینی (قدس سره):

((1))

الأولی أن یجعل عنوان البحث علی وجه آخر و ذلک بأن یقال: إذا تعلّق أمر و نهی بشیئین اتّحدا فی الخارج وجوداً و إیجاداً، فهل یوجب ذلک سرایة کلّ منهما إلی ما تعلّق به الآخر لیلزم سقوط أحدهما لامتناع اجتماع الحکمین المتضادّین فی مورد واحد، أو إنّ اتّحاد الوجودین فی الخارج لایوجب السرایة المذکورة فلایلزم من ثبوت الحکمین فیه اجتماع الضدّین؟

ص: 151


1- أجود التقریرات، ج2، ص125.

و وجّه الأولویة بأنّ العنوان المعروف یوهم أنّ القائل بالجواز لایعترف بتضادّ الحکمین.

ملاحظات ثلاث علیها:

أوّلاً: إنّ تضادّ الحکمین لیس أمراً مسلّماً غیر قابل للتشکیک بل ینکره القائل بالجواز و القائل بالامتناع فإنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یقول بالجواز و ینکر ذلک کما أنّ الأُستاذ العلامة الشاه آبادی (حفظه الله) یقول بالامتناع و لایعتقد بتضادّ الحکمین.

ثانیاً: إنّ العنوان الذی ذُکر فی کلمات القدماء لاینافی القول بتضادّ الحکمین بل یؤمی إلی أنّ الاختلاف نشأ من ناحیة أنّ الواحد الذی هو ذا جهتین هل یکون واحداً حقیقة أو یکون متعدّداً؟ و ذلک لاتّصاف الواحد بوصف ذی الجهتین، فحینئذ إن کان واحداً حقیقة فیمتنع اجتماع الأمر و النهی فیه و إن کان متعدّداً فیجوز اجتماعهما فیه.

ثالثاً: إنّ العنوان الذی وجّهه المحقّق النائینی (قدس سره) غیر لائق بالمقام لأنّه افترض فیه حدیث تضادّ الحکمین مع أنّه محلّ الخلاف بین الأعلام و الحق عدم التضادّ کما سیأتی بیانه إن شاء الله تعالی.

ص: 152

الأمر الثانی: النزاع کبروی أو صغروی؟

اشارة

إنّ اجتماع الأمر و النهی فی الشیء الواحد یوجب المحذور فی ثلاث مراحل:

الأُولی: مرحلة مبادی الحکم و هی المصلحة و المفسدة علی مسلک العدلیة و هکذا الإرادة و الکراهة و الحب و البغض علی مسلک العدلیة و الأشاعرة.

الثانیة: مرحلة الحکم للتضادّ بین الأحکام الخمسة عند مشهور الأُصولیین کما صرّح به صاحب الکفایة (قدس سره) خلافاً للمحقّق الإصفهانی (قدس سره) .

الثالثة: مرحلة امتثال الحکم، لأنّ الأمر یقتضی الانبعاث و امتثال المتعلّق و النهی یقتضی الانزجار عن المتعلّق و ترکه.

هل یستحیل اجتماع الأمر و النهی بالذات؟

إنّ اجتماع الأمر و النهی فی الشیء الواحد مستحیل بالذات و بالعرض علی مسلک صاحب الکفایة (قدس سره) حیث إنّ تضادّ الأحکام یوجب الاستحالة بالذات و المحذور فی مرحلة المبدأ (المصلحة و المفسدة و الإرادة و الکراهة) و المنتهی (مقام الامتثال) یوجب الاستحالة بالعرض.

و أمّا علی مسلک المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فالاجتماع المذکور یوجب الاستحالة بالعرض لا بالذات لعدم التضادّ بین الأحکام الخمسة علی مسلکه.

هل یلزم علی الاجتماع التکلیف بالمحال؟

إنّ المحقّق البروجردی (قدس سره) قال: علی القول بالاجتماع یلزم التکلیف المحال و لایلزم التکلیف بالمحال لأنّ الإتیان بمتعلّق الأمر و هکذا الإتیان بمتعلّق النهی لیس محالاً.

ص: 153

و خالفه بعض الأساطین (حفظه الله) ((1)) فقال بلزوم التکلیف بالمحال أیضا لأنّ الجمع بینهما محال فیلزم من الأمر و النهی معاً التکلیف بالمحال.

فالمتحصّل: أنّه لا إشکال فی استحالة الاجتماع المذکور کبرویاً و إنّما النزاع فی الصغری بمعنی أنّه هل یسری الحکم من متعلّق الأمر أو النهی إلی الآخر حتّی یتحقّق الاجتماع فیکون محالاً کما یقوله القائل بالامتناع، أم لایسری فلایتحقّق الاجتماع المذکور فلایکون اجتماع الأمر و النهی فی الشیء الواحد محالاً کما هو مسلک القائل بالجواز.

فالنزاع صغروی لا کبروی.

ص: 154


1- علی ما قرّرته فی مجلس الدرس و لکن لم یذکره فی تحقیق الأصول، ج4، ص27.

الأمر الثالث: الأقوال فی المسألة

و المهم من الأقوال هنا ثلاثة:

الأول: القول بجواز الاجتماع و هو نظریة المحقّق القمی و المحقّق الإصفهانی و المحقّق النائینی((1)) (قدس سره) و هو المختار.

قال المحقّق القمی (قدس سره):((2)) «إنّ القول بجواز الاجتماع هو مذهب أکثر الأشاعرة و الفضل بن شاذان((3)) من قدمائنا و هو الظاهر من کلام السید

ص: 155


1- فی فوائد الأصول، ج 2، ص397 - 398: «إنّ البحث عن مسألة اجتماع الأمر و النّهی یقع فی مقامین: المقام الأوّل هو ما عنونا به المسألة، من أنّ اجتماع متعلّق الأمر و النّهی من حیث الإیجاد و الوجود هل یوجب أن یتعلّق الأمر بعین ما تعلّق به النهی و لو لمکان إطلاق کلّ منهما لمتعلّق الآخر؟ فیمتنع صدور مثل هذا الأمر و النهی و تشریعهما معاً بلحاظ حال الإجتماع، و یکون بین الدلیلین المتکفّلین لذلک تعارض العموم من وجهٍ أو أنّه لایلزم من الإجتماع المذکور تعلّق کلّ منهما بعین ما تعلّق به الآخر؟ ... و الأقوی عندنا فی المقام الأوّل الجواز و أنّ الإتّحاد لایوجب تعلّق کلّ من الأمر و النّهی بعین ما تعلّق به الآخر».
2- قوانین، ط.ق. ج1، ص138.
3- تردّد بعضٌ فی نسبة القول بالجواز إلی الفضل بن شاذان: ففی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص610: «و الإنصاف أنّ الإستظهار من کلام الفضل ممّا لا وجه له، لأنّه هو الذی نقله الکلینی فی کتاب الطلاق، و هو یدلّ علی صحة الصلاة فی الدار المغصوبة، و هو أعمّ من القول بالجواز من وجوه أقلّها جریان العادة علی عدم الحظر فی الصلاة، و یجری ذلک مجری الإذن أو الأخبار الدالّة علی أنّ للناس حقّا فی الأرض أو القول بأنّ الکون خارج عن الصلاة بل إنّما هو من ضروریات الجسم کما هو المحکی عن البهائی فی حبل المتین و المحقّق فی المعتبر أو القول بأنّ الصلاة من الواجبات التوصّلیة التی تسقط عند اجتماعها مع الحرام». راجع تعلیقة علی معالم الأصول للسید علی القزوینی، ج 4، ص555؛ و تعلیقة القوانین المحکمة، ط.ج. ج 1، ص322 - 323.

[المرتضی] فی الذریعة((1)) و ذهب إلیه جلّة من فحول متأخرینا کمولانا المحقّق الأردبیلی((2)) و سلطان العلماء((3)) و المحقّق الخوانساری((4)) و ولده المحقّق((5)) و

ص: 156


1- فی الذریعة إلی أصول الشریعة، ج 1، ص193: «و من احتجّ فی جواز الصّلاة فی الدار المغصوبة بأنّ إجراءها مجری من شاهد طفلا یغرق و هو فی الصلاة، و قال: إذا صحّت صلاته مع المعصیة، فکذلک الصّلاة فی الدّار المغصوبة فقوله باطل، لأنّا نقول فی المسألتین قولاً واحداً، و الصلاتان معا فاسدتان». و لکن فی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص610: «و المنقول من السید فی الذریعة أظهر فی عدم الجواز...».
2- نسب إلیه بعضٌ آخر القول بالتفصیل. راجع مجمع الفائدة، ج2، ص110 – 112. و فی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص611: «و قد ینقل فی المقام قول ثالث، و هو التفصیل بین العقل و العرف، فیجوز عقلا و لایجوز عرفا و نسبه بعضهم إلی الأردبیلی فی شرح الإرشاد.
3- حاشیة السلطان علی معالم الدین، ص292.
4- جاء فی مطارح الأنظار: «کالمحقق الخوانساری فی تداخل الأغسال من المشارق» و لم نجد فی ذلک البحث إشارةً إلی ما نحن فیه و لکن فی مشارق الشموس ط.ق. ج1، ص290 - 291: «إحتجّ العلّامة فی المختلف علی الحکم الأول مما استوجهه الذی هو مسئلتنا هذه بقوله: إنّ من صوّر النزاع الطهارة بالمتغیر من الماء و هو منهی عنه و النهی یدل علی الفساد أمّا الأوّل فلما رواه حریز بن عبد الله فی الصحیح عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «فإذا تغیر الماء و تغّیر الطعم فلایتوضأ منه و لایشرب منه» و أمّا المقدمة الثانیة فلأنّه لم یأت بالمأمور به فیبقی فی عهدة التکلیف أمّا الصغری فلأنّه أتی بالمنهی عنه و المأمور به غیر المنهی عنه و إلّا لزم التکلیف بالضدین و أمّا الکبری فظاهرة ... و فیه نظر أمّا أوّلاً فلأنّ قوله المأمور به غیر المنهی عنه و إلّا لزم التکلیف بالضدین إن أراد به لزوم التکلیف بالضدین متعلقا بشیءٍ مخصوص الذی هو الممتنع فلزومه ممنوع إذ لو فرض إنّ الأمر أمر بالوضوء بالماء مطلقا و نهی عن الوضوء بالماء المتغیر فإذا اختار المکلف الوضوء بالماء المتغیر و جمع بین الأمر و النهی بأن جعل أمرا واحدا فردا لهما فلم یلزم تعلق التکلیفین بشیءٍ مخصوص بل التکلیفان تعلّقا بطبیعتین کلیتین لکن جعل المکلف فعلا واحدا جزئیا لهما و إن أراد به مجرد جمعهما فی شیءٍ واحدٍ باختیار المکلف فاستحالته ممنوعةٌ لابدّ لها من بیان».
5- التعلیقات علی الروضة البهیة، ص206: «قوله "و یجب کونه غیر مغصوب" ... و معتمد الأصحاب فی حکمهم بالبطلان هو ما ذهبوا إلیه من امتناع کون الواحد مأموراً به و منهیا عنه إذ لا شکّ أنّ الحرکات و السکنات الواقعة فی المکان المغصوب منهیّ عنها لحرمة الغصب فلو صحّت الصلاة فیه لکانت مأموراً بها أیضا ... و للتأمّل فیما ذهبوا إلیه من الإمتناع المذکور مجالٌ کما فصّلنا القول فیه فی الأصول لکن لا محید عمّا علیه أعاظم الأصحاب و الله تعالی أعلم بالصواب».

الفاضل المدقّق الشیروانی((1)) و الفاضل الکاشانی((2)) و السید الفاضل صدر الدین((3)) و أمثالهم رحمهم الله بل و یظهر من الکلینی -حیث نقل کلام الفضل بن شاذان

ص: 157


1- فی القوانین المحکمة، ط.ج. ج 1، ص344: «فلنمثّل بما ذکره بعض المدقّقین بأمر المولی عبده بمشی خمسین خطوة فی کلّ یوم، و نهاه عن الدخول فی الحرم، فإذا مشی المقدار المذکور إلی داخل الحرم، یکون عاصیاً مطیعاً من الجهتین». و فی الحاشیة علی قوانین الأصول للسید علی القزوینی، ج 1، ص107: «قوله فلنمثّل بما ذکره بعضُ المدقّقین ای ذکره جماعةٌ منهم المدقق الشیروانی و السید صدر الدین».
2- فی معتصم الشیعة فی أحکام الشریعة، ج 2، ص235 - 238: «أجمع العلماء کافّةً علی تحریم الصلاة فی المکان المغصوب اختیاراً و أجمع أصحابنا علی بطلانها أیضاً علی ما نقله ... و فیه بحثٌ آخر ذکرناه فی الأصول». و فی مفاتیح الشرائع، ج 1، ص98 - 99: «مفتاح المشهور أنّه یشترط فی مکان المصلی أن یکون مسجدا أو مملوکا أو مأذونا فیه، و لو بالفحوی، أو شاهد الحال، فتبطل فی المغصوب عالماً إختیاراً، أمّا مع الجهل أو الإضطرار فلا. و لیس لهم علی ذلک دلیلٌ تسکن النفس الیه ... و ربما یقال بإطلاق جواز الصلاة فی مکان لم یأذن مالکه الدخول فیه و إن کان عاصیا وفاقاً للفضل بن شاذان رحمه الله لأنّ الدخول فیه منهی عنه صلّی أو لم یصل، فإنّ الله لم یقید النهی عنه بالصلاة و لم یجعله شرطا لها و تحقیق ذلک فی الأصول». راجع أیضاً نقد الأصول الفقهیة للفیض الکاشانی، ص77.
3- فی تعلیقة علی معالم الأصول للسید علی القزوینی، ج 4، ص576: «إحتجّ أهل القول بجواز الإجتماع بوجهین بل بوجوه منها: ما قرّره المصنّف من أنّ السید إذا أمر عبده بخیاطة الثوب و نهاه عن الکون فی مکانٍ مخصوصٍ ثمّ خاطه فی ذلک المکان فإنّا نقطع بأنّه مطیع عاص لجهتی الأمر بالخیاطة و النهی عن الکون و محصّل هذا الوجه یرجع إلی التمسّک بفهم العرف إستکشافاً عن عدم المنافاة بین الوجوب و الحرمة، أو عن جدوی تعدّد الجهة فی تکثیر الموضوع، و إلّا لما حکم علی العبد المذکور بالإطاعة و العصیان، فإذا جاز ذلک فی العرف لجاز فی الشرع أیضاً لأنّ خطابات الشارع واردةٌ علی طبق القواعد العرفیة. و ربّما یؤکّد هذا التقریر من الدلیل بعبارةٍ أوضح و أصرح فی الدلالة علی الإجتماع فیقال: إنّ السید إذا أمر العبد بالخیاطة فی الجملة و نهاه عن شغله المکان المخصوص و قال: إن ارتکبت النهی ضربتک، و إن امتثلت الأمر فأعتقتک فخاط الثوب فی هذا المکان فیحسن من السید أن یضربه و یعتقه و یقول: أطاع بالخیاطة و عصی بدخول المکان فالخیاطة من حیث هی غیرُ ممنوعٍ عنها قطعا، بل ربّما یتعدّی بإجراء هذا الدلیل أو ما هو أصرح منه فیما لو کان المنهی عنه أخصّ من المأمور به کما عن الفاضل الباغنوی- علی ما حکاه السید صدر الدین فی شرح الوافیة-من أنّه عند ذکره الوجه المذکور للمجوّزین مع اختیاره الجواز، قال: بقی الکلام فی أنّ هذا الدلیل هل هو جارٍ فیما إذا صحّ الإنفکاک من أحد الجانبین کما إذا نهاه عن الخیاطة فی الحرم و أمره بالخیاطة، فإذا خاطه فی الحرم فلا شکّ فی أنّه عاصٍ لمخالفته النهی فهل هو مطیع للآمر؟ و الظاهر أنّه مطیع لأنّه لم یقید أمره بالخیاطة بأن لایکون فی الحرم، فلعلّ غرضه فی الأمر مجرّد خیاطة الثوب مجرّدا عن قید عدم کونها فی الحرم، و جعل النهی قرینة للتقیید ارتکاب للمجاز و إبقاء کلّ من الأمر و النهی أولی من تخصیص أحدهما، فیکون معنی کلامه أنّک لاتفعل الخیاطة فی الحرم، فإنّک لو فعلتها فیه لعاقبتک لکن یحصل ما هو مطلوبی بالأمر لأنّ مطلوبی بالأمر خیاطة الثوب فی مکانٍ مّا أی مکان کان و لایخفی أنّ هذا معنی صحیح غیر مخالف للغة و لا للعقل و لایحتاج فیه إلی ارتکاب التخصیص فی الأمر فلنحمل علیه إلی آخره». و فی ص581: «نعم یتوجّه إلی هذا الجواب [أی الجواب عن الوجه الأول مما احتج به علی الجواز] أنّه مناقشة فی المثال، فللمستدلّ أن یفرض مثالاً یتّحد فیه المأمور به و المنهی عنه کما فرضه جماعة منهم السید صدر الدین و هو ما لو أمر السید عبده بالمشی فی کلّ یومٍ خمسینَ خطوة و نهاه عن الدخول فی الحرم فمشی الخمسین فی الحرم، فإنّه مطیع للعمل بمقتضی الأمر و عاصٍ لمخالفته النهی». و راجع أیضا التعلیقة علی قول المؤلف دام ظله «و الفاضل المدقق الشیروانی».

فی کتاب الطلاق((1)) و لم یطعن علیه- رضاه بذلک بل و یظهر من کلام الفضل أنّ

ص: 158


1- فی الکافی، ج6، ص92 – 94، باب الفرق بین من طلّق علی غیر السنة و بین المطلقة إذا خرجت و هی فی عدّتها أو أخرجها زوجها: «الْحُسَینُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِی حَمْدَانُ الْقَلَانِسِی قَالَ: قَالَ لِی عُمَرُ بْنُ شِهَابٍ الْعَبْدِی مِنْ أَینَ زَعَمَ أَصْحَابُکَ أَنّ مَنْ طَلَّقَ ثَلَاثاً لَمْ یقَعِ الطَّلَاقُ؟ فَقُلْتُ لَهُ: زَعَمُوا أَنَّ الطَّلَاقَ لِلْکِتَابِ وَ السُّنَّةِ فَمَنْ خَالَفَهُمَا رُدَّ إِلَیهِمَا، قَالَ: فَمَا تَقُولُ فِیمَنْ طَلَّقَ عَلَی الْکِتَابِ وَ السُّنَّةِ فَخَرَجَتِ امْرَأَتُهُ أَوْ أَخْرَجَهَا فَاعْتَدَّتْ فِی غَیرِ بَیتِهَا تَجُوزُ عَلَیهَا الْعِدَّةُ أَوْ یرُدُّهَا إِلَی بَیتِهِ حَتَّی تَعْتَدَّ عِدَّةً أُخْرَی فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَالَ- (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُیوتِهِنَّ وَ لا یخْرُجْنَ) قَالَ فَأَجَبْتُهُ بِجَوَابٍ لَمْ یکُنْ عِنْدِی جَوَاباً وَ مَضَیتُ فَلَقِیتُ أَیوبَ بْنَ نُوحٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِکَ فَأَخْبَرْتُهُ بِقَوْلِ عُمَرَ فَقَالَ لَیسَ نَحْنُ أَصْحَابَ قِیاسٍ إِنَّمَا نَقُولُ بِالْآثَارِ فَلَقِیتُ عَلِی بْنَ رَاشِدٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِکَ وَ أَخْبَرْتُهُ بِقَوْلِ عُمَرَ فَقَالَ قَدْ قَاسَ عَلَیکَ وَ هُوَ یلْزِمُکَ إِنْ لَمْ یجُزِ الطَّلَاقُ إِلَّا لِلْکِتَابِ فَلَا تَجُوزُ الْعِدَّةُ إِلَّا لِلْکِتَابِ فَسَأَلْتُ مُعَاوِیةَ بْنَ حُکَیمٍ عَنْ ذَلِکَ وَ أَخْبَرْتُهُ بِقَوْلِ عُمَرَ فَقَالَ مُعَاوِیةُ: لَیسَ الْعِدَّةُ مِثْلَ الطَّلَاقِ وَ بَینَهُمَا فَرْقٌ ....وَ قَالَ الْفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ فِی جَوَابٍ أَجَابَ بِهِ- أَبَا عُبَیدٍ فِی کِتَابِ الطَّلَاقِ ذَکَرَ أَبُو عُبَیدٍ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ الْکَلَامِ قَالَ إِنَّ اللهَ تَبَارَکَ وَ تَعَالَی حِینَ جَعَلَ الطَّلَاقَ لِلْعِدَّةِ لَمْ یخْبِرْنَا أَنَّ مَنْ طَلَّقَ لِغَیرِ الْعِدَّةِ کَانَ طَلَاقُهُ عَنْهُ سَاقِطاً وَ لَکِنَّهُ شَی ءٌ تَعَبَّدَ بِهِ الرِّجَالُ کَمَا تَعَبَّدَ النِّسَاءُ بِأَنْ لَا یخْرُجْنَ مِنْ بُیوتِهِنَّ مَا دُمْنَ یعْتَدِدْنَ وَ إِنَّمَا أَخْبَرَنَا فِی ذَلِکَ بِالْمَعْصِیةِ فَقَالَ (وَ تِلْکَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَ مَنْ یتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) فَهَلِ الْمَعْصِیةُ فِی الطَّلَاقِ إِلَّا کَالْمَعْصِیةِ فِی خُرُوجِ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ بَیتِهَا؟ أَ لَسْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَی أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمُطَلَّقَةَ إِذَا خَرَجَتْ مِنْ بَیتِهَا أَیاماً أَنَّ تِلْکَ الْأَیامَ مَحْسُوبَةٌ لَهَا فِی عِدَّتِهَا وَ إِنْ کَانَتْ لِلهِ فِیهِ عَاصِیةً فَکَذَلِکَ الطَّلَاقُ فِی الْحَیضِ مَحْسُوبٌ عَلَی الْمُطَلِّقِ وَ إِنْ کَانَ لِلهِ فِیهِ عَاصِیاً قَالَ الْفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ ....ِ وَ أَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّ ذَلِکَ شَی ءٌ تَعَبَّدَ بِهِ الرِّجَالُ... وَ إِنْ کَانَ لِلهِ عَاصِیاً فَیقَالُ لَهُمْ: إِنَّ هَذِهِ شُبْهَةٌ دَخَلَتْ عَلَیکُمْ مِنْ حَیثُ لَا تَعْلَمُونَ وَ ذَلِکَ أَنَّ الْخُرُوجَ وَ الْإِخْرَاجَ لَیسَ مِنْ شَرَائِطِ الطَّلَاقِ کَالْعِدَّةِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ شَرَائِطِ الطَّلَاقِ ذَلِکَ أَنَّهُ لَا یحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ بَیتِهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ وَ لَا بَعْدَ الطَّلَاقِ وَ لَا یحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ یخْرِجَهَا مِنْ بَیتِهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ وَ لَا بَعْدَ الطَّلَاقِ فَالطَّلَاق وَ غَیرُ الطَّلَاقِ فِی حَظْرِ ذَلِکَ وَ مَنْعِهِ وَاحِدٌ وَ الْعِدَّةُ لَا تَقَعُ إِلَّا مَعَ الطَّلَاقِ وَ لَا تَجِبُ إِلَّا بِالطَّلَاقِ وَ لَا یکُونُ الطَّلَاقُ لِمَدْخُولٍ بِهَا وَ لَا عِدَّةٌ کَمَا قَدْ یکُونُ خُرُوجاً وَ إِخْرَاجاً بِلَا طَلَاقٍ وَ لَا عِدَّةٍ فَلَیسَ یشَبَّهُ الْخُرُوجُ وَ الْإِخْرَاجُ بِالْعِدَّةِ وَ الطَّلَاقِ فِی هَذَا الْبَابِ وَ إِنَّمَا قِیاسُ الْخُرُوجِ وَ الْإِخْرَاجِ کَرَجُلٍ دَخَلَ دَارَ قَوْمٍ بِغَیرِ إِذْنِهِمْ فَصَلَّی فِیهَا فَهُوَ عَاصٍ فِی دُخُولِهِ الدَّارَ وَ صَلَاتُهُ جَائِزَةٌ لِأَنَّ ذَلِکَ لَیسَ مِنْ شَرَائِطِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ مَنْهِی عَنْ ذَلِکَ صَلَّی أَوْ لَمْ یصَلِّ وَ کَذَلِکَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا غَصَبَ ثَوْباً أَوْ أَخَذَهُ وَ لَبِسَهُ بِغَیرِ إِذْنِهِ فَصَلَّی فِیهِ لَکَانَتْ صَلَاتُهُ جَائِزَةً وَ کَانَ عَاصِیاً فِی لُبْسِهِ ذَلِکَ الثَّوْبَ لِأَنَّ ذَلِکَ لَیسَ مِنْ شَرَائِطِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ مَنْهِی عَنْ ذَلِکَ صَلَّی أَوْ لَمْ یصَلِّ وَ کَذَلِکَ لَوْ أَنَّهُ لَبِسَ ثَوْباً غَیرَ طَاهِرٍ أَوْ لَمْ یطَهِّرْ نَفْسَهُ أَوْ لَمْ یتَوَجَّهْ نَحْوَ الْقِبْلَةِ لَکَانَتْ صَلَاتُهُ فَاسِدَةً غَیرَ جَائِزَةٍ لِأَنَّ ذَلِکَ مِنْ شَرَائِطِ الصَّلَاةِ وَ حُدُودِهَا لَا یجِبُ إِلَّا لِلصَّلَاةِ».

ذلک کان من مسلمات الشّیعة و إنما المخالف فیه کان من العامّة کما أشار إلی ذلک العلاّمة المجلسی رحمه الله فی کتاب بحار الأنوار أیضا((1)) و انتصر هذا

ص: 159


1- فی بحار الأنوار، ج80، ص278 - 281: «تفریع قد عرفت أنّه یستفاد من تلک الأخبار المتواترة معنی جواز الصلاة فی جمیع بِقاع الأرض إلّا ما أخرجه الدلیل فمنها المکان المغصوب للإجماع علی عدم جواز التصرف فی ملک الغیر إلّا إاذنه صریحا أو فحوی أو بشاهد الحال ... و أمّا بطلان الصلاة مع العلم بالغصب فقال فی المنتهی: ذهب علماؤنا إلی بطلان الصلاة فیه وظاهره دعوی الإجماع وقال فی المعتبر: و هو مذهب الثلاثة و أتباعهم و ظاهره عدم تحقق الإجماع علیه [ حیث ] إنّ الفضل بن شاذان من قدماء أصحابنا ذکر فی جواب من قاس من العامة صحة الطلاق فی الحیض بصحّة العدّة مع خروج المعتدّة من بیت زوجها ما هذا لفظه ... فظهر أنّ القول بالصحة کان بین الشیعة بل کان أشهر عندهم فی تلک الأعصار و کلام الفضل یرجع إلی ما ذکره محقّقوا أصحابنا من أنّ التکلیف الإیجابی لیس متعلقا بهذا الفرد الشخصی بل متعلق بطبیعة کلیة شاملة لهذا الفرد و غیره، و کذا التکلیف السلبی متعلق بطبیعة الغصب لا بخصوص هذا الفرد، و النسبة بین الطبیعتین عمومٌ من وجه، فطلب الفعل و الترک غیر متعلق بأمر واحد فی الحقیقة حتی یلزم التکلیف بما لایطاق، و إنّما جمع المکلف بینهما فی فرد واحد باختیاره فهو ممتثل للتکلیف الإیجابی باعتبار أنّ هذا فرد الطبیعة المطلوبة، و امتثال الطبیعة إنّما یحصل بالإتیان بفردٍ من أفرادها، و هو مستحقٌّ للعقاب أیضاً باعتبار کون هذا الفرد فردا للطبیعة المنهیة . و قیل: هذا القول غیرُ صحیحٍ علی أصول أصحابنا، لأنّ تعلّق التکلیف بالطبیعة مسلّمٌ، لکن لا نزاع عندنا فی أنّ الطبیعة المطلوبة یجب أن تکون حسنة و مصلحة راجحة متأکّدة یصح للحکیم إرادتها، و قد ثبت ذلک فی محله، و غیر خاف أنّ الطبیعة لاتتّصف بهذه الصفات، إلّا من حیث التحّصل الخارجی باعتبار أنحاء وجوداته الشخصیة و حینئذ نقول: الفرد المحرم لایخلو إمّا أن یکون حسنا و مصلحة متأکّدة مرادة للشارع أم لا؟ و علی الأوّل لایصح النهی عنه، و علی الثانی لم یکن القدر المشترک بینه و بین باقی الأفراد مطلوباً للشارع، بل المطلوب الطبیعة المقیدة بقیدٍ یختصّ به ما عدا ذلک الفرد، فلایحصل الإمتثال بذلک الفرد، لخروجه من أفراد المأمور به. أقول: و یمکن المناقشة فیه بوجوه لو تعرّضنا لها، خرجنا عمّا هو مقصودنا فی هذا الکتاب، و بالجملة الحکم بالبطلان أحوط و أولی، و إن کان إثباته فی غایة الإشکال».

المذهب جماعة من أفاضل المعاصرین ... و الذی یقوی فی نفسی و یترجّح فی نظری هو جواز الاجتماع.»((1))

ص: 160


1- نذکر هنا عدّة من القائلین بالجواز غیر من ذکر: فی تقریرات فی أصول الفقه للسید عبدالحسین اللاری (1342)، ج 2، ص27: «أمّا القول بالجواز مطلقا فمنسوب إلی فضل ابن شاذان ... و أمثالهم من فُحول متأخّرینا کصاحب القوانین و الإشارات و الضوابط بل استظهر من کلام الفضل وفاقُ الإمامیة علیه». و فی إشارات الأصول للشیخ محمدإبراهیم الکرباسی (1261)، ص220: «إنّهمإاختلفوا فی جواز الإجتماع و عدمه علی قولین و المختار الأوّل لوجوهٍ». و فی ضوابط الأصول للسید إبراهیم القزوینی (1262)، ص159: «هنا مقامات: الأوّل فی جواز اجتماع المامور به مع المنهی عنه فی العامین من وجه و فی الأعمّ و الأخصّ مطلقا من حیث الدلالة العقلیة فالکلام أوّلاً فی العامّین من وجه فی الإلزامیین مع کون النهی عینیا و متعلّقا بالوصف الفارق کقولک: صلّ و لاتغصب سواء کان الواجب تعبّدیا صِرفاً أم توصّلیاً کذلک أم مرکّبا منهما إرتباطاً أم إستقلالاً فذهب المشهور إلی عدم الجواز و الحقّ الجواز». و فی دررالفوائد ط.ج. ص180: «و بالجملة أظنّ أنّ التأمّل التّامّ فیما ذکرنا من دلیل المجوزین یوجب القطع بصحة هذا القول فتدبّر جیداً». و فی وقایة الأذهان، ص343: «ثانیها: الجواز مطلقا، ذهب إلیه السید الأستاذ [أی السید محمد الفشارکی] و منه شاع القول به بین المعاصرین». و فی نهایة الأصول، ص260: «إنّک إذا راجعت الوجدان رأیت جواز الإجتماع من أبده البدیهیات، فإذا أمرت عبدک بخیاطة ثوبک و نهیته عن التصرف فی فضاء دار الغیر فخاط العبد ثوبک فی فضاء الغیر، فهل یکون لک أن تقول له: أنت لاتستحق الأجرة لعدم إتیانک بما أمرتک؟ و لو قلت هذا فهل لا تکون مذموماً عند العقلاء؟ لا و الله بل تراه ممتثلاً من جهة الخیاطة و عاصیاً من جهة التصرف فی فضاء الغیر، و یکون هذا العبد عند العقلاء مستحقّاً لأجر العبودیة و الإطاعة، و عقاب التمرّد و العصیان». و فی أصول الفقه، ج 1، ص328: «إنّ الحقّ فی المسألة هو الجواز و قد ذهب إلی ذلک جمعٌ من المحققین المتأخّرین و سندنا یبتنی علی توضیح و اختیار ثلاثة أمور مترتّبة». و فی بحوث فی علم الأصول، ج 3، ص38: «من مجموع ما تقدّم إلی هنا نستطیع أَنْ نستخلص ثلاثة ملاکات و تقریبات لجواز اجتماع الأمر و النهی فی موضوعٍ واحدٍ لو تمّ شی ء منها فی مورد جاز الإجتماع: الملاک الأول: أنَّ الأمر إِذا کان متعلّقاً بصرف وجود الطبیعة فی الخارج فحتی إِذا کان النهی متعلّقاً بالفرد و الحصّة لاتضاد بینهما، إِذ لا محذور فی أَنْ یرید المولی صرف الوجود للجامع و ینهی عن فرد من أفراده الملاک الثانی: أَنْ یکون متعلّق الأمر غیر متعلّق النهی عنواناً و إِنْ انطبقا علی وجودٍ واحدٍ فی مورد خارجاً، لأنَّ تعدد العنوان یؤدّی إِلی تعدد ما هو معروض الأمر و النهی و الحبّ و البغض حقیقةً و ذاتاً الملاک الثالث: أَن یکون الترکیب بین عنوانی المأمور به و المنهی عنه إنضمامیا لا إتّحادیاً، أی یکون تعدد العنوان مستلزماً لتعدد المعنون خارجاً. و الملاک الثالث هو الذی بنی علیه المحقّقون جواز الإجتماع کبرویاً و إِنْ اختلفوا فی تشخیص موارده صغرویاً، و سوف یأتی الحدیث عن ذلک مفصلًا و الملاک الثانی قد أوضحناه الآن و علی أساسه أثبتنا جواز الإجتماع حتّی مع وحدة المعنون و الملاک الأوّل قد بینّا فیما سبق أنَّه و إِنْ کان صحیحاً فی نفسه بلحاظ نفس الأمر و النهی إِلّا أنَّه لو لاحظنا ما ادّعینا وجداناً لزومه عن الأمر بالجامع بنحو صِرف الوجود من التخییر الشرعی فی عالم الحبّ و الإرادة المستلزم لتعلّق الحبّ بالفرد عند ترک سائر الأفراد لزم التضاد بین الأمر بالجامع و النهی عن الفرد فی عالم الحبّ و البغض الّذی هو عالم المبادئ و روح الحکم». و فی جواهر الأصول، ج 4، ص71: «الحقّ جواز اجتماع الأمر و النهی المتعلّقین بعنوانین متصادقین علی موضوع واحد». قد أدّعی کون القول بالجواز مشهورا لدی أصحاب الأئمة أو طریقة الإمامیة ففی القوانین المحکمة ط.ج. ج 4، ص468: «النزاع فی أنّ الأمر و النّهی هل یجتمعان أم لا؟ لانسلّم کونه من المحدثات، بل کان مشهوراً بین القدماء، و یظهر من کلام الفضل بن شاذان علی ما نقله الکلینی رحمه الله فی الکافی فی کتاب الطلاق أنّ طریقة الإمامیة کانت القول بالإجتماع و صحّة الصلاة فی الدّار الغصبیة کما أشار إلیه العلّامة المجلسی رحمه الله فی البحار».

ص: 161

الثانی: القول بالامتناع و هو مسلک المشهور((1)) و منهم صاحب الکفایة (قدس سره) .

ص: 162


1- إدّعی الإجماع علی القول بالإمتناع کثیرٌ من العلماء: ففی نهایة الوصول إلی علم الأصول، المبحث الرابع فی امتناع اجتماع الأمر و النهی، ج 2، ص75: «إعلم أنّ الواحد قد یکون واحدا بالنوع، و قد یکون واحدا بالشخص ... و أمّا الثانی فإمّا أن یکون ذا جهة واحدة أو ذا جهتین فالأوّل، لا خلاف فی استحالة توجّه الأمر و النهی معاً إلیه إلّا عند من یجوّز تکلیف ما لایطاق و أمّا الثانی ففیه النزاع کالصلاة فی الدار المغصوبة، فإنّها قد اشتملت علی وجهتین: إحداهما کونها صلاة، و أخری کونها غصباً و فیه النزاع فمنع منه جماعة الإمامیة و الزیدیة و الظاهریة و الجبائیان [أبوعلی و ابنه أبوهاشم] و هو مروی عن مالک، و هو اختیار فخر الدین الرازی و ذهبوا إلی أنّ الصلاة غیر واجبة و لا صحیحة، و لایسقط بها الفرض ... و هذا الذی اخترناه مذهب جمهور المتکلّمین و قال الغزّالی و جماعة الأشاعرة بالجواز». و فی نهج الحق وکشف الصدق، المسألة السابعة فی ما یتعلق بأصول الفقه، الفصل الأول فی التکلیف، المبحث السادس فی امتناع اجتماع الوجوب والحرمة، ص383: «ذهبت الإمامیة و من تابعهم من الجمهور إلی امتناع أن یکون الشیء واجباً وحراماً من جهةٍ واحدةٍ و إلّا لزم التکلیف بالنقیضین و هو محال ... و کذلک یمتنع أن یکون الشیء الواجب واجباً من جهة و حراماً من جهة أخری مع تلازم الجهة فلم تذهب الإمامیة إلی صحة الصلاة فی الدار المغصوبة و خالف فیه الجمهور إلّا من شذّ و جعلوها واجبة و حراما و لزمهم ما قدّمناه من التکلیف باجتماع النقیضین» و راجع أیضا إحقاق الحقّ، ص319. و فی مدارک الأحکام، ج3، ص217 فی التعلیقة علی قوله: «و المکان المغصوب لاتصحّ فیه الصلاة للغاصب و لا لغیره ممن علم بالغصب فإن صلّی کانت صلاته باطلة»: «أجمع العلماء کاّفةً علی تحریم الصلاة فی المکان المغصوب مع الإختیار . و أطبق علماؤنا علی بطلانها أیضًا لأنّ الحرکات و السکنات الواقعة فی المکان المغصوب منهی عنها کما هو المفروض فلایکون مأموراً بها، ضرورة استحالة کون الشیء الواحد مأموراً به و منهیا عنه و خالف فی ذلک أکثر العامة فحکموا بصحّتها بناءا علی جواز کون الشیء الواحد مأموراً به و منهیاً عنه، و إستدلّوا علیه بأنّ السید إذا أمر عبده بخیاطة ثوب و نهاه عن الکون فی مکانٍ مخصوصٍ ثم خاطه فی ذلک المکان فإنّه یکون مطیعاً عاصیاً لجهتی الأمر بالخیاطة و النهی عن الکون و جوابه أنّ المأمور به فی هذا المثال غیر المنهی عنه، إذ المأمور به الخیاطة، و المنهی عنه الکون، و أحدهما غیر الآخر، بخلاف الصلاة الواقعة فی المکان المغصوب فإنّ متعلق الأمر و النهی فیها واحد، و هو الحرکات و السکنات المخصوصة». و فی معالم الدین، ص93: «أصلٌ: الحقّ امتناع توجّه الأمر و النهی إلی شی ءٍ واحدٍ و لانعلم فی ذلک مخالفاً من أصحابنا و وافقنا علیه کثیرٌ ممن خالفنا و أجازه قوم». و فی مطارح الأنظار (ط.ج): ج 1، ص608: «ذهب أکثر أصحابنا و جمهور المعتزلة و بعض الأشاعرة کالباقلانی إلی الإمتناع، بل عن جماعة- منهم: العلّامة و السید الجلیل فی إحقاق الحقّ و العمیدی و صاحبی المعالم و المدارک و صاحب التّجرید الإجماع علیه، بل ادّعی بعضهم الضرورة و لیس بذلک البعید». و أیضاً راجع حاشیة معالم الدین للمولی صالح المازندرانی، ص118 و الفوائد الحائریة، ص165؛ و تجرید الأصول، ص30؛ و أنیس المجتهدین فی علم الأصول، ج 1، ص147؛ و فی عوائد الأیام، ص273 و مفتاح الأحکام لملّا أحمد النراقی، ص113؛ و جواهر الکلام، ج8، ص141 – 145. و ناقش فی الإجماع علی بطلان الصلاة جماعةٌ من الأعلام: راجع المحاضرات للمحقق السید محمد داماد (1388)، ج 1، ص306؛ و المدخل إلی عذب المنهل للعلّامة الشعرانی، ص270. و نذکر هنا عدّةٌ ممن قال بالإمتناع: ففی الوافیة، الباب الأول، المقصد الثانی، ص90 و 91: «البحث الثالث: هل یجوز تعلق الأمر و النهی بشیءٍ واحدٍ، أو لا؟ و الحقّ عدم الجواز و اعلم أنّ للمسألة صوراً [ثلاثا]». و فی أنیس المجتهدین، ج 1، ص145: «فصلٌ: [14] هل یجوز إتّصاف شی ءٍ واحدٍ بحکمین من الأحکام الخمسة مثل أن یکون واجبا حراما، أو واجبا مکروها، و هکذا؟ و الحقّ عدم الجواز مطلقا». و فی الفصول الغرویة، ص125: «الحقّ عندی ما ذهب إلیه الأوّلون من استحالة الإجتماع و هو عندی من باب التکلیف المحال بالمحال کالإجتماع مع اتّحاد الجهة و سیظهر وجهه من بیاننا الآتی فیتعّدد جهة الإمتناع و لایبتنی علی القول باستحالة التکلیف بالمحال لا کما یظهر من بعض المانعین من کونه من باب التکلیف بالمحال خاصة». و فی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص693: «هذا ما وسعنا من الکلام فی أدلّة المجوّزین و الجواب عنها. و بعد ما عرفت فی جوابها من ثبوت المانع من الأخذ بإطلاقات الأوامر و النواهی فی مورد الإجتماع لا حاجة إلی إیراد احتجاج القول بالإمتناع و قد یذکر فی الدلیل علی الإمتناع وجوهٌ مرجعها إلی ما ذکر فی الأجوبة المتقدّمة، فإن أردتها فارجعها و الله الهادی إلی سواء السبیل». و فی ص701: « ... بعد ما عرفت من امتناع اجتماع الواجب و الحرام فی مورد واحد فی محلّ النزاع». و فی غایة المسؤول، ص305: «هذا غایة ما یمکن أن یقال فی تقریر الدلیل العقلی للمجوّزین و بما أسلفنا فی المقدمات تعلم فساد جمیع ذلک». و هکذا فی ص307. و فی رسائل المحقق أبی المعالی الکلباسی (1315)، ص868: «الحقّ أنّ الحیثیة التقییدیة لاتوجب الکثرة فی ذات الموضوع فی تحلیل الجزئی إلی کلیین و من هذا أنّ الحقّ عدم جواز اجتماع الأمر و النهی». و هکذا فی وسیلة الوصول إلی حقائق الأصول، ج 1، ص303؛ و فی وقایة الأذهان، ص343؛ و فی ص391؛ و فی المحجة فی تقریرات الحجة، ج 1، ص328 و فی المحاضرات للمحقق داماد، ج 1، ص309.

ص: 163

الثالث: القول بالجواز عقلاً و الامتناع عرفاً و هو مختار المقدس الأردبیلی((1)) (قدس سره) (حیث یقول: متعلّق الأمر و النهی متعدّدان بحسب الدقّة العقلیة و لکن العرف لایری فیهما التعدّد).

ص: 164


1- قد مرّ کلام المحقق الأردبیلی فی التعلیقات السابقة. و فی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص611: « و قد ینقل فی المقام قولٌ ثالثٌ و هو التفصیل بین العقل و العرف، فیجوز عقلاً و لایجوز عرفاً و نسبه بعضهم إلی الأردبیلی فی شرح الإرشاد حیث قال ... و قد ینسب ذلک إلی فاضل الریاض أیضاً و کأنّه مسموعٌ منه شفاها». و فی ص695: «هدایةٌ فی ذکر احتجاج المفصّل بین العرف و العقل کالسید الطباطبائی و یظهر ذلک من سلطان المحقّقین أیضا فی تعلیقاته علی المعالم و المحقّق القمّی فی المسألة الآتیة و قد عرفت فیما تقدّم نسبته إلی المقدس الأردبیلی بما فیها». و فی وقایة الأذهان؛ ص343: «ثالثها الجواز عقلا و الإمتناع عرفاً، نقلوه عن السید الطباطبائی و جماعة و استضعفوه و لیس بذلک الضعف کما یأتی».

هنا أقوال أخر لایهمّنا التعرض لها. ((1))

ص: 165


1- فی المسألة تفصیلات أخری: ففی تعلیقة علی معالم الأصول للسید علی القزوینی، ج 4، ص532: «و قد یحکی فی المسألة قولٌ ... و قول آخر بالتفصیل عن جماعة من متأخّری المتأخرین فیما بین النفسیین فأحالوه و الغیریین و الملفّقین فأجازوه». و فی نهایة الأفکار، ج 2، ص433: «قد تلخّص من جمیع ما ذکرنا أنّ المختار هو جواز الإجتماع فی فرض اختلاف العنوانین و تغایرهما بتمام المنشأ علی نحوٍ کان منشأ انتزاع کلّ عنوانٍ بتمامه غیر ما ینتزع عنه العنوان الآخر، من غیر فرق ... و عدم جواز الإجتماع فیما لم یکن تغایر العنوانین بهذا النحو سواء کان اختلافهما فی صرف کیفیة النظر دون المنظور أو کان اختلافهما فی المنشأ و فی المنظور أیضا لکن لا بتمامه بل بجزءٍ منه، إذ حینئذ بالنسبة إلی الجهة المشترکة بینهما یتوجّه محذورُ اجتماع الضدین و هما الحبّ و البغض فی أمرٍ وُحدانی، و لقد عرفت أیضاً أنّ مثل الصلاة و الغصب الذی هو معرکة الآراء من هذا القبیل حیث إنّه بعد عدم خروج الأکوان عن حقیقتهما کان اختلافهما فی جزء المنشأ خاصّة، لا فی تمامه ... هذا کلّه علی مسلک مکثریة الجهات جوازاً و منعا کما أنّه علی مسلک عدم سرایة الأمر من الطبیعی إلی الفرد کان المتّجه هو المصیر إلی الجواز فی کلّ مورد کان الأمر متعلّقاً بالطبیعی و الجامع و النهی بفرد من أفراده و إن کان المبنی خلاف التحقیق ... و أمّا علی مسلک اختلاف أنحاء حدود وجود الشی ء الوحدانی الجاری حتی فی صورة وحدة عنوان المتعلق فی الأمر و النهی کقوله: صلّ و قوله: لاتصلّ فی الدار المغصوبة أو فی الحمام فقد عرفت أنّ المختار علی هذا المسلک أیضا هو الجواز فی کل مورد کان المطلوب من الأمر هو صرف الطبیعی و الجامع دون الطبیعة الساریة مع أقوائیة المصلحة الجامعیة من المفسدة التعیینیة فی الفرد و إلّا فالمتّجه هو عدم جواز الإجتماع، و من ذلک لایکاد یجدی هذا المسلک أیضا للجواز فی مثال الغصب و الصلاة الّذی هو معرکة الآراء و ذلک أنّما هو من جهة ما یعلم من مذاق الشرع من أهمیة مفسدة الغصب و لو من جهة کونه من حقوق الناس إذ حینئذ یخصّص دائرة رجحان الطبیعی و الجامع عقلاً بما عدا هذا الفرد فیصیر الفرد الغصبی بتمام حدوده مورد تأثیر المفسدة الأهمّ التعیینیة فی المبغوضة الفعلیة و هذا بخلافه فی فرض أهمیة مصلحة الجامع فإنّه فی هذا الفرض یکون التأثیر للمصلحة الأهمّ فیمکن حینئذ الإلتزام بجواز الإجتماع بالتفکیک بین أنحاء حدود الفرد المزبورة بالتقریب المتقدم». و فی وقایة الأذهان؛ ص343: «و ربّما یذکر فیها أقوال أخری کالتفصیل بین التعبّدی و التوصّلی و نحوه مما یظهر ضعفه للمتأمل من غیر احتیاج إلی البیان». و فی الدراسات؛ ج 2؛ ص130: «و بالجملة ملاک الإمتناع و الإمکان هو کون الترکیب إتّحادیا و الحیثیة تعلیلیة، و کونهإانضمامیاً و الحیثیة تقییدیة، فلابدّ و أن ینظر إلی المتعلقین، فإن کانا انتزاعیین من موجودٍ واحدٍ، أو کان أحدهما متأصّلاً و الآخر منتزعاً عنه فالترکیب إتّحادی، فل بدّ من الإمتناع. و أمّا إن کانا متأصّلین، أو کان کلٌّ منهما منتزعاً عن موجود متأصّل مغایرٍ للآخر، أو کان الإنتزاعی منتزعاً عن غیر ذلک المتأصل فالترکیب انضمامی، فیجوز الإجتماع، فیختلف ذلک باختلاف الموارد». و فی مجمع الأفکار، ج 2، ص14: «إختلفوا فی جواز اجتماع الأمر و النهی و امتناعه علی أقوال ... و قیل بأنّه فی مقام الجعل غیر ممتنع و فی مقام الإمتثال ممتنع». و فی مبانی الأحکام فی أصول شرائع الإسلام للشیخ مرتضی الحائری، ج 1، ص414 و 415: «الحقّ عدم جواز الإجتماع بوصف الفعلیة بنحو العرضیة، و لکن لا مانع من الإجتماع بنحو الترتّب کما فی الضدّین و تحقیق ذلک و توضیحه یتمّ بعونه تعالی فی طی أمور». هذا و فی منتقی الأصول، ج 3، ص111: «و یقع الکلام بعد هذا فی بعض التفصیلات و الأقوال فی المسألة مما أشار إلیه صاحب الکفایة و هی: التفصیل الأول: إبتناء القول بالجواز علی الإلتزام بتعلّق الأحکام بالطبائع. و یمکن أن یحرّر بنحوین: أحدهما: ما یعدّ من أدلة الجواز ... ثانیهما: ما یعدّ تفصیلا فی المسألة بأن یبنی القول بالجواز علی کون متعلق الحکم هو الطبیعة لتعدد الطبیعة خارجاً، و یبنی القول بالإمتناع علی اختیار تعلقه بالفرد. و هذا هو الموجود فی الکفایة ... التفصیل الثانی: ما نسب إلی صاحب الفصول و هو ابتناء القول بالجواز و الإمتناع علی الإلتزام باتّحاد الجنس و الفصل و الترکیب بینهما ... التفصیل الثالث: التفصیل بین القول بأصالة الماهیة و القول بأصالة الوجود، فیجوز الإجتماع علی الأوّل لأنّ المتعلق هو الماهیة لأصالتها و هی متعددة، و یمتنع علی الثانی لوحدة المتعلق و هو الوجود... التفصیل الرابع: و هو من أدلة الجواز- و ینسب إلی المحقق القمی (قدس سره) - و هو یبتنی علی کون الفرد مقدمة للطبیعی و یمکن تحریره بنحوین».

ص: 166

الأمر الرابع: هذه المسألة من صغریات التعارض أو التزاحم؟

بیان المحقّق النائینی (قدس سره): للمسألة صور أربع

إنّ النزاع هنا فی جهتین:

بیان المحقّق النائینی (قدس سره):((1)) للمسألة صور أربع

إنّ النزاع هنا فی جهتین:

الجهة الأُولی: فی سرایة کلّ واحد من الأمر و النهی إلی متعلّق الآخر و عدم السرایة.

الجهة الثانیة: فی أنّ الجهتین إذا کانتا تقییدیتین (و قلنا بعدم السرایة فی الجهة الأُولی) فهل یوجب انطباقهما علی شیء واحد وقوع التزاحم بین حکمیهما أو لا؟

فهناک صور أربع:

الصورة الأُولی: أن یقال بامتناع الاجتماع لأنّ الجهتین المتحقّقتین فی الجمع تعلیلیتان و نتیجة ذلک سرایة کلّ من الأمر و النهی إلی متعلّق الآخر فیقع التعارض بین دلیلی الواجب و الحرام فالمسألة علی هذا من صغریات التعارض.

الصورة الثانیة: أن یقال بجواز الاجتماع بأن تکون الجهتان تقییدیتین مع عدم المندوحة فوقوع التزاحم بین الحکمین مع عدم المندوحة و انحصار الطبیعة المأمور بها فی المجمع واضح لایخفی فالمسألة علی هذا من صغریات التزاحم.

الصورة الثالثة: أن یقال بجواز الاجتماع مع وجود المندوحة ثم قلنا بأنّ اعتبار القدرة فی متعلّق التکلیف هو من جهة حکم العقل بقبح خطاب العاجز، فالفرد المأتی به و إن کان غیر مقدور علیه، لأنّ الممنوع شرعاً کالممتنع عقلاً إلّا

ص: 167


1- أجود التقریرات، ج2، ص125.

أنّه یصحّ الإتیان به بداعی امتثال الأمر بالطبیعة، لما أفاده المحقّق الثانی (قدس سره) من کفایة القدرة علی بعض أفراد الطبیعة فی صحّة الأمر بها، فإنّ انطباق الطبیعة علی فردها قهری و الإجزاء عقلی.

فالمسألة علی هذا لیس صغری التعارض و لا التزاحم.

الصورة الرابعة: أن یقال بجواز الاجتماع مع وجود المندوحة ثم قلنا بأنّ اعتبار القدرة فی متعلّق التکلیف من جهة اقتضاء نفس الطلب و اعتبرنا فی تحقّق الامتثال القدرة علی الفرد بخصوصه فیقع التزاحم بین الحکمین لأنّ الممنوع شرعاً کالممتنع عقلاً، فلابدّ من سقوط النهی لیکون المجمع مقدوراً و یقع به الامتثال من دون عصیان أو سقوط الأمر لیتمحّض الإتیان بالمجمع فی کونه معصیةً من دون امتثال، فکونه امتثالاً من جهةٍ و عصیاناً من جهة أُخری مستحیل علی هذا التقریر بالضرورة.

فعلی هذا یکون مسألة الاجتماع صغری التزاحم.

ص: 168

المقدمة الثانیة: مقدّمات البحث علی نهج کفایة الأُصول

اشارة

فیها عشرة أُمور:

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) قبل بیان استدلاله علی الامتناع قدّم عشرة أُمور لابدّ أن نتعرّض لها:

الأمر الأوّل: المراد من الواحد فی عنوان المسألة

مقدمة: فی أقسام الواحد

قبل بیان الأقوال لابدّ من تمهید مقدّمة لأقسام الواحد:

إنّ الواحد إمّا حقیقی و إمّا غیر حقیقی.

و الواحد الحقیقی: إمّا ذات هی عین الوحدة و هذا هی الوحدة الحقّة الحقیقیة و إمّا ذات متّصفة بالوحدة و هی إمّا واحد بالخصوص و إمّا بالعموم.

و الواحد بالخصوص هو الواحد بالعدد و الواحد بالعموم: إمّا واحد بالعموم الوجودی و إمّا واحد بالعموم المفهومی.

و الواحد بالعموم الوجودی هو بمعنی السعة الوجودیة کالوجود المنبسط و

ص: 169

الواحد بالعموم المفهومی: إمّا واحد نوعی کالإنسان و إمّا واحد جنسی کالحیوان و إمّا واحد عرضی کالماشی و الضاحک.

و الواحد غیر الحقیقی: هو ما یتّصف بالوحدة لواسطة فی العروض و هو مثل الواحد بالنوع حیث إنّ مثل زید و عمرو متّحدان فی الإنسان و هو نوعهما و هما متماثلان متحدان بالنوع و مثل الإنسان و الفرس فهما واحد بالجنس - و هو الحیوان- و النوع و الجنس هما واسطتان فی عروض الوحدة.

قولان فی المسألة:

القول الأوّل: نظریة صاحب الفصول (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ صاحب الفصول (قدس سره) فسّر الواحد فی عنوان المسألة بالواحد الشخصی حتّی یخرج مثل السجود الکلّی الذی له نوعان: السجود لله و السجود للصنم عن محلّ النزاع حیث اجتمع فیهما الأمر و النهی و لکنهما لیسا واحداً بالوحدة الحقیقیة بل هما متعدّدان فی الحقیقة و لایمکن أن یجتمعا فی سجدة واحدة فلایجری فیهما بحث اجتماع الأمر و النهی.

إیراد علی هذا القول:

إنّ أکثر الأعلام مثل صاحب الکفایة و المحقّق الإصفهانی (قدس سرهما) و غیرهما ناقشوا فی هذا القول فقال المحقّق الإصفهانی (قدس سره):((2))إرادة الواحد الشخصی توجب خروج الواحد الجنسی المعنون بعنوانین کلّیین (کالحرکة الکلّیة المعنونة

ص: 170


1- العضدی من المتقدّمین و المحقّق البروجردی (قدس سره) و المحقّق الإیروانی (قدس سره) من المتأخرین.
2- نهایة الدرایة ج2، ص292.

بعنوان الصلاة و الغصب المنتزعة من الحرکات الخارجیة المعنونة بهما) عن محلّ النزاع مع أنّه لا موجب لإخراجه.

دفاعان عن صاحب الفصول (قدس سره):
الدفاع الأوّل: من المحقّق البروجردی (قدس سره)
اشارة

((1))

ذکر شیخنا الأُستاذ المحقّق الخراسانی (قدس سره) فی المقدّمة الأُولی ما حاصله: أنّ المراد بالواحد فی عنوان المسألة لیس هو الواحد الشخصی فقط، بل أعمّ منه و من الواحد النوعی و الجنسی، فإنّ الصلاة فی الدار المغصوبة عنوان کلّی ینطبق علیه عنوانان تعلّق بأحدهما الأمر و بالآخر النهی فیجری فیها النزاع.

و فی ما ذکره نظر فإنّ ضمّ عنوان کلّی إلی عنوان آخر لایوجب الوحدة، إذ الماهیات و العناوین بأسرها متباینة بالعزلة، فمفهوم الصلاة یباین مفهوم الغصب و إن ضممنا أحدهما إلی الآخر و ما هو الجامع للشتات عبارة عن حقیقة الوجود التی هی عین التشخصّ و الوحدة.

إشکال بعض الأساطین (حفظه الله) علی المحقّق البروجردی (قدس سره):

((2))

ما أفاده خلط بین الوحدة الشخصیة و النوعیة، فإنّ انضمام الکلّی إلی الکلّی مثل انضمام الفصل إلی الجنس یوجب تحقّق الواحد النوعی نعم إنّ الواحد الشخصی لایتحقّق إلّا بالوجود لأنّ التشخص مساوق للوجود و لکن الکلام فی الواحد النوعی و الجنسی لا الواحد الشخصی فإنّ الواحد الشخصی لایکون مجمع الأمر و النهی.

ص: 171


1- نهایة الأصول، (ط. ق): ص226.
2- تحقیق الأصول، ج4، ص32.
الدفاع الثانی: من المحقّق الإیروانی (قدس سره)
اشارة

إنّه لیس غرض صاحب الفصول (قدس سره) انحصار الواحد فی الواحد الشخصی حتّی یخرج الواحد النوعی أو الجنسی بل مقصود صاحب الفصول (قدس سره) هو تلاقی العنوانین (أی متعلّق الأمر و متعلّق النهی) فی الواحد الشخصی فالبحث عن اجتماع الأمر و النهی هو فی ما إذا کان العنوانان متشخّصین بالوجود و إن کانا قبل ذلک کلّیین.

إشکال بعض الأساطین (حفظه الله) علی المحقّق الإیروانی (قدس سره):

((1))

أوّلاً: إنّ الواحد الشخصی مسقط للأمر حیث إنّ الغرض من الأمر یحصل بالوجود الواحد الشخصی فعلی هذا تعلّق الأمر بالواحد الشخصی غیر معقول.

ثانیاً: إنّ بحث الاجتماع علی القول بالامتناع من صغریات بحث التعارض و التعارض بین الأدلّة الشرعیة لایکون إلّا فی القضایا الحقیقیة و الحکم فی تلک القضایا لایتعلّق بالواحد الشخصی بل یتعلّق بالطبیعة.

القول الثانی: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره)

((2))

إنّ المراد بالواحد مطلق ما کان ذا وجهین و مندرجاً تحت عنوانین بأحدهما کان مورداً للأمر و بالآخر للنهی و إن کان کلّیاً مقولاً علی کثیرین کالصلاة فی المغصوب.

ص: 172


1- تحقیق الأصول، ج4، ص32.
2- و اختاره المحقّق الإصفهانی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) راجع نهایة الدرایة، ج2، ص292 و المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص366.

و توضیح ذلک: إنّ المراد من الواحد هو المقابل للمتعدّد لا الواحد الشخصی المقابل للکلّی و لذا یدخل فی البحث الصلاة فی الدار المغصوبة لأنّ الطبیعتین (الصلاة و الغصب) توجدان بوجود واحد و یخرج عن البحث السجود الکلّی الذی له نوعان: السجود لله و السجود للصنم لأنّ السجود لله و السجود للصنم لایوجدان بوجود واحد.

و قد عبّر عنه المحقّق الإصفهانی (قدس سره) بالوحدة فی الوجود و قال: التقیید بالواحد لمجرّد إخراج المتعدّد من حیث الوجود لا لإخراج الکلّی فی قبال الشخص.

و هذه النظریة خالیة عن الإشکال.

ص: 173

الأمر الثانی: الفرق بین هذه المسألة و مسألة النهی عن العبادة

اشارة

و فیه بیانات ستّة:

البیان الأوّل: ما أفاده المحقّق القمی (قدس سره) صاحب القوانین

((1))

إنّ النسبة بین المتعلّقین فی مسألة الاجتماع هی العموم من وجه، فإنّ طبیعة الصلاة و طبیعة الغصب قد یفترق أحدهما عن الآخر و قد تجتمعان فی مورد واحد و النسبة بین المتعلّقین فی مسألة النهی عن العبادة هی العموم و الخصوص المطلق فإنّ الصلاة المأمور بها و الصلاة فی الحمّام المنهی عنها هما العام و الخاص المطلق.

ملاحظتنا علیه:

تأتی عند ذکر البیان الثانی.

البیان الثانی: ما أفاده صاحب الفصول (قدس سره)
اشارة

((2))

إنّ متعلّق الأمر و النهی فی مسألة الاجتماع متغایران بحسب الحقیقة و الذات و إن کانت النسبة بینهما إمّا العموم و الخصوص من وجه کما هو الغالب مثل طبیعة الصلاة المأمور بها و طبیعة الغصب المنهی عنها و إمّا العموم و الخصوص المطلق و هو قلیل کما إذا أمر المولی عبده بالحرکة و نهاه عن القرب

ص: 174


1- القوانین، ج1، ص140.
2- الفصول، ص124.

من مکان مخصوص، فإنّ عنوان الحرکة و عنوان القرب متغایران بحسب الحقیقة و الذات مع أنّ النسبة بینهما بحسب الخارج العموم و الخصوص المطلق (ما أفاده من أنّ النسبة بین متعلّق الأمر و النهی قد یکون العموم و الخصوص من وجه و قد یکون العموم و الخصوص المطلق هو تعریض بما أفاده المحقّق القمی (قدس سره) من الفرق بین المسألتین).

و أمّا متعلّق الأمر و النهی فی مسألة النهی عن العبادة فمتّحدان بحسب الذات و الحقیقة و النسبة بینهما بحسب الخارج العموم و الخصوص المطلق مثل الأمر بالصلاة و النهی عن الصلاة فی الحمّام، فإنّ متعلّق الأمر (أی الصلاة) مطلق و متعلّق النهی (أی الصلاة فی الحمّام) مقید.

إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) علی صاحب الفصول (قدس سره):

((1))

إنّ صرف تعلّق الأمر و النهی بطبیعتین مختلفین علی نحو العموم من وجه أو المطلق فی مسألة اجتماع الأمر و النهی و علی نحو الإطلاق و التقیید فی مسألة النهی عن العبادة لایوجب الامتیاز بینهما فإنّ میزان تعدّد المسألة و وحدتها فی أمثال هذا العلم إنّما هو تعدّد الغرض و جهة البحث و وحدتهما، لا اختلاف الموضوع و المحمول و عدم اختلافهما.

(إنّ هذا الإیراد کما یتوجّه علی صاحب الفصول (قدس سره) یرد علی صاحب القوانین (قدس سره) حیث إنّه أیضاً فرّق بین المسألتین من ناحیة اختلاف النسبة بین المتعلّقین فی مسألة الاجتماع و النهی عن العبادة).

ص: 175


1- کفایة الأصول، ص151؛ و تبعه المحقّق الخوئی (قدس سره)؛ المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص363
البیان الثالث: ما عن المدقّق الشیروانی (قدس سره)
اشارة

إنّ البحث فی مسألة الاجتماع عقلی لأنّ الحاکم بالجواز أو الامتناع هو العقل و أمّا البحث فی مسألة النهی عن العبادة فلفظی لأنّ البحث فی دلالة النهی علی الفساد.

إیرادات ثلاثة علی البیان الثالث:
الإیراد الأوّل: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره)

((1))

إنّ البحث فی مسألة النهی عن العبادة لایختصّ بما إذا کانت الحرمة مدلولاً لدلیل لفظی بل لا فرق فیه بین أن تکون الحرمة مستفادة من اللفظ أو من غیره.

الإیراد الثانی:

((2))

إنّ البحث فی مسألة النهی عن العبادة أیضاً عقلی و لا صلة له بعالم الألفاظ، ضرورة أنّ الجهة المبحوث عنها فیهما إنّما هی ثبوت الملازمة بین حرمة العبادة و فسادها و عدم ثبوت هذه الملازمة.

الإیراد الثالث:

((3))

إنّ مسألة الاجتماع تغایر مسألة النهی عن العبادة ذاتاً فلا اشتراک لهما لا فی الموضوع و لا فی المحمول و لا فی الجهة و لا فی الغرض و هذا معنی الامتیاز الذاتی و معه لا نحتاج إلی امتیاز عرضی بینهما و هو أنّ البحث فی إحداهما عقلی و

ص: 176


1- کفایة الأصول، ص152؛ المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص364.
2- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص364.
3- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص364.

فی الأُخری لفظی فإنّ الحاجة إلی مثل هذا الامتیاز إنّما هو فی فرض الاشتراک بینهما ذاتاً و أمّا إذا فرض أنّه لا اشتراک بینهما أصلاً فلا معنی لجعل هذا جهة امتیاز بینهما.

البیان الرابع: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره)

وجه الفرق بین هذه المسألة و مسألة النهی عن العبادة هو أنّ الجهة المبحوث عنها فی مسألة اجتماع الأمر و النهی هی أنّ تعدّد الوجه و العنوان فی الواحد یوجب تعدّد متعلّق الأمر و النهی بحیث یرتفع به غائلة استحالة الاجتماع فی الواحد بوجه واحد أو لایوجبه؟ فالنزاع فی سرایة کلّ من الأمر و النهی إلی متعلّق الآخر، لاتحاد متعلّقهما وجوداً و عدم سرایته لتعدّدهما وجهاً و هذا بخلاف الجهة المبحوث عنها فی المسألة الأُخری، فإنّ البحث فیها فی أنّ النهی عن العبادة أو المعاملة یوجب فسادها بعد الفراغ عن التوجّه إلیها نعم لو قیل بالامتناع مع ترجیح جانب النهی فی مسألة الاجتماع یکون مثل الصلاة فی الدار المغصوبة من صغریات تلک المسألة. (فالامتیاز باختلاف جهة البحث و الغرض منه).

البیان الخامس: ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره)

((1))

إنّ نقطة الامتیاز هی أنّ النزاع فی مسألة اجتماع الأمر و النهی صغروی و النزاع فی مسألة النهی عن العبادة کبروی.

فإنّ المبحوث عنها فی مسألة النهی عن العبادة إنّما هو ثبوت الملازمة بین

ص: 177


1- المحاضرات، ط.ج. ج3، ص362.

النهی عن العبادة و فسادها و عدم ثبوت هذه الملازمة بعد الفراغ عن ثبوت الصغری و هی تعلّق النهی بالعبادة، و أمّا النزاع فی مسألتنا هذه (مسألة الاجتماع) فصغروی لفرض أنّ المبحوث عنه فیها هو سرایة النهی من متعلّقه إلی متعلّق الأمر و عدم سرایته.

فعلی هذا علی القول بالامتناع و سرایة النهی من متعلّقه إلی ما ینطبق علیه المأمور به تکون من إحدی صغریاتها و مصادیقها دون القول الآخر.

البیان السادس:
اشارة

إنّ البحث فی مسألة الاجتماع یکون فی الحکم التکلیفی و فی مسألة النهی عن العبادة فی الحکم الوضعی.

ملاحظتنا علیه:

إنّ ما أفاده فی الإیراد علی صاحب الفصول (قدس سره) یتوجّه علی هذا البیان فإنّ ملاک امتیاز المسألة هو تعدّد الغرض و جهة البحث لا اختلاف الموضوع و المحمول.

فتحصل أنّ البیان الصحیح لامتیاز المسألتین هو البیان الرابع و الخامس.

ص: 178

الأمر الثالث: مسألة الاجتماع أُصولیة أو لا؟

اشارة

فیه خمسة أقوال:

إنّ الأعلام اختلفوا فی أنّ مسألة الاجتماع من أی علم؟

الأوّل: إنّها من المسائل الأُصولیة العقلیة و هذا مختار صاحب الکفایة و المحقّق العراقی((1))و المحقّق الخوئی (قدس سره)((2))و قال فی فوائد الأُصول:((3)) قد کان بناء شیخنا الأُستاذ (حفظه الله) سابقاً علی أنّ البحث فی المقام راجع إلی البحث عن مسألة أُصولیة.

الثانی: إنّها من المبادی الأحکامیة لعلم الأُصول و نسب ذلک إلی الشیخ البهائی (قدس سره) و قال المحقّق الإصفهانی (قدس سره): إنّها من المبادی الأحکامیة التصدیقیة.

الثالث: إنّها من المبادی التصدیقیة لعلم الأُصول و هذا مختار المحقّق النائینی (قدس سره) ((4)) و الشیخ الأنصاری (قدس سره) علی ما نقل فی منتهی الدرایة((5)) قال أخیراً بکونها من المبادی التصدیقیة و لکن بعض الأساطین (حفظه الله) قال:((6)) إنّ المسلک النهائی للشیخ الأنصاری (قدس سره) هو أنّها من المبادی الأحکامیة.

الرابع: إنّها من المسائل الفقهیة.

ص: 179


1- نهایة الأفکار، ج1-2، ص407.
2- المحاضرات، ط.ج. ج3، ص377.
3- فوائد الأصول، ج1-2، ص400.
4- أجود التقریرات، ج2، ص128؛ فوائد الأصول، ج1-2، ص400.
5- منتهی الدرایة، ج3، ص22.
6- تحقیق الأصول، ج4، ص34.

الخامس: إنّها من المسائل الکلامیة.

القول الأوّل: إنّها من المسائل الأُصولیة العقلیة
اشارة

بیان المحقّق الخوئی (قدس سره):

لنا دعویان: الأُولی: أنّها مسألة عقلیة و لا صلة لها بعالم الألفاظ أبداً و الثانیة: أنّها مسألة أُصولیة تترتب علیها نتیجة فقهیة بلا واسطة.

أمّا الدعوی الأُولی فهی واضحة ضرورة أنّ الحاکم باستحالة اجتماع الأمر و النهی فی شیء واحد و إمکانه إنّما هو العقل.

و أمّا الدعوی الثانیة فلأنّ المسألة الأُصولیة ترتکز علی رکیزتین:

الرکیزة الأُولی: أن تقع فی طریق استنباط الأحکام الکلّیة الإلهیة من باب الاستنباط و التوسیط لا من باب الانطباق و بهذه الرکیزة تمتاز المسائل الأُصولیة عن القواعد الفقهیة فإنّ استفادة الأحکام من القواعد الفقهیة من باب التطبیق مع أنّ الأحکام المستفادة منها أحکام شخصیة لا کلّیة.

الرکیزة الثانیة: أن یکون وقوعها فی طریق الاستنباط من دون حاجة إلی ضمّ کبری أُصولیة أُخری و بهذه الرکیزة تمتاز عن مسائل بقیة العلوم.

فنقول: إنّ مسألة الاجتماع تحتوی علی کلتا الرکیزتین، فإنّها تقع فی طریق الاستنباط بنفسها من دون حاجة إلی ضمّ کبری أُصولیة أُخری، لما عرفت من أنّه تترتب علیها صحّة العبادة فی مورد الاجتماع علی القول بالجواز بلا ضمیمة مسألة أُخری، و إن لم یترتب علیها أثر شرعی علی القول بالامتناع و لکنّک عرفت أنّ ترتّب الأثر الشرعی علی أحد طرفیها یکفی فی کونها مسألة أُصولیة.

ص: 180

ملاحظة علی هذا البیان:

إن قلنا بجواز الاجتماع فللمسألة صور ثلاث:

الأُولی: ما لم تکن مندوحة فی البین و هذا یحتاج إلی کبری التزاحم.

الثانیة: ما کانت مندوحة فی البین و قلنا باعتبار القدرة باقتضاء الخطاب و اعتبرنا فی تحقّق الامتثال القدرة علی الفرد بخصوصه (کما هو مختار المحقّق النائینی (قدس سره) و هذا أیضاً یحتاج إلی ضمیمة قواعد التزاحم کما صرّح به المحقّق النائینی (قدس سره) .

الثالثة: ما کانت مندوحة فی البین و قلنا باعتبار القدرة من جهة حکم العقل بقبح خطاب العاجز فهنا لا إشکال فی انطباق الطبیعة المأمور بها قهراً علی الفرد المأتی به فیحصل الامتثال من دون احتیاج إلی ضمیمة قواعد التعارض و التزاحم فمسألة الاجتماع بناءً علی هذه الصورة یقع فی طریق استنباط الحکم الکلّی الشرعی من دون ضمیمة کبری أُصولیة أُخری إلیها فتکون مسألة أُصولیة.

القول الثانی: إنّها من المبادی الأحکامیة
اشارة

إنّ المبادی الأحکامیة هی لوازم الأحکام و عوارضها و خصوصیاتها و هذا البحث بحث عن حال الأحکام من حیث إمکان اجتماع اثنین منها فی شیء واحد ثمّ إنّهم تصوّروا أنّ المبادی الأحکامیة فی قبال المبادی التصدیقیة کما أنّهم جعلوا أحد الأقوال کونها من المبادی الأحکامیة و القول الآخر کونها من المبادی التصدیقیة.

ص: 181

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره):

لانعقل المبادی الأحکامیة فی مقابل المبادی التصوریة و التصدیقیة، بداهة أنّه إن أُرید من المبادی الأحکامیة تصور نفس الأحکام کالوجوب و الحرمة و نحوهما فهی من المبادی التصوریة، إذ لا نعنی بها إلّا تصوّر الموضوع و المحمول کما مرّ.

و إن أُرید منها ما یوجب التصدیق بثبوت حکم أو نفیه و منه الحکم بسرایة النهی إلی متعلّق الأمر فی محل الکلام فهی من المبادی التصدیقیة لعلم الفقه کما هو الحال فی سائر المسائل الأُصولیة.

ملاحظتان علیه:

نلاحظ علیه و علی صاحب الکفایة (قدس سره) و بعض الأعلام:

أوّلاً: إنّ ما أفاده خاطئ جداً من حیث إنّه غفل عن أنّ المبادی الأحکامیة تنقسم إلی المبادی التصوریة و التصدیقیة کما أنّ صاحب الکفایة (قدس سره) و سائر الأصولیین أیضاً غفلوا عن ذلک و جعلوا المبادی الأحکامیة فی قبال المبادی التصدیقیة.

و الحق هو أنّ المبادی إمّا أحکامیة و إمّا لغویة و کلّ منهما إمّا تصوریة و إمّا تصدیقیة کما صرّح به المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی أوّل بحوث علی النهج الحدیث.

ثانیاً: إنّه جعل مبحث الاجتماع من المبادی التصدیقیة لعلم الفقه بإرادة ما یوجب التصدیق بثبوت حکم أو نفیه منها مع أنّ البحث هنا فی إمکان اجتماع الحکمین لا فی نفس ثبوت الحکم حتّی یکون المسألة من مبادی علم الفقه.

نعم علی القول بجواز الاجتماع فی بعض صوره تکون هذه المسألة أُصولیة

ص: 182

فتکون من المبادی التصدیقیة لعلم الفقه و لکن علی القول بالامتناع و أیضاً علی القول بالجواز فی سائر صوره تکون المسألة من المبادی التصدیقیة لعلم الأُصول.

فلهذه المسألة حیثیتان: بإحداهما تکون من المسائل الأُصولیة (و المبادی التصدیقیة لعلم الفقه) و بالحیثیة الأُخری تکون من المبادی التصدیقیة الأحکامیة لعلم الأُصول.

و لذا نری أنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) قال:((1))«البحث عن إمکان اجتماع الحکمین و امتناعه من المبادی التصدیقیة الأحکامیة» مع أنّه جعله فی ضمن کتابه الأُصول علی النهج الحدیث من المسائل الأُصولیة العقلیة.

القول الثالث: إنّها من المبادی التصدیقیة
بیان المحقّق النائینی (قدس سره)

((2)):

التحقیق أنّ المسألة من المبادی التصدیقیة، ضرورة أنّه لایترتّب فساد العبادة علی القول بالامتناع، بل القول به یوجب دخول دلیلی الوجوب و الحرمة فی باب التعارض و إجراء أحکامه علیهما لیستنبط من ذلک حکم فرعی، و قد عرفت فی ما تقدّم أنّ المیزان فی کون المسألة أُصولیة هو ترتّب نتیجة فرعیة علیها بعد ضمّ صغری نتیجة تلک المسألة إلیها، و لیس ذلک متحقّقاً فی ما نحن فیه قطعاً و علیه فالنزاع فی الجهة الأُولی یدخل فی مبادی بحث التعارض، کما أنّ النزاع فی الجهة الثانیة یدخل فی مبادی بحث التزاحم.

ص: 183


1- فی الأصول علی النهج الحدیث، ص18.
2- أجود التقریرات، ج2، ص128.
یلاحظ علیه:

إنّ ما أفاده صحیح بالنسبة إلی بعض صور المسألة (بحسب اختلاف الأقوال) فهذه المسألة بحسب بعض الصور من المبادی التصدیقیة الأحکامیة و بحسب بعضها الآخر من المسائل الأُصولیة.

و علی هذا لابدّ أن یرجع القول الثالث إلی القول الثانی.

القول الرابع: إنّها من المسائل الفقهیة
اشارة

وجه ذلک هو أنّ البحث هنا عن عوارض فعل المکلّف فإنّ فعل المکلّف هو موضوع علم الفقه و الصلاة فی المکان الغصبی هو من مصادیق فعل المکلّف و المبحوث عنه هنا هو صحتها أو فسادها.

إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علی القول الرابع:

((1))

إنّ البحث فیها لیس عن صحّة العبادة و فسادها ابتداءً بل البحث فیها متمحّض فی سرایة النهی من متعلّقه إلی ما ینطبق علیه المأمور به و عدم سرایته و من الواضح جدّاً أنّ البحث من هذه الناحیة لایرتبط بعوارض فعل المکلّف بل الصحّة التی هی من عوارض فعله تترتّب علی القول بعدم السرایة و نتیجةٌ لهذا القول و هذا ملاک کون هذه المسألة مسألة أُصولیة لا غیرها و ذلک لما تقدّم من أنّ المیزان فی کون المسألة أُصولیة ترتب نتیجة فقهیة علیها و لو باعتبار أحد طرفیها من دون ضمّ کبری مسألة أُصولیة أُخری.

ص: 184


1- المحاضرات، ط.ج. ج3، ص373.
القول الخامس: إنّها من المسائل الکلامیة
اشارة

و ذلک لأنّ البحث فیها عن استحالة اجتماع الأمر و النهی و إمکانه و البحث عن الاستحالة و الإمکان مناسب لعلم الکلام لا الأُصول.

إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علی القول الخامس:

((1))

إنّ الضابط فی کون المسألة کلامیة هو أن یکون البحث فیها عن أحوال المبدأ و المعاد و مسألتنا هذه و إن کانت مسألة عقلیة، إلّا أنّ البحث فیها لیس بحثاً عن أحوال المبدأ و المعاد.

و البحث عن سرایة النهی من متعلّقه إلی متعلّق الأمر و عدم السرایة لایرتبط بالعقائد الدینیة و المباحث الکلامیة.

نعم یمکن إرجاع البحث فی هذه المسألة إلی البحث عن أحوال المبدأ و المعاد بتقریب أن یجعل البحث فیها عن قبح صدور الأمر و النهی منه تعالی بالإضافة إلی شیء واحد و عدم قبح ذلک منه تعالی و المسألة بهذه العنایة و إن کانت من المسائل الکلامیة، إلّا أنّ البحث فیها لیس عن هذه الجهة.

ص: 185


1- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص374.

الأمر الرابع: إنّ مسألة الاجتماع عقلیة لا لفظیة

اشارة

قال صاحب الکفایة (قدس سره):((1))«إنّه قد ظهر من مطاوی ما ذکرناه أنّ المسألة عقلیة» و الوجه فیه هو أنّ الحاکم باستحالة الاجتماع أو إمکانه هو العقل.

ثمّ قال صاحب الکفایة (قدس سره): «و لا اختصاص للنزاع فی جواز الاجتماع و الامتناع فیها بما إذا کان الإیجاب و التحریم باللفظ» فهذا البحث یشمل ما إذا کان الإیجاب و التحریم مستفاداً من الأدلّة غیر اللفظیة.

هنا أمران یوهم اختصاص النزاع باللفظ:

الأمر الأوّل:
اشارة

و هو التعبیر بالأمر و النهی الظاهرین فی الطلب بالقول.

إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) علیه:

إنّ الغالب هو دلالة الأمر و النهی اللفظیین علی الإیجاب و التحریم و لهذه الغلبة عبّر عن الإیجاب و التحریم بما یدلّ علیهما غالباً و هو الأمر و النهی.

الأمر الثانی:
اشارة

و هو ذهاب بعض الأُصولیین - و هو المحقّق الأردبیلی (قدس سره) فی شرح إرشاد الأذهان- إلی جواز الاجتماع عقلاً و امتناعه عرفاً فهذا یوهم أنّ مراده من الامتناع العرفی هو دلالة اللفظ عرفاً علی الامتناع فیکون البحث لفظیاً.

ص: 186


1- کفایة الأصول، ص152.
إیرادان علی الأمر الثانی:
الإیراد الأوّل: من صاحب الکفایة (قدس سره)

((1))

إنّ الامتناع العرفی لیس بمعنی دلالة اللفظ بل معناه هو أنّ الواحد فی عنوان المسألة الذی اجتمع فیه الأمر و النهی بالنظر الدقّی العقلی اثنان و لکن متعلّقهما بالنظر المسامحی العرفی واحد ذو وجهین.

و جواب المحقّق الخراسانی (قدس سره) مبنی علی تفسیر الامتناع العرفی بحیث لایتوهّم منه کون النزاع لفظیاً.

الإیراد الثانی: المحقق الخوئی (قدس سره)

أجاب المحقّق الخوئی (قدس سره) بنحو آخر و هو بطلان القول بالامتناع العرفی فلاتصل النوبة إلی البحث عن مراد القائل من الامتناع العرفی.

فقال:((2)) إنّ نظر العرف إنّما یکون متبعاً فی مقام تعیین مفاهیم الألفاظ سعة و ضیقاً، لا فی مثل مسألتنا هذه حیث إنّه لا صلة لها بعالم اللفظ أبداً و لیس البحث فیها عن تعیین مفهوم الأمر و مفهوم النهی بل البحث فیها عن سرایة النهی من متعلّقه إلی متعلّق الأمر أو عدم السرایة.

فإن کان المجمع واحداً بحسب الواقع و الحقیقة فلابدّ من القول بالسرایة و الامتناع.

و إن کان متعدّداً بحسب الواقع فعندئذ لو قلنا بأنّ الحکم الثابت لأحد

ص: 187


1- کفایة الأصول، ص152.
2- المحاضرات، ط.ج. ج3، ص380.

المتلازمین یسری إلی الملازم الآخر فلابدّ من القول بالامتناع و لکن هذا مجرّد فرض لا واقع له أصلاً.

و أمّا إذا قلنا بأنّ الحکم لایسری إلی الملازم الآخر کما هو الصحیح فلابدّ من الالتزام بعدم السرایة و القول بالجواز.

و من الطبیعی أنّ الملاک فی السرایة و عدمها - و هو وحدة المجمع و تعدّده- إنّما هو بنظر العقل.

ص: 188

الأمر الخامس: شمول النزاع لجمیع أقسام الإیجاب و التحریم

اشارة

إنّ ملاک البحث فی مسألة الاجتماع یشمل الواجب النفسی و الغیری و العینی و الکفائی و الواجب التعیینی و هکذا الحرمة النفسیة و الغیریة و العینیة و الکفائیة و التعیینیة.

و أمّا الواجب التخییری و الحرمة التخییریة فقد اختلف الأعلام فیهما:

فإنّ الشیخ الأنصاری و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) و بعض الأساطین (حفظه الله) یقولون بعدم جریان النزاع فیهما و صاحب الکفایة و المحقّق الإصفهانی (قدس سرهما) و بعض الأعلام یقولون بشمول النزاع لهما.

أمّا التکلیف النفسی و العینی و التعیینی فلا إشکال فی جریان النزاع فیها.

أمّا التکلیف الغیری فکذلک لأنّه لایعقل أن یکون شیء واحد واجباً غیریاً و حراماً غیریاً لعدم إمکان الانبعاث نحو شیء و الانزجار عنه. (و ادّعی بعضهم الاستحالة من ناحیة المبدأ أیضاً لاستحالة محبوبیة الشیء الواحد و مبغوضیته).((1))

و هکذا التکلیف الکفائی فلایمکن اجتماع الوجوب الکفائی و التحریم الکفائی لعدم إمکان اجتماع المصلحة الملزمة و المفسدة الملزمة فی شیء واحد کما أنّه لایمکن امتثالهما أیضاً کما أفاده المحقّق الخوئی((2)).

ص: 189


1- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص384.
2- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص385.
هل یشمل النزاع الواجب و الحرام التخییری؟
اشارة

هنا قولان:

القول الأوّل: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

إنّ النزاع یشمل جمیع أقسام الإیجاب و التحریم و ذلک لأمرین:

الأمر الأوّل: إنّ ملاک النزاع فی جواز الاجتماع و الامتناع یعمّ جمیع أقسام الإیجاب و التحریم من النفسیین و الغیریین و العینیین و الکفائیین و التعیینیین و التخییریین، لأنّ الملاک و هو لزوم اجتماع الضدّین علی القول بالامتناع یعمّ الجمیع (و هذا دلیل ثبوتی).

الأمر الثانی: مقتضی إطلاق الأمر و النهی فی عنوان المسألة شمولهما لجمیع أقسام الإیجاب و التحریم (و هذا دلیل اثباتی).

ثمّ إنّ ما قیل من عدم شمول مسألة اجتماع الأمر والنهی للوجوب و التحریم التخییریین لایخلو عن التعسّف.

مثال صاحب الکفایة (قدس سره) لجریان النزاع فی الوجوب و الحرمة التخییریین هو أنّه إذا أمر المولی بالصلاة و الصوم تخییراً بینهما و کذلک نهی عن التصرّف فی الدار و المجالسة للأغیار فصلّی المکلّف فیها مع مجالستهم، کان حال الصلاة فی الدار حال الصلاة التی أُمر بها تعییناً فی کونها جامعة لعنوانین أحدهما واجب و هو الصلاة و ثانیهما حرام و هو التصرّف فی الدار أو المجالسة للأغیار.

مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) فی ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره):

إنّ الصلاة و التصرّف فی الدار و إن کانا یجتمعان فی واحد ذی وجهین و لکن

ص: 190

التصرف فی الدار لیس متعلّق النهی، بل النهی تعلّق بالجمع بینه و بین مجالسة الأغیار فهذه المجموعة متعلّق النهی و هی لاتوجد مع الصلاة بوجود واحد بل هما متعدّدان وجوداً مضافاً إلی ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) فی الدراسات من أنّ الحرمة التخییریة غیر معقول.

القول الثانی: نظریة المحقّق الخوئی (قدس سره)

((1))

بیان المحاضرات: إنّ النزاع لایجری فی التخییریین، لعدم إمکان اجتماع الوجوب و الحرمة التخییریین فی شیء واحد لیقع التنافی بینهما، و الوجه فیه هو أنّ الحرمة التخییریة تمتاز عن الوجوب التخییری فی نقطة واحدة و تلک النقطة تمنع عن اجتماعهما فی شیء واحد و هی أنّ مردّ الحرمة التخییریة إلی حرمة الجمع بین فعلین باعتبار قیام مفسدة ملزمة بالمجموع لا بالجامع بینهما و إلّا لکان کلّ من الفعلین محرّماً تعییناً.

فالوجوب تعلّق بالجامع بین أطراف الوجوب التخییری و النهی تعلّق بالجمع بینها و لاتنافی بین إیجاب الجامع بین شیئین و حرمة الجمع بینهما لا بحسب المبدأ و لا بحسب المنتهی.

أمّا بحسب المبدأ فلأنّه لا مانع من قیام مصلحة ملزمة بالجامع بینهما و قیام مفسدة ملزمة بالمجموع منهما، ضرورة أنّ المانع إنّما هو قیام کلتیهما بشیء واحد لا قیام إحداهما بشیء و الأُخری بشیء آخر.

و أمّا بحسب المنتهی فلفرض أنّ المکلّف قادر علی امتثال کلا التکلیفین معاً لأنّه إذا أتی بأحدهما و ترک الآخر فامتثل کلیهما.

ص: 191


1- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص385.

فلاتنافی بینهما أصلاً لا فی المبدأ و لا فی المنتهی؛ هذا بناء علی ما حققناه فی بحث الواجب التخییری من أنّ الواجب هو الجامع بین فعلین أو أفعال.

و أمّا بناء علی أن یکون الواجب هو کلّ واحد منهما بخصوصه، غایة الأمر یسقط أحدهما عند الإتیان بالآخر فلاتنافی بینهما (أعنی بین الواجب التخییری و الحرام التخییری) أیضاً.

أمّا بحسب المنتهی فواضح لأنّه قادر علی امتثال التکلیفین بإتیان أحدهما و ترک الآخر.

و أمّا بحسب المبدأ فلأنّه لا منافاة بین قیام مصلحة بکلّ واحد منهما خاصّة بحیث مع استیفاء تلک المصلحة فی ضمن الإتیان بأحدهما لایمکن استیفاء الأُخری فی ضمن الإتیان بالآخر، و قیام مفسدة بالجمع بینهما فی الخارج کما هو ظاهر.

بیان الدراسات((1)): أمّا الحرمة التخییریة کالوجوب التخییری فالظاهر أنّها غیر معقول و ذلک لأنّ معنی الوجوب التخییری أن تکون المصلحة قائمة بالجامع، فیکون الوجوب فی مقام الجعل متعلّقاً بالجامع بحیث یکون خصوصیات الفعل کلّها ملغاة، و فی التحریم لو فرضنا أیضاً أنّ المفسدة قائمة بالجامع و کانت خصوصیات الأفعال ملغاة، فلازمه حرمة کلّ من الأفعال و عدم جواز الإتیان بشیء منها و هذا خلاف المطلوب و إن کانت المفسدة قائمة بالمجموع و تعلّق النهی أیضاً بالمجموع، فالتخییر و إن کان ثابتاً إلّا أنّه تخییر فی مقام الامتثال لا الجعل، فإنّ المکلّف فی مقام امتثال النهی مخیر بین ترک المجموع و ترک کلّ منهما دون الآخر و هذا غیر التخییر المصطلح و نظیره مسألة التصویر

ص: 192


1- الدراسات، ج2، ص105.

التامّ فإنّه حرام، فیتخیر المکلّف فی مقام الامتثال بین الترک رأساً و ترک تصویر الرأس أو الطرف الأیمن أو الأیسر و هکذا و هذا لیس تخییراً فی الحکم.

ص: 193

الأمر السادس: فی عدم اعتبار قید المندوحة فی جریان النزاع

وجه اعتبار وجود المندوحة:

إنّ المحقّق القمی((1))و صاحب الفصول((2))و المحقّق الخراسانی ((3))و قاطبة المتقدّمین (قدس سره)((4)) قالوا باعتبار وجود المندوحة فی جریان النزاع.((5))

ص: 194


1- فی قوانین الأصول ط.ق. ص153: «الثانی أنّ ما عنون به القانون هو الکلام فی شی ءٍ ذی جهتین یمکن انفکاک کلٍّ منهما عن الآخر و أمّا ما یمکن الانفکاک عن أحدهما دون الآخر کقوله: صلّ و لاتصلّ فی الدار المغصوبة فقد مرّت الإشارة إلی جواز الإجتماع فیه عقلاً و لغةً و إن فهم العرف خلافه و سیجی ء الکلام فیه و أمّا ما لایمکن الإنفکاک عن أحد الطرفین مثل من دخل دار غیره غصباً ففیه أقوال» إلخ. و لکن فی تحریرات فی الأصول، ج4، ص184: «تذنیبٌ: عن المحقق القمی (قدس سره): " أنّ قید المندوحة معتبرٌ، لقبح التکلیف بما لایطاق . نعم، إذا کان العجز عن امتثال الأمر مستنداً إلی سوء إختیار المکلف فلایعتبر " إنتهی».
2- فی الفصول الغرویة، ص124: «و إن اختلفت الجهتان و کان للمکلف مندوحة فی الإمتثال فهو موضع النزاع و من ترک القید الأخیر فقد إتّکل علی الوضوح لظهور اعتباره».
3- فی فوائد الأصول، ص144: 15- فائدةٌ فی اجتماع الأمر و النهی: «قبل الخوض فی المقصود ینبغی تقدیمُ أمورٍ: ... الخامس: ... ثمّ الظاهر أنّه یعتبر فی محل النزاع اعتبار المندرجة فی مقام الإمتثال و إن أطلقه جماعة و یکون لازم المجوز للإجتماع لأجل تعدّد الجهة، و أنّه یوجب تعدد الموضوع إلّا أّن الإطلاق إنّما هو للإتّکال علی الوضوح لظهور اعتباره، کما فی الفصول حیث یلزم التکلیف بالمحال بدون ذلک».
4- کما فی فوائد الأصول، تقریر المحقّق النائینی (قدس سره) ج1-2، ص398.
5- فی زبدة الأصول، ج2، ص143: «السابع: صرّح صاحب الفصول و المحقق القمی (قدس سره) و المحقق الخراسانی فی الفوائد بأنّه لابدّ من اعتبار قید المندوحة فی محل النزاع فی هذه المسألة بل قال صاحب الفصول: أنّ من ترکه فقد إتّکل علی الوضوح لظهور اعتباره». و قال باعتبار المندوحة أیضا الشیخ الأنصاری و صاحب الوقایة و المحقق الشعرانی: ففی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص605: «هدایةٌ: ینبغی أن یذکر أمام المقصود أمورٌ لعلّها مربوطة به الأوّل أنّ متعلق الأمر و النهی إمّا أن یکون متّحداً فی الذهن و الخارج، أو یکون متعددا فیهما، أو متحدا فی الخارج و متعددا فی الذهن، و لا رابع لهذه الأقسام ... و أمّا الثالث: فقد یکون أحدهما ملازما فی الصّدق للآخر کما فی الإنسان و الضاحک، و قد لایکون کأن یکون أحدهما أعمّ من الآخر مطلقا، أو من وجه لا إشکال أیضاً عندهم فی امتناع الإجتماع فی القسم الأول، لإتّفاق کلمتهم علی اعتبار المندوحة فی الإمتثال». و فی ص707: «هدایةٌ: قد عرفت فیما تقدّم اعتبار المندوحة فی حریم النزاع، کما عرفت أنّ الوجه فی ذلک هو دفع ما قد یتوهم من أنّ الإجتماع یوجب التکلیف بما لایطاق، حیث إنّه بعد اعتبار المندوحة لا وجه لذلک». و فی وقایة الأذهان، ص333: «و استبان أیضاً إعتبار المندوحة فی مورد النزاع، کما صرّح به أکثرهم، و اعتذر فی الفصول عمن ترک التقیید به بأنّه إتّکل علی وضوحه و به صرّح الأستاذ فی الفوائد و لکن عدل عنه فی الکفایة، و قال ما حاصله: ... و أری أنّ رأیه الأوّل المطابق لآراء القوم أصوب من هذا الذی تفرّد به، لأنّ المفروض- کما علمت، و یدلّ علیه عنوان المسألة- وجود التکلیفین و تنجّزهما، و کون اختیار المکلف الفرد المجامع للحرام فی مقام الإمتثال من سوء اختیاره، و مع عدم المندوحة لا تکلیف حتی ینازع فی حصول الإمتثال به».

و الوجه فی ذلک هو أنّ المکلّف فی فرض وجود المندوحة قادر علی الصلاة فی خارج الأرض المغصوبة فلا مانع من توجّه التکلیف بالصلاة إلیه و لایکون التکلیف بالصلاة تکلیفاً بالمحال.

أمّا فی فرض عدم المندوحة فلایقدر المکلّف علی الإتیان بالصلاة خارج الأرض المغصوبة لفرض عدم المندوحة و لا فی الأرض المغصوبة لأنّ الممتنع شرعاً کالممتنع عقلاً فالتکلیف بالصلاة حینئذ تکلیف بالمحال فلایجری النزاع حینئذ لعدم إمکان التکلیف بالأمر فینتفی موضوع اجتماع الأمر والنهی.

بیان الکفایة لعدم اعتبار وجود المندوحة:
اشارة

إنّ المحقّق الخراسانی (قدس سره) عدل فی الکفایة((1)) عن ما أفاده فی فوائد الأُصول و

ص: 195


1- کفایة الأصول، ص153.

قال بعدم اعتبارها((1)) فی ما هو المهم فی محلّ النزاع من لزوم المحال و هو اجتماع الحکمین المتضادّین أو عدم لزومه حیث إنّ البحث فی أنّ تعدّد الوجه هل یجدی فی رفع غائلة اجتماع الضدّین أو لایجدی؟ و لایتفاوت فی هذا البحث وجود المندوحة و عدمها.

فالمندوحة غیر معتبر فی هذا البحث بلحاظ مرحلة الجعل (جعل الوجوب و الحرمة المتعلّقین بالواحد ذی الوجهین).

أمّا وجود المندوحة فی مقام الامتثال و الإطاعة فمعتبر حیث إنّه بدون وجود المندوحة لایقدر علی الامتثال فلابدّ من اعتبارها فی الحکم بالجواز فعلاً لمن یری التکلیف بالمحال محذوراً و محالاً.

ص: 196


1- قال بعض الأعلام بعدم اعتبار المندوحة: ففی غایة المسؤول فی علم الأصول، ص297: «قد عرفت أنّ اعتبار المندوحة فی محل النزاع لا وجه له». و فی الحاشیة علی کفایة الأصول للمحقق البروجردی، ج 1، ص355: «إنّ التحقیق هو ما ذهب إلیه المصنف من عدم اعتبار المندوحة فیما هو المهم فی المقام من کفایة تعدّد الجهة و الحیثیة فی رفع غائلة اجتماع الحکمین المتضادّین فی مورد خاص و محلّ مخصوص باعتبار تعدد المتعلق باعتبار تعددها، أو عدم کفایة تعددها فی رفعها باعتبار إتّحاد متعلقیهما، و عدم کفایة تعدد الجهة فی تعدد متعلقیهما و بالجملة لا وجه لاعتبار المندوحة إلّا لأجل اعتبار القدرة فی الإمتثال و عدم لزوم التکلیف بالمحال، و هو محذورٌ آخر، لا دخل له فیما هو المحذور فی المقام من التکلیف المحال بلا کلام». و فی تحقیق الأصول، ج 4، ص39: «و الحاصل أنّه اعتبر فی حاشیة الرسائل- تبعا للفصول- عدم المندوحة حتی لایلزم التکلیف بالمحال، لکنّه فی الکفایة یقول: بأنّ البحث لیس فی التکلیف بالمحال، و إنّما فی أنّه هل یلزم فی مفروض المسألة المحال- و هو اجتماع الضدین- أو لا؟ و لا دخل للمندوحة فیه و هذا هو الصحیح، لأنّا إن قلنا بالإمتناع فلا أثر للمندوحة. و إن قلنا بالجواز و عدم لزوم اجتماع الضدین، فإن کان له مندوحة فلا مشکلة، و إن لم تکن کان المورد من صغریات باب التزاحم ... فظهر أنّ وجود المندوحة إنّما یؤثر علی القول بالجواز، و أمّا فی أصل البحث و طرح المسألة فلا دخل لوجود المندوحة و عدمها».

و لا دخل لاعتبار المندوحة بما هو المحذور فی بحث اجتماع الأمر و النهی من التکلیف المحال.

مناقشة المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی بیان الکفایة:

((1))

أوّلاً: إنّ حیثیة تعدّد المعنون بتعدّد العنوان و عدمه حیثیة تعلیلیة للجواز و عدمه و لیست حیثیة تقییدیة مقوّمة للموضوع (أی موضوع مسألة اجتماع الأمر و النهی)، لئلا یحتاج عنوان البحث إلی التقیید بالمندوحة، لیتمحّض البحث فی خصوص الجواز و الامتناع من حیث خصوص التضادّ و عدمه (بل البحث أعمّ من هذه الحیثیة بل هناک حیثیات أُخر دخیلة فی جواز الاجتماع أو امتناعه).

و جعل البحث جهتیاً و حیثیاً (أی من جهة تعدّد المعنون بتعدّد العنوان) غیر صحیح، مع أنّ عنوان مسألة اجتماع الأمر و النهی لایناسب ذلک لأنّه أعمّ من هذه الجهة و الحیثیة.

ثانیاً: إنّ غرض الأُصولی فی بحث جواز الاجتماع یترتّب علی الجواز الفعلی، فلابدّ من تعمیم البحث و إثبات الجواز من جمیع الوجوه اللازمة من تعلّق الأمر و النهی بواحد ذی وجهین، لا الوجوه العارضة من باب الاتفاق فالبحث عن جواز الاجتماع أو امتناعه لایشمل تلک الوجوه العارضة الاتفاقیة غیر اللازمة.

فلایقاس وجود المندوحة أو عدمها ( الذی هو من الوجوه اللازمة) بسائر الجهات الاتفاقیة المانعة عن الحکم بالجواز فعلاً.

ص: 197


1- نهایة الدرایة، ج2، ص296.
بیان المحقّق الإصفهانی (قدس سره) لعدم اعتبار المندوحة فی محلّ النزاع:

یمکن أن یقال بعدم لزوم التقیید بالمندوحة من طریق آخر و هو أنّه لو کان تعدّد الوجه مجدیاً فی تعدّد المعنون لکان مجدیاً فی التقرب به من حیث رجحانه فی نفسه فإنّ عدم المندوحة یمنع عن الأمر لعدم القدرة علی الامتثال و لایمنع عن الرجحان الذاتی الصالح للتقرب به، فکما أنّ تعدّد الجهة یکفی من حیث التضادّ یکفی من حیث ترتّب الثمرة و هی صحّة الصلاة فلا موجب للتقیید بالمندوحة لا علی القول بالتضادّ لکفایة الاستحالة من جهة التضادّ فی عدم الصحّة و لا علی القول بعدم التضادّ لما عرفت من کفایة تعدّد الجهة من حیث التقرّب أیضاً.((1))

نظریة المحقّق النائینی (قدس سره):

((2))

إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) یری أنّ النزاع فی جهتین:

الجهة الأُولی: هی سرایة کلّ من الحکمین إلی متعلّق الآخر و عدم سرایته.

الجهة الثانیة: هی أنّه بناء علی السرایة هل یوجب انطباقهما علی شیء واحد وقوع التزاحم بین حکمیهما أو لا؟

أمّا النزاع من الجهة الأُولی فلا فرق فیه بین وجود المندوحة و عدمها، و أمّا النزاع من الجهة الثانیة فلابدّ من أن یکون مع وجود المندوحة، إذ وقوع التزاحم مع عدم المندوحة و انحصار الطبیعة المأمور بها فی المجمع واضح لایخفی، و من

ص: 198


1- نهایة الدرایة، ج2، ص297.
2- أجود التقریرات، ج2، ص126و127.

اعتبر قید المندوحة فی محلّ الکلام فقد نظر إلی ذلک ثمّ إنّه بناء علی الجواز فإن قلنا فی اعتبار القدرة بمقالة المحقّق الثانی (قدس سره) فلایکون صغری التزاحم و إن قلنا فی اعتبار القدرة بمقالة المحقّق النائینی (قدس سره) فیکون البحث من صغریات التزاحم.

نظریة المحقّق الخوئی (قدس سره):

((1))

إنّ ما أفاده یفترق عن بیان المحقق النائینی (قدس سره) فی أمرین:

الأوّل: إنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) یری أنّ النزاع هو فی الجهة الأُولی و لذا قال: إنّ اعتبار وجود المندوحة فی مقام الامتثال أجنبی عمّا هو محلّ النزاع فی المسألة، فإنّ محل النزاع فیها کما عرفت السرایةُ و عدمها و هما لایبتنیان علی وجود المندوحة.

الثانی: قال المحقّق النائینی (قدس سره) - بناء علی القول بالجواز مع المندوحة: إنّ البحث من صغریات التزاحم حیث یقول باعتبار القدرة باقتضاء نفس الخطاب کما مضی((2)) فی بحث الضدّ.

و لکن المحقّق الخوئی (قدس سره) مثل المحقّق الثانی (قدس سره) یقول: إنّ البحث لایکون من صغریات التزاحم بل یستنبط منه الحکم الشرعی بدون إعمال قواعد التزاحم.

أمّا مع عدم وجود المندوحة فکلاهما یتّفقان علی أنّ المسألة من صغریات التزاحم.

فتحصّل من ذلک عدم اعتبار قید المندوحة فی عنوان البحث و محل النزاع إلّا

ص: 199


1- المحاضرات، ط.ج. ج3 ص388.
2- راجع ص80 من هذا الکتاب: قولنا: تحقیق فی اعتبار القدرة فی متعلق التکلیف، هنا ثلاثة أقوال، القول الثانی نظریة المحقق النائینی، إیراد المحقق الخوئی علی هذا القول.

أنّه علی القول بالجواز یختلف الحال بحسب وجود المندوحة و عدمها.((1))

ص: 200


1- ذکر فی تحریرات فی الأصول وجوهاً خمسة فی اعتبار المندوحة و کلاما من المحقق الإیروانی نُوردها تتمیماً للفائدة: قال فی ج 4، ص177: «الأمر الثالث: حول اعتبار المندوحة إنّ فی اعتبار شرطیة المندوحة و عدم اعتبارها، أو إضرارها بالنزاع، أو التفصیل فی المسألة، وجوها و أقوالاً لا بأس بالإشارة إلیها إجمالا حتی یتبین الحقّ و یستبان حدوده: الوجه الأول: ما هو صریح الدرر و بعضٌ آخر من أنّ النزاع فی مسألة اجتماع الأمر و النهی، بعد الفراغ من صدور الأمر و النهی عن جدٍّ، و هو لایعقل إلّا فیما إذا کان العبد متمّکناً من امتثال کلّ واحدٍ منهما، و لو لم یکن یتمکّن من الإمتثال- بأن لایجد أرضاً مباحةً یقیم فیها الصلاة- فلایکون أمرٌ فی البین حتی یتنازع فی اجتماعه مع النهی؛ لأنّ الصلاة فی المغصوب لیست مورد الأمر، و الصلاة المطلقة غیر مقدورة ... الوجه الثانی: لایعتبر قید المندوحة فی صحة نزاع الإجتماع و الإمتناع فی مرحلة الجعل و الإنشاء؛ لأنّ البحوث الأصولیة تکون فرضیة و حیثیة، فالأمر و النهی فرضیان، و البحث حیثی؛ أی یکون حول أنّ الأمر المتعلق بشی ء، و النهی المتعلق بالعنوان الآخر، هل یتداخلان و تلزم الوحدة فی المتعلق فی وعاء الجعل، أو فی وعاء الخارج، و یتجاوزان إلی أنفسهما، أم لا؟ و لایلزم المحالیة من هذه الجهة، و أمّا لزوم الإستحالة من المناشئ الأخری فلا ربط له بهذه المسألة ... الوجه الثالث: أنّ مع الالتزام بفعلیة الأمر و النهی، لا حاجة إلی قید المندوحة؛ بناء علی ما حرّرناه تبعاً للوالد المحقق- مدّ ظله- من أنّ الخطابات القانونیة تکون فعلیةً حتی فی موارد العجز ... و علی کل تقدیر: العبد فی صورة فقدان المندوحة مکلف فعلاً بتکلیفین فعلیین؛ أحدهما: الصلاة، و الآخر: الغصب، فإن أمکن اجتماعهما فی المجمع فهو، و إلّا فلابدّ من انکشاف سقوط أحد التکلیفین معینا، أو القول بالتخییر، فاعتبار قید المندوحة علی القول بأنّ النزاع لیس حیثیاً أیضا ممنوعٌ، فضلاً عمّا إذا کان حیثیاً ... الوجه الرابع: أنّ اعتبار قید المندوحة یلازم الإلتزام بالإجتماع، و یستلزم سقوط النزاع قهراً، فیکون مضرّاً؛ و ذلک لأنّ البحث فی مسألة الإجتماع و الإمتناع، لایدور حول أنّ الأحکام متضادة أم لا، و لایدور حول ... بل أساس النزاع و مبدأ الخلاف و التشاح؛ هو أنّ فی المجمع یمکن المحافظة علی إطلاق الأمر و النهی، و تکون الإرادتان: الآمریة و الزاجریة، باقیتین فیه علی قوتّهما، أم لا، و إذا کان المکلّف متمکّناً من الجمع بین الصلاة و ترک الغصب، فلا معنی للإشکال فی الإمکان المذکور؛ ضرورةَ وضوح جواز ترشّح الإرادتین حتی فی المجمع، فالنزاع یصحّ علی تقدیر عدم وجود المندوحة فی البین ... الوجه الخامس: أنّ النزاع إن کان حیثیا، فلا حاجة إلی قید المندوحة، و إن کان النزاع مطلقا و فرض فعلیة الأمر و النهی، فلاتعتبر المندوحة أیضا و إن لم نقل بالخطابات القانونیة ... إذا تبینت هذه الوجوه الرئیسة فی المسألة و مبانیها، فالذی هو الأقوی فی النظر أنّ المندوحة مضرّة بأساس البحث علی الوجه الذی هو مورد نظرنا ... و الذی ظهر لی أنّ قید المندوحة دائرٌ بین کونه مضرّاً، و بین کونه غیرُ لازمٍ حتی علی القول بأنّ المراد من الأمر و النهی التکلیفین الفعلیین؛ و أنّ الخطابات شخصیة، لا کلیة قانونیة». و فی ج 4، ص184: «عن الفاضل الإیروانی قدّس سره: أنّ اعتبار قید المندوحة لا معنی له؛ بناء علی تعلق الأمر و النهی بالأفراد، ضرورة أنّ المراد من المندوحة هو الفرد المباح من المأمور به الذی یکون المکلف لأجله فی الوسع و الفسحة من الإمتثال، و إذا کان مورد الأمر هو الفرد، فلایکون الفرد الآخر فرداً من المأمور به، بل هو فردٌ آخر مخصوصٌ بأمر آخر، و لایکون فردا للطبیعة التی هی مورد الأمر».

الأمر السابع: ارتباط هذه المسألة بتعلق الأحکام بالطبائع أو الأفراد

اشارة

هل یبتنی أصل النزاع أو اختیار الجواز و الامتناع علی تعلّق الأحکام بالطبائع و الأفراد أو لا؟

هنا توهّمان:
اشارة

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) أشار هنا((1)) إلی توهّمین ثم أجاب عنهما فلابدّ من البحث عنهما لدخلهما فی الحکم بالجواز أو الامتناع.

التوهّم الأوّل:

إنّ النزاع فی الجواز و الامتناع یبتنی علی القول بتعلّق الأحکام بالطبائع، و

ص: 201


1- کفایة الأصول، ص154.

أمّا بناء علی تعلّق الأحکام بالأفراد فلابدّ من القول بالامتناع و لا وجه حینئذ للقول بالجواز.

توضیح ذلک: إن قلنا بتعلّق الأحکام بالطبائع فقد اختلفوا فی أنّ الإتحاد الوجودی بین الطبیعتین هل یوجب وحدة متعلّق الأمر و النهی حتّی نقول بالامتناع أو لایوجب وحدة متعلّق الأمر و النهی حتّی نقول بالجواز.

و أمّا إن قلنا بتعلّق الأحکام بالأفراد یلزم تعلّق الحکمین بواحد شخصی و لو کان ذا وجهین لأنّ المشخصات مقوّمة للفرد.

التوهّم الثانی:
اشارة

إنّ القول بالجواز مبنی علی القول بتعلّق الأحکام بالطبائع لتعدّد متعلّق الأمر و النهی ذاتاً و إن اتّحدا وجوداً و القول بالامتناع مبنی علی القول بتعلّق الأحکام بالأفراد لاتّحاد متعلّقهما شخصاً خارجاً و کون متعلّقهما فرداً واحداً.

جواب صاحب الکفایة (قدس سره) عنهما:
اشارة

و الجواب یتوقف علی بیان مقدّمات ثلاث:

المقدّمة الأُولی:

قال المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) فی بیان الفرق بین الطبیعة و الحصّة و الفرد: إنّ الماهیة تارة تلاحظ بنفسها فهی «الطبیعی» و أخری مضافة إلی قید کلّی فالمضاف هی «الحصة» لا مجموع المضاف و المضاف إلیه و ثالثة تضاف إلی الوجود المانع عن صدقها علی کثیرین و هو «الفرد» و تسمّی بالماهیة

ص: 202


1- نهایة الدرایة، ج2، ص255 و بحوث علی النهج الحدیث، ص102.

الشخصیة أو الماهیة الجزئیة أیضاً.

ثمّ إنّ الماهیة الشخصیة المتّحدة مع الوجود موجودة بنفس ذلک الوجود و هذه الماهیة الشخصیة فرد للطبیعة الکلّیة و حیث إنّ الماهیة الشخصیة متّحدة مع الوجود بالذات فطبیعیها متّحد مع الوجود بالعرض و الطبیعی موجود فی الخارج بالعرض و فرده (و هی الماهیة الشخصیة) واسطة فی العروض.

المقدّمة الثانیة:

إنّهم اختلفوا فی متعلّق الأمر و الطلب و خلاصة ذلک:

قال المحقّق الخراسانی (قدس سره): متعلّق الطلب هو الوجود السعی للطبیعة و حیث إنّ الأمر طلب الوجود فمتعلّق الأمر هو الطبیعی.

و المحقّق النائینی (قدس سره) قال: متعلّقات الأحکام الطبائع الفانیة فی أفرادها و أیضاً قال: متعلّق الحکم الماهیة التی لم یلحظ فیها التحصّل.

و المحقّق الخوئی (قدس سره) أیضاً صرّح بأنّ الطلب یتعلّق بالطبیعی لا الفرد.((1))

و المحقّق العراقی (قدس سره) رأی أنّ متعلّق الأمر هو الطبیعی بما هو خارجی أی بما أنّه مرآة إلی الخارج.

و المحقّق الإصفهانی (قدس سره) قال: إنّ متعلّق الأمر هو الفرد بمعنی وجود الطبیعة بوجوده الحقیقی الفرضی لا بوجوده التحقیقی و ذلک لأنّ طبیعة الشوق تتعلّق بما له جهة وجدان و فقدان إذ لو کان موجوداً من کلّ جهة لکان طلبه تحصیلاً للحاصل و لو کان مفقوداً من کلّ جهة لم یکن طرف یتقوّم به الشوق فالعقل یلاحظ الموجود الخارجی فیشتاق إلیه فما هو المقوّم للشوق الموجود بالفرض و

ص: 203


1- المحاضرات، ط.ج. ج3، ص194.

التقدیر لا بما هو هو بل بما هو آلة لملاحظة الموجود الحقیقی و ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) هنا هو الأصحّ.

المقدّمة الثالثة:

إنّ معنی تعلّق التکلیف بالفرد هو تعلّقه بالماهیة الشخصیة بوجود الحقیقی الفرضی و ما یعبّر عنه بالعوارض المشخّصة هی لوازم الوجود و التشخّص و هی أفراد لطبائع شتّی لکلّ منها وجود و ماهیة، و لیس لازم تعلّق التکلیف بالفرد دخول لوازم الوجود و التشخص فی المکلّف به، بل تشخّص کلّ فرد بنفس وجوده لا بوجود آخر فلایعقل أن یکون عوارض الفرد (التی هی موجودة بوجود آخر غیر وجود هذا الفرد) مشخّصاً لهذا الفرد حتّی یقال بدخولها فی متعلّق التکلیف.

فتحصّل من هذه المقدّمات أنّه لا فرق فی محل النزاع بین تعلّق التکلیف بالطبیعة أو الفرد إلّا بالماهیة الکلّیة و الماهیة الشخصیة المضافة إلی الوجود الفرضی فالعوارض و لوازم الوجود خارجة عن متعلّق الحکم علی کلا القولین کما أنّ الوجود الخارجی الحقیقی أیضا خارج عن متعلّق الحکم.

فعلی هذا إنّ النزاع فی سرایة الحکم من متعلّق الأمر أو النهی إلی الآخر یتصوّر بالنسبة إلی کلا القولین؛ هذا بالنسبة إلی التوهّم الأوّل.

و إنّ تعلّق الأمر و النهی بالطبائع لایقتضی تعدّد المتعلّق و تعلّقهما بالأفراد أیضا لایقتضی وحدة المتعلّق بل ملاک وحدة المتعلّق و تعدّده فی الأمر و النهی هو أنّ تعدّد الوجه و العنوان هل یجدی فی تعدّد المتعلّق بحیث لایضرّ معه الاتحاد بحسب الوجود و الإیجاد أو لا؟ بلا فرق فی ذلک بین تعلّق الحکم بالطبیعی أو الفرد.

ص: 204

تذنیب: هل یبتنی الجواز و الامتناع علی مسألة أصالة الوجود أو الماهیة؟
اشارة

توهّم فی المقام:

قد یتوهّم أنّ مسألة أصالة الوجود أو الماهیة هی حیثیة تعلیلیة للحکم بالجواز أو الامتناع علی اجتماع الأمر و النهی حیث إنّه:

إن قلنا بأصالة الوجود فیکون متعلّق الأمر و النهی هو الوجود و هو أمر واحد فیسری الحکم من متعلّق الأمر و النهی إلی الآخر فلابدّ من المصیر إلی القول بالامتناع.

و إن قلنا بأصالة الماهیة فیکون متعلّق الأمر و النهی الماهیة و الماهیات متباینة بالذات و لایمکن اتحاد ماهیة مع ماهیة أُخری و نتیجة ذلک تعدّد متعلّق الأمر و النهی فلابد من القول بالجواز.

بیان المحقّق الخراسانی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) فی دفع التوهّم:

((1))

إنّه علی القول بأصالة الوجود و إن کانت حقیقة الوجود واحدة إلّا أنّ لها مراتب عدیدة و تتفاوت تلک المراتب بالشدّة و الضعف و کلّ مرتبة منها تباین المرتبة الأُخری.

و من ناحیة ثانیة: لکلّ مرتبة منها عرض عریض و أفراد کثیرة.

و من ناحیة ثالثة: لکلّ وجود ماهیة واحدة و حدّ فارد و یستحیل أن یکون لوجود واحد ماهیتان و حدّان کما أنّه لایعقل أن یکون لماهیتین وجود واحد.

ص: 205


1- کفایة الأصول، ص159؛ المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص397.

فالنتیجة هی أنّ المجمع فی مورد الاجتماع و التصادق إذا کان وجوداً واحداً فلامحالة یکون له ماهیة واحدة فلا فرق بین القول بأصالة الوجود و القول بأصالة الماهیة.

یلاحظ علیه:

إنّ ما أفاده من أنّ لکلّ وجود ماهیة واحدة یصحّ بالنسبة إلی الماهیة الحقیقیة لا الماهیات المرکّبة الجعلیة.

فالحق فی الجواب هو أن یقال: إنّ الحکم الشرعی لایتعلّق بما له الأصالة فی الخارج کما مرّ مراراً و إلّا یلزم تحصیل الحاصل مضافاً إلی أنّ الوجود الخارجی بناء علی أصالة الوجود أو الماهیة الخارجیة بناء علی أصالة الماهیة موجب لسقوط التکلیف فلایعقل أن یتعلّق التکلیف بالمتأصّل الخارجی، فلابدّ أن یتعلّق الحکم بالعنوان.

ص: 206

الأمر الثامن: هل تکون مسألة الاجتماع من صغریات التعارض؟

نظریة صاحب الکفایة (قدس سره):

((1))

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) کان بصدد بیان الفرق بین مسألة الاجتماع و باب التعارض حیث إنّ الشیخ الأنصاری (قدس سره) و جمعاً من الأعلام ذهبوا إلی أنّ مسألة الاجتماع بناء علی القول بالامتناع من صغریات التعارض (کما مرّ ذلک فی کلام المحقّق النائینی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) أیضاً) و لکنّه لم یرتض بذلک و ما أفاده هنا یکون بالنظر إلی مقامی الثبوت و الإثبات.

أمّا بحسب مقام الثبوت فإنّ هنا ثلاثة صور:

الصورة الأُولی: أن یکون لکلّ واحد من متعلّقی الأمر و النهی ملاک الحکم مطلقاً حتّی فی مورد التصادق و الاجتماع فحینئذ إن قلنا بجواز الاجتماع نأخذ بکلا الملاکین و نحکم علی مورد التصادق و المجمع بکلا الحکمین، و إن قلنا بامتناع الاجتماع نأخذ بأقوی المناطین و نحکم علی مورد الاجتماع بحکم المناط الأقوی، و إن لم یکن أحدهما أقوی من الآخر نحکم علی مورد الاجتماع بحکم آخر مثل الإباحة.

الصورة الثانیة: أن یکون أحدهما غیرُ المعین ذا ملاک مطلقاً و کان الآخر فاقداً له أی فاقداً للملاک المطلق بحیث یشمل مورد الاجتماع، فلایکون حینئذ من باب اجتماع الأمر و النهی بل یکون من باب التعارض، و حینئذ مورد الاجتماع محکوم بالحکم الذی ملاکه و مناطه مطلق بحیث یشمل مورد التصادق و الاجتماع.

ص: 207


1- کفایة الأصول، ص15.

الصورة الثالثة: أن یکون کلّ واحد من متعلّق الأمر و النهی فاقداً للملاک المطلق بحیث یشمل مورد الاجتماع فلابدّ أن یحکم فی مورد الاجتماع بحکم آخر غیر الوجوب و الحرمة، لأنّا افترضنا عدم ملاک الوجوب و الحرمة فی مورد الاجتماع، فهذه الصورة أیضاً لیست من باب اجتماع الأمر و النهی.

و أمّا بحسب مقام الإثبات:

إنّ الروایتین الدالّتین علی الحکمین إن کانتا من قبیل الصورة الأُولی المذکورة فی مقام الثبوت فالمقام من صغریات التزاحم بین المقتضیین و یکون من باب اجتماع الأمر و النهی لا التعارض، فحینئذ ربما کان الترجیح مع ما هو أضعف دلیلاً لکونه أقوی مناطاً.

فلا مجال حینئذ لملاحظة مرجّحات الروایة من المرجّحات السندیة و الدلالیة بل لابدّ من ملاحظة مرجّحات المقتضیات المتزاحمات.

ثمّ إنّه إذا احتملنا أنّهما من قبیل الصورة الأُولی لابدّ أن نعدّهما من باب الاجتماع و نحکم علیهما بقواعد التزاحم (حیث قال صاحب الکفایة (قدس سره): إنّه إذا أُحرز أنّ المناط من قبیل الثانی فهما من باب التعارض و إلّا فکان من باب التزاحم فیفهم من هذا الکلام أنّ صورة عدم الإحراز من التزاحم).

ثم استدرک علی ما أفاده بالنسبة إلی الصورة الأُولی فی ما إذا کانت الروایتان ظاهرتین فی الحکم الفعلی فحینئذ یقع التعارض بینهما لکذب أحد الدلیلین.

فلابدّ من ملاحظة مرجحات باب المعارضة لو لم یوفّق بینهما بحمل أحدهما علی الحکم الاقتضائی بملاحظة مرجحات باب المزاحمة.

(ثمّ إنّ قوله «لو لم یوفّق بینهما» إن کان راجعاً إلی ما أفاده من وقوع التعارض فیکون معناه أنّ مورد الجمع العرفی لایجتمع مع مورد التعارض، و إن کان

ص: 208

راجعاً إلی قوله «لابدّ من ملاحظة مرجحات باب المزاحمة» فیکون مورد الجمع العرفی داخلاً فی التعارض و الوجه الأوّل هو الصحیح).

و أمّا إن کانتا من قبیل الصورة الثانیة فیحکم علیهما بقواعد التعارض من الترجیح و التخییر

فالمقام من باب التعارض و لیس من باب اجتماع الأمر و النهی.

و أمّا إن کانتا من قبیل الصورة الثالثة فظاهر کلام صاحب الکفایة (قدس سره) عدّهما من باب التعارض حیث أشار إلی الصورة الثانیة و الثالثة بقوله «فالرویتان الدالّتان علی الحکمین متعارضتان إذا أُحرز أنّ المناط من قبیل الثانی فلابدّ من عمل المعارضة حینئذ بینهما من الترجیح و التخییر».

لأنّ ما هو من قبیل الثانی عنده هو ما إذا لم یکن للمتعلّقین مناط مطلقاً سواء کان المناط لأحدهما (و هی الصورة الثانیة من الصور الثلاث) أو لم یکن المناط لواحد منهما (و هی الصورة الثالثة من الصور الثلاث).

و لکن بعض شروح الکفایة((1)) فسّره بأنّ الدلیلین الفاقدین للملاک لیسا من باب التعارض و التزاحم.

إیرادات ثمانٍ علی نظریة صاحب الکفایة (قدس سره):
الإیراد الأوّل: من المحقّق النائینی (قدس سره) و تبعه المحقّق الخوئی (قدس سره)

((2))

إنّ النزاع فی المقام کما یجری علی القول بتبعیة الأحکام للمصالح و المفاسد یجری علی القول بعدم تبعیتها لها، کما ذهب إلیه الأشعری، ضرورة أنّ استحالة

ص: 209


1- منتهی الدرایة، ج3، ص43.
2- أجود التقریرات، ج2، ص146؛ المحاضرات، ط.ج. ج3، ص402.

اجتماع حکمین فی فعل واحد الناشئة من تضادّ الأحکام لایختلف فیها أنظار العقلاء، و الأشعری و غیره فیه سواء.

فما ذکره المحقّق صاحب الکفایة (قدس سره) من ابتناء النزاع فی المقام علی کون المجمع واجداً لملاک الأمر و النهی فی غیر محلّه.

الإیراد الثانی: ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ ما أفاده - من أنّ الضابط للتعارض بین الدلیلین، کون مورد اجتماعهما مشتملاً علی مناط أحدهما- لا أصل له، و ذلک لأنّ النزاع یجری حتّی علی قول الأشعری الذی أنکر تبعیة الأحکام للملاکات فالضابط للتعارض هو عدم إمکان ثبوت الحکمین فی مقام الجعل و أنّ ثبوت کلّ منهما ینفی الآخر و یکذبه.

جواب بعض الأساطین (حفظه الله) عن الإیراد الثانی:

((2))

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) صرّح فی بحث التعادل و التراجیح بأنّ التعارض عبارة عن تنافی الدلیلین بالتناقض أو بالتضادّ، إمّا بالذات و إمّا بالعرض.

و التنافی بالتناقض و بالذات مثل دلالة أحد الدلیلین علی الوجوب و الآخر علی عدم الوجوب و التنافی بالتضادّ و بالذات مثل دلالة أحدهما علی الوجوب و دلالة الآخر علی الحرمة و التنافی بالعرض مثل دلالة أحد الدلیلین علی وجوب صلاة الجمعة و دلالة الآخر علی وجوب صلاة الظهر یوم الجمعة مع تحقّق الإجماع و الضرورة علی وجوب أحدهما فنعلم بکذب أحد الدلیلین فعلی

ص: 210


1- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص404.
2- تحقیق الأصول، ج4، ص44.

هذا مدار التعارض عنده هو التنافی فی مرحلة الجعل و لکن فی هذا المقام یتحقّق هذا الضابط فی ما إذا لم یکن لأحد الدلیلین ملاک فما أفاده هنا لیس ضابطاً کلّیاً للتعارض.

الإیراد الثالث: ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((1))

ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی مقام الإثبات من أنّ الروایتین إذا کانتا من قبیل الصورة الأُولی (وجود الملاکین لکلا الحکمین) أو احتملنا ذلک، کان من باب التزاحم بین المقتضیین فلابدّ من تقدیم ما هو أقوی مناطاً ففیه أنّ التزاحم علی نوعین: التزاحم بین الملاکات و التزاحم بین الأحکام.

أمّا التزاحم بین الملاکات فخارج عن محلّ الکلام، لأنّ الترجیح فیه بید المولی دون العبد فله أن یلاحظ الملاکات الواقعیة و یرجّح بعضها علی بعضها الآخر و لیس ذلک من وظیفة العبد، فإنّ وظیفته امتثال الأحکام المجعولة من قبل المولی.

مضافاً إلی أنّه لیس للعبد طریق إلی معرفة الملاکات مع قطع النظر عن الأحکام المجعولة.

أمّا التزاحم بین الأحکام فهو داخل فی محل الکلام إلّا أنّ صاحب الکفایة (قدس سره) إن أراد من التزاحم بین المقتضیات التزاحم بین الدلیلین فی مرتبة الاقتضاء ففیه أنّ التزاحم هو تنافی الحکمین فی مرتبة الفعلیة الناشئ من عدم قدرة المکلّف علی الجمع بینهما فی مقام الامتثال من دون أی تناف بینهما فی مقام الإنشاء و الجعل.

فما أفاده من أنّه کان من باب التزاحم بین المقتضیین لایرجع إلی معنی محصّل.

ص: 211


1- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص405.
یلاحظ علی الایراد الثالث:

إنّ التزاحم بین الأحکام فی مرحلة الامتثال فی ما إذا اتّحد الموضوع یرجع إلی التزاحم بین ملاکات الأحکام و حینئذ قد نعرف من لسان الأدلّة الشرعیة و اهتمامها ببعض الواجبات و جعلها من أرکان الدین (مثل الصلاة) أقوائیة ملاکها بالنسبة إلی البعض الآخر و أما إذا لم نعرف ملاکات الأحکام تفصیلاً فالإیراد غیر وارد.

الإیراد الرابع: ما أفاده المحقّق النائینی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما)
اشارة

(و هذا الإیراد هو بالنسبة إلی صغرویة بحث الاجتماع لکبری التزاحم و التعارض فی الصورة الأولی).

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) - و تبعه المحقّق العراقی (قدس سره) ((1))- قال: الصورة الأُولی و هی وجود الملاک لکلا الحکمین یکون من باب الاجتماع لا التعارض فعلی القول بالجواز نحکم علی المجمع بکلا الحکمین و علی القول بالامتناع نحکم علی المجمع بحکم أقوی المناطین و إن لم یکن أحدهما أقوی نحکم علیه بحکم آخر مثل الإباحة.

و خالفهما المحقّق النائینی (قدس سره) ((2))- و تبعه المحقّق الخوئی (قدس سره) ((3))- و إلیک بیان المحقّق الخوئی (قدس سره): (فإنّ ما أفاده علی القول بالجواز یختلف بحسب مبناه فی أخذ القدرة عمّا أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) کما تقدّم فلانعید).

ص: 212


1- نهایة الأفکار، ج1-2 ص412.
2- أجود التقریرات، 2ج ص125.
3- المحاضرات، ط.ج. ج3، ص369 و 373.

فی المسألة ثلاث صور:

الصورة الأُولی: فرض القول بالجواز و عدم المندوحة

إنّ مسألة الاجتماع بناء علی القول بالجواز و عند عدم المندوحة تدخل فی کبری التزاحم.

الصورة الثانیة: فرض القول بالجواز و وجود المندوحة
اشارة

إذا کانت له مندوحة فهل یدخل فی کبری التزاحم أو لا؟

نظریة المحقق النائینی (قدس سره):

قد اختار المحقّق النائینی (قدس سره) أنّها صغری للتزاحم و قال: إنّ أوّل مرجّحات باب التزاحم هو ما إذا کان لأحد الحکمین المتزاحمین بدل دون الحکم الآخر فیتقدّم ما لیس له بدل علی ما له بدل فی مقام المزاحمة و هذا إنّما یتحقّق فی أحد الموردین:

الأوّل: ما إذا زاحم بعض أفراد الواجب التخییری الواجب التعیینی، کما إذا وقعت المزاحمة بین صرف المال الموجود عنده فی نفقة عیاله و صرفه فی إطعام ستّین مسکیناً مثلاً بعد فرض أنّه لایکفی إلّا أحدهما و حیث إنّ للثانی بدلاً فی عرضه و هو صوم شهرین متتابعین فیتقدّم الأوّل (نفقة العیال) علیه فی صورة المزاحمة مطلقاً و لو کان ما له البدل (إطعام ستین مسکیناً) أهمّ من نفقة عیاله.

الثانی: ما إذا وقعت المزاحمة بین الأمر بالوضوء أو الغسل، و الأمر بغسل الثوب أو البدن للصلاة و بما أنّ للوضوء أو الغسل بدلاً فی طوله و هو التیمم فیتقدّم غسل الثوب و البدن علیه، فتنتقل الوظیفة إلی التیمم.

ص: 213

جواب المحقق الخوئی (قدس سره):

أما المورد الأوّل فإنّه خارج عن کبری التزاحم و ذلک لما ذکرناه فی بحث الواجب التخییری من أنّ الواجب هو الجامع بین الفعلین أو الأفعال لا کلّ واحد منهما، مثلاً: الواجب فی خصال الکفارة هو الواحد لا بعینه، لا کلّ واحد منها خاصة؛ هذا من ناحیة.

و من ناحیة أُخری: قد ذکرنا أنّ منشأ التزاحم بین الحکمین إنّما هو عدم تمکّن المکلّف من الجمع بینهما فی مرحلة الامتثال.

فالنتیجة هو عدم التزاحم لأنّ ما هو الواجب و هو الجامع بینها لایکون مزاحماً للأمر بصرف هذا المال فی النفقة و ما هو مزاحم له و مانع عنه -و هو إطعام ستین مسکیناً- لیس بواجب.

و أما المورد الثانی فقد تقدّم فی بحث التزاحم أنّه داخل فی کبری التعارض.

فبالنتیجة مسألة الاجتماع علی القول بالجواز و وجود المندوحة داخلة فی کبری التزاحم عند المحقّق النائینی (قدس سره) و خارجة عنها عند المحقّق الخوئی (قدس سره) .

الصورة الثالثة: فرض القول بالامتناع

إنّ مسألة الاجتماع بناء علی الامتناع تدخل فی کبری التعارض و اتّفق فی ذلک المحقّق النائینی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) و نقل ذلک عن الشیخ الأنصاری (قدس سره) أیضاً خلافاً للمحقّق الخراسانی و المحقّق العراقی (قدس سرهما) .

قال المحقّق الخوئی (قدس سره) فی وجه ذلک:((1))

ص: 214


1- المحاضرات، ط.ج. ج3، ص368.

(قبل بیان ذلک لابدّ من أن نتذکّر أنّ النقطة الأساسیة للفرق بین التزاحم و التعارض عند المحقّق الخوئی (قدس سره) هو أنّ فی باب التزاحم لایقدر المکلّف علی الجمع بین الحکمین المتزاحمین فی مقام الامتثال بلا منافاة و مضادّة فی مقام الجعل و لکن حقیقة التعارض هی التنافی و التعاند بین الحکمین فی مقام الجعل و الثبوت و عدم إمکان جعل کلیهما).((1))

إنّ القول بالامتناع یرتکز علی سرایة النهی من متعلّقه إلی ما ینطبق علیه المأمور به و علی هذا تقع المعارضة لامحالة بین دلیلی الحکمین کالوجوب و الحرمة مثلاً لما عرفت من أنّ مردّ هذا القول إمّا إلی القول بإتحاد المجمع حقیقة أو القول بسرایة حکم أحد المتلازمین إلی الآخر و علی کلا التقدیرین لامحالة یکون أحد الدلیلین کاذباً فی مورد الاجتماع و ذلک لاستحالة أن یکون المجمع عندئذ مصداقاً للمأمور به و المنهی عنه معاً، و علیه فلامحالة یدلّ کلّ من دلیلی الأمر و النهی علی نفی مدلول الدلیل الآخر مع بقاء موضوعه بحاله.

فإذن لابدّ من الرجوع إلی قواعد باب المعارضة:

فإن کان التعارض بینهما بالإطلاق کما هو الغالب یسقطان معاً فیرجع إلی الأصل اللفظی فی المسألة إن کان و إلّا فإلی الأصل العملی.

و إن کان بالعموم یرجع إلی أخبار الترجیح إذا کان التعارض بین الخبرین و إلّا فإلی قواعد أُخر علی تفصیل مذکور فی محلّه.

و إن کان أحدهما مطلقاً و الآخر عامّاً فیتقدّم العام علی المطلق، لأنّه یصلح أن یکون بیاناً له دون العکس.

ص: 215


1- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص18.

و إن کان أحدهما لبیاً و الآخر لفظیاً فیتقدّم الدلیل اللفظی علی الدلیل اللبّی کما هو واضح.

و إن کان کلاهما لبیاً فلابدّ من الرجوع فی المسألة من أصل لفظی أو عملی.

الإیراد الخامس:
اشارة

((1))

(و هذا الإیراد یتوجه علی استدراک صاحب الکفایة (قدس سره) ذیل الصورة الأُولی).

إنّ موارد التوفیق العرفی غیر موارد التعارض، فإذا فرض التعارض بین الدلیلین فمعناه أنّه لایمکن الجمع العرفی بینهما و أما إذا أمکن ذلک فلا تعارض، ففرض التعارض و فرض إمکان الجمع العرفی لایجتمعان.

یلاحظ علیه:

إنّ ما أفاده مبنی علی التفسیر الثانی لقوله «لو لم یوفق» فی استدراک صاحب الکفایة (قدس سره) ذیل الصورة الأُولی و أمّا علی التفسیر الأوّل فلا.((2))

الإیراد السادس:

((3))

[بالنسبة إلی استدراک صاحب الکفایة (قدس سره) ذیل الصورة الأُولی].

إنّ التوفیق العرفی بین الدلیلین إنّما یکون بملاحظة مرجّحات باب الدلالة،

ص: 216


1- المحاضرات، (ط.ج): ج3 ص406.
2- قد تقدم عند ذکر نظریة صاحب الکفایة: إنّ قوله «لو لم یوفّق بینهما» إن کان راجعاً إلی ما أفاده من وقوع التعارض فیکون معناه أنّ مورد الجمع العرفی لایجتمع مع مورد التعارض، و إن کان راجعاً إلی قوله «لابدّ من ملاحظة مرجحات باب المزاحمة» فیکون مورد الجمع العرفی داخلاً فی التعارض و الوجه الأوّل هو الصحیح.
3- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص406.

کأن یکون أحدهما أظهر من الآخر أو نحو ذلک، لا بملاحظة مرجّحات باب المزاحمة، لوضوح الفرق بین البابین و أنّ أحدهما أجنبی عن الآخر بالکلّیة، ضرورة أنّ مرجّحات باب المزاحمة توجب انتفاء الحکم بانتفاء موضوعه و هو القدرة و لاتوجب التصرف بالحمل علی الاقتضاء أو نحوه کما هو ظاهر.

الإیراد السابع:

((1))

[و الإیراد یتوجه إلی استدراک صاحب الکفایة (قدس سره) ذیل الصورة الأُولی].

إنّ هذا الحمل (أی حمل الأمر و النهی علی بیان المقتضی فی متعلّقه) خارج عن الفهم العرفی و لایساعد علیه العرف أبداً.

الإیراد الثامن:

((2))

[و الإیراد یتوجه إلی استدراک صاحب الکفایة ذیل الصورة الأُولی].

إنّ هذا الحمل لایجدی فی دفع المحذور اللازم من اجتماع الأمر و النهی فی شیء واحد و ذلک لأنّ اجتماع المصلحة و المفسدة فی شیء واحد فی نفسه و إن کان لا مانع منه، إلّا أنّ ذلک لایمکن من جهة تأثیر المصلحة فی محبوبیته و تأثیر المفسدة فی مبغوضیته، لاستحالة أن یکون شیء واحد محبوباً و مبغوضاً.

نتیجة البحث: أنّ مسألة الاجتماع بناء علی القول بالجواز مع عدم المندوحة من صغریات التزاحم و أمّا مع وجودها فلیس صغری للتعارض و لا للتزاحم (بل هی بهذا الوجه تکون مسألة أُصولیة) و أمّا بناء علی القول بالامتناع فمسألة الاجتماع من صغریات التعارض.

ص: 217


1- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص406.
2- نفس المصدر.

الأمر التاسع: إحراز وجود الملاک فی الحکمین

بیان المحقّق الخراسانی (قدس سره):
اشارة

((1))

قال صاحب الکفایة (قدس سره) أوّلاً: إنّ المعتبر فی هذا الباب و هو باب اجتماع الأمر و النهی أن یکون کلّ واحد من الطبیعة المأمور بها و المنهی عنها، مشتملة علی مناط الحکم مطلقاً حتّی فی حال الاجتماع.

ثم قال (قدس سره): إن کان دلیل خارجی مثل قیام إجماع أو نحوه یدلّ علی وجود الملاک فی کلا الحکمین فالمسألة داخلة فی باب اجتماع الأمر و النهی.

و إن لم یکن دلیل خارجی علیه بل لم یکن إلّا إطلاق دلیلی الحکمین فهنا تفصیل:

الصورة الأُولی: أن یکون الإطلاق فی مقام بیان الحکم الاقتضائی فهذا الإطلاق دلیل علی ثبوت المقتضی و المناط فی مورد الاجتماع فیکون من باب الاجتماع.

الصورة الثانیة: أن یکون الإطلاق فی مقام بیان الحکم الفعلی.

فإن قلنا بالجواز فالإطلاق حینئذ یکون دلیلاً و قرینة علی استکشاف ثبوت المقتضی فی الحکمین بالنسبة إلی المجمع فیکون البحث من باب اجتماع الأمر و النهی إلّا إذا علم من الخارج بکذب أحد الدلیلین و عدم جعله فحینئذ یعامَلان معاملة المتعارضین فلابدّ من الرجوع إلی قواعد باب التعارض.

و إن قلنا بالامتناع فالإطلاق لایکون دلیلاً علی ثبوت المقتضی فی الحکمین فیقع التعارض.

ص: 218


1- کفایة الأصول، ص155.

و بیان ذلک هو أنّ الإطلاقین متنافیان، من غیر دلالة علی ثبوت المقتضی للحکمین فی مورد الاجتماع أصلاً، فإنّ انتفاء أحد المتنافیین کما یمکن أن یکون لأجل المانع مع ثبوت المقتضی له، یمکن أن یکون لأجل انتفاء المقتضی.

ثم استثنی من ذلک ما یمکن به رفع التعارض بأن یقال: إنّ الإطلاقین (علی القول بامتناع الاجتماع) یحملان علی الحکم الاقتضائی فهما یدلان علی ثبوت المقتضی و المناط فی کلا الحکمین فیکون من باب الاجتماع؛ هذا فی ما إذا لم یکن أحدهما أظهر. و إن کان أحدهما أظهر من الآخر فیحمل ما هو الظاهر علی الحکم الاقتضائی و الأظهر یبقی علی الفعلیة.

مناقشات أربع فی هذا البیان:
المناقشة الأُولی:

((1))

و هی ما تقدّم فی الأمر الثامن من أنّ مسألة الاجتماع لاترتکز علی وجهة نظر مذهب دون آخر فلابدّ من ملاحظة قول من لایری تبعیة الأحکام للمصالح و المفاسد کالأشعری.

المناقشة الثانیة:

و هی ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) و تبعه المحقّق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله) ((2)):

ص: 219


1- المحاضرات، ط.ج. ج3، ص409.
2- أجود التقریرات، ج2، ص147؛ المحاضرات، ط.ج. ج3، ص410؛ تحقیق الأصول، ج4، ص47. ففی الأول: «أنّ المحقّق المزبور ذکر فی الأمر الثامن و التاسع من الأمور التی قدّمها علی بیان مختاره فی بحث اجتماع الأمر و النهی أنّ دلیلی الحکمین فی مورد الإجتماع قد یدلّان علی الحکم الفعلی و قد یدلّان علی الحکم الإقتضائی و ذکر أیضا ... و لایخفی ما فی کلا الأمرین المذکورین فی کلامه أمّا الأوّل فلما عرفته فی بعض المباحث السابقة من أنّ الحکم قبل وجود موضوعه خارجاً یکون إنشائیاً ثابتاً لموضوعه المقدر وجوده و بعد وجود موضوعه یستحیل أن لایکون فعلیاً فکون الحکم فی محل الإجتماع فعلیاً مرّةً و إقتضائیاً مرّةً أخری غیر معقول و أمّا الثانی فلما سیجی ء فی محله ... و بالجملة ما ذکره (قده) فی الأمر الثامن و التاسع من مبحث الإجتماع الأمر و النهی مما لا محصّل له». و فی الثانی: « و أمّا الخطّ الثانی: فیقع الکلام فیه من ناحیتین: الأولی: فی بیان مراده (قدّس سره) من الحکم الفعلی الثانیة: فی بیان مراده من الحکم الإقتضائی. أمّا الناحیة الأولی: فإن أراد (قدّس سرّه) من الحکم الفعلی الحکم الذی بلغ إلی مرتبة البعث أو الزجر فقد ذکرنا غیر مرّةٍ أنّ بلوغ الحکم إلی تلک المرتبة یتوقف علی وجود موضوعه بجمیع شرائطه و قیوده فی الخارج، ضرورة استحالة فعلیة الحکم بدون فعلیة موضوعه کذلک، فما لم یتحقق موضوعه خارجا یستحیل أن یکون الحکم فعلیا، فتتبّع فعلیة الحکم فعلیة موضوعه حدوثاً و بقاءً ... و السر فیه هو أنّ الأحکام الشرعیة مجعولةٌ علی نحو القضایا الحقیقیة، أعنی للموضوعات المقدر وجودها فی الخارج، ولایتوقف جعلها علی وجودها فیه أبداً، ضرورة أنّه یصحّ جعلها لها من دون أن یتوقف علی وجود شی ءٍ منها فی الخارج ... و من ذلک قد ظهر أنّ فعلیة الحکم خارجة عن مفاد الدلیل و أجنبیة عنه رأساً و تابعة لفعلیة موضوعه، ضرورة أنّ مفاد الدلیل هو ثبوت الحکم علی نحو القضیة الحقیقیة، و لایدل علی أزید من ذلک، فلا نظر له إلی فعلیته بفعلیة موضوعه أبداً، لوضوح أنّ کل قضیة حقیقیة غیر ناظرة إلی وجود موضوعها فی الخارج و تحقّقه فیه، بل مفادها ثبوت الحکم علی تقدیر وجود موضوعها فیه من دون تعرض لحاله وجوداً و عدماً و علیه فلا معنی لما أفاده (قدس سره) من أنّ إطلاق کل من الدلیلین قد یکون لبیان الحکم الفعلی، و ذلک لما عرفت من أنّ فعلیة الحکم تابعة لفعلیة موضوعه فی الخارج و أجنبیة عن مفاد الدلیل بالکلیة، فلایکون الدلیل متکفّلاً لفعلیته أبداً. وإن أراد منه الحکم الإنشائی و هو الحکم المبرز فی الخارج بمبرز ما ... فیرد علیه ... و أمّا الناحیة الثانیة: فلانعقل للحکم الإقتضائی معنی محصّلاً ما عدا کون الفعل مشتملاً علی مصلحة أو مفسدة، و یکون إطلاق کلٍّ من دلیلی الأمر والنهی فی مقام بیان ذلک، و إرشاد إلی أنّ فیه جهة تقتضی وجوبه وجهة تقتضی حرمته، و هذا هو مراده (قدّس سرّه) من الحکم الإقتضائی. و لکن یرد علیه أوّلاً» إلخ. و فی الثالث: «فأشکل علیه المیرزا بأنّ کون الحکم فی محل الإجتماع فعلیاً تارةً و إقتضائیاً أخری، غیر معقول، لأنّ الحکم قبل وجود موضوعه خارجاً یکون إنشائیا ثابتا لموضوعه المقدر الوجود، و بعد وجود موضوعه یستحیل أن لایکون فعلیاً. و تبعه المحقق الخوئی و شیخنا الأستاذ فی هذا الإشکال و حاصل الکلام هو: إنّ بلوغ الحکم إلی مرتبة الفعلیة- و هی المرتبة الثالثة بناء علی نظریة المحقّق الخراسانی- یتوقّف علی وجود موضوعه خارجاً بجمیع قیوده و شروطه، و علیه، فلایلازم أن یکون فعلیاً حین الجعل و الإنشاء الحقیقیة لما تقرّر من أنّ الأحکام الشرعیة مجعولةٌ علی نحو القضایا الحقیقیة ... فما فی الکفایة من أنّ إطلاق کلّ من الدلیلین قد یکون لبیان الحکم الفعلی، غیر صحیح هذا بالنسبة إلی الدلالة علی الحکم الفعلی. و أمّا بالنسبة إلی دلالة الدلیل علی الحکم الإقتضائی، ففیه: إنّ الحکم الإقتضائی غیر معقول، لأنّ الحکم- سواء کان مجعولا اعتباریاً من الحاکم کما هو التحقیق، أو کان الإرادة أو الکراهة المبرزة- لایمکن أن یتکفل الملاک فی هذه المرتبة، لأنّ مرتبة الإقتضاء هی مبدأ الحکم، و مبدأ الشی ء لیس من مراتبه، إلّا فی الأمور التکوینیة النّار- مثلاً- مبدأ للحرارة و هی موجودة بوجود النار و السبب فی ذلک: أنّ تأثیر الملاک و کون الحکم تابعا له هو بمعنی أنّ الصورة العلمیة للملاک تکون علة فاعلیة للحکم، فالحاکم عند ما یری أنّ لهذا الفعل مصلحة لزومیة، فالصورة العلمیة لها تصیر علة للحکم فینشئ الحکم علی طبقها، لا أنّ الحکم یترشّح من الملاک حتی یکون من قبیل المقتضی و المقتضی لیقال بوجود المقتضی مع المقتضی فی مرتبته هذا هو الإشکال الثبوتی. و أمّا إثباتا، فلأنّه لا دلیل علی کون صلّ و لاتغصب فی مقام بیان الملاک، حتی یؤخذ بإطلاق الدلیل. نعم الدلیل الدال علی الحکم الفعلی یکشف إنبا- علی مسلک العدلیة- عن وجود الملاک فتلخّص عدم تمامیة کلام الکفایة فی کلا طرفیه».

ص: 220

إنّ الحکم قبل وجود موضوعه خارجاً یکون إنشائیاً ثابتاً لموضوعه المقدّر وجوده و بعد وجود موضوعه یستحیل أن لایکون فعلیاً، فکون الحکم فی محل الاجتماع فعلیاً مرّة و اقتضائیاً مرّة أُخری غیر معقول.

توضیح ذلک: إنّ فعلیة الحکم بفعلیة موضوعه و السّر فی ذلک هو أنّ الأحکام الشرعیة مجعولة بنحو القضایا الحقیقیة أعنی للموضوعات المقدّر وجودها فی الخارج و لایتوقف جعلها علی وجود الموضوع فی الخارج و لکن فعلیتها تتوقف علی فعلیة موضوعاتها فعلی هذا فعلیة الحکم خارجة عن مفاد

ص: 221

الدلیل بل تابعة لفعلیة موضوعه فما أفاده المحقّق الخراسانی (قدس سره) من أنّ إطلاق الدلیل قد یکون لبیان الحکم الفعلی ممّا لایمکن الالتزام به.((1))

ص: 222


1- ذکر فی تفسیر الحکم الإقتضائی و الفعلی الوارد فی کلام صاحب الکفایة تفسیران: التفسیر الأول: ما عرفت فی المناقشة الثانیة و هو أنّ المراد من الحکم الإقتضائی و الفعلی مرتبتان من المراتب الأربع للحکم ذکر هذا التفسیر المحقق النائینی و المحقق الخوئی و بعض الأساطین دام ظله و فسّر بهذا المعنی أیضاً المحقق المشکینی حیث قال فی کفایة الأصول مع حواشی مشکینی، ج 2، ص121فی التعلیقة علی قوله: «التاسع أنّه قد عرفت»: «... نقول: إنّ الدلیلین إمّا أن یکونا متعرّضین للحکم الإقتضائی، بأن یدلّ أحدهما علی وجود مصلحة، و الآخر علی وجود مفسدة، أو یکونا متعرّضین للحکم الفعلی أو مختلفین» إلخ. و فسّر بهذا المعنی أیضا المحقق الفیروز آبادی راجع عنایة الأصول، ج 2، ص32. التفسیر الثانی: الحکم الإقتضائی هو الحکم المترتب علی الموضوع بطبعه مع قطع النظر عن العوارض و الحکم الفعلی هو الحکم المترتب علی الموضوع مع ملاحظة العوارض. و لعلّ الصواب هو هذا التفسیر و لإیضاح الأمر نذکر کلامین لصاحب الکفایة: کلامه هنا و کلامه فی بحث لاضرر. ففی کفایة الأصول، ص155: «أنّ الإطلاق لو کان فی بیان الحکم الإقتضائی لکان دلیلًا علی ثبوت المقتضی و المناط فی مورد الإجتماع فیکون من هذا الباب و لو کان بصدد الحکم الفعلی فلا إشکال فی استکشاف ثبوت المقتضی فی الحکمین علی القول بالجواز إلّا إذا علم إجمالًا بکذب أحد الدلیلین فیعامل معهما معاملة المتعارضین و أمّا علی القول بالإمتناع فالإطلاقان متنافیان من غیر دلالةٍ علی ثبوت المقتضی للحکمین فی مورد الإجتماع أصلاً فإنّ انتفاء أحد المتنافیین کما یمکن أن یکون لأجل المانع مع ثبوت المقتضی له یمکن أن یکون لأجل انتفائه إلّا أن یقال: إنّ قضیة التوفیق بینهما هو حمل کل منهما علی الحکم الإقتضائی لو لم یکن أحدهما أظهر و إلّا فخصوص الظاهر منهما». و فی کفایة الأصول، ص382: «و من هنا لایلاحظ النسبة بین أدلة نفیه و أدلة الأحکام و تقدم أدلته علی أدلتها مع أنّها عموم من وجه حیث إنّه یوفق بینهما عرفاً بأنّ الثابت للعناوین الأوّلیة إقتضائی یمنع عنه فعلا ما عرض علیها من عنوان الضرر بأدلته کما هو الحال فی التوفیق بین سائر الأدلة المثبتة أو النافیة لحکم الأفعال بعناوینها الثانویة و الأدلة المتکفّلة لحکمها بعناوینها الأولیة نعم ربما یعکس الأمر فیما أحرز بوجه معتبر أنّ الحکم فی المورد لیس بنحو الإقتضاء بل بنحو العلیة التامة. و بالجملة الحکم الثابت بعنوان أولی تارةً یکون بنحو الفعلیة مطلقا أو بالإضافة إلی عارض دون عارض بدلالة لایجوز الإغماض عنها بسبب دلیل حکم العارض المخالف له فیقدم دلیل ذاک العنوان علی دلیله و أخری یکون علی نحو لو کانت هناک دلالة للزم الإغماض عنها بسببه عرفاً حیث کان اجتماعهما قرینة علی أنّه بمجرد المقتضی و أنّ العارض مانع فعلی». و ذکر هذا التفسیر السید المحقق الإصفهانی و المحقق البروجردی: قال الأوّل فی وسیلة الوصول إلی حقائق الأصول، ج 1، ص295: «التاسع: فی أنّه لایخفی أنّ الحکم قد یکون إقتضائیاً و قد یکون فعلیاً. و المراد بالحکم الإقتضائی فی المقام ما جعل للشی ء فی حدّ نفسه مع قطع النظر عن الطواری ء و العوارض و صار المولی بصدد تحصیله و المراد بالحکم الفعلی ما جعل للشی ء بملاحظة جمیع الطواری ء و العوارض و صار المولی أیضا بصدد تحصیله و بلغه إلی العباد، بخلاف مقام الجمع بین الحکم الظاهری و الواقعی حیث یقولون: إنّ الحکم الواقعی اقتضائی و الحکم الظاهری فعلی، فإنّ المراد من الإقتضاء فی ذلک المقام هو کون الشی ء ذا مصلحة موجبة لجعل الحکم علی طبقها و تحصیله من العباد لولا الموانع، و لکن من جهة الموانع ما حصله و ما بلغه الی العباد و المراد بالفعلی ما حصله منهم و بلغه إلیهم، فالإقتضائیة و الفعلیة فی هذا المقام غیر الإقتضائیة و الفعلیة فی ذلک المقام». و قال الثانی فی الحاشیة علی کفایة الأصول، ج 1، ص359: «و إجماله أنّه لایخلو إمّا أن یکون إطلاقه فی مقام بیان الحکم الإقتضائی، بمعنی کونه دلیلا علی ثبوت الحکمین بما هو هو و مع قطع النظر عن طروء الطواری، و إمّا أن یکون فی مقام بیان الحکم الفعلی، بمعنی کونه دلیلا علی ثبوت الحکمین مطلقا و لو فی مورد الإجتماع و طروّ الطواری».
المناقشة الثالثة:

((1))

إنّ ما أفاده من أنّ الإطلاق قد یکون لبیان الحکم الاقتضائی یستلزم حمل الأمر و النهی علی الإخبار عن وجود المصلحة فی الفعل و المفسدة فیه بأن یقال: إنّ المولی فی مقام بیان الإخبار عن المقتضی و هذا مخدوش لأنّ الإخبار عن المصالح و المفاسد خارج عن وظیفة الشارع فإنّ وظیفة الشارع (و ما هو بصدد بیانه) بیان الأحکام الشرعیة (و الحکم الاقتضائی لیس حکماً شرعیاً).

ص: 223


1- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص412.

مضافاً إلی أنّ الحمل المذکور خارج عن المتفاهم العرفی و بعید عنه بل غیر واقع فی الشریعة المقدسة.

المناقشة الرابعة:

((1))

إن قلنا: إنّ حمل الأمر و النهی علی الحکم الاقتضائی ممکن لعدم المانع من اجتماع المصلحة و المفسدة فی شیء واحد فی نفسه و لکنه لایمکن تأثیرهما فی المحبوبیة و المبغوضیة معاً بداهة استحالة أن یکون شیء واحد محبوباً و مبغوضاً فی آن واحد قد تقدّم أنّ الشیء الواحد یمکن أن یکون محبوباً من جهة و مبغوضاً من جهة أُخری.

کما أنّه لایمکن امتثالهما فی الخارج و من المعلوم أنّ جعل هذا الحکم لغو و صدور اللغو عن الشارع الحکیم مستحیل.

فإذن لایمکن أن یکون الإطلاقان کاشفین عن وجود مصلحة فیه کذلک و مفسدة، فعلی هذا لامحالة تقع المعارضة بینهما لکذب أحدهما فی الواقع علی الفرض و عدم إمکان صدق کلیهما معاً فیرجع عندئذ إلی قواعد باب التعارض.((2))

ص: 224


1- المحاضرات، ط.ج. ج3، ص413.
2- تحقیق المحقق الإصفهانی فی هذا البحث: إنّ المحقق الإصفهانی ذکر فی نهایة الدرایة، ج 2، ص299 فی التعلیقة علی قوله: «إنّ الإطلاق لو کان فی بیان الحکم الإقتضائی» (و فی ج 2، ص303 فی التعلیقة علی قوله: «إلّا أن یقال: ... قضیة التوفیق عرفاً») و فی ج 4، ص454 فی التعلیقة علی قوله: «حیث إنّه یوفّق بینهما عرفاً بأنّ الثابت للعناوین» تحقیقَه بالنسبة إلی کلام المحقق الخراسانی و نذکره بعد الجمع بین کلامه و الترتیب فنقول: المراد من الحکم الإقتضائی فی قبال الحکم الفعلی: «إنّ الحکم الحقیقی المرتب علی موضوع خالٍ عن المانع حکم فعلی، و مع عروض المانع حکم إقتضائی ملاکی». المراد من الحکم الإقتضائی أحد الأمرین: الأمر الأول: الحکم الإقتضائی الثبوتی قال: «إنّ المراد من الحکم الإقتضائی تارةً هو الإقتضائی الثبوتی ... و یقابله ثبوته [أی الحکم] بالفعل بثبوت مختصّ به فی نظام الوجود». وجهان لتصور ثبوت الحکم بنحو الشأنیة و الإقتضاء: الوجه الأول: «ثبوت المقتضَی بتبع ثبوت المقتضِی بثبوت عرضی، بمعنی أنّ الثبوت ینسب أوّلاً و بالذّات إلی الملاک و المقتضِی، و ثانیاً و بالعرض إلی مقتضاه» ذکر المحقق الإصفهانی فی موضعٍ هذا الوجه وحده. الوجه الثانی: ثبوت المقبول بثبوت القابل. الفرق بین الوجهین: «هو أنّ ثبوت المقتضی فی مرتبة ذات المقتضی أقوی من ثبوته الخاص به فی نظام الوجود، بخلاف ثبوت المقبول، فإنّ ثبوته الخاص به أقوی من ثبوته فی مرتبة ذات القابل». الإیراد علی الوجه الأول: «إنّ الحکم بالإضافة إلی ملاکه لیس کالمقتضی بالإضافة إلی سببه و مقتضیه، فإنّ السبب الفاعلی للحکم هو الحاکم، و الملاک هی الغایة الداعیة» و بعبارةٍ أخری «لیس المقتضی بمعنی السبب الفاعلی للحکم إلّا الحاکم، و المصلحة علة غائیة، و لیس ذو الغایة و ما ینبعث عنها فی مرتبة ذات الغایة و مترشّحاً عنها، لیکون ثبوته بثبوتها». الإیراد علی الوجه الثانی: «إنّ المصلحة لیست کالمادة القابلة للحکم حتی یکون الحکم ثابتا بثبوتها، بنحو ثبوت المقبول بثبوت القابل» و بعبارةٍ أخری إنّ الحکم بالإضافة إلی ملاکه «لیس کالمقبول بالنسبة إلی القابل، فإنّ المصلحة لاتترقّی بحسب الإستکمال إلی أن تتصوّر بصورة الحکم- کالنطفة بالإضافة إلی الإنسان- سواء لُوحِظت المصلحة بوجودها العلمی، أو بوجودها العینی، بل بوجودها الخارجی یسقط الحکم، فکیف تتصور بصورة الحکم؟». تقریبٌ آخر للوجه الأول: «غایة ما یتصور فی تقریب ثبوت الحکم بثبوت المقتضِی بمعنی الغایة الداعیة أن یقال: بأنّ الفعل- بلحاظ کونه بحیث یترتّب علیه الفائدة المترقبة منه- مستعدٌّ باستعدادٍ ماهوی للتأثیر فی نفس الحاکم و انبعاث الوجوب منه بلحاظ تلک الفائدة القائمة به قیاما ماهویا، فمع عدم المانع یکون الوجوب فعلیا، و مع المانع یکون شأنیاً- أی بحیث لولاه لکان موجودا بالفعل- و هو وجوب شأنی ملاکی فی قبال ما لا ملاک له أصلا». و بعبارة أخری: «المصلحة- لمکان ترتّبها علی الفعل- إذا وجد فی الخارج لها فی مرتبة تقررها الماهوی استعداد ماهوی للدعوة إلی الحکم، بحیث لو لم یکن هناک مانعٌ لأثر وجودها العلمی فی إیجاد الحکم، فالإیجاب مثلاً له شأنیة الوجود، و الفعل واجب شأنی». الإیراد علی هذا التقریب: ذکر المحقق الإصفهانی بعد العبارة الأولی: «لکنّه لیس مع ذلک ثبوتا حقیقیا لشی ء بالذات حتی یکون للوجوب بالعرض» و بعد العبارة الثانیة: «لکنّه لیس هناک ثبوت لشی ء بالذات حتی یکون ثبوتا بالعرض للحکم، فلا ثبوت للحکم بأی معنی کان». مناقشتان فی الأمر الأول: المناقشة الأولی: نتیجة الإیراد المذکور علی الوجه الأول و الثانی «أنّ الإقتضائی بالمعنی الأوّل بالدقة لا معنی له». المناقشة الثانیة: «مضافاً إلی أنّ الکلام فی الإنشاء الموجود الذی یتکفّله الدلیل، فلا ربط له بالثبوت العرضی». الأمر الثانی: الحکم الإقتضائی الإثباتی قال: «و أعنی به الحکم المرتب علی الموضوع بطبعه، من دون نظرٍ إلی عوارضه، من کونه ضرریا أو حرجیا أو غیر ذلک فمع عدم ذلک العارض یکون فعلیا، و مع وجوده یکون إقتضائیا، لقیام الدلیل علی ثبوته لنفس ذات الموضوع، فله اقتضاء ثبوته، و مع عدم المانع یکون فعلیا». وجوه ثلاثة للحکم الإقتضائی الإثباتی: قال: «أما الحکم الإنشائی، فلابدّ أن یکون بداعٍ من الدواعی؛ لأنّه بلا داع محالٌ» و فی موضع آخر: «الإنشاء المزبور لامحالة منبعثٌ عن داع من الدواعی، فإنّه بدونه غیر معقول، فیدور الأمر بین أحد إمور». الوجه الأول: الإنشاء المنبعث عن داعی الإرشاد إلی بیان الملاک و المقتضی إیرادان علی الوجه الأول: الإیراد الأول: «الإنشاء بداعی بیان الملاک إرشاد، لا دخل له بحقیقة الحکم» و قال فی موضع آخر: «أمّا الإنشاء بداعی بیان الملاک و إظهار المقتضی، فهو فی الحقیقة إرشاد، لا حکم مولوی یجوز اجتماعه مع غیره، أو لایجوز، کما هو محل الکلام» فالحمل علی هذا الوجه خلافُ الظاهر جدّاً. الإیراد الثانی: «لایمکن حمل التکالیف الشاملة لصورة الضرر علی الإرشاد، إذ لایختلف مفادها بالإضافة إلی مورد الضرر و غیره». الوجه الثانی: الإنشاء المنبعث عن داعی جعل الداعی بالإضافة إلی ذات الموضوع، مع قطع النظر عن العوارض. و هذا الإنشاء «من البعث المولوی الفعلی ما لم یعرض عارض و ربما یعبّر عنه بالحکم الطبیعی الذاتی، کما یصح التعبیر عنه بالإقتضائی بلحاظ وجود المقتضی له إثباتا بالنسبة إلی ذات الموضوع». مقرِّب للوجه الثانی: إنّ الحکم الإقتضائی الإثباتی فی الوجه الثانی و هو الحکم علی الموضوع بذاته و بطبعه «یساعده التوفیق العرفی بین الدلیلین اللذین لو خُلِّیا و طبعهما لکان کلٌّ منهما دالّاً علی ثبوت الحکم له مطلقا». الإیراد علی الوجه الثانی: «إنّه لایفید هنا؛ حیث لایدل علی ثبوت المقتضی حتی مع عروض عارض من العوارض» و بعبارةٍ أخری: «لیس [هذا الإنشاء] من الحکم الإقتضائی المفید هنا؛ حیث إنّه لمّا کان مهملا من حیث العوارض فلا دلالة له علی ثبوت الملاک فی جمیع أفراد الموضوع لاحتمال دخل عدم العارض فی ثبوت الملاک و المقتضی.» و بعبارة أخری: «إنّ الإنشاء بداعی البعث بالإضافة إلی الموضوع بذاته و بطبعه معناه الإلتزام بعدم الإطلاق و لا کاشف حینئذ عن ثبوت الملاک حتی فی مورد الضرر، سواءٌ قلنا بأنّ أدلة الأحکام بنفسها ظاهرةٌ فی الإقتضائیة بهذا المعنی، أو کان ذلک مقتضی الجمع بینها و بین القاعدة و أشباهها». الوجه الثالث: الإنشاء المنبعث عن داعی جعل الداعی إقتضاءً و معناه «أنّ الحکم إذا کان له ملاک فی جمیع موارد ثبوت الموضوع، فللبعث مقتضِی الثبوت، بمعنی الغایة الداعیة، فالإنشاء لبیان هذا البعث الحقیقی سِنخُ وجودِه نظیر وجود المقتضَی بوجود المقتضِی، فکما یمکن الإنشاء بداعی جعل الداعی فعلاً حیث لا مانع منه کذلک یمکن الإنشاء بداعی جعل الداعی إقتضاءً، بحیث لو لم یکن هناک مانع لکان هذا الإنشاء بنفسه مصداقاً لجعل الداعی بالفعل، و مع وجوده إقتضائی». و بعبارةٍ أخری: «الإنشاء المزبور إظهارٌ للمقتضَی الثابت بثبوت مقتضِیه علی الإطلاق، فهو بعث إقتضائی حتی فی صورة وجود المانع، و مع عدمه یکون فعلیا، فهو حکم مولوی إقتضائی فی حد ذاته، و یصحح الفعلیة البعثیة عند عدم المانع، و هذا المعنی لو کان مطلقا لکان مفیداً لثبوت الملاک حتی فی صورة الإجتماع». مقرِّب للوجه الثالث: لایرد إیراد الوجه الثانی علی الوجه الثالث «فإنّه حیث إنّه إنشاءٌ بداعی جعل الداعی فالمولویة محفوظة، و حیث إنّه جعل الداعی إقتضاءً فلاینافی الإطلاق لصورة الضرر». إیرادان علی الوجه الثالث: الإیراد الأول: «هو أیضا ... خلاف الظاهر من وجه حیث إنّ الظاهر من الإنشاء کونه بداعی جعل الداعی الفعلی، لا جعل الداعی الإقتضائی». الإیراد الثانی: «لا معنی لجعله مقتضی الجمع و التوفیق عرفا».

ص: 225

ص: 226

ص: 227

ص: 228

الأمر العاشر: ثمرة البحث

بیان صاحب الکفایة (قدس سره):
اشارة

هناک وجوه أربعة:

الوجه الأوّل: أن یقال بجواز اجتماع الأمر و النهی و لا إشکال حینئذ فی سقوط الأمر و حصول الامتثال بإتیان المجمع بداعی الأمر علی القول بالجواز مطلقاً و لو فی العبادات و إن کان معصیة أیضاً للنهی.

الوجه الثانی: أن یقال بالامتناع مع ترجیح جانب الأمر و حینئذ أیضاً یسقط الأمر بإتیان المجمع و یحصل الامتثال مع أنّه لا معصیة علیه.

الوجه الثالث: أن یقال بالامتناع مع ترجیح جانب النهی فی التوصّلیات و هنا یسقط الأمر بإتیان المجمع لحصول الغرض الموجب للأمر فإنّ الغرض علّة للأمر حدوثاً و بقاءً.

الوجه الرابع: أن یقال بالامتناع مع ترجیح جانب النهی فی العبادات و هنا ثلاث صور:

الصورة الأُولی: مورد الالتفات إلی الحرمة.

و هنا لایسقط الأمر بإتیان المجمع لأنّه منهی عنه و لا أمر به و مع الالتفات إلی الحرمة لایمکن حصول قصد القربة.

الصورة الثانیة: مورد عدم الالتفات إلی الحرمة مع الجهل التقصیری.

و هنا أیضاً لایسقط الأمر بإتیان مورد الاجتماع، فإنّ المکلّف -حین عدم الالتفات إلی الحرمة- و إن کان متمکّناً من قصد القربة و قد قصدها، إلّا أنّه مع

ص: 229

التقصیر لایصلح لأن یتقرّب به أصلاً، فلایقع مقرّباً و بدون قصد القربة لایکاد یحصل به الغرض الموجب للأمر به عبادة.

الصورة الثالثة: مورد عدم الالتفات إلی الحرمة مع الجهل القصوری.

و حینئذ یسقط الأمر بإتیان المجمع و مورد الاجتماع بقصد القربة، لقصد التقرّب بما یصلح أن یتقرّب به لاشتماله علی المصلحة مع صدوره حسناً لأجل الجهل بحرمته قصوراً فیحصل به الغرض من الأمر فیسقط به الغرض قطعاً.

أمّا کونه امتثالاً فإن قلنا بتبیعة الأحکام لما هو المؤثر منها فعلاً فی الحسن و القبح مع أنّ الحسن و القبح تابعان لما علم من المصالح و المفاسد (فالنتیجة أنّ الأحکام تابعة للمصالح و المفاسد المعلومة) و حیث إنّ النهی هنا غیر معلوم لعدم الالتفات إلیه فلایکون فعلیاً فتکون الصلاة علی هذا المبنی واجبة شرعاً و لذا یعدّ إتیان المجمع امتثالاً.

و أمّا إن قلنا بتبعیة الأحکام لما هو الأقوی من جهات المصالح و المفاسد واقعاً فقد قال صاحب الکفایة (قدس سره) أوّلاً بعدم کونه امتثالاً لفعلیة النهی و عدم کون المجمع متعلّقاً للأمر ثم استدرک عنه بإمکان القول بحصول الامتثال لأنّ العقل لایری تفاوتاً بین المجمع (و هو الفرد المبتلی بالمزاحم) و بین سائر الأفراد فی الوفاء بغرض الطبیعة المأمور بها و إن لم تَعُمّ الطبیعة بما هی مأمور بها هذا الفردَ الذی هو مورد للاجتماع، لکن عدم شمول الطبیعة المأمور بها للمجمع لیس لعدم المقتضی بل لوجود المانع فإنّ جمیع أفراد الطبیعة متساوٍ بالنسبة إلی المقتضی فکلّها وافٍ بالغرض و لکن المانع و هو التزاحم کان موجباً لعدم شمول الطبیعة المأمور بها لهذا الفرد الذی هو مورد اجتماع الأمر و النهی.

و من هنا انقدح أنّ الإتیان بالمجمع یجزی و لو قیل باعتبار قصد الامتثال فی

ص: 230

صحّة العبادة و عدم کفایة الإتیان بمجرد المحبوبیة لأنّ الجاهل القاصر یقصد امتثال الأمر بالطبیعة و إن کانت الطبیعة مع اعتبار کونها مأموراً بها لایشمل هذا الفرد (أی المجمع) و لکن قصد امتثال الأمر بالطبیعة حاصل فی الجاهل المقصر.

أمّا عدم شمول الطبیعة المأموربها للفرد الذی هو مورد الاجتماع فمبنی علی القول بتزاحم الملاکات فی مقام تأثیرها فی الأحکام الواقعیة (فی مقام الإنشاء) فحیث إنّ جهة الحرمة هی الأقوی من جهة الوجوب فی الواقع تکون هی المؤثرة فی الأحکام الواقعیة فلایکون المجمع واجباً.

وأمّا علی القول بتزاحم الملاکات فی مقام فعلیة الأحکام و عدم تزاحمها فی مقام الإنشاء فإنّ التزاحم علی هذا القول هو بین الجهات الواصلة فی مقام الفعلیة فالوجوب بما أنّه واصل إلی المکلّف یکون فعلیاً دون الحرمة، فلا أثر للملاک الواقعی و لا تأثیر له فی الحکم الشرعی و إن کان أقوی من ملاک الوجوب فالمجمع مصداق للطبیعة المأمور بها و لا حرمة فی مورد الاجتماع.

فالطبیعة المأموربها بهذا الوصف یشمل المجمع و مورد اجتماع الأمر و النهی.

و قد انقدح بذلک الفرق بین باب الاجتماع و باب التعارض:

فإنّه علی القول بالتعارض بین دلیل الوجوب و الحرمة و تقدیم دلیل الحرمة تخییراً أو ترجیحاً لا مجال للصحّة لأنّ التعارض تکاذب الدلیلین و مع ترجیح النهی یکون دلیل الأمر کاذباً فلایکون مشتملاً علی المصلحة و الملاک حتّی یکون الإتیان بالمجمع وفاء بالغرض، فلایبقی وجه للصحّة.

أمّا علی القول بالاجتماع فیکون المجمع واجداً للملاک و المصلحة و صالحاً لأن یتقرب به إلی الله تعالی و إن قلنا بالامتناع مع ترجیح جانب النهی و الحرمة،

ص: 231

فحینئذ إن کان المکلّف جاهلاً قاصراً أو کان ناسیاً فیقع المجمع صحیحاً و هذا وجه حکم الأصحاب بصحّة الصلاة فی الدار المغصوبة مع النسیان أو الجهل بالموضوع أو الحکم إذا کان عن قصور مع أنّ أکثر الأصحاب لولا الکلّ قائلون بالامتناع و تقدیم الحرمة و یحکمون بالبطلان فی غیر موارد العذر.

مناقشات المحقّق الخوئی (قدس سره) فی بیان صاحب الکفایة (قدس سره):
المناقشة الأُولی:
اشارة

((1))

ما أفاده (قدس سره) فی الوجه الأوّل من صحّة العبادة علی القول بالجواز مطلقاً لایمکن المساعدة علیه بإطلاقه و ذلک لما تقدّم من أنّ المسألة علی هذا القول تدخل فی کبری باب التزاحم مطلقاً علی وجهة نظر شیخنا الأُستاذ (قدس سره) و فی ما إذا لم تکن مندوحة فی البین علی وجهة نظرنا؛ فلابدّ من الرجوع إلی قواعد باب التزاحم و مرجحاته فإن کان الوجوب أهمّ من الحرمة أو محتمل الأهمیة فیقدّم علیها، فتصحّ العبادة و هکذا إذا کان الوجوب مساویاً لها و لکن أخذنا بجانب الوجوب دون الحرمة.

و إن کانت الحرمة أهمّ من الوجوب أو محتمل الأهمّیة فتقدّم علی الوجوب و حینئذ صحّة العبادة متوقفة علی الالتزام بأحد الأمرین: الأوّل: الترتب و الثانی: اشتمال المجمع فی هذا الحال علی الملاک.

أمّا الاوّل - و هو الترتب- فقد أنکره صاحب الکفایة (قدس سره) (فلایمکن تصویر الأمر الترتبی علی مسلکه).

ص: 232


1- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص431.

و أمّا الثانی فهو و إن اعترف به و قد صحّح العبادة بذلک فی أمثال المورد إلّا أنّا ذکرنا غیر مرّة أنّه لایمکن تصحیح العبادة بالملاک فی هذا الحال و ذلک لما عرفت من أنّه لا طریق لنا إلی ثبوت الملاک و معرفته فی مورد بعد سقوط الحکم عنه، فإنّه کما یمکن أن یکون سقوطه من ناحیة وجود المانع مع ثبوت المقتضی له، یمکن أن یکون من ناحیة عدم المقتضی و الملاک له.

جواب بعض الأساطین (حفظه الله) عن هذه المناقشة:

((1))

أوّلاً: إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) صرّح فی الأمر السادس من المقدّمات بأنّ محل النزاع فی مسألة الاجتماع هو لزوم التکلیف المحال أمّا التکلیف بالمحال فهو خارج عن مبحث الاجتماع و عدم وجود المندوحة یوجب التکلیف بالمحال فی مقام الامتثال فلابدّ من اعتبار المندوحة فی الحکم بالجواز فعلاً لمن یری التکلیف بالمحال محذوراً و محالاً و لا دخل لاعتبار المندوحة فی ما هو المحذور فی بحث اجتماع الأمر و النهی من التکلیف المحال.

(فما أفاده من الجواز هو بالنسبة إلی صورة وجود المندوحة و إلّا ففی صورة عدم المندوحة لابدّ من حلّ مشکلة التکلیف بالمحال).

ثانیاً: ما أفاده -من عدم إمکان تصحیح العبادة بالملاک لأنّ سقوط الحکم کما یمکن أن یکون لوجود المانع یمکن أن یکون لعدم المقتضی- مخدوش لأنّ سقوط الأمر عند التزاحم بینه و بین النهی مستند إلی أقوائیة ملاک النهی و هذا فرع وجود الملاک فی جانب الأمر فعلی هذا سقوط الحکم هنا لوجود المانع لا لعدم المقتضی فلا شک فی وجود ملاک الأمر.

ص: 233


1- تحقیق الأصول، ج4، ص54.
المناقشة الثانیة:
اشارة

إنّ ما أفاده فی الوجه الثالث و الرابع لایخلو من إشکال حیث إنّه علی القول بالامتناع و تقدیم جانب النهی لایصحّ الإتیان بالمجمع لفرض أنّه منهی عنه فعلاً و یستحیل أن یکون مصداقاً للمأمور به ضرورة أنّ الحرام لایعقل أن یکون مصداقاً للواجب فیقید إطلاق دلیل الواجب بغیر ذلک الفرد، من دون فرق فی ذلک بین أن یکون الواجب توصلیاً أو تعبدّیاً فإنّ إجزاء غیر المأمور به عن المأمور به یحتاج إلی الدلیل و إلّا فمقتضی القاعدة عدم الإجزاء و لا فرق من هذه الناحیة بین التوصلی و التعبدی أصلاً.

نعم قد یعلم من الخارج أنّ الغرض من الواجب التوصلی یحصل بمطلق وجوده فی الخارج و لو فی ضمن الفرد المحرم کإزالة النجاسة عن البدن و الثوب فإنّ الغرض من الواجب التوصلی هنا حصول المتعلّق و لو کان بماء مغصوب.

و أمّا فی ما لم یعلم ذلک من الخارج فلایحکم بصحّة الواجب و سقوط الأمر عنه و حصول الغرض و ذلک کتکفین المیت مثلاً فإنّه واجب توصّلی و مع ذلک لایحصل الغرض منه بتکفینه بالکفن المغصوب و لایحکم بسقوط الأمر عنه.

فما أفاده فی الوجه الثالث لایصحّ بإطلاقه.

أمّا ما أفاده فی الوجه الرابع أیضاً فیرد علیه أنّ القول بالامتناع مع تقدیم جانب النهی معناه أنّ المجمع مبغوض للمولی و محرم فی الواقع و لیس مصداقاً للواجب واقعاً و فی نفس الأمر هذا فی ما إذا عُلمت الحرمة واضح و کذلک مع الجهل عن تقصیر و قصور فإنّ الأحکام الواقعیة ثابتة لمتعلّقاتها فی الواقع و لا دخل لعلم المکلّفین و جهلهم بها أبداً فإنّ الحرام لایعقل أن یکون مصداقاً

ص: 234

للواجب و إن فرض کون المکلّف جاهلاً بحرمته بل معتقداً بوجوبه ضرورة أنّ الواقع لاینقلب عمّا هو علیه.

فإنّ صحّة العبادة ترتکز علی رکیزتین: الأُولی: تحقّق قصد القربة و الثانیة: کون الفعل فی نفسه محبوباً و قابلاً للتقرّب به.

و فی ما نحن فیه و إن أمکن تحقّق قصد القربة من المکلّف باعتبار أنّه جاهل بالحرمة و لکن الفعل لایکون محبوباً فی نفسه و صالحاً للتقرّب به، لتمحّضه فی الحرمة و المبغوضیة فی الواقع هذا بناء علی وجهة نظرنا من أنّ هذه المسألة علی القول بالامتناع تدخل فی کبری باب التعارض.

و یمکن لنا المناقشة فیه علی وجهة نظره (قدس سره) أیضاً ببیان أنّ قصد الملاک إنّما یکون مقرّباً فی ما إذا لم یکن مزاحماًٌ بشیء و لا سیّما إذا کان أقوی منه کما هو المفروض فی المقام و أمّا الملاک المزاحم فلایترتب علیه أی أثر و لایکون قصده مقرّباً بناء علی ما هو الصحیح من تبعیة الأحکام للجهات الواقعیة لا للجهات الواصلة و بما أنّ ملاک الوجوب -فی مفروض الکلام- مزاحم بملاک الحرمة فی مورد الاجتماع فلایکون صالحاً للتقرّب به.

و علی هذا فلایمکن الحکم بصحّة العبادة فی مورد الاجتماع علی القول بالامتناع و تقدیم جانب الحرمة لا من ناحیة الأمر و انطباق المأمور به بما هو علی المأتی به فی الخارج و لا من ناحیة الملاک لفرض أنّه مزاحم بما هو أقوی منه.

جواب بعض الأساطین (حفظه الله) عن المناقشة الثانیة:

((1))

إنّ ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) مبنی علی مسلکه من دخول المسألة فی باب

ص: 235


1- تحقیق الأصول، ج4، ص58.

التزاحم فیکون المجمع واجداً لملاک الوجوب و الحرمة معاً و الجاهل القاصر لایعلم تزاحم ملاک الوجوب و الحرمة علی الفرض و لذا یکون قصده مقرّباً، فلایمکن المناقشة علی صاحب الکفایة (قدس سره) علی وجهة نظره.

نعم یمکن المناقشة فی مبناه من دخول مسألة الاجتماع علی القول بالامتناع فی باب التزاحم حیث إنّ الصحیح عندنا دخولها فی باب التعارض فلایکون المجمع واجداً لملاک الأمر.

المناقشة الثالثة:
اشارة

((1))

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) قال فی الصورة الثالثة من الوجه الرابع: إنّ إتیان المجمع یوجب سقوط الأمر و حصول الامتثال و قال فی وجه حصول الامتثال -بناء علی تبعیة الأحکام لما هو الأقوی من جهات المصالح و المفاسد واقعاً: إنّ العقل لایری تفاوتاً بین المجمع و سائر الأفراد فی الوفاء بغرض الطبیعة المأمور بها و إن لم تعم الطبیعة بما هی مأمور بها للمجمع و لکن عدم شمولها للمجمع لیس لعدم المقتضی بل لوجود المانع و هو التزاحم.

و یرد علیه:

أنّ العقل یری التفاوت بین المجمع و سائر الأفراد بما أنّه لیس مصداقاً للطبیعة المأمور بها فلایمکن إحراز أنّه وافٍ بغرض الطبیعة المأمور بها لأنّ عدم انطباق الطبیعة المأمور بها علیه کما یمکن أن یکون من ناحیة المانع یمکن أن یکون من ناحیة عدم المقتضی فالعقل لایحکم حینئذ بحصول الامتثال بالمجمع و سقوط الأمر.

ص: 236


1- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص437.
جواب بعض الأساطین (حفظه الله) عن المناقشة الثالثة:

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) صرّح فی أوّل الأمر التاسع بأنّ إطلاق الدلیلین إن کان فی مقام بیان الحکم الاقتضائی فیدلّ علی ثبوت الملاک فی مورد الاجتماع.

و إن کان فی مقام بیان الحکم الفعلی فإن قلنا بالجواز فیدلّ علی ثبوت الملاک فی المجمع و إن قلنا بالامتناع فلایدلّ علی ثبوت الملاک لوقوع التعارض فإنّ انتفاء أحد المتنافیین کما یمکن أن یکون لأجل المانع یمکن أن یکون لأجل عدم المقتضی.

فما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) هنا مذکور فی الکفایة فی الأمر التاسع و لکنه لایتفق إلّا قلیلاً بل الغالب هو أنّ مسألة الاجتماع بناء علی القول بالامتناع یکون من باب التزاحم و لذا قال هنا: إنّ عدم شمول الطبیعة المأمور بها للمجمع لیس لعدم المقتضی بل لوجود المانع.

فما أفاده هنا مبنی علی نظریته من أنّ مسألة الاجتماع بناء علی الامتناع من صغریات التزاحم و لیس من صغریات التعارض.

فما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) هنا و إن کان صحیحاً -حیث إنّ مسألة الاجتماع بناء علی الامتناع من صغریات التعارض و هو تکاذب الدلیلین- و لکنّه إشکال مبنائی.

المناقشة الرابعة:
اشارة

((1))

قال صاحب الکفایة (قدس سره) فی تتمة کلامه السابق((2)): إنّ عدم شمول الطبیعة

ص: 237


1- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص438.
2- قد تقدم بیان صاحب الکفایة فی أوّل البحث فقال هناک: «... أمّا عدم شمول الطبیعة المأموربها للفرد الذی هو مورد الإجتماع فمبنی علی القول بتزاحم الملاکات فی مقام تأثیرها فی الأحکام الواقعیة (فی مقام الإنشاء) فحیث إنّ جهة الحرمة هی الأقوی من جهة الوجوب فی الواقع تکون هی المؤثرة فی الأحکام الواقعیة فلایکون المجمع واجباً. وأمّا علی القول بتزاحم الملاکات فی مقام فعلیة الأحکام و عدم تزاحمها فی مقام الإنشاء فإنّ التزاحم علی هذا القول هو بین الجهات الواصلة فی مقام الفعلیة فالوجوب بما أنّه واصلٌ إلی المکلّف یکون فعلیاً دون الحرمة، فلا أثر للملاک الواقعی و لا تأثیر له فی الحکم الشرعی و إن کان أقوی من ملاک الوجوب فالمجمع مصداق للطبیعة المأمور بها و لا حرمة فی مورد الجتماع فالطبیعة المأموربها بهذا الوصف یشمل المجمع و مورد اجتماع الأمر و النهی» إلخ.

المأمور بها للمجمع مبنی علی القول بتزاحم الملاکات فی مقام تأثیرها فی الأحکام الواقعیة و أمّا علی القول بتزاحم الملاکات فی مقام فعلیة الأحکام فالطبیعة المأمور بها یشمل المجمع لأنّ الحرمة و إن کان لها الملاک الواقعی و لکنّه لایؤثر فی الحرمة لعدم العلم به (لأن المکلّف جاهل قاصر حسب الفرض).

و أورد علیها المحقّق الخوئی (قدس سره):

إنّ الأحکام الشرعیة بناءً علی وجهة نظر العدلیة تابعة لجهات المصالح و المفاسد الواقعیة و هی مقتضیة لجعلها علی نحو القضایا الحقیقیة و أمّا فعلیة تلک الأحکام فهی تابعة لفعلیة موضوعاتها فی الخارج و لا دخل لعلم المکلّفین و جهلهم بها لا فی مرحلة الجعل و لا فی مرحلة الفعلیة.

و علی هذا لا معنی لما أفاده (قدس سره) من التزاحم بین الملاکات فی مقام فعلیة الأحکام بأن یکون المؤثر فی الحکم فعلاً هو الجهة الواصلة دون غیرها، ضرورة أنّ لازم ذلک هو دخل علم المکلّف فی فعلیة الأحکام و هذا غیر معقول لاستلزامه التصویب و انقلاب الواقع.

ص: 238

نعم إنّ الأمر فی الأحکام العقلیة العملیة کالحسن و القبح تابعة للجهات الواصلة فلایتّصف الشیء بالحسن أو القبح العقلی فی الواقع و إنّما یتّصف به فی ما إذا علم المکلّف بجهة محسنة أو مقبحة له، و لکن الأمر فی الأحکام الشرعیة لیس کذلک ضرورة أنّها تابعة للملاکات الواقعیة فی مقام الجعل بلا دخل لعلم المکلّف و جهله فی ذلک المقام أصلاً و فی مقام الفعلیة تابعة لفعلیة موضوعها و تحقّقه فی الخارج.

المناقشة الخامسة:
اشارة

((1))

إنّ ما نسب إلی المشهور من الحکم بصحّة الصلاة فی الدار المغصوبة علی القول بالامتناع و تقدیم جانب الحرمة فی صورة الجهل القصوری بالحکم أو الموضوع، لایمکن تصدیقه بوجه و ذلک لأنّ حکمهم بصحّة الصلاة فی مورد الاجتماع مبنی علی القول بالجواز و تعدّد المجمع و أمّا علی القول بالامتناع فحکموا بالبطلان دون الصحّة.

فتحصّل إلی هنا أنّه:

علی الوجه الأوّل و هو القول بالجواز، إن کانت المندوحة موجودة فالإتیان بالمجمع یوجب حصول الامتثال و سقوط الأمر و إن لم تکن مندوحة فمسألة الاجتماع تصیر صغری التزاحم و حینئذ إن کان ملاک الوجوب أقوی فیحصل الامتثال بإتیان المجمع و یسقط الأمر و إن کان ملاک الحرمة أقوی یسقط الأمر أیضاً و یصحّ العبادة عند إتیان المجمع بقصد الأمر الترتبی (حیث إنّا نلتزم بصحّة الترتب) أو بقصد الملاک.

ص: 239


1- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص440.

و أمّا علی الوجه الثانی و هو القول بالامتناع و ترجیح جانب الأمر فالأمر کما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فالعبادة صحیحة و لا حرمة فی البین.

و أمّا علی الوجه الثالث و هو القول بالامتناع و ترجیح جانب النهی فی الواجبات التوصّلیة فقد یسقط الأمر فی ما إذا علمنا أنّ الغرض من الواجب التوصّلی یحصل بمطلق وجوده فی الخارج و لو فی ضمن الفرد المحرّم، و أمّا فی ما إذا لم یعلم ذلک فلایسقط الأمر لاحتمال کونه مثل تکفین المیت حیث لایحصل الغرض منه بتکفینه بالکفن المغصوب.

و أمّا علی الوجه الرابع بصوره الثلاث فلاتصحّ العبادة و لایسقط الأمر بإتیان المجمع لأنّ مسألة الاجتماع بناء علی الامتناع من صغریات التعارض و لازم ذلک هو عدم وجود الملاک فالعمل الصادر عن الجاهل القاصر باطل علی القول بالامتناع؛

هذا بالنسبة إلی ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من الوجوه و الصور و لکن الحقّ هو القول بالجواز فتصحّ العبادة مطلقاً و یسقط الأمر سواء کانت المندوحة أم لم تکن

هذا تمام الکلام فی الأُمور التی قدّمها صاحب الکفایة (قدس سره) فلابدّ من أن نشرع فی أدلة القولین.

ص: 240

المقام الأوّل: دلیل القول بالامتناع

نظریة المحقّق الخراسانی (قدس سره) بمقدماتها الأربع:

اشارة

قال صاحب الکفایة (قدس سره): الحق هو القول بالامتناع کما ذهب إلیه المشهور و تحقیقه یتوقف علی مقدّمات أربع و ملخّصها هو:

أوّلا: أنّ الأحکام الخمسة متضادّة فی مقام فعلیتها لا قبلها.

ثانیاً: أنّ متعلّق الأحکام هو فعل المکلّف و ما هو یصدر عن المکلّف فی الخارج لا ما هو اسمه و عنوانه (متعلّق الحکم هو المعنون)

ثالثاً: أنّ تعدّد الوجه و العنوان لایوجب تعدّد المعنون.

رابعاً: أنّ الموجود بوجود واحد لایکون له إلّا ماهیة واحدة.

و نتیجة تلک المقدّمات هو أنّ الأمر و النهی یتعلّق بالمعنون الخارجی و هو فعل المکلّف و تعدّد العنوان لایوجب تعدّده و نتیجة ذلک اجتماع الحکمین المتضادّین فی مقام الفعلیة و اجتماع الضدین محال.

و لابدّ من تحقیق تلک المقدّمات:

ص: 241

المقدّمة الأُولی: تضادّ الأحکام فی مرتبة الفعلیة
اشارة

نظریات الأعلام فی هذه المسألة أربع:

النظریة الأُولی: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره)

اختار صاحب الکفایة (قدس سره) تضادّها فقال: إنّه لا ریب فی أنّ الأحکام الخمسة متضادّة فی مقام فعلیتها و بلوغها إلی مرتبة البعث و الزجر، ضرورة ثبوت المنافاة و المعاندة التامّة بین البعث نحو شیء فی زمان و الزجر عنه فی ذلک الزمان.

و أمّا قبل مرحلة الفعلیة فلا تضادّ بین الأحکام بوجوداتها الإنشائیة لعدم البعث و الزجر فیها فعلی هذا تکون مسألة الاجتماع مستحیلاً من باب التکلیف المحال لا التکلیف بالمحال.

و لتوضیح ذلک لابدّ من بیان مراتب الحکم:

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) یری للحکم أربع مراتب:

المرتبة الأُولی: مرتبة الاقتضاء

و هی مرتبة وجود الملاک و مناط الحکم فی المتعلّق و هی المصلحة و المفسدة الملزمتان و المحبوبیة و المبغوضیة (و بعض الأعلام قسّموا هذه المرتبة إلی مرحلتین: المرحلة الأُولی و هی وجود الملاک فی المتعلّق و المرحلة الثانیة و هی ما یترتب علی هذه المصلحة أو المفسدة من الإرادة و الکراهة) ((1)).

المرتبة الثانیة: مرتبة الإنشاء و هی مرتبة جعل الحکم و إنشائه.

ص: 242


1- منتقی الأصول، ج3، ص81.

المرتبة الثالثة: مرتبة الفعلیة و هی بلوغ الحکم إلی مرتبة البعث و الزجر و مناط بلوغه إلی هذه الدرجة هو فعلیة موضوعه.

المرتبة الرابعة: مرتبة التنجز و هی مرتبة وصول الحکم و التکلیف.

و صاحب الکفایة (قدس سره) یقول بوقوع التضادّ فی مرحلة الفعلیة لا فی مرحلة الإنشاء لعدم البعث و الزجر فیها فالأحکام بوجوداتها الإنشائیة لا تضادّ بینها عند صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)).

ص: 243


1- ظاهر کلام بعض الأعلام إختیار نظریّة صاحب الکفایة: ففی دررالفوائد ط.ج. ص176: «فی بیان حجة المانع: إعلم أنّ أحسن ما قرّر فی هذا المقام ما أفاده شیخنا الأستاذ دام بقاه فی فوائده، و نحن نذکر عباراته لئلّا یسقط شی ء مما أراده قال- بعد اختیار القول المشهور و هو الإمتناع ما هذا لفظه: و تحقیقه علی وجهٍ یتّضح فساد ما قیل أو یمکن أن یقال للقول بالجواز من وجوه الإستدلال یتوقف علی بیان أمورٍ: أحدها أنّه لا إشکال فی تضادّ الأحکام الخمسة بأسرها فی مقام فعلیتها و مرتبة واقعیتها، لا بوجوداتها الإنشائیة» إلخ. و فی ص180: «أقول: و أنت بعد الإحاطة بتمام ما قدّمناه تعرف موارد الإشکال فی کلامه، فإنّ ما أفاده فی المقدمة الثانیة من کون متعلق الأوامر و النواهی إنّما هی الأفعال بهویاتها و حقائقها غیر معقول.. و أما ما أفاده فی المقدمة الثالثة من وحدة مورد تصادق العناوین فإن أراد .. فهو من البدیهیات، و إن أراد .. فهو مقطوع البطلان .. و بالجملة أظنّ أنّ التأمّل التام فیما ذکرنا من دلیل المجوّزین یوجب القطع بصحة هذا القول فتدبّر جیدا» فتری أنّه لم یناقش فی المقدمة الأولی و ظاهره ارتضاء هذه المقدمة. و فی أجود التقریرات ط.ق. ج 1، ص352: «و استدل المانعون بوجوهٍ عدیدةٍ لایهمّنا التعرّض إلّا لوجهٍ واحدٍ هو أحسنها و أمتنها و هو الذی استدل به المحقق الخراسانی (قده) علی الإمتناع و جعله مرکّباً من أربع مقدمات: الأولی فی بیان تضاد الأحکام بأسرها الثانیة ... و هذا الإستدلال و إن کانت صحة أکثر مقدماته بدیهیة إلّا أنّ المقدمة الثالثة منها غیر صحیحة». و فی کفایة الأصول مع حواشی المحقق المشکینی، ج 2، ص132: «الرابع: أنّه لا إشکال فی عدم التضاد بین الصلاح و الفساد، بل یجتمعان فی غالب الأفعال، و کذا بین الحسن و القبح الذاتیین، و کذا بین الحکمین الإنشائیین، و بین الإنشائی و الفعلی، و إنّما التضاد بین الحکمین الفعلیین و منه یظهر وجوده فی مرتبة التنجز أیضا، بل هو حاصلٌ بین الحسن و القبح الفعلیین، و کذا بین الطلب و البغض الحقیقیین».

و هنا أقوال أُخر: منها عدم التضادّ بین الأحکام و لو فی مرتبة الفعلیة و هو مختار المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فلا تضادّ فی مرحلة مبادی الحکم و الاقتضاء و لا تضادّ أیضاً فی مرتبة الإنشاء و الفعلیة نعم إنّ التنافی بین الحکمین یکون بحسب المنتهی و مقام الامتثال.

و منها عدم التضادّ بین الأحکام فی مرتبة الإنشاء و الفعلیة و وقوع التنافی بینها بحسب مبادی الحکم و المنتهی (أی مقام الامتثال) و هذا مختار المحقّق الخوئی (قدس سره) .

و منها وقوع التضادّ بین الأحکام بحسب مقام الفعلیة و الإنشاء کما یقع بینها التنافی بحسب المبدأ و المنتهی و هذا مختار صاحب منتقی الأُصول (قدس سره) ((1))و بعض الأساطین (حفظه الله) ((2)).

ص: 244


1- منتقی الأصول، ج3، ص81.
2- تحقیق الأصول، ج4، ص65-67. إنّ القول بتضاد الأحکام هو المعروف بین الأصولیین: ففی معالم الدین و ملاذ المجتهدین، ص68: «و قصاری ما یتخیل أنّ تضاد الأحکام بأسرها یمنع من اجتماع حکمین منها فی أمرین متلازمین و یدفعه أنّ المستحیل إنّما هو اجتماع الضدین فی موضوعٍ واحدٍ». و فی الرسائل الفقهیة للوحید البهبهانی، ص317: «و بالجملة، من المسلّمات التضاد بین الأحکام الخمسة». و فی أنیس المجتهدین فی علم الأصول، ج 2، ص656: «إنّ تضاد الأحکام یمنع من اجتماع حکمین متضادین فی موضع واحد، لا فی أمرین متلازمین». و فی قوانین الأصول ط.ق. ص159: «و أمّا النقض بالمعاملات بأنّ التجارة أیضاً قد تکون واجبة و قد تکون مستحبة و لا أقل من الإباحة و لا ریب فی تضاد الأحکام فلابدّ فیه من التخصیص أیضاً ففیه أنّ منافاة الوجوب و الإستحباب للتحریم لاتنافی صحة المعاملات بمعنی ترتب الأثر» إلخ. و فی هدایة المسترشدین ط.ج. ج 2، ص233: «لایخفی أنّه کما یمنع تضاد الأحکام من اجتماع اثنین منها فی محلٍّ واحدٍ کذا یمنع منه قبح التکلیف بما لایطاق »و هکذا ج 2، ص316 و ج 3، ص110. و فی الفصول الغرویة فی الأصول الفقهیة، ص399: «... لوضوح تضاد الأحکام». و فی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص359: «لاینبغی الإرتیاب فی عدم صحة إرادة الغایة المستحبة بعد العلم بفعلیة الوجوب فیها باعتبار وجوب الغایة المرتبة علیها، إذ لا ریب فی تضاد الإستحباب و الوجوب، و الماهیة الواحدة من حیث وحدتها علی ما هو المفروض یمتنع أن تکون موردا للمتضادّین». و هکذا ج 1، ص617 و ج 1، ص652. و فی نهایة الأفکار، ج 4، ص178: «ملخّص الکلام فیه هو أنّ تعارض الأمارتین تارةً یکون لأجل تضاد المتعلقین، کما إذا کان مفاد أحد الدلیلین وجوب شی ء و کان مفاد الآخر وجوب ضدّه و أخری یکون لأجل اتّحاد المتعلقین و علی الثانی فتارةً یکون تعارضهما بنحو الإیجاب و السلب، کما إذا کان مفاد أحد الدلیلین وجوب شی ء کالدّعاء عند رؤیة الهلال، و کان مفاد الآخر عدم وجوبه عنده و أخری یکون علی وجه التضاد، کما إذا کان مفاد أحدهما وجوب شی ء و کان مفاد الآخر حرمته». راجع أیضاً: غایة المسؤول فی علم الأصول، ص397؛ بحر الفوائد فی شرح الفرائد، ج 3، ص367؛ وسیلة الوصول إلی حقائق الأصول، ج 1، ص303؛ مقالات الأصول، ج 1، ص367 و فی ج 1، ص370؛ وقایة الأذهان، ص343.
النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره)

إنّ نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) و هو المختار من بین الأقوال تشتمل علی برهانه علی القول بالجواز

بیانه: إنّ حدیث تضادّ الأحکام التکلیفیة و إن کان مشهوراً لکنّه ممّا لا أصل له، لأنّ التضادّ و التماثل من أوصاف الأحوال الخارجیة للأُمور العینیة و لیس الحکم بالإضافة إلی متعلّقه کذلک، سواء أُرید به البعث و الزجر الاعتباریان العقلائیان أو الإرادة و الکراهة النفسیتان.

أمّا إذا کان الحکم عبارة عن البعث و الزجر فلابدّ له من ثلاثة أُمور:

ص: 245


1- نهایة الدرایة، ج2، ص308.

الأول: منشأ الإنتزاع الثانی: المعتبر الثالث: طرف الإضافة.

أمّا منشأ الانتزاع:

إنّ البعث و الزجر عبارة عن المعنی الاعتباری المنتزع من الإنشاء بداعی جعل الداعی و من الواضح أنّ الإنشاء الخاصّ مرکّب من کیف مسموع و هو اللفظ- هذا فی الموالی العرفیة و الأصحّ أن یقال بدل ذلک: إظهار الحکم المعتبر- و من کیف نفسانی و هو قصد ثبوت المعنی به و هما قائمان بالمنشِئ، لا بالفعل الخارجی القائم بالغیر.

فالبعث و الزجر من حیث منشأ انتزاعهما لایقومان بالفعل الخارجی القائم بالغیر بل منشأ انتزاعهما بکلا جزئیه قائم بالمنشِئ.

و أمّا المعتبر:

إنّ البعث و الزجر الاعتباریین بما هما أمران اعتباریان قائمان بالمعتبر لا بغیره لایقومان بالفعل الخارجی و لا بمن یصدر عنه الفعل الخارجی.

أمّا طرف إضافة البعث و الزجر:

إنّه لابدّ لهما من طرف الإضافة لأنّ البعث المطلق غیرَ المضاف إلی شیء لایوجد، سواء لوحظ البعث بنحو القوة کما فی قیامه بمنشأ الانتزاع أو بنحو الفعلیة کما فی قیامه بمعتبره؛ و طرف إضافة البعث و الزجر لایعقل أن یکون الهویة العینیة القائمة بالمکلّف، لأنّ البعث الحقیقی یوجد سواء وجدت الهویة العینیة من المکلّف أم لا، و یستحیل أن یتقوّم البعث الموجود و یتشخص بالفعل المعدوم بل ما لایوجد أصلاً کما فی بعث العصاة.

فلامحالة یکون متعلّقه المقوّم له و المشخّص هو الفعل بوجوده العنوانی الفرضی الموافق لأُفق الأمر الاعتباری و المسانخ له.

ص: 246

فالبعث و الزجر لایقومان بالفعل الخارجی و الهویة العینیة حتّی یتحقّق فیهما التضادّ فإنّ التضادّ یتحقّق فی الأُمور الخارجیة و العینیة.

قد یتوهّم وقوع التضادّ فی طرف إضافة الحکم الذی هو وجود عنوانی فرضی اعتباری و یدفعه أنّ التضادّ لایقع إلّا فی الواحد الشخصی، أمّا الواحد الطبیعی من الجنسی و النوعی و نحوهما ممّا له نحو من الکلّیة من دون تشخص و تعین وجودی فیجتمع فیه الأوصاف المتباینة.

فاتضح من جمیع ما ذکرنا أنّ البعث و الزجر لیسا من الأحوال الخارجیة بل هما من الأُمور الاعتباریة و أنّ متعلّقهما لیس من الموجودات العینیة بل العنوانیة و أنّ الوحدة المفروضة لیست شخصیة بل طبیعیة، فلا موجب لتوهّم اجتماع الضدّین من البعث نحو شیء و الزجر عنه.

و ممّا ذکرنا تبین أیضاً: أنّ مناط القول بالجواز لیس تعدّد المتعلّق اعتباراً لتعدّد عنوان المأمور به و المنهی عنه کما هو مسلک جماعة من المجوّزین، بل ما ذکرنا صحیح حتّی مع وحدة العنوان (الذی قلنا: إنّه واحد طبیعی لا شخصی) و الغرض رفع التضادّ.

فلانحتاج إلی البحث عن تعدّد العنوان و المعنون بل القول بالجواز ممّا لامناص منه و لو علی القول بوحدة العنوان و وحدة المعنون.

ثمّ إنّه قد استدلّ علی عدم تعلّق البعث و الزجر بالهویة الخارجیة بأنّ الفعل بوجوده الخارجی یسقط البعث و الزجر فکیف یکون معروضاً لهما؟

و قد مرّ((1)) ما فیه فی مبحث الترتّب حیث إنّ الفعل الخارجی لو کان مسقطاً

ص: 247


1- فی المقام الأول (أدلّة إنکار الترتب)، الدلیل الثالث، إیراد المحقق الخوئی: «أمّا الصورة الأُولی من کلامه و هی أنّ العصیان إذا کان شرطاً بوجوده الخارجی علی نحو الشرط المقارن فلایمکن فیه فرض اجتماع الأمر بالأهمّ و الأمر بالمهمّ فیرد علیه أنّ ذلک یبتنی علی نقطة فاسدة و هی توهّم أنّ العصیان مهما تحقّق و وجد فی الخارج فهو مسقطٌ للأمر و لکنّه غیر صحیح لأنّا إذا حللنا مسألة سقوط الأمر تحلیلاً علمیاً نری أنّ الموجب لسقوطه أمران: الأوّل: إمتثاله حیث إنّ ذلک موجبٌ لحصول الغرض منه و الأمر معلول للغرض الداعی له حدوثاً و بقاء فمع تحقّق الغرض فی الخارج لایعقل بقاء الأمر و إلّا لزم بقاء الأمر بلا غرضٍ و هو کبقاء المعلول بلا علّة محال أمّا الإمتثال فی نفسه فلایقتضی سقوط الأمر، لأنّ الإمتثال معلولٌ للأمر فلایعقل أن یکون معدماً له»، إلخ. راجع ص107 هذا المجلد.

للأمر و البعث یلزم علیة البعث لعدم نفسه (حیث إنّ البعث هو جزء العلّة لتحقّق الفعل الخارجی فلایکون الفعل الخارجی علّة لعدم البعث و سقوطه)، بل ینتهی أمد البعث بوجود المبعوث إلیه حیث إنّه یسقط الغرض الداعی إلی البعث بحصوله.

و أمّا إذا کان الحکم عبارة عن الإرادة و الکراهة (کما نسب إلی المحقّق الحائری الیزدی (قدس سره).

فإنّ الإرادة و الکراهة و إن کانتا من المقولات الحقیقیة و الموجودات العینیة إلّا أنّ موضوعهما النفس و متعلّقهما الفعل.

أمّا من حیث الموضوع فلا مانع من اجتماع إرادات متعدّدة و کراهات متعدّدة فی زمان واحد، لبساطة النفس و تجرّدها، فلاتضیق النفس عن قبول إرادات متعدّدة و کراهات متعدّدة فی زمان واحد.

لایقال: الوجدان شاهد علی قیام إرادات متعددة بأُمور متعدّدة لا بأمر واحد و کذلک قیام الإرادة و الکراهة بالإضافة إلی أمرین لا بالنسبة إلی أمر واحد.

لأنا نقول: متعلّق الإرادة مشخِّص فردها، لا مقوِّم طبیعتها و حقیقتها، و العبرة فی التضادّ و التماثل بنفس الحقیقة، و التشخّص تشخّص المتضادّین و

ص: 248

المتماثلین فوجودان من حقیقة واحدة متماثلان و وجودان من حقیقتین بینهما غایة البعد و الخلاف متضادّان، و المتعلّق أجنبی عن الحقیقة.

و أمّا من حیث المتعلّق فهنا ثلاثة وجوه:

الوجه الأوّل: لا ریب أنّ الشوق المطلق لایوجد فی النفس بل یوجد متشخّصاً بمتعلّقه و یستحیل أن یکون الخارج عن أُفق النفس مشخّصاً لما فی أُفق النفس و الإ لزم إمّا کون الحرکات الأینیة و الوضعیة القائمة بالجسم نفسانیة، أو کون الإرادة النفسانیة من عوارض الجسم خصوصاً فی الإرادة التشریعیة، فإنّه کیف یعقل أن تکون الحرکات القائمة بالمکلّف مشخّصة لإرادة المولی.

الوجه الثانی: إنّ البعث و مبدأه (و هی الإرادة التشریعیة) موجودان و إن لم یوجد الفعل أصلاً، فکیف یعقل أن یتشخّص الإرادة المحقّقة بما لا تحقّق له و لایتحقّق أصلاً (کما فی العصاة).

الوجه الثالث: إنّ طبیعة الشوق بما هو شوق لاتتعلّق إلّا بالحاصل من وجه و المفقود من وجه إذ الحاصل من جمیع الجهات لا جهة فقدان له کی یشتاق إلیه النفس، و المفقود من جمیع الوجوه لا ثبوت له بوجه کی یتعلّق به الشوق فلابدّ من حصوله بوجوده العنوانی الفرضی لیتقوّم به الشوق و لابدّ من فقدانه بحسب وجوده التحقیقی، کی یکون للنفس توقان إلی إخراجه من حدّ الفرض و التقدیر إلی حدّ الفعلیة.

هذا تمام کلام المحقّق الإصفهانی (قدس سره) .

و هذا وافٍ بحل مشکلّة التضادّ بین الحکمین و سیجیء إن شاء الله بیان حل

ص: 249

مشکلة التکلیف بالمحال و أنّ الحق هو القول بجواز اجتماع الأمر و النهی((1)).

ص: 250


1- القول بعدم التضاد بین الأحکام إشتهر من المحقق الإصفهانی و اختاره فریقٌ من الأعلام: ففی بدائع الأفکار، ص337: «و الذی یساعده النظر أن یقال: لانسلّم امتناع اجتماع الأمر الإستحبابی و الوجوبی فی شی ءٍ واحدٍ بتعدد الجهة و دعوی أنّهما ضّدان فکیف یجتمعان کلام ظاهری لا حقیقة له لأنّ تضاد الأحکام لیس تضادّاً حقیقیاً بل حکمیا بمعنی أنّها بحکم الأضداد فی استحالة الإجتماع فکما أنّ اجتماع السواد و البیاض أو اجتماع المثلین فی جسم واحد أو اجتماع المتحیزین فی حیزٍ واحدٍ محال فکذا اجتماع الأحکام فی محلٍّ واحدٍ لتنافی کلٍّ منها مع الآخر و إلّا فقول إفعل و لاتفعل لیس جمعا بین عارضین فی موضوع واحد» إلخ. و فی نهایة الأصول، ص256: «أقول: ... تضاد الأحکام الخمسة من المسلمات عندهم و لکنّ التحقیق خلافه، فإنّ الوجوب و الحرمة و غیرهما من الأحکام لیست من العوارض العارضة لفعل المکلَّف بل هی بحسب الحقیقة من عوارض المکلِّف لقیامها به قیاما صدوریا، غایة الأمر أنّ لها نحو إضافة أیضا إلی المتعلق، و لکن لیس کلّ إضافة مساوقا للعروض توضیح ذلک ... فتلخّص مما ذکرنا أنّه لایکون الوجوب و لا الحرمة عرضا للمتعلق حتی یلزم بالنسبة إلی المجمع اجتماع الضدین، إذ التضاد إنّما یکون بین الأمور الحقیقیة». و فی المحاضرات (مباحث أصول الفقه) ج 1، ص310: «فی عدم التضاد بین الأحکام: إذا عرفت ذلک تعلم أنّه لا تضاد بین الأحکام المجعولة، لإنّها انشائیة و لا تضاد بین إنشاء الوجوب و إنشاء الحرمة فی موضوع واحد ... فانقدح أنّ ما شاع فی الألسنة و ربما جعل من الضروریات من التضاد بین الأحکام مما لا وجه له عند التحلیل إن کان المراد کما هو الظاهر من الکلمات الأحکام التی تنالها ید التشریع و تعدّ مجعولات للشرع. و فی حقائق الأصول، ج 1، ص368: «لا إشکال فی ثبوت المنافاة بین البعث و الزجر الخارجیین أمّا البعث و الزجر الإعتباریان المعبّر عنهما بالإیجاب و التحریم فالتنافی و التعاند إنّما هو بین ملاکیهما مثلا ملاک وجوب الشی ء کونه ذا مصلحة بلا مزاحم فإذا کان الشی ء کذلک ترجح وجوده علی عدمه فتعلقت به الإرادة فإذا تعلقت به الإرادة أمر به بداعی حفظ وجوده فإذا أمر به کذلک إنتزع عنه عنوان البعث و الإیجاب و الوجوب و الإلزام و نحوها من الإعتبارات ... فتنافی عناوین الأحکام التکلیفیة و تعاندها إنّما هو لتنافی ملاکاتها ... و منه یظهر حال بقیة الأحکام التکلیفیة فإنّ التنافی بین الجمیع لذلک فنسبة التنافی إلیها إنّما هی بالعرض أمّا ما هو مورد التنافی أوّلاً و بالذات فهو الملاکات لا غیر» إلخ. و فی حاشیة الکفایة للعلّامة الطباطبائی، ج 1، ص140: «قوله فی أنّ الأحکام الخمسة متضادة إلخ حدُّ المتضادّین إنّهما أمران وجودیان متواردان علی موضوع واحد داخلان تحت جنس القریب بینهما غایة الخلاف و قد مرّ فی بحث الضد أنّ الأحکام التکلیفیة معانٍ اعتباریة مأخوذة عن النسب الموجودة بین القضایا الحقیقیة الغیر الإعتباریة و هو موادها أعنی الضرورة و الإمتناع و الإمکان و یلحق بها عند العامة نسبتا أولویة الوجود و أولویة العدم و النسب وجودات رابطة لا ماهیة لها فلا حدّ لها فلا جنس لها فلاتدخل تحت مقولة من المقولات فشی ء من الأحکام لایجری فیها التضاد» إلخ. و فی جواهر الأصول، ج 4، ص95: « ... و قد خالفهم فی ذلک المحقق الأصفهانی قدس سره فصرح بأنّ تضاد الأحکام التکلیفیة و إن کان مشهورا، إلّا أّنه مما لا أصل له و الحقّ عدم ثبوت التضاد بینها بأی معنیً فسّر الحکم به».
النظریة الثالثة: ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره):
اشارة

@النظریة الثالثة: ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره):((1))

إنّ حدیث تضادّ الأحکام ممّا لا أصل له لأنّ الأحکام الشرعیة أُمور اعتباریة فلا واقع لها ما عدا اعتبار من بیده الاعتبار، فإنّ الاعتبار خفیف المؤونة، فلا مانع من اعتبار وجوب شیء و حرمته معاً، و الوجه فی ذلک هو أنّ المضادّة إنّما تکون طارئة علی الموجودات التکوینیة الخارجیة و أمّا الأُمور الاعتباریة فالمفروض أنّه لا واقع لها ما عدا اعتبار المعتبر، لیکون بعضها مضاداً لبعضها الآخر.

نعم المضادّة بین الأحکام من ناحیتین: المبدأ (اشتمال الفعل علی المحبوبیة و المبغوضیة) و المنتهی (مرحلة الامتثال).

أمّا من ناحیة المبدأ فلأنّ الوجوب و الحرمة بناءً علی وجهة نظر مذهب العدلیة کاشفان عن المحبوبیة و المبغوضیة و المصلحة الملزمة و المفسدة الملزمة فی المتعلّق فالمضادّة بین الوجوب و الحرمة إنّما هی بالعرض و المجاز.

و أمّا من ناحیة المنتهی فلأنّ اجتماعهما فی شیء واحد یستلزم التکلیف

ص: 251


1- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص450.

بالمحال و بغیر المقدور، لفرض أنّ المکلّف فی هذا الحال غیر قادر علی امتثال کلیهما معاً((1)).

یلاحظ علیها:

لا تضادّ من ناحیة المبدأ و المنتهی: أمّا من ناحیة المبدأ فلأنّ المتعلّق ذو حیثیتین فبإحداها یکون محبوباً و بالأُخری یکون مبغوضاً، کما أنّه لا شبهة فی أنّ المتعلّق واجد للمفسدة و المصلحة بل کلّ منهما بالغ حدّ الإلزام.

و أمّا من ناحیة المنتهی فلما سیجیء إن شاء الله ذیل نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره) حول جواز الاجتماع من عدم التکلیف بالمحال.

ص: 252


1- إختار نظریة المحقق الخوئی بعض الأعلام: ففی دروس فی علم الأصول (ط. انتشارات اسلامی)، ج 1، ص164: «التضاد بین الأحکام التکلیفیة: و حین نلاحظ أنواع الحکم التکلیفی التی مرّت بنا، نجد أنّ بینها تنافیا و تضادا یؤدی إلی استحالة اجتماع نوعین منها فی فعل واحد، و مردّ هذا التنافی إلی التنافر بین مبادئ تلک الأحکام، و أمّا علی مستوی الإعتبار فقط فلایوجد تنافر، إذ لا تنافی بین الإعتبارات إذا جرّدت عن الملاک و الإرادة»إلخ. و فی آراؤنا فی أصول الفقه، ج 1، ص249: «إنّه لا تضاد و لا تعاند بین الأحکام بوجهٍ، فإنّ باب الأحکام الشرعیة باب الإعتبارات و الإعتبار خفیف المئونة، و التضاد من خصائص الأمور الواقعیة و الأعراض الخارجیة، کالتضاد بین البیاض و السواد ... نعم المعاندة بین الأحکام موجودةٌ فی موردین: أحدهما: فی المبدأ، ثانیهما: فی المنتهی، أمّا فی المبدأ فلأنّه لایمکن أن یکون شی ءٌ واحدٌ محبوبا و مبغوضا کما أنّه لایمکن أن یکون محبوبا و لایکون محبوبا و هکذا، فإنّ اجتماع الحبّ و البغض من شخص واحد بالنسبة إلی شی ء واحد غیرُ معقولٍ، و أمّا من ناحیة المنتهی فلایمکن للعبد أن یوجد شیئا بلحاظ تعلق الأمر به و ترک ذلک الشی ء بلحاظ النهی عنه و أمّا نفس الأحکام فلا مضادة بینها» إلخ. و فی زبدة الأصول، ج 3، ص68: «و التحقیق فی هذا المقام أنّ الأحکام لا تضاد بینها ذاتا بل التضاد یکون بینها من ناحیة المبدأ أی الشوق و الکراهة و المصلحة و المفسدة أو من ناحیة المنتهی أی الإمتثال فالتضاد بینها ثابتٌ لکنّه تضاد بالعرض لا بالذات و تمام الکلام فی محله».
النظریة الرابعة: ما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله):
اشارة

((1))

إنّ التضادّ بین الحکمین لاینحصر فی المبدأ و المنتهی، بل هما متضادّان فی مرحلة الفعلیة و الإنشاء.

بیان ذلک یتوقف علی ترسیم أُمور:

الأوّل: إنّ التضادّ المبحوث عنه هو التضادّ الأُصولی لا الفلسفی بمعنی أنّ اجتماع الأمر و النهی فی الواحد ذی العنوانین بنفسه محال لا من جهة استلزامه التکلیف بالمحال.

ثانیاً: إنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یقول: إنّ حقیقة الحکم هو الباعث و الزاجر الإمکانیان فالمولی یأمر بداعی جعل الباعث و الداعی الإمکانی للفعل و ینهی بداعی جعل الزاجر الإمکانی عن الفعل فقوله صلّ باعث إمکانی و قوله لاتغصب زاجر إمکانی و هذا یسمّی بالإنشاء و مع عدم المانع یصل إلی مرحلة الفعلیة.

ثالثاً: إنّ متعلّق الحکم إمّا مطلق و إمّا مقید و لایمکن إهماله فی مقام الثبوت فالصلاة بما هی متعلّق البعث إمّا مطلق بالنسبة إلی الغصب و إمّا مقید، و لا ریب فی عدم تقیدها بالغصب وجوداً و لا عدماً، أمّا تقیدها بوجود الغصب فهو قطعی العدم و أمّا تقیدها بعدم الغصب فلا دلیل إثباتی له، فلابدّ من أن تکون الصلاة مطلقة بالنسبة إلی الغصب؛ و هکذا الغصب بما هو متعلّق الزجر مطلق بالنسبة إلی الصلاة.

و معنی إطلاق الصلاة هو إمکان الداعویة إلی کلّ أفراد الصلاة و إن کانت

ص: 253


1- تحقیق الأصول، ج4، ص65.

فی المکان المغصوب و إلّا لایکون الأمر بالصلاة مطلقاً مع أنّا نری استحالة فعلیة الداعویة الإمکانیة إلی الصلاة فی المکان المغصوب و إذا استحالت فعلیة الداعویة الإمکانیة استحال جعله و إنشاؤه، لأنّ انشاء الحکم لابدّ أن یکون بداعی جعل الداعویة الإمکانیة فإذا استحالت الداعویة الإمکانیة بالنسبة إلی مورد الاجتماع فلا داعی إلی إنشاء الحکم و جعله؛ هذا علی مختار المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی حقیقة الحکم.

و أمّا علی مبنی المحقّق الخوئی (قدس سره) من أنّ حقیقة الحکم هو الاعتبار المبرز فنقول: إنّ المراد من الاعتبار المبرز إمّا مطلق الاعتبار المبرز أو خصوص الاعتبار بداعی تحریک العبد نحو الفعل.

أمّا مطلق الاعتبار المبرز فلایکون حکماً، لأنّ الغرض من الحکم الشرعی هو جعل الداعی للمکلّف فلابدّ أن یکون المراد خصوص الاعتبار بداعی تحریک العبد نحو الفعل، و هذا الاعتبار بداعی تحریک العبد نحو الصلاة یکون مطلقاً بالنسبة إلی الغصب لعدم الإهمال و التقیید کما مرّ و لکن حیث تستحیل فعلیة داعویته بالنسبة إلی الصلاة فی المکان المغصوب یستحیل جعله و إنشاؤه.

فتحصّل من هذا البیان وقوع التضادّ فی مرحلة فعلیة الحکم و إنشائه و جعله.((1))

ص: 254


1- ظاهر کلام بعض الأعلام إختیار النظریة الرابعة: ففی نتائج الأفکار فی الأصول، ج 2، ص131: «إنّ التضاد بین الأحکام من الواضحات و من قبیل الأعراض الخارجیة کالسواد و البیاض فکما لایمکن جعلُ محلٍّ واحدٍ فی آنٍ واحدٍ أسود و أبیض و لو من شخصین فکذلک الأحکام، فإنّ البغض و الحبّ بالنسبة إلی شی ء واحد لایمکن اتّحادهما فی نفس الجاعل. و القول بعدم تضادهما نظرا إلی إمکان کون شی ء واحد فی آنٍ واحدٍ محبوبا لشخص و مبغوضا کذلک لآخر، فلو کان الحب و البغض اللذان یعبر عنهما بالوجوب و الحرمة متضادین و من قبیل الأعراض الخارجیة لم یمکن تعلق الحب و البغض بذلک الشی ء الواحد، فیستکشف من هذا عدم تضاد الأحکام فاسدٌ لأنّ الحب و البغض من الصفات ذوات الإضافة فإنّ المحبوب المضاف إلی زید غیر المبغوض المضاف إلی غیره و لایعقل محبوبیة شی ء واحد و مبغوضیته فی آن واحد لشخص واحد کما هو مفروض البحث، إذ المفروض تعلق حب الشارع و بغضه بشی ء واحد و من البدیهی عدم إمکانه فالأحکام الشرعیة متضادة فی جمیع المراحل من مبادیها و عالم محرّکیتها لا أنّها غیر متضادة أصلا أو متضادة فی خصوص مقام المحرکیة». و فی دروس فی مسائل علم الأصول، ج 2، ص363: «ذکر قدس سره لإثبات امتناع الإجتماع فی واحد معنون بعنوانین، مقدمات أربع: المقدمة الأولی أنّ الأحکام لایکون بینها تضاد فی مقام الإنشاء فیمکن إنشاء حکم متعلق بفعل و إنشاءُ حکمٍ آخر بنفس ذلک الفعل و إنّما یتحقق التضاد بین الأحکام فی مرتبة فعلیتها ... أقول: قد تقدم منه قدس سره أنّ الحکم الواقعی فی جعله تابع للصلاح و الفساد فی متعلقه، فلو کان فی متعلقه فساد غالب کیف یمکن جعل الحرمة و الوجوب له معا و لو بعنوانین؟ و الإلتزام بعدم التنافی بینهما إلّا فی مقام الفعلیة و الوصول إلی مرتبة البعث و الزجر، و قد ذکرنا أّنه لا معنی لفعلیة الحکم إلّا تحقق موضوعه خارجا و یکون الحکم فعلیا بتبع فعلیة موضوعه و إذا لم یکن بین الحکمین بحسب جعلهما تنافٍ فکیف یتحقق التنافی فی فعلیتهما و الحاصل التنافی بین الجعلین یکون بحسب المبدأ و الغرض من جعلهما و یلاحظ کل منهما فی مقام الجعل، و أمّا جعل الوجوب بفعل- أی انشائه- من غیر ملاحظة الملاک و ترتب إمکان الإنبعاث علیه، فلایدخل فی التکلیف» إلخ.
یلاحظ علیها:

أوّلاً: إنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یری تعلّق الحکم بالفرد و لکن لیس لازم تعلّق التکلیف به دخول لوازم الوجود و لوازم التشخّص فی المکلّف به، بل اللازم هو تعلّق التکلیف بالماهیة المتشخصة بالوجود و هذه الماهیة المتشخصة بالوجود الحقیقی الفرضی (لا الحقیقی التحقیقی) مطلوبة للشارع و هی فی مقام الثبوت مطلق بالنسبة إلی جمیع أفراده من دون دخول لوازم تشخّصها فی متعلّق التکلیف.

ص: 255

و استحالة الداعویة الإمکانیة هی أوّل الکلام فإنّ القائل بالجواز یری إمکان ذلک بخلاف القائل بالامتناع فهو یری استحالتها.

فالداعویة الإمکانیة بالنسبة إلی جمیع أفراد الصلاة فعلیة عند وجود المندوحة، و أمّا مع عدم المندوحة فیقع التزاحم بین فعلیة الداعویة الإمکانیة فی البعث نحو الصلاة و فعلیة الزاجریة الإمکانیة فی الزجر عن الغصب فلابدّ من إعمال مرجحات التزاحم.

ثانیاً: إنّ استحالة فعلیة الداعویة الإمکانیة فی فرض عدم المندوحة، لاتوجب استحالة جعله و إنشائه لعدم التلازم بین مرحلة الإنشاء و الجعل و مرحلة الفعلیة فی الاستحالة و الإمکان.

فتحصّل إلی هنا عدم وقوع التضادّ فی مرحلة مبدأ الحکم و لا فی الحکم الإنشائی و لا فی الحکم الفعلی و لایستلزم ذلک مشکلة التکلیف بالمحال کما سیأتی إن شاء الله تعالی.

ص: 256

المقدّمة الثانیة: متعلّق الحکم هو المعنون
اشارة

إنّهم اختلفوا أیضاً فی هذه المقدّمة، فقد اختار المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)) نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) و خالفه المحقّق الإصفهانی (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله) یقول بأنّ مرادهما واحد((2)).

هنا نظریتان:

النظریة الأُولی: من المحقّق الخراسانی (قدس سره)

((3))

إنّه لا شبهة فی أنّ متعلّق الأحکام، هو فعل المکلّف و ما هو فی الخارج یصدر عنه و هو المعنون و المکلّف فاعله و جاعله، لا ما هو اسمه و لا ما هو عنوانه ممّا قد انتزع عنه بحیث لولا انتزاعه تصوّراً و اختراعه ذهناً، لما کان بحذائه شیء خارجاً و یکون خارج المحمول و هو ما یخرج عن حاق الشیء ثم یحمل علیه کالوجوب و الإمکان و لایحاذیها شیء فی الخارج و عروضها یکون فی ظرف الذهن کالملکیة و الزوجیة و الرقیة و الحریة و المغصوبیة، إلی غیر ذلک من الاعتبارات و الإضافات ضرورة أنّ البعث لیس نحوه و الزجر لایکون عنه.

و إنّما یؤخذ الاسم و العنوان الاعتباری فی متعلّق الأحکام آلةً للحاظ متعلّقاتها و آلةً للإشارة إلی تلک المتعلّقات الخارجیة، بمقدار الغرض من هذه المتعلّقات و الحاجة إلیها و لم یؤخذ تلک العناوین بما هی هی و مستقلاً.

ص: 257


1- المحاضرات، (ط.ج): 3، ص452.
2- تحقیق الأصول، ج4، ص72.
3- کفایة الأصول، ص158.
النظریة الثانیة: من المحقّق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

((1))

قد مرّ فی مبحث تعلّق الأمر بالطبیعة، أنّ الموجود الخارجی لایقوم به الطلب و الإیجاد عین الوجود ذاتاً و غیره اعتباراً، فلا فرق بینهما فی استحالة تعلّق الطلب بهما.

و معنی تعلّق الشوق بهما هو أنّ القوة العاقلة لها قوّة ملاحظة الشیء بالحمل الشائع -کما أنّ لها قوّة ملاحظة الشیء بالحمل الأوّلی- فتلاحظ الصلاة الخارجیة التی حیثیة ذاتها حیثیة طرد العدم و هی التی یترتّب علیها الغرض فیطلبها و یبعث نحوها. (فعلی هذا الفعل الخارجی هو المبعوث إلیه و الملاک یقوم به).

و من الواضح أنّ وجود الصلاة الخارجیة حینئذ لیس إلّا بفرض العقل و إحضاره و یکون معنی البعث إلیها إخراجها من الفرض و التقدیر إلی الفعلیة و التحقیق، فالصلاة بوجودها الفرضی و إن لوحظت فانیة فی الصلاة الخارجیة، إلّا أنّ الفناء لایقتضی سریان ما یقوم بالفانی إلی المفنی فیه، فإنّه محال، بل الفناء یصحّح البعث نحو الفانی مع قیام الغرض بالمفنی فیه.

(و الأصحّ أن یقال: بل الفناء یصحّح البعث نحو المفنی فیه مع قیام الغرض به).

و لیس نسبة الوجود العنوانی إلی الوجود العینی نسبة الاتحاد و العینیة، بأن یکون الفارق بینهما مجرد اتّصاف الوجود العنوانی بالجامعیة بین الوجودات العینیة و عدم اتصافه بها، نظیر اتّصاف الماهیة بالکلّیة فی مرتبة الذهن و عدم اتّصاف أشخاص الماهیة بالکلّیة فی موطن التفرّد و التشخّص و لذا جعل

ص: 258


1- نهایة الدرایة، ج2، ص313.

الوجوب بالإضافة إلی الفعل (کالکلّیة بالإضافة إلی الماهیة) من العوارض الذهنیة.

بل نسبة الفانی إلی المفنی فیه نسبة العنوان إلی العنوان، لا کنسبة الطبیعی إلی فرده، فإنّ الطبیعی له موطنان (مع وحدته ذاتاً) فیتّصف بالکلّیة فی أحد الموطنین و بالجزئیة فی موطن آخر، بخلاف العنوان فإنّ موطنه الذهن و موطن الفرض و الاعتبار و موطنُ مطابقِه الخارجُ کما هو الحال فی مفهوم الوجود و مصداقه.

فتوهّم أنّ الوجود العنوانی هو الوجود العینی بحقیقته و أنّ الجامع بذاته موجود فی الخارج لا بوصف الجامعیة نظیر الطبیعی و فرده غفلة واضحة علی أهل الفنّ.

بیان بعض الأساطین (حفظه الله):

((1))

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) لم یقصد من کلامه تعلّق الحکم بالفعل الخارجی و إن کان کلامه هنا یوهم ذلک بل هو لایرید إلّا ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) و الدلیل علی ذلک هو قوله فی مبحث تعلّق الأوامر و النواهی بالطبائع دون الأفراد، فإنّه قال:

دفع وهم: لایخفی أنّ کون وجود الطبیعة أو الفرد متعلّقاً للطلب إنّما یکون بمعنی أنّ الطالب یرید صدور الوجود من العبد و جعله بسیطاً الذی هو مفاد کان التامّة و إفاضته، لا إنّه یرید ما هو صادر و ثابت فی الخارج کی یلزم طلب الحاصل((2)).

ص: 259


1- تحقیق الأصول، ج4، ص72.
2- کفایة الأُصول، ص139.

فتحصّل من ذلک: أنّ الحقّ هو ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فإن کان ما قصده صاحب الکفایة (قدس سره) منطبقاً علیه فلا إشکال فی المقام.

ص: 260

المقدّمة الثالثة: تعدّد العنوان لایوجب تعدّد المعنون
نظریة المحقّق الخراسانی (قدس سره):

((1))

إنّه لایوجب تعدّد الوجه و العنوان تعدّد المعنون و لاینثلم به وحدته، فإنّ المفاهیم المتعدّدة و العناوین الکثیرة ربما تنطبق علی الواحد و تصدق علی الفارد الذی لا کثرة فیه من جهة، بل هو بسیط من جمیع الجهات، لیس فیه حیث غیر حیث و جهة مغایرة لجهة کالواجب تبارک و تعالی، فهو علی بساطته و وحدته و أحدیته، تصدق علیه مفاهیم الصفات الجلالیة و الجمالیة، له الأسماء الحسنی و الأمثال العلیا، لکنّها بأجمعها حاکیة عن ذاک الواحد الفرد الأحد «عباراتنا شتّی و حسنک واحد و کلّ إلی ذاک الجمال یشیر».

بیان المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی توضیح کلام صاحب الکفایة (قدس سره):

((2))

إنّ المفاهیم و إن کانت فی حدود ذواتها متباینات لکنّها لیست دائماً متقابلات بل ربما یقتضی البرهان عدم مطابقة موجود واحد لمفهومین فهما متقابلان کالعلّیة و المعلولیة حیث یستحیل أن یکون الواحد بما هو علّة و معلولاً.

و ربما لایقتضی البرهان ذلک، فلایأبی الواحد أن یکون مطابقاً لمفاهیم متعدّدة و هذه الطائفة الثانیة من المفاهیم قسمان: فتارة یکون مبدؤها فی مرتبة ذات الشیء و أُخری فی مرتبة متأخرة عن ذاته.

ص: 261


1- کفایة الأصول، ص159.
2- نهایة الدرایة، ج2، ص315.

فإن کان المبدأ فی المرتبة المتأخرة، فلامحالة للمبدأ وجود آخر قائم بالذات إمّا بقیام انضمامی أو بقیام انتزاعی.

فمجرد صدق العناوین المتعدّدة علی الواحد لایستدعی أن یکون وجود المبدأ عین وجود المعنون، فمثل الأسماء الحسنی و الصفات العلیا حیث إنّها تنتزع عن مرتبة ذاته المقدسة بلا حیثیة زائدة علی ذاته فذاته بذاته مطابق العنوان و مبدؤه معاً، لأنّ وجوده سنخ وجود بسعته و صرافته یکون مطابق جمیع الأوصاف و لذا ورد فیه تعالی: «علم لا جهل فیه و حیاة لا موت فیه و نور لا ظلمة فیه» و عن أساطین الحکمة «وجود کلّه، وجوب کلّه، علم کلّه، قدرة کلّه» و بهذا الاعتبار یکون الوجود العینی الحقیقی وجوداً و موجوداً، و البیاض الحقیقی بیاضاً و أبیض و غیر ذلک. انتهی ما أردنا من کلامه. (قدس سره)

ثمّ إنّ هنا نظریة للمحقّق النائینی (قدس سره) یأتی فی ضمن أدلّة الجواز إن شاء الله تعالی.

ص: 262

المقدّمة الرابعة: إنّ الموجود بوجود واحد، له ماهیة واحدة
توهّمان ذکرهما صاحب الفصول (قدس سره):

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) فی هذه المقدّمة یرید دفع توهّمین ذکرهما صاحب الفصول (قدس سره) .((1))

التوهّم الأوّل: أنّ القول بجواز اجتماع الأمر و النهی یبتنی علی أصالة الماهیة و القول بامتناع الاجتماع یبتنی علی أصالة الوجود.

التوهّم الثانی: أنّ القول بجواز الاجتماع یبتنی علی تعدّد وجود الجنس و الفصل بالترکیب الانضمامی بینهما و القول بامتناع الاجتماع یبتنی علی اتحادهما بالترکیب الاتحادی بینهما اتّحاد المتحصل و اللامتحصل.

دفع صاحب الکفایة (قدس سره) لهذین التوهّمین:
أمّا دفع التوهّم الأوّل:

فقال صاحب الکفایة (قدس سره):((2)) إنّه لایکاد یکون للموجود بوجود واحد إلّا ماهیة واحدة، و کانت الماهیة عین الوجود خارجاً، فیکون الواحد وجوداً

ص: 263


1- فی الفصول الغرویة، ص125: «و اعلم أنّ هذا الدلیل یبتنی علی أصلین أحدهما أن لا تمایز بین الجنس و الفصل و لواحقهما العرضیة فی الخارج کما هو المعروف و أمّا لو قلنا بالتمایز لم یتّحد المتعلق فلایتمّ الدلیل الثانی أنّ للوجود حقائق خارجیة ینتزع منها هذا المفهوم الإعتباری کما هو مذهب أکثر الحکماء و بعض محققی المتکلمین و أمّا إذا قلنا بأنّه مجرد هذا المفهوم الإعتباری ینتزعه العقل من الماهیات الخارجیة و لا حقیقة له فی الخارج أصلا کما هو مذهب جماعة فلایتم الدلیل أیضا».
2- کفایة الأصول، ص159.

واحداً ماهیة و ذاتاً لامحالة، فالمجمع و إن تصادق علیه متعلّقا الأمر و النهی، إلّا أنّه کما یکون واحداً وجوداً یکون واحداً ماهیة و ذاتاً و لایتفاوت فیه القول بأصالة الوجود و الماهیة.

فالمفهومان المتصادقان علی ذاک الوجود الواحد لایکاد یکون کلّ منهما ماهیة و حقیقة و قد تقدّم الکلام حول ذلک فی آخر الأمر السابع من مقدّمات بحث الاجتماع((1))؛ هذا بالنسبة إلی دفع التوهّم الأوّل.

ص: 264


1- راجع ص 205 من هذا المجلد: تذنیب (هل یبتنی الجواز و الامتناع علی مسألة أصالة الوجود أو الماهیة؟): «قد یتوهّم أنّ مسألة أصالة الوجود أو الماهیة هی حیثیة تعلیلیة للحکم بالجواز أو الامتناع علی اجتماع الأمر و النهی حیث إنّه إن قلنا بأصالة الوجود فیکون متعلّق الأمر و النهی هو الوجود و هو أمر واحد فیسری الحکم من متعلّق الأمر و النهی إلی الآخر فلابدّ من المصیر إلی القول بالامتناع و إن قلنا بأصالة الماهیة فیکون متعلّق الأمر و النهی الماهیة و الماهیات متباینة بالذات و لایمکن اتحاد ماهیة مع ماهیة أُخری و نتیجة ذلک تعدّد متعلّق الأمر و النهی فلابد من القول بالجواز. بیان المحقّق الخراسانی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) فی دفع التوهّم: ... و من ناحیة ثالثة: لکلّ وجود ماهیة واحدة و حدّ فارد و یستحیل أن یکون لوجود واحد ماهیتان و حدّان کما أنّه لایعقل أن یکون لماهیتین وجود واحد فالنتیجة هی أنّ المجمع فی مورد الاجتماع و التصادق إذا کان وجوداً واحداً فلامحالة یکون له ماهیة واحدة فلا فرق بین القول بأصالة الوجود و القول بأصالة الماهیة. ملاحظتنا علیه: أنّ ما أفاده من أنّ لکلّ وجود ماهیة واحدة یصحّ بالنسبة إلی الماهیة الحقیقیة لا الماهیات المرکّبة الجعلیة. فالحق فی الجواب هو أن یقال: إنّ الحکم الشرعی لایتعلّق بما له الأصالة فی الخارج کما مرّ مراراً و إلّا یلزم تحصیل الحاصل مضافاً إلی أنّ الوجود الخارجی بناء علی أصالة الوجود أو الماهیة الخارجیة بناء علی أصالة الماهیة موجب لسقوط التکلیف فلایعقل أن یتعلّق التکلیف بالمتأصّل الخارجی، فلابدّ أن یتعلّق الحکم بالعنوان.»
أمّا دفع التوهّم الثانی:

فقال صاحب الکفایة (قدس سره):((1)) إنّ مسألة الاجتماع لاتبتنی علی تعدّد وجود الجنس و الفصل فی الخارج و عدم تعدّده، ضرورة عدم کون العنوانین المتصادقین علی المجمع من قبیل الجنس و الفصل و الدلیل علیه أُمور:

الأوّل: یلزم أن تکون الصلاة متفصلاً بالغصب مع أنّ الماهیة الصلاتیة ماهیة جعلیة نوعیة و لیست جنسیة.

الثانی: الحق أنّ الجنس هو لامتحصّل و ترکیبه مع الفصل ترکیب المتحصل و اللامتحصل فیلزم علی هذا المبنی أن تکون الصلاة لامتحصل.

الثالث: إنّ الجنس و الفصل لیسا مقوّماً للحرکة، فإنّ مثل الحرکة فی الدار من أی مقولة کانت، لایکاد یختلف حقیقتها و ماهیتها و لایکاد یتخلّف ذاتیاتها، وقعت جزءً للصلاة أم لا، کانت تلک الدار مغصوبة أم لا.((2))

فتحصّل إلی هنا:

أنّ استدلال صاحب الکفایة (قدس سره) علی القول بالامتناع مخدوش لبطلان المقدّمة الأُولی و الثانیة:

أمّا بطلان المقدّمة الأُولی (التی قال فیها صاحب الکفایة (قدس سره) بتضادّ الأحکام فی مرحلة الفعلیة دون الإنشاء) فالوجه فیه هو ما حقّقه المحقّق الإصفهانی (قدس سره) و تبعه المحقّق الخوئی (قدس سره) من عدم تضادّ الأحکام.

ص: 265


1- کفایة الأصول، ص159.
2- و هذا الدلیل الثالث ممّا أفاده فی الکفایة، ص160.

أمّا بطلان المقدّمة الثانیة (التی قال فیها صاحب الکفایة (قدس سره) بتعلّق الأحکام بفعل المکلّف و ما هو فی الخارج یصدر عنه) فهو لما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) من أنّ متعلّق الحکم هو الفرد بمعنی وجود الطبیعة بوجوده الفرضی الحقیقی.

ص: 266

المقام الثانی: أدلّة القول بالجواز

اشارة

و هی خمسة:

الدلیل الأوّل: ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره)

اشارة

((1))

قد تقدّم أنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یقول بعدم وقوع التضادّ بین الأحکام الشرعیة لأنّ التضادّ من أوصاف الأحوال الخارجیة للأُمور العینیة و الحکم أمر اعتباری.

و استفاد من ذلک جواز اجتماع الأمر و النهی حتّی مع وحدة العنوان، فلانحتاج إلی البحث عن تعدّد متعلّق الأمر و النهی (و هو المعنون عند صاحب الکفایة (قدس سره) لتعدّد عنوان المأمور به و المنهی عنه، فما قالوا من أنّ مناط القول بالجواز هو أنّ تعدّد العنوان هل یوجب تعدّد المعنون غیر تامّ.

هذا مع أنّه قال فی ذیل ما أفاده المحقّق الخراسانی (قدس سره) فی المقدّمة الثانیة من تعلّق الحکم بالفعل الخارجی و هو المعنون بأنّ ذلک أیضاً لایصحّ حیث إنّ

ص: 267


1- أجود التقریرات، ج2، ص308 و 313.

الحکم یتعلّق بالعنوان لا بالمعنون حیث إنّ متعلّق الحکم عند المحقّق الإصفهانی (قدس سره) هو الفرد و الطبیعة المتشخّصة الموجودة بالوجود الحقیقی الفرضی لا بالوجود الحقیقی التحقیقی.

و علی هذا البیان إنّ البحث عن المقدّمة الثالثة لایجدی فی المقام شیئاً و نتیجة ذلک عدم وقوع التضادّ فی مرتبة الحکم الفعلی و الإنشائی.

ثمّ إنّ التضادّ فی مرحلة المبادی أیضاً منتفٍ حیث إنّه یمکن أن یکون المتعلّق واجداً للمصلحة و المفسدة و بلغ کلّ منهما إلی درجة الملزمیة مع اختلاف حیثیة المصلحة الملزمة و حیثیة المفسدة الملزمة کما أنّه یمکن أن یکون الشیء الواحد محبوباً من جهة و مبغوضاً من جهة أُخری.

و لکن ذلک لایکفی لإثبات جواز اجتماع الأمر و النهی، بل لابدّ من البحث عن عدم المانع عن الجواز، و المانع عنه إمّا لزوم التکلیف بالمحال و هو الذی ذکره الأعلام بعنوان التضادّ فی مرحلة المنتهی، و إمّا لزوم نقض الغرض و إمّا لزوم التقرّب بالمبعّد مع أنّ المبعّد لایکون مقرّباً، فلابدّ من دفع هذه الموانع.

أمّا التکلیف بالمحال:

فإنّما یلزم إذا تعلّق التکلیف إمّا بالأفراد أو بالطبیعة بحیث تسع هذا الفرد المتّحد مع المنهی عنه، فإنّ متعلّق التکلیف غیر مقدور شرعاً.

و أمّا إذا قلنا بعدم لزوم أحد الأمرین (تعلّق التکلیف بالأفراد أو بالطبیعة بحیث تسع هذا الفرد) بل یتعلّق التکلیف بنفس وجود الطبیعة المقدور علیه من حیث نفسه فمتعلّق التکلیف (بما هو) مقدور.

بیان ذلک: إنّ ملاحظة الطبیعة فانیة فی أفرادها بحیث تسع جمیعها، إنّما هی لدفع دخل خصوصیة من الخصوصیات المفرّدة فی المطلوبیة.

ص: 268

و أمّا إذا قطعنا بأنّ الغصبیة لا مانعیة لها عن ترتّب الغرض من الصلاة، و أنّ لوازم وجود الطبیعة لا دخل لها فی الغرض منها، فلا حاجة إلی ملاحظة وجود طبیعة الصلاة فانیاً فی جمیع الأفراد، بل یلاحظ الوجود العنوانی فانیاً فی الوجود الحقیقی المضاف إلی طبیعة الصلاة و هو مقدور فی حدّ ذاته، و له أفراد مقدورة فی الخارج بحیث ینطبق علیها (و هی الأفراد المندوحة).

فإذا فرضنا تعلّق الأمر بوجود الطبیعی فالفرد المقدور و الفرد غیر المقدور کلاهما سیّان فی عدم تعلّق الأمر بهما کما أنّهما سیّان فی فردیّتهما لوجود الطبیعة فالداعی إلی إتیان الفرد المتّحد مع الغصب تعلّقُ الأمر بوجود الطبیعة التی لا شک فی فردیة هذا الفرد لها، و قد عرفت سابقاً عدم سریان الأمر إلی الأفراد حتّی مع لحاظ وجود الطبیعة عنواناً فانیاً فی وجودها الحقیقی، بل تطبیق المأمور به علی الفرد المأتی به هو الداعی إلی إتیان الفرد المقدور و الفرد غیر المقدور.

و بعین هذا قال المحقّق الإصفهانی (قدس سره) حیث قال:((1)) هذا المحذور (أی محذور التکلیف بالمحال) إنّما یلزم إذا تعلّق الأمر بطبیعی الصلاة الملحوظة فانیة فی أفرادها و أمّا إذا تعلّق الأمر بصرف الوجود و کان مقتضی الصرافة و اللابشرطیة رفض القیود لا الجمع بین القیود لم یلزم تعلّق التکلیف بالمتنافیین.

إشکال و دفع:

إنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) قال فی التعلیقة((2)): إنّ إتیان الفرد فی الخارج بداعی الأمر بمجرد وجود الطبیعة لا مانع منه، لأنّ الأمر لایتعلّق و لو بالواسطة

ص: 269


1- الأصول علی النهج الحدیث، ص153.
2- نهایة الدرایة، ج2، ص325، التعلیقة 172.

بالفرد، مع أنّه صرّح فی بحث تعلّق الأوامر بالطبائع أو الأفراد بتعلّق الأمر بالفرد، فهل یکون بین کلامه فی المقامین تهافت؟

و دفع هذا الإشکال یتوقف علی تفسیر مراده بالفرد فی المقامین، فإنّ الفرد قد یراد منه الماهیة المتشخّصة مع لوازم التشخص بحیث یلزم من تعلّق الأمر به دخول جمیع الخصوصیات الفردیة تحت حیّز الأمر، و حینئذ إن قلنا بهذه المقالة لایرتفع إشکال التکلیف بالمحال کما قال فی هذه التعلیقة: «أمّا التکلیف بالمحال فإنّما یلزم إذا تعلّق التکلیف إمّا بالأفراد أو بالطبیعة بحیث تسع هذا الفرد المتحّد مع المنهی عنه.» و لکنه أنکر هذا القول فی هذه التعلیقة و قال بعدم تعلّق التکلیف بالأفراد.

و قد یراد منه وجود الطبیعة من دون دخول الخصوصیات الفردیة و ما أفاده سابقاً من تعلّق التکلیف بالفرد هو هذا المعنی حیث قال((1)): «تعلّق الأمر بالفرد هو بمعنی وجود الطبیعة بوجوده الحقیقی الفرضی لا بوجوده الحقیقی التحقیقی» و قال فی موضع آخر((2)):

إنّ المقوّم للطلب و الشوق هو الوجود المفروض، و الوجود المفروض یمکن أن یکون حقیقة الوجود المعرّی عن جمیع اللوازم و القیود، بحیث یکون قابلاً للصدق علی کلّ وجود محقّق فی الخارج و حیث إنّ لوازم الوجود خارجة عمّا یقوم به الغرض قطعاً فلا حاجة إلی إطلاق لحاظی فی الوجود بلحاظ لوازمه بل یصحّ تعلّق الطلب بنفس الوجود المفروض المعرّی فی ذاته بحسب الفرض و التقدیر عن جمیع لوازمه؛ هذا کلّه فی ما إذا کانت مندوحة فی البین.

ص: 270


1- نهایة الدرایة، ج2، ص256.
2- نهایة الدرایة، ج2، ص258.

و أمّا إذا لم تکن مندوحة فوجود الطبیعة (بما هو) غیر مقدور، حیث لایمکن تطبیقه فی الخارج علی أمر مقدور فحینئذ یقع التزاحم.

أمّا نقض الغرض:

فإن أرید أنّ البعث نقض للزجر و إیجاد لمعانده من حیث التضادّ، فقد عرفت عدم التضادّ.

و إن أُرید أنّ البعث نقض للزجر من حیث الامتثال، و أنّه سدّ لباب امتثال الزجر ففیه ما عرفت من أنّ الأمر لم یتعلّق من قبل المولی إلّا بما لا مناقضة له من حیث الامتثال مع النهی، لتعلّقه بصرف وجود الطبیعة، لا بما یسع هذا الفرد المنهی عنه لیکون نقضاً من قبل المولی لنهیه و سدّاً لباب امتثاله.

و إن أُرید أنّ انقداح الداعی فی نفس المولی إلی البعث مناف لانقداحه إلی الزجر ففیه أنّ قیام المصلحة فی شیء بعنوان و قیام المفسدة فیه بعنوان آخر ممّا لا شک فیه و تصوّر المصلحة یوجب الرغبة فیها، و تصوّر المفسدة یوجب الرغبة عنها، فموافقة المصلحة و منافرة المفسدة للطبع وجدانیة.

و کذا الإرادة النفسانیة و الکراهة النفسانیة فی التشریعیة و کذا البعث و الزجر المنبعثان عنهما بملاحظة ما قدّمناه من تعلّق البعث بصرف وجود الطبیعة فإرادته و البعث نحوه لایمنع عن کراهة الغصب بجمیع أفراده و الزجر عنها.

و أمّا فی الإرادة التکوینیة و الکراهة التکوینیة، فإنّما لایعقل انقداح الداعی إلیهما الموجب لاجتماعهما، من حیث إنّهما الجزءان الأخیران من العلّة التامة للفعل و الترک معاً و حیث لایعقل انقداح الداعی إلیهما معاً، فلابدّ من الکسر و الانکسار بین المصلحة و المفسدة فی مقام تأثیرهما فی الفعل و الترک.

ص: 271

أمّا التقرب بالمبعّد:

((1)):

فإن أُرید منه ما هو نظیر القرب و البعد المکانیین بحیث لایعقل حصول القرب إلی مکان مع حصول البعد عنه ففیه أنّ لازمه بطلان العمل حتّی فی الاجتماع الموردی (مثل الصلاة و النظر إلی الأجنبیة)، نظراً إلی عدم حصول القرب و البعد معاً فی زمان واحد.

و إن أُرید منه سقوط الأمر و النهی و ترتب الغرض و عدمه فلا منافاة بین أن یکون الواحد مسقطاً للأمر حیث إنّه مطابق ما تعلّق به و مسقطاً للنهی بالعصیان، حیث إنّه خلاف ما تعلّق به و نقیضه.

و کذا ترتّب الثواب علیه من حیث إنّه موجب لسقوط الأمر بإتیان ما یطابق متعلّقه المحصّل للغرض منه، فإنّه لاینافی ترتّب العقاب علیه من حیث إنّه موجب لسقوط النهی بإتیان ما یناقض متعلّقه المنافی لغرضه منه.

بل هکذا حال القرب و البعد الناشئین من التخلّق بالأخلاق الفاضلة أو الرذیلة فإنّه بواسطة التخلّق بالخلق الفاضل، له التشبه بالمبدأ الکامل فهو قریب منه من هذا الوجه، و إن کان بواسطة التخلّق بخلق رذیل بعیداً عنه من ذلک الوجه.

و منه یعلم أنّ الأعمال و إن کانت مقدّمة للأحوال، لکنّه لا مانع من کون الواحد بما هو صلاة مقدّمة لحال، و بما هو غصب مقدّمة لحال أُخری.

فتحصّل إلی هنا تمامیة ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی الاستدلال علی جواز اجتماع الأمر و النهی من جهة عدم التضادّ بین الحکمین الفعلیین و الإنشائیین و عدم التضادّ من ناحیة المبدأ و لا من ناحیة المنتهی و عدم وجود مانع آخر عن الجواز.

ص: 272


1- و الأُستاذ العلّامة الشاه آبادی (رحمة الله) یقول بعدم الجواز من جهة أنّ المبعّد لایکون مقرباً.

الدلیل الثانی للقول بالجواز: ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره)

اشارة

((1))

خلاصة ما أفاده: إنّ العنوانین المنطبقین علی شیء فی الخارج إمّا من العناوین الاشتقاقیة و الانتزاعیة و إمّا من العناوین الذاتیة و المبادی للاشتقاق.

أمّا العناوین الاشتقاقیة فهی جهات تعلیلیة و لا مانع من انطباقها علی معنون واحد وجوداً و ماهیة و تعدّد هذه العناوین لایوجب تعدّد المعنون.

نعم هذه العناوین الاشتقاقیة تنتزع من الأعراض القائمة بوجود المعنون فتکون حاکیة عن الذات المعروضة للمبدأ القائم بها و علی هذا یکون الترکیب بین العناوین الاشتقاقیة فی مورد المجمع اتحادیاً.

و أمّا العناوین الذاتیة فهی جهات تقییدیة و لایمکن حمل کل منها علی الآخر و یستحیل اتحادها ضرورة أنّ کلّ فعلیة تأبی عن فعلیة أُخری فیکون الترکیب بینها فی المجمع ترکیباً انضمامیاً و تعدّد الجهات التقییدیة یوجب تعدّد المعنون و الصلاة و الغصب من هذا القبیل فیکون الترکیب بینهما فی مورد الاجتماع انضمامیاً لأنّ الصلاة من مقولة و الغصب من مقولة أُخری (مقولة الأین) و المقولات أجناس عالیة و متباینات بتمام الذات و الحقیقة.

ثمّ إنّ محل النزاع فی مسألة جواز اجتماع الأمر و النهی هو ما إذا کان متعلّق الأمر و النهی من المبادی و العناوین الذاتیة و کانت النسبة بینهما عموماً من وجه؛ و أمّا إذا کان متعلّق الأمر و النهی من العناوین الاشتقاقیة فیخرج الکلام عن بحث جواز الاجتماع و لایمکن القول بالجواز لأنّ تلک العناوین الاشتقاقیة جهات تعلیلیة.

ص: 273


1- نذکره ببیان تلمیذه المحقّق الخوئی (قدس سره) راجع المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص453 - 463.

و هذه العناوین الذاتیة و المبادی مأخوذة بشرط لا، و ماهیة کلّ من تلک المبادی لابدّ أن تکون محفوظة فی جمیع الحالات لأنّ الماهیات لاتختلف و لاتتخلّف و حینئذ فإذا کانت ماهیات المبادی متباینات فلابدّ أن تکون فی مورد الاجتماع و المجمع هکذا أیضاً، فتکون ماهیة الصلاة و الغصب متباینتین فی مورد المجمع فیکون الترکیب بینهما انضمامیاً.

و علی هذا لایمکن أن تصدقان علی حرکة واحدة شخصیة و إلّا یلزم تفصّل الجنس الواحد و هی الحرکة بفصلین فی عرض واحد و هو محال بل یلزم محذور آخر هو اتحاد المقولتین المتباینتین و ذلک لأنّ الحرکة لاتکون جنساً لهما لأنّ الأعراض بسائط خارجیة فلایترکبان من الجنس و الفصل.

توضیح ذلک: إنّ الحرکة لیست مقولة برأسها فی قبال تلک المقولات، بداهة أنّ نسبة الحرکة إلی المقولات التی تقبل الحرکة نسبة المادّة إلی الصورة، فالحرکة إذا وجدت فی ضمن مقولة فهی عین تلک المقولة و لیست أمراً زائداً علیها، سواء أکانت فی مقولة الجوهر علی القول بالحرکة الجوهریة أم کانت فی مقولة الکم أو الکیف أو نحو ذلک، ضرورة أنّ الحرکة فی مقولة الجوهر لیست شیئاً زائداً علیها بل هی عینها و کذا الحرکة فی الکم و الکیف و الأین و الوضع فإنّها لاتزید علی وجودها بل هی عینها خارجاً فالحرکة الموجودة فی ضمن الصلاة لابدّ أن تکون مباینة للحرکة الموجودة فی ضمن الغصب و فرض کون الحرکة مصداقاً لهما معاً مستلزم لاتحاد المقولتین المتباینتین.

فالحرکة فی کلّ مقولة هی عین تلک المقولة و لیست زائدة علیها فإذا کانت مصداقاً للصلاة و الغصب یلزم اتحاد الصلاة و الغصب و هو محال.

و القول بالجواز یرتکز علی أن تکون الجهتان تقییدیتین فی مورد الاجتماع و

ص: 274

المفروض أنّهما کذلک فلامحالة یکون مصداق المأمور به غیر المنهی عنه فلابدّ من القول بجواز اجتماع الأمر و النهی.

هذا مخلص ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) فی الاستدلال علی جواز الاجتماع.

مناقشات ثلاث فی استدلال المحقّق النائینی (قدس سره):
المناقشة الأُولی: للمحقّق الخوئی (قدس سره)

((1))

ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) من أنّ الترکیب بین متعلّقی الأمر و النهی فی مورد الاجتماع ترکیب انضمامی، إنّما یتمّ فی ما إذا کان متعلّقهما من المبادی المتأصلة و العناوین الذاتیة و أمّا إذا لم یکن من هذه العناوین أو کان أحد العنوانین منها دون الآخر ففی مثل ذلک لایستدعی تعدّد العنوان تعدّد المعنون بل لابدّ من ملاحظة أنّ المطابق لهما فی مورد الاجتماع واحد أو متعدّد، فإن کان واحداً فلامناص من القول بالامتناع و إن کان متعدّداً فلامناص من القول بالجواز.

فالعنوانان المتصادیقان فی مورد اجتماع الأمر و النهی لایخلوان من أن یکونا من العناوین الذاتیة و المقولات الحقیقیة أو أن یکون أحدهما من العناوین الذاتیة و الآخر من العناوین الانتزاعیة أو أن یکون کلاهما من العناوین الانتزاعیة.

فهنا ثلاثة صور:

الصورة الأُولی: و هی ما إذا کان کلاهما من العناوین المتأصّلة فیستحیل اتحادهما فحینئذ تعدّد العنوان المقولی یوجب تعدّد المعنون.

ص: 275


1- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص463.

الصورة الثانیة: و هی ما إذا کان أحد العنوانین متأصّلاً و الآخر انتزاعیاً و حینئذ العنوان الانتزاعی:

إمّا أن یکون منتزعاً عن مرتبة ذات العنوان المتأصل فی الخارج فیکون الترکیب بینهما اتحادیاً فلابدّ من القول بالامتناع.

و إمّا أن یکون منتزعاً عن شیء آخر مباین للعنوان المتأصّل فیکون الترکیب بینهما انضمامیاً فلابدّ من القول بالجواز.

الصورة الثالثة: و هی ما إذا کان کلا العنوانین من العناوین الانتزاعیة و حینئذ:

إمّا أن یکونا منتزعین عن شیء واحد فی الخارج باعتبارین مختلفین فیکون الترکیب بینهما اتحادیاً فلابدّ من القول بالامتناع لأنّ متعلّق الأمر و النهی فی الحقیقة هو منشأ انتزاعهما و المفروض أنّه واحد وجوداً و ماهیة، لأنّ العنوان الانتزاعی لایخرج عن أُفق النفس إلی ما فی الخارج لیکون صالحاً لأن یتعلّق به الأمر أو النهی.

و إمّا أن یکون منشأ انتزاع کلّ منهما مغایراً لمنشأ انتزاع الآخر، فلا مانع من القول بالجواز، لأنّ الترکیب بینهما فی مورد الاجتماع ترکیب انضمامی.

المناقشة الثانیة: للمحقّق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) من أنّ ماهیة تلک المبادی مأخوذة بشرط لا و لابدّ أن تکون محفوظة فی جمیع الحالات، لأنّ الماهیات لاتختلف و لاتتخلّف فهو إنّما یتمّ فی المبادی المتأصّلة و الماهیات الحقیقیة، و أمّا فی المبادی غیر المتأصّلة و

ص: 276


1- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص479.

الماهیات الانتزاعیة فلایتمّ و ذلک لأنّه لا مانع من انتزاع مفهوم واحد من ماهیات مختلفة و مقولات متعدّدة، کالغصب مثلاً فإنّه قد ینتزع من مقولة الأین (و هو الکون فی الأرض المغصوبة) و قد ینتزع من مقولة أُخری کأکل مال الغیر أو لبسه أو نحو ذلک و من المعلوم أنّ منشأ انتزاعه علی الأوّل غیر منشأ انتزاعه علی الثانی ضرورة أنّه علی الأوّل من مقولة و علی الثانی من مقولة أُخری.

فالغصب لیس من المقولات بل هی تارة منتزعة عن مقولة و ثانیة عن مقولة أُخری بل إنّ الغصب لم ینتزع من هذه المقولات بأنفسها بل انتزاعه منها باعتبار عدم إذن المالک فی التصرف بها ضرورة أنّه فی الحقیقة منشأ لانتزاعه لا نفس التصرف بها بما هو.

و فی قبال ذلک إنّ الصلاة مرکّبة من مقولات متعدّدة منها مقولة الکیف المسموع کالقراءة و الأذکار و منها الکیف النفسانی کالقصد و النیة و منها الوضع کهیئة الرکوع و السجود و القیام و القعود.

فإذن لیست للصلاة وحدة حقیقیة بل وحدتها بالاعتبار و لذا لا مطابق لها فی الخارج ما عدا هذه المقولات التی ترکّبت الصلاة منها.

تتمة للمناقشة الثانیة فیها مطالب أربعة:
اشارة

((1)):

المطلب الأوّل: عدم اتحاد الغصب مع الصلاة خارجاً

المطلب الأوّل: عدم اتحاد الغصب((2)) مع الصلاة خارجاً

و هذا یتوقف علی بیان حقیقة الصلاة التی هی عبارة عن عدّة من المقولات

ص: 277


1- أفادها المحقّق الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات، ط.ج. ج3، ص486 تبعاً للمحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی نهایة الدرایة، ج2، ص358.
2- بما أنّه عنوان إنتزاعی.

لنری أنّ الغصب یتحد مع هذه المقولات أو مع إحداها خارجاً أو لایتحد.

إنّ الصلاة تترکّب من مقولة الکیف النفسانی و الکیف المسموع و الوضع:

أمّا الکیف النفسانی و هی النیة فإنّها أوّل جزء للصلاة و لایشک أحد فی أنّها لیست تصرّفاً فی مال الغیر عرفاً، لتکون منشأ لانتزاع عنوان الغصب فی الخارج، ضرورة أنّ الغصب لایصدق علی الأُمور النفسانیة کالنیة و التفکّر فی المطالب العلمیة أو نحو ذلک من الأُمور الموجودة فی أُفق النفس.

أمّا الکیف المسموع مثل التکبیرة و القراءة والذکر، فلا شبهة فی أنّها لیست متّحدة مع الغصب خارجاً ضرورة أنّه لایصدق علی التکلّم فی الدار المغصوبة التصرّف فیها لیکون مصداقاً للغصب و منشأ لانتزاعه، فإنّ الغصب هنا منتزع من ماهیة مباینة لماهیة التکلّم فی الخارج، فإنّ الغصب فی المقام منتزع من الکون فی الدار و هو من مقولة الأین و التکلّم من مقولة الکیف المسموع فیستحیل اتحادهما فی الخارج و اندراجهما تحت مقولة واحدة.

أمّا الوضع مثل الرکوع و السجود و القیام و العقود، فالصحیح أنّها أیضاً غیر متّحدة مع الغصب خارجاً و الوجه فی ذلک هو أنّ هذه الأفعال من مقولة الوضع فإنّها هیآت حاصلة للمصلّی من نسبة بعض أعضائه إلی بعضها الآخر و نسبة المجموع إلی الخارج، و الوضع عبارة عن هیأة حاصلة للجسم من نسبة بعض أجزائه إلی بعضها الآخر و نسبة المجموع إلی الخارج.

و من الواضح جداً أنّ تلک الهیآت لیست بأنفسها مصداقاً للغصب و متّحدة معه فی الخارج و منشأ لانتزاعه، ضرورة عدم صدق التصرّف علیها بما هی، بل یستحیل أن تتّحد مع الغصب، لفرض أنّه فی المقام منتزع من الکون فی الأرض المغصوبة و هو من مقولة الأین و تلک الهیآت من مقولة الوضع.

ص: 278

المطلب الثانی: لا إشکال فی کون بعض أجزاء الصلاة من مقولة الوضع

قد توهّم بعض الأعلام أنّ الصلاة من مقولة الفعل، فلایعقل أن یکون أجزاؤها من مقولة الوضع لتباین المقولات.

و أجاب عنه المحقّق الإصفهانی (قدس سره) و تبعه المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)) و إلیک نص عبارة المحقّق الإصفهانی (قدس سره):((2))

هذا التوهّم مدفوع بأنّ صدق الفعل العرفی علیها باعتبار صدورها منه غیرُ کونها من مقولة الفعل اصطلاحاً، لأنّ مقولة الفعل المقابلة لمقولة الانفعال عبارة عن حال التأثیر التجدّدی للمؤثر، کما أنّ مقولة الانفعال هی حالة التأثر التجدّدی، کحالتی النار و الماء فی التأثیر فی الحرارة و التأثر بها، فما دام النار مشغولة بإیجاد الحرارة فی الماء یکون لها حالة التأثیر التجدّدی و للماء حالة التأثر أمّا الأثر فهو من مقولة الکیف، فلیس کلّ فعل عرفی فعلا مقولیاً.

المطلب الثالث: السجود متّحد مع الغصب

هنا تحقیق نهائی للمحقّق الإصفهانی (قدس سره) بالنسبة إلی اتحاد السجود مع الغصب قال:((3))

التحقیق أنّ أجزاء الصلاة و إن کانت کذلک، إلّا أنّ بعضها متقوّم شرعاً بما له مساس خارجاً بالغصب کوضع الجبهة علی الأرض، فإنّ مماسّة الجبهة مقوّمة للسجدة شرعاً، و هی من مقولة الإضافة، فالسجدة بما هی هیأة وضعیة و إن

ص: 279


1- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص488.
2- نهایة الدرایة ج2، ص359.
3- نهایة الدرایة ج2، ص359.

لم تکن تصرّفاً فی الأرض، لکنّها بمقوّمها الشرعی و هو المماسة تصرّف فیها و هکذا الاستقرار علی الأرض فی القیام و الرکوع و التشهد، فإنّ إثبات الرجل علی الأرض و الجلوس علیها معتبر فی القیام و الرکوع و التشهّد، و کون هذا الجزء المقوّم تصرّفاً فی الدار المغصوبة ممّا لاینبغی الشبهة فیه.

و المحقّق الخوئی (قدس سره) تبعه فی اتحاد السجود و الغصب إلّا أنّه لم یرتض ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) من أنّ ممّاسة الجبهة و وضعها علی الأرض مقوّمة للسجدة فقال:((1))

إنّ الظاهر عدم صدق السجدة الواجبة علی مجرد مماسة الجبهة للأرض بل یعتبر فی صدقها الاعتماد علیها، و من المعلوم أنّ الاعتماد علی أرض الغیر نحو تصرّف فیها فلایجوز و علیه یتّحد الصلاة المأمور بها مع الغصب المنهی عنه فی الخارج، فإذن لامناص من القول بالامتناع.

و علی ضوء هذا البیان قد ظهر فساد ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) من أنّه لایمکن أن تکون الحرکة الواحدة مصداقاً للصلاة و الغصب معاً و ذلک لأنّ ما أفاده (قدس سره) یرتکز علی نقطة واحدة و هی أنّ الغصب من مقولة برأسها و هی مقولة الأین و علی هذا یستحیل اتحاده مع الصلاة خارجاً لکن قد عرفت أنّ هذه النقطة خاطئة.

المطلب الرابع: لیس الهوی إلی السجود و الرکوع مصداقا للغصب

هنا أمر آخر یوجب اتحاد الصلاة و الغصب غیر مسألة السجود و هو الهوی إلی السجود و الرکوع و النهوض عنهما و هکذا جمیع الحرکات المتخلّلة بین

ص: 280


1- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص491.

الرکوع و السجود و القیام و القعود، فإنّ هذه الحرکات تکون مصادیق للغصب، ضرورة أنّ الحرکة فی الدار المغصوبة من أوضح أنحاء التصرف فیها.

و لکن المحقّق الإصفهانی (قدس سره) أجاب عن ذلک((1))بأنّ تلک الحرکات مقدّمات للرکوع و السجود و القیام و القعود، لا مقوّمات لها فما هو من الأجزاء لا اتحاد له مع الغصب و ما هو تصرّف فی الغصب عرفاً لیس من الأجزاء.

و المحقّق الخوئی (قدس سره) أیضاً اختار هنا مقالة أُستاذه المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فقال:((2))

الصحیح هو أنّ الهوی إلی السجود و الرکوع و النهوض عنهما من المقدّمات و ذلک لأنّ الظاهر من أدلّة جزئیة الرکوع و السجود و القیام و الجلوس هو أنّ نفس هذه الهیآت جزء فحسب، لا مع مقدّماتها من الهوی و النهوض، لفرض أنّ هذه العناوین اسم لتلک الهیآت خاصّة لا لها و لمقدّماتها معاً؛ هذا من ناحیة.

و من ناحیة أُخری: إنّ المذکور فی لسان الأدلة إنّما هو نفس تلک العناوین علی الفرض، لا هی مع مقدّماتها.

و نتیجة ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) علی مسلکه هو أنّ الصلاة فی الدار المغصوبة إذا کانت مشتملة علی السجود، فلامناص من القول بالامتناع و أمّا إذا لم تکن مشتملة علیه ذاتا أو عرضاً، أو کان المکلّف متمکّناً منه علی الأرض مباحة أو مملوکة فلا مانع من القول بالجواز، فالحق عنده هو التفصیل فی جواز الاجتماع و امتناعه و المحقّق الخوئی (قدس سره) یری اتحاد الغصب و السجود خارجاً و لکن المحقّق الإصفهانی (قدس سره) عمّم ذلک للرکوع و القیام و التشهّد حیث إنّ إثبات

ص: 281


1- نهایة الدرایة، ج2، ص358.
2- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص490.

الرجل علی الأرض و الجلوس علیها جزء مقوّم للرکوع والقیام و التشهّد و لا شبهة فی أنّها تصرّف فی الدار المغصوبة((1)).

ص: 282


1- قد ذکر نظریة المحقق الإصفهانی فی مسألة اتّحاد الصلاة و الغصب و حاصلها أّن ما کان من الصلاة من مقولة الکیف النفسانی کالنیة أو الکیف المسموع کالتکبیر و القراءة و الذکر أو الوضع کالرکوع و السجود و القیام و القعود (التشهد) لیس متّحدا مع الغصب و لکن مماسة الجبهة للأرض التی هی مقومة للسجود و الإستقرار علی الأرض الذی هو مقوم للقیام و الرکوع و التشهد یتّحدان مع الغصب و أشیر أیضا إلی نظریة المحقق النائینی و هی استحالة اتّحاد الصلاة و الغصب لأّنهما من مقولتین مختلفتین و تفصیل نظریة هذا المحقق أنّه قال فی فوائد الأصول، ج 2، ص406: «إنّ العناوین المجتمعة تارةً تکون من العناوین الإشتقاقیة، و أخری تکون من المبادی. و ما تکون من المبادی تارةً یکون اجتماعهما لا علی وجه الإنضمام و الترکیب، بل کان ما بحذاء أحدهما خارجا غیر ما بحذاء الآخر و کان کل منهما قابلاً للإشارة الحسیة إلیه و کان اجتماعهما مجرد واجدیة الموضوع لهما و اجتماعهما فیه ... و أخری یکون اجتماعهما علی جهة الترکیب و الإنضمام و الإلتصاق، و ذلک کما فی الصلاة و الغصب و أمثال ذلک مما کان المبدأ من الأفعال الإختیاریة، حیث إنّه و إن اجتمعا فی الدار الغصبیة، إلّاأنّ اجتماعهما یکون علی وجه الإنضمام و الترکیب بینهما، و کان الموجود فی الدار الغصبیة مرکّباً منهما علی وجهٍ لایمکن الإشارة الحسیة إلی أحدهما دون الآخر. هذا مع ما هما علیه من المغایرة، بحیث لایصح حمل أحدهما علی الآخر، و لاتکون الصلاة غصباً و لا الغصب صلاةً، لما تقدّم من أنّ المبادی بالقیاس إلی أنفسها تکون بشرط لا، و إن کان بالقیاس إلی الذات التی تقوم بها یصح لحاظها لا بشرط. و هذا بخلاف العناوین الإشتقاقیة، فإنّها ملحوظة لا بشرط بالنسبة إلی أنفسها و بالنسبة إلی الذات القائمة بها. و من هنا کان الترکیب فیها ترکیبا اتّحادیا بحیث یصح حمل کل من العنوانین علی الآخر، و حملهما علی الذات، و حمل الذات علیهما، فیقال: زید عالم و فاسق، و العالم و الفاسق زید، و العالم فاسق، و الفاسق عالم، لمکان اتّحاد الجمیع بحسب الخارج. و هذا بخلاف الترکیب بین المبادی فیما إذا کان بینهما ترکیب، فإنّ الترکیب بینهما یکون إنضمامیا، لا اتّحادیا، لاعتبارها بشر لا، فلا اتّحاد بینها حتی یصح حمل بعضها علی بعض، لأنّ العرض لایعقل أن یقوم بعرض آخر حتی یمکن فیهما الإتّحاد. فالترکیب بین المبادی یکون نظیر الترکیب بین المادة و الصورة، حیث إنّ الترکیب فیهما یکون إنضمامیا، لا اتّحادیا، لمکان أنّهما أیضا ملحوظان بشرط لا، کالمبادی». بقی أن نذکر نظریة الشیخ الأنصاری و المحقق الخراسانی و المحقق العراقی. أمّا نظریة الشیخ الأنصاری فهی اتّحاد الصلاة و الغصب قال فی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص743: «السابع: أنّ متعلق النهی إمّا أن یکون نفس العبادة أو جزءها أو وصفها الداخلی أو الخارجی مع اتّحادهما فی الوجود أو مع اختلافهما فیه و لاینبغی الإشکال فی خروج القسم الأخیر عن محل الکلام کقولک: لاتنظر إلی الأجنبیة فی الصلاة و الوجه فی ذلک ظاهر ... و أمّا الأقسام الأخیرة، فالکلّ یحتمل وقوع النزاع فیها أمّا الأوّل فکالصلاة فی زمان الحیض و هو مبنی علی کون الصلاة منهیا عنها مطلقا فی ذلک الزمان و أمّا لو جعلناها منهیا عنها باعتبار وقوعها فی ذلک فهی من المنهی عنها لوصفها ... و أمّا الثانی ففی العبادة قد یمثّل له بمثل قولک: لاتصل الصلاة المشتملة علی العزائم، أو قولک: لاتقرأ العزائم بناء علی أنّ نهی الجزء یلازم النهی عن الکلّ ... و أمّا الثالث فهو المنهی عنه لوصفه الداخل فی العبادات فکالنهی عن الصلاة اللازم من النهی عن الإخفات فی موارد الجهر أو العکس فإنّ الجهر و الإخفات من الأوصاف الداخلیة للقراءة حتی کأنّهما من الفصول المقومة لأنواع القراءة علی وجٍه لایتصور إنفکاک القراءة من أحدهما ... و أمّا الرابع و هو المنهی عنه لوصفه الخارجی فکالنهی عن الصلاة باعتبار الغصب و فی المعاملة کالنهی عن البیع باعتبار تفویت الجمعة. و لیس ذلک من موارد اجتماع الصلاة و الغصب الغیر الملحوظ فی الصلاة بوجهٍ، کما إذا قیل: صلّ، و لاتغصب و اتّفق اجتماعهما فی فرد واحد، فإنّ المفروض أنّ النهی تعلّق بالصلاة باعتبار وصفه الخارج المفارق المتحد له فی الوجود و هذا هو الوجه فی إفرادنا الوصف الداخلی عن الوصف الخارجی بالذکر، حیث إنّه لایمکن إیجاد الجهر و الإخفات فی ضمن غیر الصوت، بخلاف الغصب فإنّه علی تقدیر تعلق النهی به یمکن إیجاده فی ضمن غیر الصلاة، فیلاحظ». و أمّا نظریة المحقق الخراسانی فهی إمکان دعوی أنّ القیام و غیره من أکوان الصلاة و إن کان غیر التمکن فی ذاک المکان إلّا أنّه تصرّفٌ فیه عرفاٌ قال فی اللمعات النیرة، ص310: «(و تبطل فی المغصوب مع العلم بالغصب) والإختیار قطعا لو کان کونٌ من أکوانها تصرّفا فیه، أو کان مستلزما للتصرف فیه و کان التصرف فیه فعلا حراما لما حقّقناه تحریرا و تقریرا من امتناع اجتماع الأمر و النهی فإذا وقع محرّما فعلا فلایکاد یمکن التقرب به و قد اعتبر فی صحته . نعم، لو فرض غلبة جانب الأمر علی النهی بحیث وقع فعلا محبوبا لَصحّت الصلاة فیه، کما فی حال غیر الإختیار فی الجملة و أمّا إذا لم یکن کونٌ من أکوانه تصرّفا فیه بل مقارنا له، کما إذا قام مثلا بسوء الإختیار فی فضاء غصبی، فتکون هناک له هیأة محاطیة للفضاء المحیط به، و هی أین و هیئة أخری من نسبتین نسبة الأجزاء بعضها مع البعض؟ ونسبتها إلی خارج و کون الصلاة هو هذه الهیأة لا الهیأة الأولی، و لا دخل لإحداهما بالأخری و إن کانت مقارنة لها فی العروض علی موضوع واحد اللهم إلّا أن یدعی أنّ القیام وغیره من أکوان الصلاة و إن کان غیر التمکن فی ذاک المکان، إلّا أّنه لمّا کان تصرّفاً فیه عرفاً کان النهی عن الغصب نهیا عنه حقیقة، فیحرم، فتبطل الصلاة . و لیس هذا - لو سلّم - من الخطأ فی التطبیق، إذ الفرض أنّ مفهوم خطاب لاتغصب المکان عرفا تحریم مثل القیام و القعود و نحوهما فیه علی التحقیق . و لذا یمثّل لاجتماع الأمر و النهی بصلّ و لاتغصب و لا یناقش فیه و إن کان من الممکن ذلک لئلّا یناقش فی المثال فتأمّل جیداً . هذا کلّه مع العلم بالغصبیة والإختیار». و نظریة المحقق العراقی أنّ الغصب عبارةٌ عن الفعل الشاغل لمحل الغیر فی حال عدم رضاه و هذا العنوان ینطبق علی الأجزاء الصلاتیة لکونها أفعالا فیکون الرکوع و غیره من الأفعال فعلا شاغلا للمکان. (راجع مقالات الأصول، ج 1، ص362).

ص: 283

المناقشة الثالثة فی استدلال المحقّق النائینی (قدس سره):

((1))

إنّ هذا الاستدلال یتوقف علی سرایة الحکم من العنوان إلی المعنون کما أفاده المحقّق الخراسانی (قدس سره) فی المقدّمة الثانیة و صرّح المحقّق الخوئی (قدس سره) أیضاً بأنّ العناوین تؤخذ فی متعلّقات الأحکام لا بما هی هی بل بما هی معرّفة و مشیرة إلی ما هو المتعلّق فی الواقع.

و لکنک عرفت أنّ الحقّ هو ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) من أنّ الأحکام تتعلّق بالوجودات العنوانیة لا بالمعنونات الخارجیة و بذلک ظهر بطلان استدلال المحقّق النائینی (قدس سره) علی الجواز و أیضاً بطلان نظریة التفصیل الذی اختاره المحقّق الخوئی (قدس سره) .

ص: 284


1- و أیضاً علی نظریة المحقّق الخوئی (قدس سره) أی التفصیل الذی ذکره هنا.

الدلیل الثالث للقول بالجواز: من المحقّق القمی و الشیخ الأنصاری (قدس سرهما)

اشارة

((1))

إنّ الأمر و النهی یتعلّقان بالطبائع و الأفرادُ مقدّمات لتحقّقها و وجودها و حینئذ:

إن لم نقل بوجوب المقدّمة (کما هو الحقّ) کان معروض الحرمة ( و هو المقدّمة) مغایراً لمعروض الوجوب، و هو الواجب المتوقّف علیها، فلایلزم اجتماع الوجوب و الحرمة فی شیء واحد. (فإنّ طبیعة الصلاة هی متعلّق الأمر النفسی و الفرد متعلّق النهی النفسی لأنّه غصب).

و إن قلنا بوجوب المقدّمة و بمقدّمیة الفرد لوجود الطبیعة یلزم اجتماع الوجوب الغیری و النهی النفسی فی هذا الفرد و لا بأس به لأنّ أحدهما نفسی و الآخر غیری. (هذا علی ما فی أجود التقریرات و لکن فی تحقیق الأُصول((2)) جعل متعلّق النهی النفسی هو الطبیعة و أخذ الفرد مقدّمة لها فیجتمع الوجوب و الحرمة الغیریان و المحقّق القمی (قدس سره) یقول: لا بأس به.)

إیرادات ثلاثة علی الدلیل الثالث:
الإیراد الأوّل: ما أفاده المحقّق الخراسانی و المحقّق النائینی (قدس سرهما)

((3))

إنّ الفرد هو عین الطبیعی فی الخارج، کیف و المقدّمیة تقتضی الاثنینیة بحسب الوجود و لاتعدّد کما هو واضح، فلایعقل کون الفرد مقدّمة لوجود الطبیعی.

ص: 285


1- القوانین، ج1، ص141؛ مطارح الأنظار، ص144.
2- تحقیق الأصول، ج4، ص77.
3- کفایة الأصول، ص161؛ أجود التقریرات، ج2، ص151.
الإیراد الثانی:

((1))

إنّ الغصب من العناوین الانتزاعیة و قد ینتزع من بعض المقولات الصلاتیة فما هو متعلّق الأمر بعینه هو متعلّق النهی.

الإیراد الثالث:

((2))

إنّ محذور اجتماع الضدّین - بناء علی وجوب المقدّمة- یشمل الوجوب و الحرمة الغیریین.

ص: 286


1- تحقیق الأصول، ج4، ص77.
2- نفس المصدر.

الدلیل الرابع للقول بالجواز:

اشارة

((1))

إنّ الطبائع من حیث هی هی و إن کانت لیست إلّا هی و لاتتعلّق بها الأحکام الشرعیة إلّا أنّ تلک الطبائع مقیدة بالوجود -بحیث کان القید خارجاً و التقید داخلاً- تکون متعلّقاً للأحکام و متعلّقا الأمر و النهی علی هذا لایکونان متّحدین أصلاً، لا فی مقام تعلّق البعث و الزجر و لا فی مقام عصیان النهی و إطاعة الأمر بإتیان المجمع بسوء الاختیار.

أمّا فی المقام الأوّل، فلتعدّدهما بما هما متعلّقان للبعث و الزجر و إن کانا متّحدین فی الوجود الذی هو قید الطبیعة و خارج عنها.

أمّا فی المقام الثانی، فلسقوط أحدهما بالإطاعة و سقوط الآخر بالعصیان بمجرد الإتیان بالمجمع فلابدّ من تعدّدهما من حیث المتعلّق و إلّا لایمکن امتثال الأمر بإتیان المنهی عنه.

و نتیجة ذلک هو تعدّد متعلّق الأمر و النهی فلابدّ من القول بالجواز.

إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) علی الدلیل الرابع
اشارة

((2))

إنّه لایکاد یجدی بعد ما عرفت من أنّ تعدّد العنوان لایوجب تعدّد المعنون لا وجوداً و لا ماهیة، و أنّ المتعلّق للأحکام هو المعنون لا العنوان.

جواب عن هذا الإیراد:

یرد علیه ما تقدّم مفصلاً من أنّ متعلّقات الأحکام هی الوجودات العنوانیة

ص: 287


1- و هذا یستفاد أیضاً من کلام المحقّق القمی (قدس سره) فی القوانین، ص140؛ نقله فی الکفایة، ص160.
2- کفایة الأصول، ص160.

و لانحتاج إلی البحث عن أنّ العنوان هل یوجب تعدّد المعنون أو لا.

ملاحظتنا علی هذا الاستدلال:

إنّه یبتنی علی تعلّق الأوامر و النواهی بالطبائع مع إخراج قید الوجود عنها و قد تقدّم أنّ الأحکام تتعلّق بالوجود العنوانی الفرضی للطبیعة الذی هو فی أُفق الاعتبار.

ص: 288

الدلیل الخامس للقول بالجواز:

اشارة

((1))

إنّه لو لم یجز اجتماع الأمر و النهی لما وقع نظیره و لکن قد وقع نظیر ذلک کما فی العبادات المکروهة کالصلاة فی مواضع التهمة و فی الحمام و الصیام فی السفر و فی بعض الأیام مثل یوم عاشوراء.

بیان الملازمة: إنّه لو لم یکن تعدّد الجهة مجدیاً فی إمکان اجتماع الأمر و النهی فلابدّ أن لایجوز اجتماع حکمین آخرین مثل الاستحباب و الکراهة فی مورد واحد مع تعدّد الجهة أیضاً و التالی باطل حیث نری جواز اجتماع حکمین آخرین مثل الاستحباب و الوجوب فی مورد واحد مع تعدّد الجهة فإذا جاز اجتماع حکمین آخرین مثل الاستحباب و الکراهة فلابدّ من أن یجوز اجتماع الوجوب و الحرمة، فإنّ تعدّد الجهة إن کان مجدیاً فی الحکمین الآخرین لکان مجدیاً فی اجتماع الأمر و النهی و الوجوب و الکراهة.

جواب صاحب الکفایة (قدس سره) عن هذا الاستدلال:
اشارة

لقد أجاب عنه صاحب الکفایة (قدس سره) إجمالاً ثم أجاب تفصیلاً:

الجواب الإجمالی:

أوّلاً: بعد قیام الدلیل و البرهان علی امتناع اجتماع الحکمین المتضادّین لابدّ من التصرّف و التأویل فی ما وقع فی الشریعة ممّا ظاهره الاجتماع، ضرورة أنّ الظهور لایصادم البرهان.

ص: 289


1- و هو الوجه الثانی الذی استدل به المحقّق القمی (قدس سره) فی القوانین، ج1، ص140.

ثانیاً: إنّ مورد البحث فی مسألة اجتماع الأمر و النهی هو اجتماع الحکمین فی مورد واحد مع تعدّد الجهة و الموارد و الأمثلة التی استدلّ بها القائل بالجواز ظاهرة فی جواز اجتماع الأمر و النهی فی مورد واحد بجهة واحدة، لأنّ متعلّق الأمر و النهی فی تلک الأمثلة واحد مثل النهی عن الصلاة فی الحمّام و لایقول القائل بالجواز فی مسألة الاجتماع بجواز اجتماعهما فی مورد واحد بجهة واحدة فلابدّ من تأویل هذه الأمثلة.

الجواب التفصیلی:
اشارة

إنّ العبادات المکروهة علی ثلاثة أقسام:

أحدها: ما تعلّق به النهی بعنوانه و ذاته و لا بدل له کصوم یوم عاشوراء و النوافل المبتدأة فی بعض الأوقات و النسبة بین المأمور به و المنهی عنه علی نحو العموم و الخصوص المطلق.

ثانیها: ما تعلّق به النهی بعنوانه و ذاته و یکون له البدل کالنهی عن الصلاة فی الحمّام و النسبة بین المأمور به و المنهی عنه علی نحو العموم و الخصوص المطلق أیضاً.

ثالثها: ما تعلّق به النهی لا بذاته بل تعلّق النهی إمّا بما یغایره مفهوماً و یتّحد و یجامع معها مفهوماً بناء علی دخول أکوان الصلاة فی حقیقتها (و المراد من الأکوان هو کون الصلاة فی الحمّام مثلاً أو فی مکان آخر) و إمّا بما یلازمه خارجاً بناء علی خروج أکوان الصلاة عن حقیقتها و مثال هذا القسم الأخیر هو الصلاة فی موضع التهمة و النسبة بین المأمور به و المنهی عنه علی نحو العموم و الخصوص من وجه.

ص: 290

القسم الأوّل من العبادات المکروهة: کصوم یوم عاشوراء
اشارة

النهی التنزیهی لاینافی صحّة العمل حیث قام الإجماع علی أنّه یقع صحیحاً و لکن ترکه أرجح کما یظهر من مداومة الأئمة (علیهم السلام) علی الترک.

هنا ثلاثة طرق لحلّ المشکلة فی القسم الأوّل:

الطریق الأوّل: طریق الانطباق
اشارة

((1))

بیانه: إنّ النهی لأجل انطباق عنوان ذی مصلحة علی الترک فالنهی لایدلّ علی الزجر، فعلی هذا یکون الترک کالفعل ذا مصلحة موافقة للغرض و إن کان مصلحة الترک أکثر.

فهما حینئذ یکونان من قبیل المستحبین المتزاحمین فإن لم یکن أحدهما أهمّ من الآخر یحکم بالتخییر و إن کان أحدهما أهمّ فیتعین الأهم و إن کان الآخر یقع صحیحاً و أرجحیة الترک من الفعل لاتوجب حزازة و منقصة فی الفعل.

هذا بخلاف مسألة الاجتماع حیث إنّ النهی فیها حقیقی فیدلّ علی وجود المفسدة الملزمة فی المتعلّق فتکون فیه الحزازة و المنقصة و هذه المنقصة تمنع عن صلاحیة التقرّب بالعمل.

مناقشة المحقّق النائینی (قدس سره) فی الطریق الأوّل:

((2))

إلیک نصّ کلام المحقّق النائینی (قدس سره): إنّ الفعل و الترک إذا کان کلّ منهما مشتملاً علی مقدار من المصلحة، فبما أنّه یستحیل تعلّق الأمر بکلّ من النقیضین

ص: 291


1- هو مختار الشیخ الأنصاری فی مطارح الأنظار، ص137.
2- أجود التقریرات، ج2، ص173.

فی زمان واحد یکون المؤثر فی نظر الآمر إحدی المصلحتین علی تقدیر کونها أقوی من الأُخری و تسقط کلتاهما عن التأثیر علی تقدیر التساوی، لاستحالة تعلّق الطلب التخییری بالنقیضین، لأنّه من طلب الحاصل و علیه یستحیل کون کلّ من الفعل و الترک مطلوباً بالفعل.

و بالجملة اشتمال کلّ من الفعل و الترک علی المصلحة یوجب تزاحم الملاکین فی تأثیرهما فی جعل الحکم علی طبق کلّ منهما، لاستحالة تأثیرهما فی زمان واحد فی طلب النقیضین تعییناً أو تخییراً.

و علیه یتفرّع وقوع التزاحم فی التأثیر فی ما کان کلّ من الضدّین اللذین لا ثالث لهما مشتملاً علی المصلحة أو المفسدة الداعیة إلی جعل الحکم علی طبقها و فی ما إذا کان أحد المتلازمین دائماً مشتملاً علی مصلحة و الآخر مشتملاً علی مفسدة، فإنّه فی جمیع ذلک یستحیل جعل الحکم علی طبق کلّ من الملاکین تعییناً أو تخییراً، لرجوعه إلی طلب النقیضین المفروض استحالته.

فلابدّ من جعل الحکم علی طبق أحد الملاکین إن کان أحدهما أقوی من الآخر و إلّا فلایؤثر شیء منهما فی جعل الحکم علی طبقه.

إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علی المحقّق النائینی (قدس سره):

((1))

إنّ ذلک أی لزوم استحالة طلب النقیضین فی ما إذا کانت المصلحة مترتّبة علی مطلق وجود الفعل و الترک، أمّا فی ما إذا کانت مترتّبة علی حصّة خاصّة من الفعل (کما هو الحال فی موارد العبادات المکروهة التی هی محل الکلام، إذ المصلحة فیها مترتّبة علی الفعل المأتی به عبادة) فلامحالة یکون المورد داخلاً فی

ص: 292


1- حاشیة أجود التقریرات، ج2، ص173.

صغری تزاحم المستحبّین، لأنّ المکلّف حینئذ قادر علی ترکهما و الإتیان بالفعل المجرّد عن قصد القربة لأنّ المورد من باب الضدّین الذین لهما ثالث و هو غیر قادر علی الجمع بینهما.

فإذا کانت مصلحة الترک أهمّ من مصلحة الفعل، لم یکن مانع من النهی عن الفعل إرشاداً إلی ما فی الترک من المصلحة، فالکراهة فی هذه الموارد لم تنشأ من حزازة و منقصة فی الفعل لتنافی کونَه عبادة، بل إنّما نشأت من کون الترک أرجح من الفعل، کما یظهر ذلک من مداومة الأئمة (علیهم السلام) علی الترک و أمرهم أصحابهم به و هذا لاینافی صحّة الفعل إذا أتی به عبادة.

و هذا الوجه هو الذی أفاده العلامة الأنصاری (قدس سره) فی تصویر الکراهة فی العبادة فی هذا القسم و هو الصحیح.

إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) علی المحقّق الخوئی (قدس سره):

أوّلاً: إنّ مخالفة بنی أمیة تتحقّق بأمرین: ترک الصوم مطلقاً و إتیان الصوم بدون قصد القربة لأنّ بنی أمیة صاموا یوم عاشوراء بقصد القربة.

یلاحظ علیه:

إنّ الأولی أن یقال: إنّ مخالفة بنی أمیة تتحقّق إمّا بترک الإمساک أو بالإمساک من دون قصد الصوم، لأنّ صومهم یوم عاشوراء لم یکن بقصد القربة إلی الله تعالی بحسب الباطن بل أمسکوا بقصد الصوم طعناً علی آل الرسول (علیهم السلام) و للتظاهر بالإسلام حتّی لایعترض علیهم و کذلک قوله لعنه الله:

لعبت هاشم بالملک فلا

خبر جاء و لا وحی نزل

ص: 293

ثانیاً: إنّ بعض الأخبار صریح فی استحباب صوم یوم عاشوراء بحیث لایمکن أن یدّعی مداومة أهل البیت (علیهم السلام) علی الترک.

منها: ما فی الروایة من أنّه «صَامَ رَسُولُ اللهِ (صلی الله علیه و آله) یوْمَ عَاشُورَاءَ»((1)).

و منها: ما ورد من قولهم (علیهم السلام): «فَإِنَّهُ یکَفِّرُ ذُنُوبَ سَنَةٍ» ((2)).

یلاحظ علیه:

إنّ بنی أمیة و مخالفی أهل البیت (علیهم السلام) قد وضعوا روایات کثیرة فی فضیلة یوم عاشوراء بل نسبوه إلی أهل البیت (علیهم السلام) و غرضهم من ذلک هو أن یعدّ یوم عاشوراء عیداً لا مصیبة فإنّ الصوم قد ورد فی الأعیاد العظیمة، فلایمکن الاعتماد علی تلک الأخبار.

الطریق الثانی: طریق الملازمة

بیانه: إنّ الترک لیس مستحباً و لا متعلّق البعث بل هناک عنوان آخر ملازم لترک صوم یوم عاشوراء و هذا العنوان الملازم واجد للمصلحة و مصلحتة أقوی من مصلحة صوم یوم عاشوراء و الطلب المتعلّق بالترک حینئذ لیس بحقیقی بل بالعرض و المجاز فالطلب متعلّق فی الحقیقة بهذا العنوان الملازم و هو هنا مخالفة بنی أُمیة و هذا العنوان (مخالفة بنی أُمیة) بناء علی الطریق الأوّل حیثیة تعلیلیة لاستحباب الترک و بناء علی الطریق الثانی حیثیة تقییدیة.

ص: 294


1- وسائل الشیعة، ج10، ب20، ص457.
2- وسائل الشیعة، ج10، ب20، ص457.
الطریق الثالث: طریق إرشادیة الأمر
اشارة

قال صاحب الکفایة (قدس سره): نعم یمکن أن یحمل النهی فی کلا القسمین (أی الطریق الأوّل و الطریق الثانی) علی الإرشاد إلی الترک الذی هو أرجح من الفعل أو ملازم لما هو الأرجح و أکثر ثواباً لأرجحیة الترک من الفعل و علیه یکون النهی علی نحو الحقیقة لا بالعرض و المجاز.((1))

نظریات ثلاث بالنسبة إلی القسم الأوّل:
النظریة الأُولی: عن المحقّق النائینی (قدس سره)
اشارة

((2))

التحقیق فی الجواب من هذا القسم یتضح برسم مقدّمة نافعة فی جملة من الموارد و هی أنّه لا شبهة فی أنّ النذر إذا تعلّق بالعبادة المستحبة فالأمر الناشی من النذر یتعلّق بذات العبادة التی کانت متعلّقة للأمر الاستحبابی فی نفسها فیندک الأمر الاستحبابی فی الأمر الوجوبی و یتّحد معه، فیکتسب الأمر الوجوبی جهة التعبد من الأمر الاستحبابی، کما أنّ الأمر الاستحبابی یکتسب جهة اللزوم من الأمر الوجوبی فیتولّد من اندکاک أحد الأمرین فی الآخر أمر واحد وجوبی عبادی و السر فی ذلک أنّه إذا کان متعلّق کلّ من الأمرین عین ما تعلّق به الآخر فلابدّ من اندکاک أحدهما فی الآخر و إلّا لزم اجتماع الضدین فی شیء واحد.

و أمّا إذا کانت العبادة المستحبة متعلّقة للإجارة فی موارد النیابة من الغیر، کان متعلّق الأمر الاستحبابی مغایراً لما تعلّق به الأمر الوجوبی، لأنّ الأمر الاستحبابی علی الفرض تعلّق بذات العبادة، و أمّا الأمر الناشئ من الإجارة فهو

ص: 295


1- کفایة الأصول، ص164.
2- أجود التقریرات، ج2، ص174.

لم یتعلّق بها بل تعلّق بإتیان العبادة بداعی الأمر المتوجّه إلی المنوب عنه، بداهة أنّ ذات العبادة من دون قصد النیابة عن المنوب عنه لم یتعلّق بها غرض عقلائی من المستأجر، و لأجله تبطل الإجارة لو تعلّقت بها أو بمثلها (أی بذات العبادة من دون قصد النیابة عن المنوب عنه أو بمثلها) ممّا لم یتعلّق به غرض عقلائی.

و علی ذلک یترتّب أنّه یستحیل تداخل الأمرین باندکاک أحدهما فی الآخر فی موارد الإجارة علی العبادة، إذ التداخل فرع وحدة المتعلّق و المفروض عدمها فی تلک الموارد، فلایلزم اجتماع الضدّین فی شیء واحد من تعلّق الأمر الاستحبابی بذات العمل و تعلّق الأمر الوجوبی بإتیان العبادة بداعی امتثال الأمر المتوجّه إلی المنوب عنه.

إذا عرفت ذلک، فنقول:

إنّ الإشکال فی اتّصاف العبادة بالکراهة، إنّما نشأ من تخیل أنّ متعلّق الأمر و النهی هو شیء واحد مع أنّه لیس کذلک، لوضوح أنّ متعلّق الأمر هو ذات العبادة و أمّا النهی التنزیهی فهو لم یتعلّق بها، لعدم مفسدة فی فعلها و لا مصلحة فی ترکها بل تعلّق بالتعبّد بهذه العبادة، لما فیه من المشابهة للأعداء.

و بما أنّ النهی تنزیهی و هو متضمّن للترخیص فی الإتیان بمتعلّقه، جاز التعبّد بتلک العبادة بداعی امتثال الأمر المتعلّق بذاتها.

نعم لو کان النهی تحریمیاً، لکان مانعاً من تعلّق الأمر بها بخصوصه و من شمول إطلاق المأمور به للفرد المنهی عنه، لوضوح التنافی بینه و بین حرمة التعبّد به فیکون الفرد المنهی عنه خارجاً عن حیّز الأمر و یکون دلیل النهی مقیداً لإطلاق دلیل الأمر و إذا فرضنا اختلاف متعلّق الأمر و النهی فلایمکن أن یکون دلیل النهی مقیداً لإطلاق دلیل الأمر.

ص: 296

فظهر أنّ متعلّق النهی التنزیهی فی هذا القسم بما أنّه مغایر لمتعلّق الأمر لایکون منافیاً له، و بما أنّه تنزیهی لایکون مانعاً عن التعبّد بمتعلّقه، فارتفع إشکال اجتماع الضدّین فی هذا القسم من العبادات المکروهة أیضاً.

مناقشتان للمحقّق الخوئی (قدس سره) فی ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره):
اشارة

((1))

المناقشة الأُولی:

إنّ ما أفاده من دعوی تعلّق الکراهة بالتعبّد بالعبادة المتعلّق بها الأمر الاستحبابی خلاف ظواهر الأدلّة الدالّة علی النهی عن نفس العبادة (عَنْ عَبْدِالْمَلِک عَنْ ُأَبی عَبْدِ الله (علیه السلام):.... فَمَنْ صَامَهُ أَوْ تَبَرَّکَ بِهِ حَشَرَهُ اللهُ مَعَ آلِ زِیاد و أیضاً عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عِیسَی أَخِیهِ قَالَ: سَأَلْتُ الرِّضَا (علیه السلام) عَنْ صَوْمِ یوْمِ عَاشُورَاءَ وَ مَا یقُولُ النَّاسُ فِیهِ فَقَال.... وَ هُوَ یوْمٌ یتَشَأَّمُ بِهِ آلُ مُحَمَّدٍ علیهم السلام وَ یتَشَأَّمُ بِهِ أَهْلُ الْإِسْلَامِ وَ الْیوْمُ الَّذِی یتَشَأَّمُ بِهِ أَهْلُ الْإِسْلَامِ لَا یصَامُ وَ لَا یتَبَرَّکُ بِه((2)))

المناقشة الثانیة:

((3))

إنّ الأمر الاستحبابی کما تعلّق بذات العبادة، تعلّق بالتعبد بها أیضاً، کما عرفت ذلک فی بحث التعبّدی و التوصّلی، غایة الأمر أنّ تعلّقه به إنّما هو بالأمر الثانی الموجب لتقیید الأمر الأوّل بنتیجة التقیید علی ما ذهب إلیه شیخنا الأُستاذ (قدس سره) و علیه فإذا کان التعبّد بعبادةٍ ما متعلّقاً للنهی التنزیهی أیضاً، لزم اجتماع حکمین متضادّین فی شیء واحد و هو مستحیل.

ص: 297


1- حاشیة أجود التقریرات، ج2، ص176.
2- وسائل الشیعة، ج10، ص459، ب21، ح1و2.
3- حاشیه أجود التقریرات، ج2، ص176.
النظریة الثانیة: عن المحقّق العراقی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّه أجاب عن توهّم کراهیة العبادات فی ما لا بدل لها بوجهین:

الوجه الأوّل: حمل النهی علی أقلیة الثواب و الرجحان و الوجه الثانی: صرف النهی عن ظاهره و هذا بجعل متعلّقه إیقاع الصوم فی الوقت الکذائی نظیر النهی عن إیقاع جوهر نفیس فی مکان قذر بجعل المبغوض کینونة العبادة فی وقت کذا لا نفسها، حتّی لاینافی المبغوضیة محبوبیة العمل.

أورد علیه بعض الأساطین (حفظه الله):

((2))

إنّ کلا الوجهین مخالف لظواهر الأدلّة حیث إنّ النهی ظاهر فی معناه الحقیقی و متعلّق بعین ما تعلّق به الأمر و هو صوم یوم عاشوراء.

النظریة الثالثة: عن المحقّق الإصفهانی و المحقّق الفشارکی (قدس سرهما)
اشارة

النظریة الثالثة: عن المحقّق الإصفهانی ((3)) و المحقّق الفشارکی (قدس سرهما) ((4))

بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره):

إنّ مصلحة الترک و لو بعنوان آخر إن کانت مساویة لمصلحة الفعل، فالکراهة و الاستحباب کلاهما ملاکی، لاستحالة فعلیة الطلبین- و سیجیء إن شاء الله بیان بطلان هذا القول فی المناقشة الثالثة- و إن کانت أرجح من مصلحة الفعل فالکراهة بمعنی طلب الترک عن مصلحة فعلیة والاستحباب ملاکی.

ص: 298


1- نهایة الأفکار، ج1-2، ص428.
2- تحقیق الأصول، ج4، ص99.
3- نهایة الدرایة، ج2، ص331.
4- علی ما نقل فی درر الفوائد، ج1-2، ص169.

و علی أی حال لیس للفعل استحباب و رجحان فی ذاته فعلاً، حتّی یلزم اختلاف المتلازمین فی الحکم (العنوان الواحد یقبل الحکمین بناء علی جواز الاجتماع فضلاً عن المتلازمین فلا مانع من استحباب صوم یوم عاشوراء نفسیاً و کراهته بالمعنی المصطلح لانطباق عنوان موافقة بنی أُمیة علیه) أو یوجب مرجوحیة الترک بذاته فعلاً، لیلزم اختلاف العنوان و المعنون فی الحکم الفعلی، فلیس الفعل إلّا راجحاً شأناً، لا راجحاً فعلاً، و لا بذاته مرجوحاً فعلاً، حتّی ینافی وقوعه عبادة، بل لازمه أی موافقة بنی أُمیة مرجوح فعلاً.

بل التحقیق أنّ الراجحیة و المرجوحیة بمعنی الغالبیة و المغلوبیة فی تأثیر الملاک و لا منافاة بین عدم تأثیر الترک بعنوانه و تأثیر عنوانه الطاری، فلم یلزم اختلاف العنوان و المعنون فی الحکم، و لا اختلاف المتلازمین فی الحکم، بل اختلافهما أی اختلاف المتلازمین فی مقام التأثیر بالنفی و الثبوت حیث إنّ الترک لم یؤثر و ملازمه یؤثر فلم یلزم اختلافهما فی مقولة الحکم الحقیقی الفعلی و لا اجتماع الوصفین الثبوتیین المتضایفین فی واحد فافهم جیداً.

بیان المحقق الفشارکی (قدس سره):

إلیک نصّ بیان المحقّق الحائری (قدس سره) نقلاً عن أُستاذه المحقق الفشارکی (قدس سره):

الذی یمکن أن یقال فی حلّ الإشکال أمران: أحدهما ما أفاده سیدنا الأُستاذ (نوّر الله مضجعه) و هو أن یقال برجحانِ الفعل من جهة أنّه عبادة و رجحانِ الترک من حیث انطباق عنوان راجح علیه و لکون رجحان الترک أشدّ من رجحان الفعل غلب جانب الکراهة و زال وصف الاستحباب و لکن الفعل لما کان مشتملاً علی الجهة الراجحة، لو أتی به یکون عبادة، إذ لایشترط فی صیرورة العمل عبادة وجود الأمر، بل یکفی تحقّق الجهة فیه علی ما هو التحقیق فهذا

ص: 299

الفعل مکروه فعلاً لکون ترکه أرجح من فعله، و إذا أتی به یقع عبادة لاشتماله علی الجهة.

إیرادات ثلاثة علی النظریة الثالثة:
الإیراد الأول: عن المحقّق الحائری (قدس سره) علی هذا القول
اشارة

((1))

إنّ العنوان الوجودی لایمکن أن ینطبق علی العدم، لأنّ معنی الانطباق هو الاتحاد فی الوجود الخارجی و العدم لیس له وجود خارجی.

جواب المحقّق الإصفهانی (قدس سره) عن هذا الإیراد:

((2))

إنّ هذا الإیراد یتوجّه علی أصل الالتزام بانطباق عنوان راجح علی الترک و لیس إیراداً علی هذه النظریة بخصوصه.

و یندفع بأنّ المحال انتزاع مفهوم ثبوتی من العدم و العدمی، و أمّا المفهوم السلبی فهو موافق فی حیثیة العدم لما ینتزع منه و لایلزم منه رجوع ما حیثیة ذاته حیثیة النفی إلی حیثیة الثبوت و بالعکس فمثل صوم یوم عاشوراء -حیث إنّه موافقة لبنی أُمیة لالتزامهم بصوم هذا الیوم شکراً و فرحاً- ترکه مخالفة لهم و هی مطلوبة للشارع و لیست المخالفة هنا إلّا عدم الموافقة لهم فی الصوم.

و اتّصاف شیء بشیء (مثل اتّصاف ترک صوم یوم عاشوراء بکونه ترکاً لموافقة بنی أُمیة) لایستدعی الثبوت الخارجی (حیث إنّ ترک صوم یوم عاشوراء أمر عدمی لا ثبوت خارجی له و مع ذلک یکون متّصفاً بکونه ترکاً لموافقتهم)

ص: 300


1- درر الفوائد، ج1-2، ص169.
2- نهایة الدرایة، ج2، ص332.

بل الثبوت فی ظرف الاتّصاف علی الوجه المناسب للمثبت له، و لو بلحاظ الغرض و التقدیر، و لهذا یوصف الأعدام و یخبر عنها.

الإیراد الثانی: عن بعض الأساطین (حفظه الله) فی هذه النظریة
اشارة

((1))

إنّ الأمر العدمی لایمکن أن یکون واجداً للمصلحة، لأنّ المصلحة أمر وجودی و الأمر الوجودی لایقوم بالأمر العدمی؛ و علی هذا ترک صوم عاشوراء لیس ذا مصلحة بل فعل صوم عاشوراء یکون ذا مفسدة و هذا معنی الکراهة.

یلاحظ علیه:

إنّ الأمر العدمی له حظّ ضعیف من الوجود و لذلک یکون ذا مصلحة أحیاناً مثل المصلحة المترتبة علی الإمساک.

الإیراد الثالث: عن بعض الأساطین (حفظه الله) أیضاً
اشارة

إنّ هذه النظریة مخالفة لظواهر الأدلّة، لأنّ بعض النصوص صریحة فی أنّ صوم یوم عاشوراء مبغوض و موجب لاستحقاق العقاب و علی هذا لابدّ أن لایصحّ الإتیان به و لایکون فعله عبادة.

ملاحظة علیه:

إنّ ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ناظر إلی القسم الأوّل الذی مثّل له بصوم یوم عاشوراء و المناقشة الثانیة للأُستاذ المحقّق (حفظه الله) لایکون إلّا بالنسبة إلی المثال.

ص: 301


1- تحقیق الأصول، ج4، ص101.
تکملة و بحث استطرادی:
کلام بعض الأساطین (حفظه الله) حول صوم یوم عاشوراء
اشارة

((1))

إنّ الأعلام اختلفوا فی حکم صوم یوم عاشوراء علی أقوال:

القول الأوّل: الحرمة
اشارة

بعض الأعلام قالوا بحرمته مثل صاحب الحدائق (قدس سره) .

دلیل هذا القول هو ما ورد فی الکافی عن أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) عَنْ صَوْمِ یوْمِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ (علیه السلام): صَوْمٌ مَتْرُوکٌ بِنُزُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَ الْمَتْرُوکُ بِدْعَةٌ.((2))

فعلی هذا صوم یوم عاشوراء منسوخ.

إیرادات أربعة علی هذا الدلیل:
الإیراد الأوّل و الثانی و الثالث: من بعض الأساطین (حفظه الله)
اشارة

((3))

أوّلاً: إنّ الروایة ضعیفة سنداً.

و ثانیاً: إنّ المراد من المتروکیة فی الروایة یمکن أن یکون متروکیة أصل الوجوب.

ص: 302


1- تحقیق الأصول، ج4، ص102.
2- وسائل الشیعة، ج10، ص461، کتاب الصیام، أبواب الصوم المندوب، باب21، ح5: «مُحَمَّدُ بْنُ یعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَی عَنْ یعْقُوبَ بْنِ یزِیدَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِی الْوَشَّاءِ قَالَ حَدَّثَنِی نَجِیةُ بْنُ الْحَارِثِ الْعَطَّارُ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) ....»
3- تحقیق الأصول، ج4، ص102.

و ثالثاً: إنّ النسخ لایلائم ما ورد عن الإمام الباقر (علیه السلام) عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) من الأمر بصوم یوم عاشوراء.((1))

ص: 303


1- قال فی تحقیق الأصول، ج 4، ص103: «و ثالثاً: إنّ النسخ لایتلائم مع الروایة عن الإمام الباقر و التی فیها صدور الأمر بصوم عاشوراء عن أمیر المؤمنین علیه الصلاة و السلام». و هذه العبارة تضعیف لوقوع نسخ صوم یوم العاشور بنزول شهر رمضان و نذکر هنا بعض من قال ببطلان النسخ: ففی متشابه القرآن و مختلفه لابن شهر آشوب، ج2، ص152: «و أمّا إدّعاؤهم أنّ شهر رمضان نسخ صوم یوم عاشوراء فباطلٌ لأنّه لایمکن اجتماعهما فی حال». و فی تفسیر المیزان، ج2، ص8: «قوله تعالی: أیاماً معدودات، منصوبٌ علی الظرفیة بتقدیر فی و متعلق بقوله الصیام ... و قد مرّ أنّ قوله: شهرُ رمضان الذی أُنزل فیه القرآن (إلخ) بیانٌ للأیام فالمراد بالأیام المعدودات شهر رمضان . و قد ذکر بعض المفسرین: أنّ المراد بالأیام المعدودات ثلاث أیام من کلّ شهر و صوم یوم عاشوراء، و قال بعضهم: و الثلاث الأیام هی الأیام البیض من کل شهر و صوم یوم عاشوراء فقد کان رسول الله و المسلمون یصومونها، ثمّ نزل قوله تعالی: شهرُ رمضانَ الذی أنزل فیه القرآن الخ، فنسخ ذلک و استقرّ الفرض علی صوم شهر رمضان، و استندوا فی ذلک إلی روایات کثیرة من طرق أهل السنة و الجماعة لاتخلو فی نفسها عن اختلاف و تعارض و الذی یظهر به بطلان هذا القول أوّلاً» إلخ. و فی الصحیح من سیرة النبی الأعظم (صلی الله علیه و آله)، ج5، ص191: «... و فی الصحیحین و غیرهما أیضاً: عن عائشة، و غیرها: کانت قریش تصوم عاشوراء فی الجاهلیة، و کان رسول الله صلی الله علیه وآله یصومه، فلمّا هاجر إلی المدینة صامه، و أمر بصیامه، فلّما فرض شهر رمضان قال: من شاء صامه، و من شاء ترکه ... کذب تلک الروایات: و نحن نعتقد و نجزم بأنّ ذلک کله من نسج الخیال. فبعد غضّ النظر عن ... و عن تناقضها فیما بینها [و] یکفی [فیه] أن نذکر أنّ روایة تقول: ... و ثالثة: إنّه ترک یوم عاشوراء بعد فرض شهر رمضان ... فنحن بعد غضّ النظر عن ذلک نشیر إلی ما یلی: أوّلاً» إلخ. و فی قبالهم قال فی الفصول الغرویة، ص237: «فصلٌ: لا ریب فی جواز النسخ إلی المساوی و الأخفّ و الحقّ جوازه إلی الأثقل أیضا وفاقا للمحققین و خالف فی ذلک قومٌ لنا إنتفاء المانع و جواز قضاء المصلحة به و وقوعه کنسخ التخییر بین الصوم و الفدیة بتعیین الصوم و لا ریب أنّ التعیین أشقّ و نسخ صوم عاشوراء بصوم شهر رمضان و هو أشقّ و نسخ حبس الزانیة بالجلد و هو أشقّ من الحبس». هنا ثلاثة مطالب فی هذا الموضوع: المطلب الأول: روایات الشیعة هنا ثلاث روایات ذکر فیها ترک صوم عاشوراء الأولی: روایة نجبة بن الحارث المذکورة فی المتن. الثانیة: صحیحة محمد بن مسلم و زرارة. قال فی منتهی المطلب ط.ج. ج9، ص365 - 367: «روی ابن بابویه - فی الصحیح - عن محمّد بن مسلم و زرارة أنّهما سألا أبا جعفر الباقر (علیه السلام) عن صوم یوم عاشوراء، فقال: کان صومه قبل صوم شهر رمضان، فلمّا نزل شهر رمضان، ترک». الثالثة: ما رواه فی الکافی، ج1، ص290، باب ما نصّ الله عز و جل و رسوله علی الأئمة واحداً فواحداً، ح6 قال: «محمد بن یحیی، عن أحمد بن محمد ومحمد بن الحسین جمیعا، عن محمد بن إسماعیل ابن بزیع، عن منصور بن یونس، عن أبی الجارود، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال سمعت أبا جعفر (علیه السلام) یقول: فرض الله عز وجل علی العباد خمسا، أخذوا أربعا و ترکوا واحدا، قلت: أتسمیهن لی جعلت فداک؟ فقال: الصلاة و کان الناس لایدرون کیف یصلّون، فنزل جبرئیل علیه السلام فقال: یا محمد أخبرهم بمواقیت صلاتهم، ثم نزلت الزکاة فقال: یا محمد أخبرهم من زکاتهم ما أخبرتهم من صلاتهم، ثم نزل الصوم فکان رسول الله صلی الله علیه و آله إذا کان یوم عاشورا بعث إلی ما حوله من القری فصاموا ذلک الیوم فنزل شهر رمضان بین شعبان و شوال، ثمّ نزل الحج فنزل جبرئیل علیه السلام فقال: أخبرهم من حجّهم ما أخبرتهم من صلاتهم و زکاتهم و صومهم. ثمّ نزلت الولایة» الحدیث. المطلب الثانی: روایات أهل السنة و آراؤهم ذکر مسلم فی صحیحه سبع روایات فیها نسخُ صوم یوم عاشوراء بشهر رمضان، راجع: صحیح مسلم، ج3، ص146 – 151. المطلب الثالث: ما جاء فی تفسیر کلامه تعالی "أیّاماً معدودات" إنّ فیه ثلاثة أقوال و أحد الأقوال أنّ المراد ثلاثة أیام من کل شهر و یوم عاشورا. راجع زاد المسیر فی علم التفسیر، لابن الجوزی، ج1، ص168. و أمّا القائل بهذا القول [و هو أنّها ثلاثة أیام من کل شهر و یوم عاشوراء]: فنسب الشیخ الطبرسی و الرازی و الآلوسی هذا القول إلی قتادة: راجع مجمع البیان، ج2، ص9؛ تفسیر الرازی، ج5، ص78 و تفسیر الآلوسی، ج2، ص57. و لکن فی جامع البیان عن تأویل آی القرآن، ج2، ص177: «ثمّ إختلف أهل التأویل فیما عنی الله عزّ وجلّ بقوله: أیاما معدودات، فقال بعضهم: الأیام المعدودات: صوم ثلاثة أیام من کل شهر. قال: و کان ذلک الذی فرض علی الناس من الصیام قبل أن یفرض علیهم شهر رمضان ذکر من قال ذلک ... حدثنا الحسن بن یحیی، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن قتادة، قال: قد کتب الله تعالی ذکره علی الناس قبل أن ینزل رمضان صوم ثلاثة أیام من کل شهر». و فی التبیان فی تفسیر القرآن، ج2، ص116: «و قال عطا، و قتادة: الأیام المعدودات کانت ثلاثة أیام من کل شهر، ثم نسخ و کذلک روی عن ابن عباس». و نسب المقداد السیوری هذا القول إلی ابن عباس و جماعة: راجع کنز العرفان فی فقه القرآن، ج1، ص201. و لکنّ المنقول عن ابن عباس فی التبیان و مجمع البیان و فقه القرآن لیس إلّا القول الأوّل. (راجع جامع البیان عن تأویل آی القرآن ج2 - ص177؛ الدر المنثور فی التفسیر بالمأثور، ج1، ص176). و الذی وجدناه قائلاً بهذا القول هو معاذ بن جبل. (راجع جامع البیان ج2، ص177). و هنا قولٌ رابعٌ فی هذه الآیة و هو أنّ المراد من "أیاما معدودات" عشرة أیام من المحرم. راجع کتاب الخلاف، کتاب الصوم، ج2 - ص158. تنبیه: هل تحقق نسخ بصوم رمضان مع قطع النظر عن کون المنسوخ آیة "أیاما معدودات" و مع قطع النظر عن کون المنسوخ صوم یوم عاشوراء؟ یؤید تحقق النسخ الروایة المذکورة فی تهذیب الأحکام، ج4، ص153، ح8: «و عنه عن أحمد بن صبیح عن الحسین بن علوان عن عبد الله بن الحسن قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): شهر رمضان نسخ کل صوم و النحر نسخ کل ذبیحة، و الزکاة نسخت کل صدقة، و غسل الجنابة نسخ کل غسل».

ص: 304

یمکن أن یلاحظ علیه:

أمّا ضعف السند فهو بالنسبة إلی روایة الکلینی (قدس سره) مبنائی مع أنّ هنا روایة أُخری وردت بهذا المضمون و هی روایة الصدوق (قدس سره):مُحَمَّدُ بْنُ عَلِی بْنِ الْحُسَینِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَعْینَ وَ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ جَمِیعاً أَنَّهُمَا سَأَلَا أَبَا جَعْفَر ٍالْبَاقِرَ (علیه السلام) عَنْ صَوْمِ یوْمِ عَاشُورَاءَ؟ فَقَالَ کَانَ صَوْمُهُ قَبْلَ شَهْرِ رَمَضَانَ فَلَمَّا نَزَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ تُرِکَ.((1))

ص: 305


1- وسائل الشیعة، ج10، ص459، أبواب الصوم المندوب، ب21، ح1.

أمّا الإشکال الثانی: فیمکن أن یجاب عنه بعدم ورود الدلیل علی وجوب صوم یوم عاشوراء قبل نزول صوم شهر رمضان فما هو الثابت قبل نزول الشهر المبارک هو استحباب هذا الصوم فلا معنی لمتروکیة أصل الوجوب و بقاء استحبابه.

أمّا الإشکال الثالث: فیمکن أن یجاب عنه بأنّ القائل بالحرمة یری أنّ الروایات الآمرة بصوم یوم عاشوراء إمّا غیر صادرة و إما محمولة علی التقیة.

الإیراد الرابع علی القول بالحرمة:

إنّ الروایة قاصرة عن الدلالة علی الحرمة لأنّ المتروکیة لیست بمعنی الحرمة کما أنّ کلّ بدعة لیست بحرام إلّا أنّ هنا ما یدلّ علی حرمته و هو ما ورد فی الکافی من الإیعاد بالنار کما سیجیء إن شاء الله.((1))

القول الثانی: الکراهة
اشارة

دلیل هذا القول هو حمل الروایات الآمرة علی التقیة مع القول بأنّ الروایات الناهیة لاتدلّ علی أکثر من الکراهة.

الإیراد علیه:

إنّ فی الروایات الناهیة ما ورد فی الإیعاد بالنار و الحشر مع أمثال ابن مرجانة بالنسبة إلی طائفتین: الأولی من صام الیوم التاسع و العاشر، و الثانیة من تبرّک بهما((2)).

ص: 306


1- وسائل الشیعة، ج10، ص461، ب21، ح4.
2- وسائل الشیعة، ج10، ص641، عن الکافی ح3 و4، ب21، أبواب الصوم المندوب.
القول الثالث: الاستحباب
اشارة

منهم من یقول باستحبابه مطلقاً و منهم من یقول باستحبابه علی وجه الحزن و هو مختار الشیخ و ابن إدریس و المحقّق و صاحب الجواهر و صاحب الوسائل (قدس سره).

أمّا القول بالاستحباب بلا کراهیة فقد قوّاه المحقّق الخوئی (قدس سره) فی المستند و استدلّ علیه بضعف ما ورد فی النهی عنه و لکن اختار فی مقام الفتیا کراهة صوم یوم عاشوراء.

الإیراد علیه:

ناقش بعض الأساطین (حفظه الله) فی ما أفاده من ضعف ما ورد فی النهی عنه بأنّ هنا روایة ناهیة لا إشکال فی سندها و هو ما رواه صاحب المزار (محمد بن المشهدی) عن عماد الدین الطبری عن ابن الشیخ عن الشیخ عن المفید عن ابن قولویه و الصدوق عن الکلینی عن علی بن إبراهیم عن أبیه عن ابن أبی عمیر عن عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله (علیه السلام): ... «صُمْهُ مِنْ غَیرِ تَبْییتٍ، وَ أَفْطِرْ مِنْ غَیرِ تَشْمِیت وَ لَا تَجْعَلْهُ صَوْمَ یوْمٍ کَمَلا» إلی آخر الحدیث((1)).

ص: 307


1- فی المزار، ص473: «أَخْبَرَنَا الشَّیخُ الْفَقِیهُ الْعَالِمُ عِمَادُ الدِّینِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِی الْقَاسِمِ الطَّبَرِی قِرَاءَةً عَلَیهِ وَ أَنَا أَسْمَعُ فِی شُهُورِ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَ خَمْسِینَ وَ خَمْسِمِائَةٍ بِمَشْهَدِ مَوْلَانَا أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَیهِ، عَنِ الشَّیخِ الْمُفِیدِ أَبِی عَلِی الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ وَالِدِهِ الشَّیخِ أَبِی جَعْفَرٍ رَضِی اللهُ عَنْهُ، عَنِ الشَّیخِ الْمُفِیدِ أَبِی عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنِ ابْنِ قُولَوَیهِ وَ أَبِی جَعْفَرِ بْنِ بَابَوَیهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یعْقُوبَ الْکُلَینِی، عَنْ عَلِی بْنِ إِبْرَاهِیمَ، عَنْ أَبِیهِ، عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ ... فقلت: یا سیدی فما قولک فی صومه؟ فقال لی: صُمْهُ مِنْ غَیرِ تَبْییتٍ، وَ أَفْطِرْ مِنْ غَیرِ تَشْمِیت وَ لَا تَجْعَلْهُ صَوْمَ یوْمٍ کَمَلا» الحدیث. و نقله فی وسائل الشیعة، ج10، ص459، باب 21،ح7، أبواب الصوم المندوب عن المصباح عن عبد الله بن سنان.
القول الرابع: الأحوط وجوباً ترکه

ذهب إلیه بعض الأساطین (حفظه الله): إنّ هنا روایات متعارضة و متعلّقها شیء واحد و حیث لم نتمکن من الجمع العرفی بینها فلابدّ من إعمال قواعد باب التعارض و مقتضی القاعدة حمل الروایات الآمرة بالصوم علی التقیة.

و الإجماع علی الاستحباب لیس بحجّة لأنّه منقول مع أنّه مدرکی فالأحوط وجوباً ترک صوم یوم عاشوراء؛ هذا مختار بعض الأساطین (حفظه الله) و هو من أحسن الوجوه و إن کان القول بالحرمة أیضاً له وجه وجیه. ((1))

هذا کلّه بالنسبة إلی مثال القسم الأوّل.

فتحصّل إلی هنا: أنّ القاعدة الکلّیة فی القسم الأوّل هو جواز اجتماع حکمی الاستحباب و الکراهة فی المتعلّق الواحد، کما أنّ اجتماع استحباب الفعل و استحباب ترکه جائز من دون لزوم محذور استحالة فعلیة الطلبین.

فلابدّ من ملاحظة الأدلّة فی مقام الإثبات لتشخیص المورد أنّه من اجتماع الاستحباب و الکراهة أو من باب استحباب الفعل و استحباب الترک.

أمّا فی خصوص مثال صوم یوم عاشوراء فللحرمة وجه قوی و لو لم نقل به فالأحوط وجوباً ترکه.

ص: 308


1- تحقیق الأصول، ج4، ص104.
القسم الثانی من العبادات المکروهة: کالصلاة فی الحمام
اشارة

أجاب عنه صاحب الکفایة (قدس سره) بوجهین:

الوجه الأوّل: هو ما تقدّم فی القسم الأوّل طابق النعل بالنعل.

الوجه الثانی: أنّ النهی عن الصلاة فی الحمام یمکن أن یکون بحسب حصول منقصة فی الطبیعة المأموربها، لتشخّص هذه الطبیعة، بمشخّص غیر ملائم لها، فإنّ تشخّص الصلاة بوقوعها فی الحمام لایناسب کونها معراجاً و إن لم یکن نفس الکون فی الحمام بمکروه و لاحزازة فیه أصلاً بل کان راجحاً.

کما أنّ التشخّص قد یکون بما یلائم الصلاة ملاءمة شدیدة مثل الکون فی المسجد و أیضاً قد یکون بما لایکون له شدة الملاءمة و لا عدم الملاءمة مثل الکون فی الدار.

و النهی عن الصلاة فی الحمام إرشاد إلی المنقصة الحاصلة من تشخّص الطبیعة بالکون فی الحمام و أیضاً إرشاد إلی ما لا نقصان فیه من سائر الأفراد و أنّ سائر الأفراد یکون أکثر ثواباً من هذا الفرد و هذا مراد من قال: «إنّ الکراهة فی العبادة بمعنی أنّها تکون أقلّ ثواباً».

و لایخفی أنّ النهی فی القسم الثانی لایصحّ إلّا للإرشاد بخلاف القسم الأوّل فإنّه یکون فیه مولویاً و إن کان حمله علی الإرشاد بمکان من الإمکان.

کلام المحقّق النائینی (قدس سره) حول القسم الأوّل و الثانی:

((1))

أمّا علی القول بالجواز فلا إشکال فی صحّة العبادة و عدم کون دلیل النهی

ص: 309


1- أجود التقریرات، ج2، ص169.

التنزیهی مقیداً لإطلاق المأمور به، لأنّ المأمور به حینئذ یکون مغایراً للمنهی عنه بالهویة فلا موجب للتقیید.

أمّا علی القول بالامتناع و فرض وحدة الهویة فی الخارج ربّما یتوهّم التنافی بین وقوع المأتی به مصداقاً للمأمور به و اتّصافه با لکراهة فعلاً، لأنّ تضادّ الأحکام لایختصّ بالوجوب و الحرمة بل یعمّ الأحکام الإلزامیة و غیرها، ففرض کون العبادة مکروهة ینافی فرض کونها مصداقاً للواجب أو المستحب، فلامناص عن تقید دلیل الأمر بغیر موارد الکراهة، کما هو الحال فی ما إذا کان النهی تحریمیاً.

و لکن التحقیق: أنّ العبادة علی هذا القول و إن کانت منهیاً عنها لامحالة إلّا أنّ النهی عن حصّة خاصّة لایوجب تقیید المأمور به بغیرها ما لم یکن النهی تحریمیاً أو کان النهی مسوقاً لبیان المانعیة.

فإنّ النهی هنا تنزیهی و النهی التنزیهی و إن کان مضاداً للوجوب لتضادّ الأحکام بأسرها و لازم ذلک أن لایتعلّق الأمر بعین ما تعلّق به النهی و لو کان النهی تنزیهیاً إلّا أنّ النهی عن بعض أفراد المأمور به لایستلزم اجتماع الحکمین المتضادّین فی شیء واحد، لأنّ الأمر علی الفرض لم یتعلّق إلّا بصرف وجود الطبیعة مع قطع النظر عن جمیع خصوصیاته الطارئة علیه، و أمّا النهی التنزیهی فهو متعلّق بخصوص حصّة خاصّة دون صرف وجود الطبیعة، فالنهی التنزیهی بما أنّه یتضمّن الترخیص فی إیجاده لایقع التنافی بینه و بین الإطلاق المزبور، فلا موجب لرفع الید عن الإطلاق بسببه، فیجزی فی مقام امتثال الأمر المتعلّق بصرف الوجود الإتیانُ بالفرد المنهی عنه تنزیهاً و إن کان الامتثال المتحقّق به مرجوحاً بالإضافة إلی غیره.

و لعلّ من فسّر الکراهة فی العبادة بأقلّیة الثواب أراد به ما ذکرناه، لا أنّ النهی

ص: 310

استعمل فی غیر طلب الترک إرشاداً إلی کون متعلّقه أقلّ ثواباً من غیره، فعلی ذلک یکون النهی مستعملاً فی طلب الترک لمرجوحیة الفعل، لکن المرجوحیة إنّما هی فی تطبیق المأمور به علی الفرد المنهی عنه تنزیهاً و هو لاینافی الرخصة فی تطبیقه علیه، إلّا أنّها توجب أقلّیة الثواب عند تحقّق الامتثال بذلک الفرد.

إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) علی هذا الکلام علی القول بالامتناع:

((1))

إنّه اعترف بوجود التضادّ بین الأمر الوجوبی و النهی التنزیهی، فیشکل علیه بأنّ الضدّین متقابلان فلایجتمعان، فالحقّ مع القائلین بأنّ هذا النهی لیس مولویاً، بل هو إرشاد إلی أقلّیة الثواب (هذا بناء علی الامتناع).

ص: 311


1- تحقیق الأصول، ج4، ص106.
القسم الثالث من العبادات المکروهة: کالصلاة فی موضع التهمة

أجاب عنه صاحب الکفایة (قدس سره) أیضاً بوجهین:

الوجه الأوّل: أن یکون النهی مولویاً و متعلّقاً بالعنوان المتّحد مع العبادة أو العنوان الملازم لها فالنهی لایتعلّق بالعبادة حقیقة بل یتعلّق بها بالعرض و المجاز.

الوجه الثانی: أن یکون النهی إرشادیاً بمعنی أنّه إرشاد إلی غیر العبادة المنهی عنها من سائر الأفراد التی لاتکون متّحدة معه و لا ملازمة له بمعنی أنّه إرشاد إلی حزازة هذا العنوان و عدم حزازة سائر الأفراد من العبادة، بحیث یتمکّن المکلّف من استیفاء مزیة العبادة بلا ابتلاء بحزازة ذاک العنوان أصلاً؛ هذا علی القول بجواز الاجتماع.

أمّا علی القول بالامتناع فإن کان المنهی عنه عنواناً ملازماً للعبادة فیتعدّد متعلّق الأمر و النهی و إن کان المنهی عنه عنواناً متّحداً مع العبادة و قلنا حینئذ بترجیح جانب الأمر فتصحّ العبادة و هذا النهی یرجع إلی الوجه الثانی الذی أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی القسم الثانی لأنّ اتّحاد العنوان المنهی عنه مع العبادة، یوجب تشخّصها بما لایلائم العبادة المأمور بها و النهی یکون إرشاداً إلی هذه المنقصة.

و النهی و الکراهة المستفاد منه فی القسم الثانی و أیضاً فی القسم الثالث بناءً علی الامتناع یدلّ علی أقلّیة الثواب.

أمّا النهی فی القسم الأوّل و أیضاً فی القسم الثالث بناء علی الجواز فلایمکن تفسیره بأقلّیة الثواب (القائل بالجواز یقول بتعدّد المتعلّق و عدم استحالة اجتماع الأمر و النهی فلا محذور عنده من اجتماع الحکمین).

ص: 312

تنبیه: فی الاضطرار إلی ارتکاب الحرام

اشارة

إنّ الاضطرار إلی فعل الحرام فی ما إذا کان الفعل متعلّق الوجوب البدلی قد لایکون بسوء اختیار المکلّف و قد یکون بسوء اختیاره، فهنا مقامان:

المقام الأوّل: الاضطرار إلی الحرام لا بسوء الاختیار

اشارة

فیه فائدة:

بیان المحقّق النائینی (قدس سره)ک
اشارة

((1)):

إنّ اعتبار القیود العدمیة علی ثلاثة أقسام، لأنّه إمّا أن یکون مدلولاً للنهی الغیری فیکون التقیید مستفاداً من الدلیل ابتداءً و إمّا أن یکون مستفاداً بالدلالة الالتزامیة من النهی النفسی الدالّ علی الحرمة کما فی موارد النهی عن العبادة، أو موارد اجتماع الأمر و النهی بناء علی الامتناع من الجهة الأولی و إمّا أن یکون لأجل مزاحمة المأمور به للمنهی عنه مع فرض تقدیم جهة الحرمة علی الوجوب.

ص: 313


1- أجود التقریرات، ج2، ص182.

أمّا القسم الأوّل أعنی به ما إذا کان اعتبار القید العدمی فی المأمور به مدلولاً ابتدائیاً للنهی الغیری کما فی النهی عن الصلاة فی أجزاء ما لایؤکل لحمه فمقتضی إطلاق دلیل التقیید فیه علی تقدیر تمامیة مقدّماته هو اعتبار القید فی المأمور به فی جمیع أحوال المکلّف، و لازم ذلک هو سقوط الأمر عند انحصار الامتثال بالفرد الفاقد للقید، کما فی صورة الاضطرار إلی لبس الحریر أو غیر المأکول، المعتبر عدمهما فی الصلاة، إلّا أنّ ما دلّ علی أنّ الصلاة لاتسقط بحال قد دلّ علی إلغاء الشارع کلّ قید من قیودها فی حال العجز عن تحصیله.

أمّا القسم الثانی أعنی به ما إذا کان اعتبار القید العدمی مستفاداً من النهی النفسی فإن قلنا فیه بکون التقیید تابعاً للحرمة و متفرعاً علیها کما هو المشهور، فمقتضی القاعدة فیه سقوط القید عند الاضطرار، لسقوط علّته المقتضیة، أعنی بها الحرمة (بمعنی أنّ تقیید الصلاة بغیر المغصوب معلول لحرمة التصرف فی مال الغیر).

و أمّا إذا قلنا بکون التقیید و الحرمة معلولین للنهی فی مرتبة واحدة من دون سبق و لحوق بینهما، فیکون حاله حال القسم الأوّل فی أنّ القاعدة الأوّلیة فیه تقتضی سقوط الأمر عند تعذّر قیده، و القاعدة الثانویة تقتضی سقوط التقیید و لزوم الإتیان بکلّ ما أمکن الإتیان به من أجزاء الصلاة و شرائطها.

(و الفرق بین القول الأوّل و هو مختار المشهور و القول الثانی و هو مختار المحقق النائینی (قدس سره) هو بحسب القاعدة الأوّلیة).

فإنّ الصلاة هنا متقیدة بالقید العدمی و هو عدم کونها فی المکان الغصبی و المشهور یقولون: إنّ تقیید الصلاة بهذا القید العدمی تابع للحرمة المستفادة من

ص: 314

النهی فمع ارتفاع الحرمة بالاضطرار یرتفع تقیید الصلاة، فلابدّ من امتثال الصلاة بإطلاقها.

أمّا المحقّق النائینی (قدس سره) فیقول: إنّ تقیید الصلاة بهذا القید العدمی و الحرمة کلاهما معلولان للنهی و علی هذا لو ارتفعت الحرمة بدلیل الاضطرار لایضرّ ذلک بتقیید الصلاة بالقید العدمی المذکور و حینئذ تقتضی القاعدة الأوّلیة سقوط الصلاة لتعذّر حصول قیده فلو صلّی فی المکان الغصبی لم یکن ممتثلاً لعدم امتثال الصلاة المقیدة بالقید العدمی و امتثال المأمور به و هو الصلاة المقیدة متعذّرة و نتیجة ذلک سقوط الأمر بالصلاة بحسب القاعدة الأوّلیة.

أمّا القاعدة الثانیة فأوجبت إتیان الصلاة بحسب ما یمکن و هو إتیانها بدون القید العدمی المذکور.

أمّا القسم الثالث أعنی به ما إذا کان اعتبار القید العدمی ناشئاً من مزاحمة المأمور به للمنهی عنه، فالقاعدة فیه تقتضی سقوط التقیید عند الاضطرار، لأنّ التزاحم فرع وجود التکلیف التحریمی و تنجّزه کی یکون معجزاً للمکلّف عن الإتیان بالمأمور به و معذّراً له فی ترکه، فإذا فرض سقوط الحرمة بالاضطرار لم یبق موضوع للتزاحم الموجب لعجز المکلّف شرعاً عن الإتیان بالمأمور به، فلامحالة یسقط التقیید و یبقی الأمر متعلّقاً بغیر المقید.

إیرادان علی نظریة المحقق النائینی (قدس سره):
الإیراد الأوّل: عن المحقّق الخوئی (قدس سره) فی القسم الثانی
اشارة

((1))

التحقیق صحّة ما ذهب إلیه المشهور لأنّ دلالة النهی علی عدم وجوب

ص: 315


1- حاشیة أجود التقریرات، 2ج، ص182.

متعلّقه بالدلالة الالتزامیة إنّما هی بتبع دلالته علی حرمته بالمطابقة و قد تقدّم أنّ الدلالة الالتزامیة تابعة للدلالة المطابقیة وجوداً و حجّیةً، فإذا سقطت الدلالة المطابقیة سقطت الدلالة الالتزامیة أیضاً، فلا مانع من التمسّک بإطلاق دلیل الأمر فی ما إذا سقطت الحرمة باضطرار و نحوه، کما هو الحال فی ما إذا ورد التخصیص علی دلیل النهی من أوّل الأمر.

ملاحظة بعض الأساطین (حفظه الله):

((1))

إنّ ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) مبنی علی ما اختاره من تبعیة الدلالة الالتزامیة للدلالة المطابقیة فی الحجّیة و هذا المبنی صحیح بلا إشکال، و لکن ذلک إیراد مبنائی لأنّ المحقّق النائینی (قدس سره) لایقول بذلک فإنّه یعتقد عدم تبعیة الدلالة الالتزامیة للمطابقیة.

الإیراد الثانی: عن بعض الأساطین (حفظه الله) و هو اثنان:
اشارة

الإیراد الثانی: عن بعض الأساطین (حفظه الله) ((2)) و هو اثنان:

1- إیراده (حفظه الله) علی بیان المحقق النائینی (قدس سره) فی الدورة الأخیرة:

إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) قال فی الدورة الأخیرة (فی أجود التقریرات): إنّ النهی علّة للتقیید و للحرمة معاً.

و یرد علیه: أنّ حدیث الرفع یجری فی المقام و نتیجة ذلک (رفع ما اضطروا إلیه رفع واقعی بالنسبة إلی الاضطرار و الإکراه و النسیان و رفع ظاهری بالنسبة إلی الجهل) هو عدم بقاء النهی فی صورة الاضطرار و مع ارتفاع النهی یرتفع

ص: 316


1- تحقیق الأصول، ج4، ص111.
2- نفس المصدر.

الحرمة و تقیید الصلاة بالقید العدمی المذکور لأنّ النهی علّة لهما عند المحقّق النائینی (قدس سره)، فعلی هذا تکون القاعدة الأوّلیة علی مبنی المحقّق النائینی (قدس سره) هو سقوط التقیید لا سقوط الأمر المقید بهذا القید العدمی فالقاعدة الأوّلیة بناء علی مسلک المشهور و هو المختار و أیضاً بناء علی مسلک المحقّق النائینی (قدس سره) هی سقوط تقیید الأمر بالقید العدمی فلابدّ للمکلّف حینئذ من إتیان الصلاة فی المکان الغصبی فی صورة الاضطرار لا بسوء الاختیار.

2- إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) علی بیان المحقّق النائینی (قدس سره) فی الدورة الأُولی:

((1))

إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) استشکل فی الدورة الأُولی بیانه السابق فقال:((2))

أمّا القیدیة المستفادة من النهی النفسی فهی تابعة للنهی و بعد سقوط النهی بالاضطرار تسقط القیدیة فقط و لا موجب لسقوط المقید؛ هذا و لکن للتأمل فی ذلک مجال، لأنّ القیدیة و إن استفیدت من النهی، إلّا أنّها لیست معلولة للنهی، بل هی معلولة للملاک الذی أوجب النهی، فالحرمة و القیدیة معلولان لعلّة ثالثة و هو الملاک، و سقوط أحد المعلولین بالاضطرار لایوجب سقوط المعلول الآخر.

و یرد علیه: أنّ الملاک البالغ إلی حدّ الغرضیة للمولی هو الذی یؤثر فی الحرمة و التقیید معاً، أمّا الملاک الذی زاحمه المفسدة کما لایؤثر فی الحکم بالحرمة لایؤثر فی تقیید الصلاة بالقید العدمی فالقاعدة الأوّلیة هی سقوط التقیید لا سقوط الأمر فالحق مع المشهور.

ص: 317


1- تحقیق الأصول، ج4، ص111.
2- فوائد الأصول ج1-2، ص445.
فائدة: فی حکم الصلاة عند الاضطرار لا بسوء الاختیار
اشارة

هنا حالتان:

الحالة الأُولی: إذا لم یتمکّن من الخروج
اشارة

فیها ثلاثة أقوال:

القول الأوّل:
اشارة

قال بعض الأعلام مثل صاحب الجواهر و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) بلزوم الصلاة مع جمیع الأجزاء و الشرائط.

استدلال صاحب الجواهر (قدس سره):

((1))

«إنّه لو کان مکرهاً علی الکون فی المکان لحبس بباطل من المالک أو غیره لا علی هیأة مخصوصة أو خوف علی النفس أو غیر ذلک من وجوه الإکراه تصحّ منه صلاة المختار ضرورة عدم الفرق بینه و بین المأذون فی الکون بعد اشتراکهما فی إباحته و حلّیته.

نعم لو استلزمت الصلاة تصرّفاً زائداً علی أصل الکون لم یجز، لعدم الإذن فیه لا ما إذا لم تستلزم، فإنّها حینئذ أحد أفراد الکون الذی فرض الإذن فیه، علی أنّ القیام و الجلوس و السکون و الحرکة و غیرها من الأحوال متساویة فی شغل الحیز و جمیعها أکوان و لا ترجیح لبعضها علی بعض، فهی فی حدّ سواء فی الجواز، و لیس مکان الجسم حال القیام أکثر منه حال الجلوس، نعم یختلفان فی

ص: 318


1- جواهر الکلام، ج8، ص299 - 300.

الطول و العرض، إذ الجسم لایحویه الأقل منه و لایحتاج إلی أکثر ممّا هو ظرفه کما هو واضح بأدنی تأمل.

و من الغریب ما صدر من بعض متفقه العصر، بل سمعته من بعض مشایخنا المعاصرین من أنّه یجب علی المحبوس الصلاة علی الکیفیة التی کان علیها أوّل الدخول إلی المکان المحبوس فیه إن قائماً فقائم و إن جالساً فجالس، بل لایجوز له الانتقال إلی حالة أُخری فی غیر الصلاة أیضاً لما فیه من الحرکة التی هی تصرف فی مال الغیر بغیر إذنه. و لم یتفطّن أنّ البقاء علی الکون الأوّل تصرّف أیضاً لا دلیل علی ترجیحه علی ذلک التصرّف ...

و قد صرّح بعض هؤلاء أنّه لیس له حرکة أجفان عیونه زائداً علی ما یحتاج إلیه و لا حرکة یده أو بعض أعضائه کذلک ... أعاذ الله الفقه من أمثال هذه الخرافات».

القول الثانی:
اشارة

قال جماعة آخرون منهم المحقّق النائینی (قدس سره) بالاقتصار علی الإیماء بدلاً عن الرکوع و السجود.

استدلال المحقّق النائینی (قدس سره):
اشارة

((1))

إنّ جماعة حکموا بلزوم الاقتصار علی قدر الضرورة من التصرفات التی لابدّ منها عند الاضطرار إلی الغصب، فلم یجوّزوا التصرّف الزائد علی ذلک رتّبوا علیه وجوب الإیماء فی الصلاة بدل الرکوع و السجود عند الاضطرار إلی

ص: 319


1- أجود التقریرات، ج2، ص184.

التصرّف فی المکان المغصوب لأنّ الرکوع و السجود تصرّف زائد علی قدر الضرورة فلا موجب لسقوط حرمتهما.

و قد أُورد علی ذلک بأنّ الجسم إذا کان لابدّ من أن یشغل مقداراً معیناً من الحیز بقدر حجمه کیفما کان وضعه و لایختلف مقدار حیزه باختلاف أوضاعه فلا موجب لسقوط وجوب الرکوع و السجود لینتقل التکلیف إلی وجوب الإیماء.

و فیه: أنّ الاعتبار فی صدق التصرّف الزائد علی قدر الضرورة إنّما هو بنظر العرف لابالدقّة الفلسفیة و لا ریب فی أنّ الرکوع و السجود یعدّان عرفاً من التصرّف الزائد فلایکون الاضطرار إلی الغصب موجباً للترخیص فیهما، فلابدّ من الاقتصار علی الإیماء بدلاً عنهما.

إیرادان علی استدلال المحقّق النائینی (قدس سره):
الإیراد الأوّل: من المحقّق الخوئی (قدس سره)

((1))

أوّلاً: إنّ المکلّف إذا کان مضطراً إلی المکث فی المکان المغصوب لا فرق بین أن یکون راکعاً أو ساجداً فیه و أن یکون قائماً فکما أنّ الرکوع أو السجود تصرّف فیه کذلک القیام تصرّف فیه أیضاً، فلا وجه حینئذ للقول بلزوم الاقتصار علی الإیماء بدلاً عن الرکوع و السجود.

ثانیاً: إنّ دعوی أنّ الرکوع والسجود یعدّان بنظر العرف من التصرّف الزائد فهی دعوی بلا بینة و برهان.

ص: 320


1- حاشیة أجود التقریرات، ج2، ص184.
الإیراد الثانی: من بعض الأعلام

((1))

إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) صرّح مراراً بأنّ نظر العرف إنّما یتبع فی تعیین المفاهیم و تحدیدها سعة و ضیقاً، و أمّا فی تطبیق المفهوم علی المصداق فهو لایتّبع بل لابدّ من إعمال الدقّة العقلیة.

القول الثالث: نظریة بعض الأساطین (حفظه الله)

((2))

إنّ العسر و الحرج بناء علی المختار شخصیان لا نوعیان فعلی هذا یختلف الحکم بحسب اختلاف الأشخاص، فمن یتمکّن من البقاء علی حالة واحدة فی زمن طویل فلایجوز له صلاة المختار بل لابدّ أن یصلّی إیماءً.

الحالة الثانیة: إذا تمکّن من الخروج
اشارة

هنا صورثلاث:

الصورة الأُولی:

و هی أن یتمکّن من الخروج من الأوّل فإن قلنا بامتناع الاجتماع فلابدّ من الإتیان بالصلاة خارج المکان المغصوب و لو صلّی فیه تکون الصلاة باطلة و أمّا إن قلنا بالجواز فیجب علیه الصلاة خارج المکان الغصبی و لکن الصلاة صحیحة.

ص: 321


1- زبدة الأصول، ج3، ص101.
2- تحقیق الأُصول، ج4، ص113.
الصورة الثانیة:

و هی أنّه فعلاً مضطرّ بالکون فی المکان المغصوب و لکن یتمکّن بعد ساعة مثلاً من الخروج و أداء الصلاة خارج المکان المغصوب.

فإن قلنا بأنّ الرکوع و السجود لیسا تصرّفاً زائداً علی قدر الضرورة کما هو مختار المحقّق الخوئی (قدس سره) تبعاً لصاحب الجواهر (قدس سره)، فله أن یصلّی فی المکان الغصبی و الصلاة صحیحة لأنّ الاضطرار یوجب ارتفاع النهی بالنسبة إلی حرکاته فی هذا المکان و هو یتمکّن من الصلاة التامّة الأجزاء و الشرائط مع الرکوع و السجود بحسب الفرض فلایجب علیه التأخیر بل یجوز الإتیان بها فی ظرف الاضطرار و یحکم علیها بالصحة.

و إن قلنا بأنّ الرکوع و السجود تصرّف زائد علی قدر الضرورة کما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) فلایجوز له أن یصلّی فی هذا المکان الغصبی لأنّ صلاته فی هذا المکان لابدّ أن یکون بالإیماء بدلاً عن الرکوع و السجود و إلّا یکون غصباً و حراماً و حینئذ یحکم علیه ببطلان الصلاة لأنّه متمکّن من الصلاة التامّة الأجزاء و الشرائط فی المکان المباح فلایجزی له الصلاة التامّة الأجزاء فی المکان الغصبی و لایجزی له أیضاً الصلاة غیر التامّة الأجزاء بالإیماء بدلاً عنهما (الرکوع و السجود).

و بعض الأساطین (حفظه الله) اختار هنا بطلان الصلاة لفرض التمکّن من الصلاة التامّة الأجزاء و الشرائط خارج المکان الغصبی.

الصورة الثالثة:

و هی أن یتمکّن من الخروج آخر الوقت، و لکن لایسعه الوقت لأن یصلّی

ص: 322

خارج المکان الغصبی صلاة تامّة الأجزاء و الشرائط، کما أنّه لایجوز له البقاء فی المکان الغصبی و لو بقدر الصلاة، لأنّه متمکّن من الخروج حسب الفرض.

و المتعین فی هذه الصورة هو أن یصلّی فی حال خروجه من المکان المغصوب و أن یأتی بالإیماء بدلاً عن الرکوع و السجود، أمّا علی مسلک المحقّق النائینی (قدس سره) فواضح.

و أمّا علی مسلک صاحب الجواهر و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) فیجب الإیماء أیضاً بدل عن الرکوع و السجود لأنّ الإتیان بالرکوع و السجود یستلزم التوقف الزائد فی الأرض الغصبی فلذا صرّح المحقّق الخوئی (قدس سره) فی حاشیة الأجود((1))بأنّ الأمر ینتقل من الرکوع و السجود بالإیماء بدلاً عنهما.

ص: 323


1- أجود التقریرات، ج2، ص185.

المقام الثانی: فی الاضطرار إلی الحرام بسوء الاختیار

اشارة

و هذا مثل ما إذا وقع الشخص فی وسط الأرض المغصوبة باختیاره، فلابدّ أن نتکلّم من جهتین: الأُولی: حکم الخروج فی حدّ ذاته و الثانیة: حکم الصلاة فی المکان الغصبی.

الجهة الأُولی: فی حکم الخروج فی حدّ ذاته
اشارة

اختلف فیه الأعلام و نذکر هنا خمسة أقوال:

القول الأوّل: الحرمة
اشارة

إنّ الخروج فی حدّ ذاته حرام شرعاً، لأنّه غصب و لایضرّ فی ذلک کونه مضطراً لأنّ الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار.((1))

استشکله بعض الأساطین (حفظه الله):

((2))

إنّ البقاء فی الأرض الغصبی أیضاً حرام فلو کان الخروج حراماً یلزم اجتماع المتناقضین فی حکم الشارع و هو محال.

القول الثانی: نظریة المحقّق القمی (قدس سره)
اشارة

((3))

إنّ الخروج واجب فعلاً و حرام فعلاً، أمّا وجه الوجوب فهو أنّ التخلّص

ص: 324


1- نسبه فی التقریرات إلی صاحب الإشارات ففی مطارح الأنظار، ج1، ص713: «حجة القول بکونه منهیا عنه غیر مأمور به کما یظهر عن بعض الأفاضل فی الإشارات» إلخ.
2- تحقیق الأصول، ج4، ص115.
3- القوانین، ص152.

من الغصب واجب بنفسه و أمّا وجه الحرمة فهو أنّه غصب و الاضطرار لایرفع الحرمة، لأنّ الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار عقاباً و خطاباً.

إیرادات أربعة علی القول الثانی:
الإیراد الأوّل: من صاحب الکفایة (قدس سره)

((1))

إنّ اجتماع الأمر و النهی فی شیء واحد بعنوانین محال کما تقدّم.

الإیراد الثانی: من صاحب الکفایة (قدس سره) أیضاً
اشارة

((2))

إنّ متعلّق الأمر و النهی هنا عنوان واحد و هو الخروج فإنّه متعلّق الأمر حیث إنّه سبب للتخلّص و السببیة جهة تعلیلیة للحکم بالوجوب علی الخروج و هو متعلّق النهی حیث إنّه کان بغیر إذن المالک.

ملاحظة علی الإیراد الأوّل و الثانی:

یلاحظ علی کلا الإیرادین ما تقدّم من القول بالجواز و إن کان المجمع عنواناً واحداً.

الإیراد الثالث: من صاحب الکفایة (قدس سره) أیضاً
اشارة

((3))

إنّ جواز اجتماع الأمر و النهی عند القائلین به مشروط بوجود المندوحة و هنا لاتوجد المندوحة لأنّ التخلّص عن الحرام لایتحقّق إلّا بالخروج المحرم.

ص: 325


1- کفایة الأصول، ص172.
2- کفایة الأصول، ص173.
3- نفس المصدر.
یلاحظ علیه:

إنّ هذا الإیراد أیضاً مبنائی فلو قلنا بعدم اعتبار المندوحة کما هو الحقّ فلایرد هذا الإشکال.

الإیراد الرابع: من بعض الأساطین (حفظه الله)

((1))

إنّ الوجوب و الحرمة کلاهما غیر ثابتان أمّا الوجوب فلا دلیل علیه لأنّ المستفاد من الأدلّة حرمة الغصب أمّا وجوب التخلّص منه فلم یقم علیه دلیل.

أمّا الحرمة فلم تثبت فی صورة الاضطرار لأنّ قاعدة «الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار» عقلیة و الحاکم فیها هو العقل [و اختلفوا فیها علی ثلاثة أقوال: بعضهم قالوا: الامتناع بالاختیار ینافی الاختیار عقاباً و خطاباً و بعضهم قالوا: الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار عقاباً و خطاباً بمعنی أنّه مستحق للعقاب و یتوجه إلیه الخطاب و بعض آخر قالوا: لاینافی الاختیار عقاباً و ینافیه خطاباً فهو مستحق للعقاب و لکن لایتوجّه إلیه الخطاب و العقل یحکم بصحّة القاعدة علی الوجه الأخیر أی القول الثالث من الأقوال الثلاثة فی القاعدة]((2)) و العقل یری قبح التکلیف نحو العاجز و المضطر و إن کان ذلک بسوء اختیاره کما أنّ من ألقی نفسه من مکان مرتفع لایمکن توجّه الخطاب بوجوب حفظ النفس فی

ص: 326


1- تحقیق الأصول، ج4، ص116.
2- تقدم فی ج4 ص289: أن فی المسألة مسالک ثلاثة و إیراد المحقق الخوئی علی المسلک الأول و الثانی و أن الحق هو المسلک الثالث فراجع البحث الثانی (مقدمة الواجب و فیه فصلان)، الفصل الأول (فی ذکر التقسیمات و فیه أمور ثلاثة)، الأمر الثالث (فی تقسیمات الواجب و هی ثلاثة)، التقسیم الأول (الواجب المعلق و المنجز و فیه ثلاثة مواضع)، الموضع الثالث (ثمرة البحث عن الواجب المعلق و هی مسألتان)، المقدمة (و فیها مطلبان)، المطلب الأول (الامتناع بالاختیار هل ینافی الاختیار؟)

حال السقوط فالحرمة مرتفعة بالاضطرار و لکنّه مستحق للعقاب بحکم العقل.

القول الثالث: نظریة صاحب الفصول (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ الخروج مأمور به و یجری حکم المعصیة علیه نظراً إلی النهی السابق الساقط بالاضطرار، و أمّا وجوب التخلّص عن الغصب فإمّا نفسی و إمّا غیری (من باب مقدّمیته للکون فی خارج الأرض الغصبی).((2))

إیرادان علی صاحب الفصول (قدس سره):
الإیراد الأوّل: عن المحقّق الخراسانی و المحقّق النائینی (قدس سرهما)
اشارة

((3))

یلزم اتصاف فعل واحد بعنوان واحد بالوجوب و الحرمة و لایرتفع غائلته باختلاف زمان التحریم و الإیجاب قبل الدخول و بعده.

یلاحظ علیه:

ما تقدّم من جواز اجتماع الحکمین و إن کان متعلقهما عنواناً واحداً.

ص: 327


1- الفصول، ص138.
2- إختار هذا القول فی عنایة الأصول، ج2، ص90 – 91 قال: «إنّ المصنف و إن أصاب فی دعوی عدم الحرمة للخروج فعلا لسقوطها بحدوث الإضطرار إلیه و هکذا فی دعوی جریان حکم المعصیة علیه لکونه منهیا عنه بالنهی السابق و قد عصاه بسوء الإختیار و لکن لم یصب فی دعوی عدم کونه مأمورًا به مع کونه مقدمة للواجب الأهمّ و هو التخلّص عن الغصب فإنّ مجرد کون التوقف و الإنحصار بسوء الإختیار مما لایسوّغ عدم ترشّح الوجوب إلیه غیریا بعد توقّف الأهمّ علیه فعلا ما لم یرفع المولی یده عن الأهم أو نحن نرفع یدنا عن الملازمة التی إدّعیناها فی بحث مقدمة الواجب وجوب ذی المقدمة و وجوب المقدمة و علیه فالحقّ فی المقام هو ما ذهب إلیه الفصول من القول بعدم حرمة الخروج فعلا و جریان حکم المعصیة علیه مع الإلتزام بوجوبه غیریا مقدمة للتخلص عن الغصب».
3- کفایة الأصول، ص172؛ أجود التقریرات، ج2، ص188.
الإیراد الثانی: عن بعض الأساطین (حفظه الله)

((1))

أمّا الوجوب النفسی فلا دلیل إثباتی علیه کما تقدّم فی الإیراد علی نظریة المحقّق القمی (قدس سره) و أمّا الوجوب الغیری فیبتنی أوّلاً علی وجوب المقدّمة و ثانیاً علی وجوب الکون فی خارج المکان الغصبی و کلاهما أوّل الکلام.

أمّا النهی فیکشف عن مفسدة ملزمة فی التصرّف بالخروج ثابتة قبل دخول الشخص فی المکان الغصبی و لکنها معارضة و مزاحمة بالمصلحة الملزمة فی الخروج عن المکان الغصبی.

القول الرابع: نظریة الشیخ الأنصاری وتبعه المحقّق النائینی (قدس سرهما)
اشارة

القول الرابع: نظریة الشیخ الأنصاری((2)) وتبعه المحقّق النائینی (قدس سرهما)

إنّه واجب شرعاً و لایجری علیه حکم المعصیة، لدخوله فی کبری قاعدة وجوب ردّ المال إلی مالکه و لا ربط له بقاعدة عدم منافاة الامتناع بالاختیار للاختیار من جهة العقاب و الخطاب أو من جهة العقاب فقط.

فالخروج بملاحظة کونه مصداقاً للتخلّص عن الحرام أو سبباً له لیس إلّا مطلوباً و یستحیل أن یتّصف بغیر المحبوبیة و یحکم علیه بغیر المطلوبیة.

و حال التصرّف الخروجی حال شرب الخمر المتوقف علیه النجاة من الهلاک فی الاتّصاف بالوجوب فی جمیع الأوقات.((3))

ص: 328


1- تحقیق الأُصول، ج4، ص117.
2- مطارح الأنظار، ص153.
3- و اختار هذا القول الشیخ محمد تقی الآملی قال فی مصباح الهدی فی شرح العروة الوثقی، ج8، ص51: «و إنّما الکلام فی صحة صومه لو اغتسل حال الخروج فإنّه یکون کالخروج من الدار الغصبیة إذا دخلها عامدا، و قد اختلف فی حکمه علی أقوالٍ: منها أنّه واجب و حرام معاً ... و منها أنّه واجب بالوجوب الفعلی للأمر المتعلق به فعلا و لیس بحرامٍ بالنهی عنه لا فعلا و لا بالنهی السابق الساقط بالإضطرار، و یکون المقام خارجاً عن مورد الإمتناع بالإختیار لکی یقال: ببقاء النهی فعلا خطابا و ملاکا أو سقوطه کک أو سقوط خطابا و بقائه ملاکا، بل الخروج عن الدار الغصبی مأمور به بالأمر الفعلی بلا تعلق نهی به ... و هذا القول هو المرضی عند الشیخ الأکبر قده و هو الحقیق بالقبول و قد بسطنا الکلام فی تنقیحه فی الأصول بما لا مزید علیه، و یترتب علیه صحة الصلاة فی حال الخروج فی ضیق الوقت، لعدم اجتماعها مع النهی عن الکون الصلاتی أصلاً کما یترتّب علی الأقوال الأربعة الأولی صیرورة المقام من صغریات باب اجتماع الأمر و النهی إمّا ملاکا فقط أو ملاکا و خطابا معاً، هذا حکم الخروج عن الدار الغصبی».
إیرادان علی نظریة الشیخ الأنصاری (قدس سره):
اشارة

((1))

الإیراد الأوّل: عن صاحب الکفایة (قدس سره)

إنّ الخروج عن المکان الغصبی إنّما یکون حسناً عقلاً و مطلوباً شرعاً بالفعل (و إن کان قبیحاً ذاتاً حیث إنّه من مصادیق الغصب) بشرطین: الشرط الأوّل هو أن لایتمکّن المکلّف من التخلّص بدونه و الشرط الثانی هو أن لایقع بسوء اختیاره.

و لکن الخروج هنا وقع بسوء اختیار المکلّف لأنّه قبل الدخول فی المکان المغصوب کان متمکّناً من التصرّف الخروجی کما یتمکّن من الدخول غایة الأمر أنّه متمکّن من الدخول بلا واسطة و من الخروج بالواسطة و مجرد عدم التمکن منه إلّا بالواسطة لایخرجه عن کونه مقدوراً، فکما یکون ترک البقاء مطلوباً فی جمیع الأوقات کذلک الخروج؛ و البقاء فی المکان المغصوب مثل الخروج منه فی أنّ کلیهما متفرعان علی الدخول فی المکان المغصوب، فکما أنّ الفرعیة لاتکون مانعة عن مطلوبیة البقاء قبل الدخول و بعده لم تکن مانعة عن مطلوبیة الخروج و إن کان العقل یحکم بلزوم الخروج إرشاداً إلی اختیار أقلّ المحذورین و أخفّ

ص: 329


1- کفایة الأصول، ص170.

القبیحین حیث إنّ الخروج أخفّ محذوراً من البقاء لأنّ الخروج یوجب التخلّص عن الغصب و لکن البقاء یوجب زیادة فی الغصب.

قد یقال: إنّ الخروج قبل الدخول فی المکان المغصوب لا موضوع له فلا یتصف بالحرمة و بعد الدخول یتحقق له الموضوع و لکنّه لایتّصف بالحرمة لأنّه مضطرّ.

و لکن فیه: أنّ الخروج مقدور للمکلف و لو بواسطة دخوله فی المکان الغصبی فیتوجّه إلیه التکلیف بالحرمة بلا إشکال.

الإیراد الثانی: عن المحقّق الخوئی (قدس سره)

((1))

إنّ وجوب التخلیة بین المال و مالکه لایستلزم وجوب الحرکات الخروجیة المتوقّف علیها الکون فی خارج الدار، لأنّها لیست معنونة بعنوان التخلیة قطعاً، ضرورة أنّها تصرّف فی مال الغیر بدون إذنه و مصداق للغصب فکیف یعقل کونها مصداقاً لعنوان التخلیة المقابل لعنوان الإشغال؟

غایة الأمر أنّ العقل یرشد إلی اختیارها حذراً من الوقوع فی الغصب الدائمی و دفعاً للأفسد بالفاسد.

القول الخامس: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((2))

و هی - علی ما فسّر المحقّق النائینی (قدس سره) -((3)) أنّه غیر محکوم فعلاً بحکم من

ص: 330


1- هامش أجود التقریرات، ج2، ص193.
2- کفایة الأصول، ص168.
3- أجود التقریرات، ج2، ص186.

الأحکام الشرعیة إلّا أنّه واجب عقلاً لکونه أقلّ المحذورین و أخفّ القبیحین و لکنه یجری علیه حکم المعصیة للنهی السابق الساقط بالاضطرار.

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) صرّح بأنّ النهی ساقط بحدوث الاضطرار إلیه و صرّح أیضاً بأنّه لایکون مأموراً به و لکن قال فی ضمن کلامه: إنّه مع سوء الاختیار لایتغیر عمّا هو علیه من الحرمة و المبغوضیة، و علی هذا یکون محکوماً بالحرمة الشرعیة.

و لعلّ وجه ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) فی تفسیر کلام صاحب الکفایة (قدس سره) هو أنّ النهی إذا سقط فلامحالة تسقط الحرمة لأنّ المدلول یسقط بسقوط ما یدلّ علیه.((1))

ص: 331


1- و اختار هذا الوجه أیضا صاحب العروة و المحقق المشکینی و العراقی و الإصفهانی و المیرزا جواد التبریزی: ففی العروة الوثقی، ج6، ص424 – 425: «مسألة 2: لایجوز الترافع إلی قضاة الجور اختیاراً، و لایحلّ ما أخذه بحکمهم إذا لم یعلم بکونه محقّاً إلّا من طرف حکمهم، و أمّا إذا علم بکونه محقّاً واقعاً فیحتمل حلّیته. و یحتمل الفرق بین العین و الدِّین، حیث إنّ الدین کلّی فی الذمّة و یحتاج فی صیرورة المأخوذ ملکاً له إلی تشخیص المدیون بخلاف العین. و ظاهر المقبولة حرمته مطلقاً عیناً کان أم دِیناً لقوله (علیه السلام): "فإنّ ما یأخذه سُحتٌ و إن کان حقّه ثابتاً" لکنّه مشکلٌ خصوصاً فی العین. و ربّما یحمل الخبر علی ما إذا کان حقّه ثابتاً بمقتضی حکمهم لا فی الواقع، و هو بعید، لأنّ ظاهره الثبوت واقعاً. نعم یمکن حمله علی أنّه بمنزلة السحت فی العقاب، لا أنّه یحرم التصرّف فیه، أو أنّ التصرّف فیه محرّم بالنهی السابق نظیر حرمة الخروج عن الدار المغصوبة، حیث إنّ التحقیق أنّه محرّم بالنهی السابق علی الدخول». و فی حاشیة فرائد الأصول للسید المحقق الیزدی، ج2، ص502: «و أمّا ... حکم صحة صلاة من توسّط أرضاً مغصوبة فی حال الخروج ... فنقول فیه أقوال ثلاثة ... و هنا وجه رابع أقرب من الکل بل هو المتعین و هو أن یقال: إنّه منهی عن الخروج و لیس بمأمورٍ به أصلا لکن یتعیّن علیه الخروج من باب ارتکاب أقلّ القبیحین» إلخ. و فی کفایة الأصول مع حواشی المشکینی، ج2، ص165: «أقواها ما اختاره المصنّف: من عدم الأمر و النهی کلیهما، إلَّا أنّه فی حکم المنهی عنه، بمعنی أنّه معاقبٌ علیه بالنهی السابق الموجود قبل الدخول، فإنّ النهی عنه راجعٌ إلی مبغوضیة الوجود اللَّاحق». و فی نهایة الدرایة ط.ق. ج1، ص548 فی التعلیقة علی قوله: «و الحقّ أنّه منهی عنه بالنهی السابق الساقط» إلخ: «تفصیل القول فی ذلک أن المصلحة المقتضیة للأمر بالخروج المانعة عن تأثیر مفسدته من حیث کونه تصرّفا فی مال الغیر إمّا أن تکون مصلحة نفسیة أو مصلحة مقدمیة فإن کانت مصلحة نفسیة نظر إلی أنّ الخروج معنونٌ بعنوان التخلص عن الغصب الزائد علی ما یوازی الخروج و هو من العناوین الحسنة عقلاً المطلوبة شرعا ففیه ... و إن کانت المصلحة مصلحة مقدمیة فالکلام تارةً فی أصل المقدمیة، و أخری فی وجوبها هنا. أمّا الکلام فی المقدمیة فقد مرّ تفصیلاً فی بحث الضد و قد عرفت أنّ فعل أحد الضدین لیس مقدمة لترک الضد الآخر و لا الترک مقدمة لفعل الضد ... بل التحقیق هنا أنّ الحرکات الخاصة کما مرّ معدّات للکون فی خارج الدار المضاد للکون فیها فهی مقدمة للملازم لترک الغصب لا لنفس الترک ... و أمّا الکلام فی وجوب الخروج علی فرض المقدمیة فحاصله أنّه یمکن تقریب الوجوب بوجهین أحدهما: أنّ الحرکة الخروجیة ذات مفسدة من حیث الغصبیة و ذات مصلحة من حیث المقدمیة لترک الغصب الزائد فطلب ترکها یمکن أن یکون بنحوٍ لایوجب تفویت المصلحة الأقوی و هو طلب ترکها بترک الدخول و یمکن أن یکون بنحو یوجب تفویتها و هو طلب ترکها بعد الدخول ... یرد علیه ... و ثانیهما: أنّ الخروج غیرُ محرّمٍ أصلا، و ترکه غیر مطلوب أبدا، و لو بترک الدخول لأنّ المصلحة المقدمیة فی الخروج لا بدل لها فی عرض الخروج حتی تؤثر مفسدة الخروج فی حرمته، و المصلحة المقدمیة فی طلب المقدمة التی هی فی عرضه بل ترک الدخول مقدمة منحصرة فی طول الخروج، و بعد الدخول بکون الخروج مقدمة منحصرة لترک الغصب الزاید فلایعقل تأثیر مفسدة الخروج أصلا ... و فیه ... فالأقوی حینئذ عدم وجوب الخروج لا نفسیا و لا مقدمیا بل یقع مستحقّا علیه العقاب و إن لم یکن للمکلف مناصٌ فی مقام الدوران بین الغصب دائما أو الغصب بمقدار الخروج عن اختیار الغصب الخروجی دفعا للأفسد بالفاسد و للأقبح بالقبیح کما سیجیئ إن شاء الله تعالی بعضُ الکلام فیه فتدبّر جیداً». راجع نهایة الأفکار، ج1-2، ص450؛ دروس فی مسائل علم الأصول، التبریزی، ج3، ص9.
إیراد المحقّق النائینی (قدس سره) علی صاحب الکفایة (قدس سره):

((1))

إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) تبعاً للشیخ الأنصاری (قدس سره) یری أنّ المقام من صغریات

ص: 332


1- أجود التقریرات، ج2، ص189.

قاعدة وجوب ردّ المال إلی صاحبه و مالکه و لا ارتباط له بقاعدة «الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار».

قال (قدس سره): أمّا دعوی عدم دخول المقام فی کبری قاعدة عدم منافاة الامتناع بالاختیار للاختیار فیدلّ علیه أُمور (أربعة):

الأوّل: إنّ ما یکون داخلاً فی موضوع کبری تلک القاعدة «الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار» لابدّ من أن یکون قد عرضه الامتناع بحیث یکون خارجاً عن القدرة، و کان ذلک مستنداً إلی اختیار المکلّف کالحجّ یوم عرفة ممّن ترک المسیر إلیه باختیاره و کحفظ النفس ممن ألقی نفسه من شاهق، و من الواضح أنّ الخروج من الدار المغصوبة لیس کذلک، فإنّه علی ما هو علیه من کونه مقدوراً للمکلّف بعد دخوله فیها و لم یطرأ علیه ما یوجب امتناعه.

الثانی: إنّ محل الکلام فی تلک القاعدة إنّما هو ما إذا کان ملاک الحکم مطلقاً بنحو یکون متعلّق ذلک الحکم واجداً للملاک سواء وجدت مقدّمته الإعدادیة أم لم توجد و کان الحکم بنفسه مشروطاً بمجیء زمان متعلّقه و هذا کخطاب الحجّ، فإنّه و إن کان مشروطاً بمجیء یوم عرفة علی ما هو الحقّ من امتناع الواجب المعلّق إلّا أنّ ملاکه یتمّ بتحقّق الاستطاعة، فمن ترک المسیر إلی الحجّ بعد الاستطاعة یستحقّ العقاب علی ترکه و إن امتنع علیه الفعل فی وقته، لأنّ الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار.

و هذا بخلاف المقام فإنّ التصرّف بالدخول من المقدّمات التی لها دخل فی تحقّق القدرة علی الخروج و تحقّق ملاک الحکم فیه، فإنّ الداخل (فی المکان المغصوب) هو الذی یمکن توجیه الخطاب إلیه بفعل الخروج و لذا یمتنع أن یکون الخروج داخلاً فی موضوع تلک القاعدة.

ص: 333

الثالث: إنّ الملاک فی دخول شیء فی موضوع کبری تلک القاعدة هو أن تکون المقدّمة موجبة للقدرة علی ذی المقدّمة، لیکون الآتی بالمقدّمة قابلاً لتوجیه الخطاب بإتیان ذی المقدّمة و هذا کالمسیر إلی الحجّ، فإنّه حیث کان مقدّمة إعدادیة للحجّ و به تحقّق القدرة علیه کان الآتی به قابلاً لتوجّه الخطاب بالحجّ إلیه، کما أنّ من ترک المسیر یستحیل طلب الحجّ منه لکن الاستحالة (استحالة طلب الحجّ) منتهیة إلی الاختیار فلاتسقط العقاب، لأنّ الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار.

و أمّا فی المقام فالدخول و إن کان مقدّمة إعدادیة للخروج إلّا أنّ تحقّق الدخول یوجب سقوط النهی عن الخروج، إذ بالدخول یکون ترک الخروج غیر مقدور علی ما اختاره (قدس سره)، فکیف یمکن أن یکون الخروج من صغریات تلک القاعدة؟

الرابع: إنّ الخروج فی ما نحن فیه واجب فی الجملة بحکم العقل (علی مسلک صاحب الکفایة (قدس سره) حیث قال بأنّ العقل یحکم بلزوم الخروج من باب الأخذ بأخفّ المحذورین حیث إنّ الخروج أخفّ محذوراً من البقاء فی الأرض المغصوبة) فیکشف ذلک عن کونه (أی الخروج) مقدوراً و قابلاً لتعلّق التکلیف به و کلّ ما کان کذلک لایدخل تحت هذه القاعدة إذ مورد قاعدة «الامتنتاع بالاختیار لاینافی الاختیار» هو ما إذا کان الفعل غیر قابل لتعلّق التکلیف به لامتناعه.

جواب المحقّق الخوئی (قدس سره) عن استدلال المحقّق النائینی (قدس سره):

((1))

أمّا الأمر الأوّل فالتحقیق أنّ الخروج عن الدار المغصوبة یکون مقدوراً

ص: 334


1- هامش أجود التقریرات، ج2، ص190 – 193.

للمکلّف بالقدرة التکوینیة و لامناص للمکلّف عن اختیاره حیث إنّ الخروج لازم بحکم العقل دفعاً للمحذور الأهمّ، فالانزجار عن الخروج حسبما کان یقتضیه النهی السابق یمتنع بالفعل علی المکلّف بمقتضی حکم العقل بلزوم اختیاره، لکن الامتناع المزبور بما أنّه منتهٍ إلی الاختیار لایکون منافیاً للاختیار عقاباً و إن کان منافیاً له خطاباً.

أمّا الأمر الثانی و الثالث فإنّ ما ذکره المحقّق النائینی (قدس سره) فی هذا الوجه ملاکاً لدخول شیء فی کبری قاعدة «الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار» إنّما یختص بالتکالیف الوجوبیة و أمّا التکالیف التحریمیة فامتناع الموافقة فیها إنّما یتحقّق بارتکاب ما به یضطرّ المکلّف إلی ارتکاب الحرام تکویناً أو من جهة حکم الشارع و إلزامه بعدم ارتکاب غیره، و من الواضح أنّ الخروج فی محلّ الکلام کذلک، ضرورة أنّه إذا کان التصرّف فی الدار المغصوبة بغیر الخروج محکوماً علیه بالحرمة فعلاً، اضطرّ المکلّف إلی اختیار الخروج المفروض کونه أقلّ محذوراً من غیره.

و علیه فالتکلیف التحریمی المتعلّق بالخروج و إن کان ساقطاً بالاضطرار إلیه إلّا أنّه لاینافی العقاب علیه إذا کان الاضطرار إلیه بسوء الاختیار، لأنّ الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار.

و ممّا بینّاه یظهر الحال فی ما أفاده (قدس سره) فی الوجه الثالث لأنّه أیضاً یختصّ بموارد الاضطرار إلی ترک الواجب، و أمّا الاضطرار إلی ارتکاب الحرام فهو إنّما یتحقّق بارتکاب ما یفضی إلی امتناع الانزجار عن الحرام کما عرفت.

أمّا الأمر الرابع فإنّ کون الخروج واجباً بحکم العقل و إن کان لابدّ فیه من کونه مقدوراً تکویناً إلّا أنّه مع ذلک غیر قابل لتعلّق التکلیف التحریمی به بعد

ص: 335

الدخول، ضرورة أنّ تحریمه الفعلی مساوق للعجز عنه تشریعاً، و من الواضح أنّه لایجتمع مع کون التصرّف بغیر الخروج حراماً بالفعل کما هو المفروض لاستلزامه التکلیف بما لایطاق و هو غیر معقول، فإنّ حکم الخروج فی نفسه الحرمة و الاضطرار إلیه بسوء اختیاره یوجب سقوط الحرمة و إن صحّ العقاب علی ترکه.

و بالجملة هذه الوجوه الأربعة ناشئ من خلط الاضطرار فی موارد التکالیف التحریمیة بالاضطرار فی موارد التکالیف الوجوبیة.

فتحصّل إلی هنا: أنّ الحقّ مع صاحب الکفایة (قدس سره) و تبعه المحقّق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله) ((1)) فإنّ المکلّف یلزم علیه الخروج عقلاً لا شرعاً و هو أیضاً مستحق للعقاب.((2))

ص: 336


1- فی تحقیق الأصول، ج4، ص120 – 121: «و تلخّص عدم تمامیة شیءٍ من وجوه المیرزا رحمه اللّه بل المورد من موارد قاعدة الإمتناع، و قد اعترف بأنّه إذا کان مورداً لها فالحقّ مع صاحب الکفایة فالمکلّف ملزم بالخروج عقلاً، و هو مستحق للعقاب لقاعدة الإمتناع».
2- هنا قول سادس اختاره المحقق البروجردی: ففی حاشیة علی کفایة الأصول، ج1، ص397 – 400: «لکنّ التحقیق علی ما أفاده السید الأستاذ مدّ ظلّه هو التفصیل بین الخروج الذی یکون من غیر ندامة، و الخروج الذی یکون عن توبة و ندامة، فإن کان الخروج من غیر ندامة فالحقّ أنّه یکون منهیا عنه بالنهی السابق الساقط بحدوث الإضطرار و العصیان، و یکون مبغوضا فی کلّ الأحوال، و الإضطرار إلیه لایخرجه عن المبغوضیة، لأنّه إنّما یکون بسوء الإختیار، و أمّا إن کان عن توبةٍ و ندامةٍ فالحقّ أنّه یکون مطلوبا و إطاعة کما یحکم العقل به قطعا، ضرورة أنّ حرمة التصرف الدخولی ترتفع بالتوبة بجمیع مراتبها و آثارها، و أنّ التوبة تصیر التائب بمنزلة یوم ولدته أمه، و تطهره من جمیع الأدناس، کما ینادی به و یدل علیه الأخبار القطعیة و الآثار المرویة، فإذا عرفت ارتفاع حرمة الدخول بالتوبة فلایبقی مجالٌ لمبغوضیة التصرف الخروجی، فإنّ مبغوضیة الخروج إنّما یکون من قبل التصرف الدخولی الذی یکون بسوء الإختیار، و یکون من آثاره و فروعه، و إلّا فالخروج بما هو هو مع کونهإاضطراریاً لایکون مبغوضا أصلا، و إذا ارتفع حرمة ما یوجب حرمة الخروج بآثارها بالندامة و التوبة إرتفع حرمة الخروج بلا کلام، و حینئذ یدور الأمر بین اللبث و الخروج، و معلومٌ أنّ اللبث مخالف للتوبة و مناف لها، و یکون مبغوضا و منهیا عنه بلا إشکالٍ، و النهی المتعلق بالتوقف یستلزم الأمر بالخروج، فالخروج یکون مأموراً به بالأمر المستفاد من النهی المتعلق باللبث». و لبعض الأساطین إیرادٌ علی هذا القول ففی تحقیق الأصول، ج4، ص121: «تبقی نظریةٌ ... ذکرها السید البروجردی و قال: و قد أشار إلی هذا المعنی صاحب الجواهر و لایخلو عن وجه قوی قال الأُستاذ: قد ذکر صاحب الجواهر هذا الإحتمال فی مبحث مکان المصلی و لم یوافق علیه، و الحقّ معه، لأنّ التوبة ترفع العقاب بلا إشکال، و لکنّ استحقاق العقاب بالمعصیة کترتّب بعض الآثار الوضعیة باق و لایرتفع بالتوبة، بل العقل یری الإستحقاق و لذا یقال: عصی و استحقّ العقاب لکنّ اللّه لم یعاقبه لأنّه تاب . . . إذن، لا مانع من انطباق القاعدة العقلیة، إلّا أنّ اللّه بفضله و کرمه و رحمته لایعاقب بعد التوبة».
الجهة الثانیة: حکم الصلاة فی المکان الغصبی
اشارة

هنا صور ثلاث کما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله):((1))

الصورة الأُولی:

أنّ الوقت ضیق فلایمکن أن یصلّی فی خارج الأرض المغصوبة لا صلاة المختار و لا صلاة المضطرّ.

أمّا علی القول بالجواز فیصلّی فی حال الخروج صلاة المضطرّ بالإیماء بدل الرکوع و السجود فإن قلنا بمقالة صاحب الکفایة (قدس سره) فهذه الصلاة صحیحة إلّا أنّها متّصفة بالقبح الفاعلی و إن قلنا بمقالة الشیخ و المحقّق النائینی (قدس سرهما) فهی صحیحة من دون اتّصافها بالقبح الفاعلی بل تتصف بالوجوب.

ص: 337


1- تحقیق الأصول، ج4، ص121.

و أمّا علی القول بالامتناع: فإن قلنا بمقالة صاحب الکفایة (قدس سره) یختلف حکم الصلاة صحّة علی مبنی آخر فمع الالتزام بأنّ الحرکات الصلاتیة یصدق علیها الغصب فالقاعدة الأوّلیة بطلان الصلاة و لکن القاعدة الثانویة -و هی أنّ الصلاة لاتترک بحال- صحّتها و مع الالتزام بعدم صدق الغصب علی الحرکات الصلاتیة فهی صحیحة بحسب القاعدة الأوّلیة.

و إن قلنا بمقالة الشیخ و المحقق النائینی (قدس سرهما) فالصلاة صحیحة لأنّها متّصفة بالوجوب و لا نهی عنها.

الصورة الثانیة:

أنّ المکلّف یتمکّن من الصلاة الاضطراریة خارج المکان المغصوب.

فإن قلنا بمقالة صاحب الکفایة (قدس سره) یختلف أیضاً حکم الصلاة فی حال الخروج فی المکان الغصبی فمع الالتزام بصدق الغصب علی الحرکات الصلاتیة فالصلاة باطلة رأساً و لاتجری القاعدة الثانویة لأنّه متمکّن من الإتیان بالصلاة خارج الأرض المغصوبة و مع الالتزام بعدم صدق الغصب علیها فهی صحیحة بحسب القاعدة الأوّلیة.

و إن قلنا بمقالة الشیخ و المحقّق النائینی (قدس سرهما) فتصحّ الصلاة فی حال الخروج لاتّصاف الخروج بالوجوب و عدم النهی عنه و عدم المبغوضیة أیضاً.

الصورة الثالثة:

أنّ المکلّف یتمکّن من الصلاة الاختیاریة خارج المکان المغصوب.

و حینئذ لو صلّی صلاة المضطرّ بالإیماء بدل الرکوع و السجود فی حال

ص: 338

الخروج فهی باطلة علی جمیع الأقوال لأنّ الصلاة الاضطراریة لایجزی عن الصلاة الاختیاریة فی ما إذا تمکّن من أدائها خارج المکان المغصوب.

انتهی الکلام حول التنبیه الأوّل و أمّا التنبیه الثانی و الثالث فلایجدی البحث عنهما.

و بهذا تمّ الکلام حول مبحث اجتماع الأمر و النهی.

ص: 339

ص: 340

البحث السادس: اقتضاء النهی عن العبادة أو المعاملة

اشارة

فیه مقدمات ثمانٍ و مقامان:

ص: 341

ص: 342

تمهید مقدّمات:

المقدّمة الأُولی: الفرق بین هذه المسألة و مسألة الاجتماع

قال جمع من الأعلام فی الفرق بین المسألتین:

قال جمع من الأعلام((1)) فی الفرق بین المسألتین:

إنّ النزاع فی مسألة النهی عن العبادة و المعاملة کبروی، لأنّا نبحث عن ثبوت الملازمة بین النهی عن العبادة و فسادها بعد الفراغ عن ثبوت الصغری و هو تعلّق النهی بالعبادة و البحث فی مسألة الاجتماع صغروی لأنّا نبحث عن سرایة النهی فی المجمع إلی متعلّق الأمر فالبحث عن مسألة الاجتماع من إحدی صغریات مسألتنا.

بیان صاحب الکفایة (قدس سره):
اشارة

قد صرّح صاحب الکفایة (قدس سره) فی المقدّمة الثانیة من بحث اجتماع الأمر و النهی((2))بأنّه إن قلنا بالامتناع مع ترجیح جانب النهی فی مسألة الاجتماع یکون

ص: 343


1- مثل المحقّق الخوئی فی المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص136.
2- کفایة الأُصول، ص151.

مثل الصلاة فی الدار المغصوبة من صغریات تلک المسألة (مسألة النهی عن العبادة).

إیراد المحقّق العراقی (قدس سره) علی صاحب الکفایة (قدس سره):

((1))

محصّل الفرق بین مسألة الاجتماع و اقتضاء النهی عن الشیء للفساد هو رجوع البحث فی المقام حسب ما هو ظاهر العنوان إلی اقتضاء النهی بوجوده الواقعی للفساد بملاحظة کشفه و لو بالملازمة العرفیة عن عدم الملاک و المصلحة فی متعلّقه و من ذلک یدور الفساد و عدمه -علی الاقتضاء- مدار وجود النهی واقعاً و عدمه، کان المکلّف عالماً بالنهی أم جاهلاً به و هذا بخلاف تلک المسألة (مسألة الاجتماع) حیث إنّ الفساد فیها -علی الامتناع- إنّما یدور مدار العلم بالنهی لا مدار النهی بوجوده الواقعی النفس الأمری، و من ذلک أیضاً عرفت بناءهم علی صحّة عبادة الجاهل القاصر أو الناسی إذا أتی بها فی مکان مغصوب و علیه فلاتکون لإحدی المسألتین مساس بالأُخری بوجه من الوجوه و معه لایبقی مجال لما أُفید کما فی الکفایة من جعل نتیجة المسألة السابقة علی الامتناع و تقدیم جانب النهی من صغریات هذه المسألة کیف و قد عرفت أنّ الفساد فی تلک المسألة إنّما هو من جهة خلوّ المتعلّق عن الملاک و المصلحة و من ذلک لو قام دلیل علی الصحّة فی قبال النهی لوقع بینهما التکاذب و یرجع فیهما إلی قواعد باب التعارض و مثل ذلک ینافی جدّاً بناءهم علی صحّة صلاة الجاهل بالغصبیة کما هو واضح.

ص: 344


1- نهایة الأفکار، ج1-2، ص450.
دفاع بعض الأساطین (حفظه الله) عمّا أفاده صاحب الکفایة (قدس سره):

((1))

إن قلنا بجواز اجتماع الأمر و النهی فلا موضوع للنهی عن العبادة و إن قلنا بالامتناع فمعنی ذلک هو اتّحاد متعلّق الأمر و النهی و وحدة متعلّقهما أمر واقعی و لا دخل للعلم و الجهل فیها.

أمّا مسألة الجاهل القاصر فقلنا: إنّ صحّة صلاته مبنیة علی القول بالجواز (و هو مختار المحقّق الإصفهانی و المحقّق النائینی (قدس سرهما) و هو الحقّ) و لکن بناء علی القول بالامتناع (و هو مختار صاحب الکفایة و المحقّق العراقی (قدس سرهما) و بعض الأساطین (حفظه الله)) فالعمل الصادر عن الجاهل القاصر باطل لأنّ مسألة الاجتماع بناء علی الامتناع تکون من صغریات التعارض و لازم ذلک هو عدم وجود الملاک فلا وجه لصحّة الصلاة.((2))

ص: 345


1- تحقیق الأصول، ج4، ص125.
2- قد ذکر فی البحث الخامس (إجتماع الأمر و النهی)، المقدمة الأُولی (و فیها أُمور أربعة)، الأمر الرابع (هذه المسألة من صغریات التعارض أو التزاحم؟): «بیان المحقّق النائینی هناک صور أربع: الصورة الأُولی: أن یقال بامتناع الإجتماع ... فالمسألة علی هذا من صغریات التعارض». و تقدّم فی المقدمة الثانیة (مقدّمات البحث علی نهج کفایة الأُصول و فیها عشرة أُمور)، الأمر الثامن (هل تکون مسألة الإجتماع من صغریات التعارض؟)، نظریة صاحب الکفایة (قدس سره): «إنّ الشیخ الأنصاری (قدس سره) و جمعاً من الأعلام ذهبوا إلی أنّ مسألة الإجتماع بناءً علی القول بالإمتناع من صغریات التعارض ... و لکنّه لم یرتض [صاحب الکفایة] بذلک» إلخ. ثم ذکر مناقشات ثمانٍ فی نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) و قال: «الإیراد الرابع: ما أفاده المحقّق النائینی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) ... إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) -و تبعه المحقّق العراقی (قدس سره) - قال: الصورة الأُولی و هی وجود الملاک لکلا الحکمین یکون من باب الإجتماع لا التعارض ... و خالفهما المحقّق النائینی (قدس سره) و تبعه المحقّق الخوئی (قدس سره) - و إلیک بیان المحقّق الخوئی (قدس سره): فی المسألة ثلاث صور: الصورة الأُولی: فرض القول بالجواز و عدم المندوحة ... الصورة الثانیة: فرض القول بالجواز و وجود المندوحة ... الصورة الثالثة: فرض القول بالإمتناع إنّ مسألة الإجتماع بناء علی الإمتناع تدخل فی کبری التعارض و اتّفق فی ذلک المحقّق النائینی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) و نقل ذلک عن الشیخ الأنصاری (قدس سره) أیضاً خلافاً للمحقّق الخراسانی و المحقّق العراقی (قدس سرهما) » إلخ. ثم قال فی آخر الأمر الثامن: «نتیجة البحث: أنّ مسألة الإجتماع بناء علی القول بالجواز مع عدم المندوحة من صغریات التزاحم و أمّا مع وجودها فلیس صغری للتعارض و لا للتزاحم (بل هی بهذا الوجه تکون مسألة أُصولیة) و أمّا بناء علی القول بالإمتناع فمسألة الإجتماع من صغریات التعارض». و تقدّم فی المقدمة الثانیة، الأمر العاشر (ثمرة البحث)، بیان صاحب الکفایة (قدس سره)، «هناک وجوه أربعة: الوجه الأوّل: أن یقال بجواز اجتماع الأمر و النهی ... الوجه الثانی: أن یقال بالإمتناع مع ترجیح جانب الأمر ... الوجه الثالث: أن یقال بالإمتناع مع ترجیح جانب النهی فی التوصّلیات ... الوجه الرابع: أن یقال بالإمتناع مع ترجیح جانب النهی فی العبادات و هنا ثلاث صور: الصورة الأُولی: مورد الإلتفات إلی الحرمة ... الصورة الثانیة: مورد عدم الإلتفات إلی الحرمة مع الجهل التقصیری ... الصورة الثالثة: مورد عدم الإلتفات إلی الحرمة مع الجهل القصوری و حینئذ یسقط الأمر بإتیان المجمع و مورد الإجتماع بقصد القربة» إلخ. ثم ذکر مناقشات المحقّق الخوئی (قدس سره) فی بیان صاحب الکفایة (قدس سره) قال: «المناقشة الثانیة: إنّ ما أفاده فی الوجه الثالث و الرابع لایخلو من إشکال ... جواب بعض الأساطین (حفظه الله) عن المناقشة الثانیة: إنّ ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) مبنی علی مسلکه من دخول المسألة فی باب التزاحم فیکون المجمع واجداً لملاک الوجوب و الحرمة معاً و الجاهل القاصر لایعلم تزاحم ملاک الوجوب و الحرمة علی الفرض و لذا یکون قصده مقرّباً، فلایمکن المناقشة علی صاحب الکفایة (قدس سره) علی وجهة نظره نعم یمکن المناقشة فی مبناه من دخول مسألة الإجتماع علی القول بالإمتناع فی باب التزاحم حیث إنّ الصحیح عندنا دخولها فی باب التعارض فلایکون المجمع واجداً لملاک الأمر». ثم قال فی آخر البحث: «فتحصّل إلی هنا أنّه: ... و أمّا علی الوجه الرابع بصوره الثلاث فلاتصحّ العبادة و لایسقط الأمر بإتیان المجمع لأنّ مسألة الإجتماع بناء علی الإمتناع من صغریات التعارض و لازم ذلک هو عدم وجود الملاک فالعمل الصادر عن الجاهل القاصر باطل علی القول بالإمتناع».

المقدّمة الثانیة: هل تکون هذه المسألة عقلیة أو لفظیة؟

اشارة

إنّ الشیخ الأنصاری و المحقّق النائینی و المحقّق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله) ذهبوا إلی أنّ المسألة أُصولیة و هی من الاستلزامات العقلیة (غیر

ص: 346

المستقلات العقلیة) و لکن صاحب الکفایة (قدس سره) یعتقد بأنّها من المسائل اللفظیة.

بیان المحقّق النائینی (قدس سره) لکونها من غیر المستقلات العقلیة:

((1))

إنّ هذه المسألة من المسائل الأُصولیة قطعاً، فإنّ نتیجة البحث کبری کلّیة إذا انضمّت إلیها صغراها أنتجت نتیجة فقهیة بلا توسّط شیء آخر.

و لایخفی أنّ هذه المسألة من مسائل الاستلزامات العقلیة و لا ارتباط لها بمباحث الألفاظ أصلاً، لوضوح أنّ غایة ما یدلّ علیه النهی باللزوم البین بالمعنی الأعم إنّما هو عدم الأمر بمتعلّقه، لتضادّهما و لکن اللفظ لایدلّ علی عدم تحقّق الملاک فی المتعلّق بل العقل هو الذی یدرک ذلک و یحکم بالفساد و بعبارة أُخری: إنّ العقل هو الحاکم بثبوت الملازمة بین النهی عن الشیء و فساده؛ هذا بناء علی المختار من کفایة اشتمال العبادة علی الملاک فی صحّتها.

و أمّا بناء علی ما ذهب إلیه صاحب الجواهر (قدس سره) من اشتراط الأمر فی الصحّة فکون المسألة من مباحث الألفاظ لایخلو من وجه (وجه ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) بناء علی مختار صاحب الجواهر (قدس سره) هو أنّ النهی یدلّ بالدلالة الالتزامیة علی عدم الأمر و مع فرض عدم وجود الأمر لابدّ من القول بالفساد).((2))

ص: 347


1- أجود التقریرات، ج2، ص200.
2- جواهر الکلام، ج2، ص87 و ج9، ص155.

المقدّمة الثالثة: فی دخول أقسام النهی فی محل النزاع

قال بعض الأساطین (حفظه الله): النهی خمسة أقسام
اشارة

إنّ النهی إمّا تشریعی و إمّا ذاتی و النهی الذاتی إمّا إرشادی و إمّا مولوی و النهی المولوی إمّا تبعی و إمّا نفسی و النهی النفسی إمّا تنزیهی و إمّا تحریمی.((1))

القسم الأوّل: النهی التشریعی

و هو بمعنی النهی عن إدخال ما لیس من الدین فی الدین سواء کان (هذا الأمر الداخل) من العبادات أم من المعاملات، فهذا النهی داخل فی محل البحث بناء علی أنّ التشریع هو نفس العمل العبادی أو المعاملی (أمّا إن قلنا بأنّ التشریع المحرّم هو الأمر القلبی فلایترتب علی البحث ثمرة لأنّ النهی حینئذ لایتعلّق بنفس العبادة أو المعاملة بل یتعلّق بالأمر القلبی).

القسم الثانی: النهی الذاتی الإرشادی
بیان المحقّق الخوئی (قدس سره) لخروجه عن محلّ النزاع:

الوجه فی ذلک هو أنّ النواهی الإرشادیة المتعلّقة بالعبادات و المعاملات التی تدلّ علی مانعیة شیء لهما کالنهی عن المعاملة الغرریة مثلاً و کالنهی عن الصلاة فی ما لایؤکل لحمه فهی خارجة عن محل النزاع لأنّه لا إشکال و لا خلاف فی دلالة تلک النواهی علی الفساد، بداهة أنّه إذا أُخذ عدم الشیء فی

ص: 348


1- تحقیق الأصول، ج4، ص127.

عبادة أو معاملة فبطبیعة الحال تقع تلک العبادة أو المعاملة فاسدة عند اقترانها بهذا الشیء لأنّها توجب تقیید إطلاق أدلّة العبادات أو المعاملات بغیر هذه الحصّة فلاتشملها.

القسم الثالث: النهی الذاتی المولوی الغیری
اشارة

قد اختلفوا فی دخوله فی محل النزاع و مثال ذلک النهی عن الصلاة فی ما إذا توقف إزالة النجاسة عن المسجد علی ترکها، بناءً علی ثبوت الملازمة بین الأمر بالشیء و النهی عن ضدّه.

و المهمّ هنا ثلاث نظریات:

النظریة الأُولی: عن المحقّق الخوئی (قدس سره)

((1))

إنّ هذا النهی لایدلّ علی مبغوضیة متعلّقه و لایدل أیضاً علی وجود المفسدة فی متعلّقه؛ نعم إنّ النهی الغیری عن الشیء قد یوجب سقوط الأمر المتعلّق به عن الفعلیة و لکن یمکن امتثاله مع ذلک بقصد الملاک و المصلحة مضافاً إلی أنّه یمکن امتثال الأمر بناء علی الترتّب کما هو الصحیح؛ فالنهی الغیری لایدلّ علی الفساد فلایکون داخلاً فی محل النزاع.

(و قد تقدّم فی بحث الضدّ العام ما یدلّ علی ذلک. راجع: ص65).

النظریة الثانیة: عن المحقّق النائینی (قدس سره)

إنّه قال أیضاً بخروج النهی الغیری عن محل النزاع أمّا النهی الغیری الأصلی

ص: 349


1- المحاضرات، ج4، ص137.

فجعله نهیاً إرشادیاً و لذا قال: لا نزاع لأحد فی دلالته علی الفساد، أمّا النهی الغیری التبعی فلا موجب لتوهّم دلالته علی الفساد أصلاً و وجّهه المحقّق النائینی (قدس سره) بقوله:((1))

ذلک لما عرفته فی محله من أنّ غایة ما یترتب علی النهی الغیری الناشئ من کون ترک متعلّقه مقدّمة للواجب الأهمّ إنّما هو عدم الأمر به فعلاً و من أنّه یکفی فی صحّة العبادة اشتمالها علی ملاک الأمر و إن لم یتعلّق بها بالفعل أمر من المولی و من الواضح أنّه لایمکن استکشاف عدم الملاک من النهی الغیری المزبور، فلا موجب لفساد العبادة المنهی عنها بمثل هذا النهی و قد تقدّم الکلام فی الکاشف عن وجود الملاک فی هذا الحال.

نعم لو بنینا علی اعتبار الأمر فی صحّة العبادة کما اختاره صاحب الجواهر (قدس سره) و منعنا صحّة الترتب لکان هذا النهی الغیری أیضاً دالّاً علی الفساد، لکنّک قد عرفت فی ما تقدّم صحّة القول بالترتب و عدم اعتبار الأمر فی صحّة العبادة فلایکون فی النهی الغیری دلالة علی الفساد.((2))

ص: 350


1- أجود التقریرات، ج2، ص202.
2- النظریة الأولی و الثانیة مشترکتان فی القول بعدم دخول النهی الغیری فی محل النزاع و فی قبالهما النظریة الثالثة قائلة بدخوله فی محل النزاع. و لابدّ هنا من بیان نکتتین: أوّلاً: تلاحظ أنّ النظریات الثلاث جعلت العنوان «النهی الغیری» (الذی هو مقابل النفسی) و لکنّ الشیخ الأنصاری جعل العنوان «النهی التبعی» (الذی هو مقابل الأصلی) و لم یتعرض لغیره. ثانیاً: نسب الشیخ فی التقریرات القول بعدم دخول النهی التبعی فی محل النزاع إلی المحقق القمی و لکن هذا المحقق لم یصرح بذلک فی هذا البحث أی اقتضاء النهی للفساد و الذی قال به هو عدم استلزام النهی التبعی (فی مقابل الأصلی) للفساد. قال فی القوانین المحکمة ط.ج. ج 1، ص204: «قانونٌ: إختلف الأصولیون فی أنّ الأمر بالشی ء هل یقتضی إیجاب مقدماته مطلقا أم لا؟ علی أقوال ... و تحقیق هذا الأصل یقتضی تمهید مقدمات ... السادسة: الوجوب المتنازع فیه هو الوجوب الشرعی ... و المراد من الوجوب الشرعی هو الأصلی الذی حصل من اللفظ و ثبت من الخطاب قصداً ... و یظهر الثمرة فیما لو وجب علیه واجب بالنذر و الیمین و نحوهما، و فی ثبوت العقاب و الثواب علی ترک کلٍّ من المقدمات و فعلها ... و مما یؤید ما ذکرنا من أنّهم یقولون بثبوت العقاب، إستدلالهم فی دلالة الأمر بالشی ء علی النهی عن الضد، بأنّ ترک الضد واجبٌ من باب المقدمة فیکون فعله حراما، فثبت حرمة الضد، و یترتّب علیه أحکامه من الفساد و غیره فإنّ القائل بأنّ الأمر بالشی ء یقتضی النهی عن الضد، لیس مراده طلب الترک التبعی کما سنحقّقه، بل مراده الخطاب الأصلی و وجه التأیید أنّ النهی المستلزم للفساد لیس إلّا ما کان فاعله معاقبا». و قال: «السابعة: دلالة الإلتزام إمّا لفظیة و إمّا عقلیة ... و أمّا الوجوب المذکور- أی وجوب المقدمة- فلما کان هو أیضا تبعیاً کأصل الخطاب به، بمعنی أنّه لازم لأجل التوصل إلی ذی المقدمة، و حکمه حکم الخطابات الأصلیة التوصلیة کإنقاذ الغریق و إطفاء الحریق و غسل الثوب النجس للصلاة، فلم یحکم بکونه واجبا أصلیا و لم یثبت له أحکام الواجب الأصلی الذاتی، فلا عقاب علیه لعدم ثبوت العقاب علی الخطاب التبعی، کما سنشیر إلیه». و أیضاً راجع القوانین، ج 1، ص220؛ ج 1، ص239.
النظریة الثالثة: عن صاحب الکفایة (قدس سره)

((1))

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) یری دخول النهی الغیری بکلا قسمیه (الأصلی و التبعی) فی محل النزاع و إلیک نصّ ما أفاده:

لا وجه لتخصیص النزاع بالنفسی، فیعمّ الغیری إذا کان أصلیاً (لأنّه مثل النهی عن الصلاة فی غیر المأکول فیدلّ علی فساد الصلاة) و أمّا إذا کان تبعیاً فهو و إن کان خارجاً عن محلّ البحث لما عرفت أنّ البحث فی دلالة النهی (أی بالدلالة اللفظیة کما هو مختار صاحب الکفایة (قدس سره) و النهی التبعی من مقولة المعنی إلّا أنّه داخل فی ما هو ملاک البحث.

ص: 351


1- کفایة الأصول، ص181.

و الوجه فی ذلک هو أنّ دلالة النهی الغیری التبعی (إذا لم یکن للإرشاد إلی الفساد کما فی المعاملات) علی الفساد إنّما یکون لدلالته علی الحرمة، لا لاستحقاق العقاب علی مخالفته حتّی یتوهّم (و المتوهّم المحقّق القمی (قدس سره) أنّ النهی الغیری التبعی لایستلزم الفساد لعدم استحقاق العقاب علی مخالفته و یؤید ذلک أنّهم جعلوا ثمرة النزاع فی أنّ الأمر بالشیء یقتضی النهی عن ضدّه (بالنهی الغیری التبعی) فساد المنهی عنه إذا کان عبادة.((1))

ص: 352


1- إختار دخول النهی التبعی فی محلّ النزاع الشیخ الأنصاری و تبعه صاحب الکفایة و وافق المحقّقَ الخراسانی فی دخول النهی الغیری بقسمیه الأصلی و التبعی فی محلّ النزاع تلمیذاه المحقق العراقی و الإصفهانی: ففی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص728: «الثانی ... و هل یختص البحث بالنهی الأصلی أو یعمّ التبعی أیضا؟ و الحق هو الثانی؛ لما قد تقدم من استدلالهم علی فساد الضد بتعلق النهی التبعی الحاصل من الأمر بضدّه الآخر. و ذهب المحقق القمی رحمه الله إلی الأوّل، فزعم عدم اقتضاء النهی التبعی الفساد قطعاً، لانحصار ما یمکن أن ینازع فیه فیما یترتب علیه العقاب، و لا عقاب فی التبعی و لا دلیل علی انحصاره فیه، و کلمات القوم لاتوافقه، بل إنّما هی آبیةٌ عنه و صریحةٌ فی خلافه». و فی نهایة الأفکار، ج 2، ص452: «و أمّا النهی التحریمی الغیری فالظاهر منهم هو دخوله أیضا فی محل النزاع کما یشهد لذلک جعلهم فساد العبادة ثمرة النزاع فی مسألة اقتضاء الأمر بالشی ء للنهی عن ضدّه الخاص علی المقدمیة نعم هذه الثمرة تختص بخصوص العبادات فلاتجری فی المعاملات و لکنّه أیضا غیرُ ضائرٍ بعموم النزاع کما لایخفی». و فی نهایة الدرایة، ج 2، ص383 فی التعلیقة علی قوله: «فیعمّ الغیری إذا کان أصلیا»: «یمکن أن یشکل بأنّ التکلیف المقدمی- بعثاً کان أو زجراً- لایوجب القرب و البعد، بل هما مترتبان علی موافقة التکلیف النفسی و مخالفته، فالنهی المقدمی و إن کان لایجامع الأمر لتضادهما، إلّا أنّ مجرد النهی عن شی ء لایسقطه عن الصلوح للتقرب به إذا لم تکن مخالفته مبعدة، إلّا أن یقال بأّن مقدمیته للمبعد کافیة فی المنع عن التقرب به کما لایبعد». و فی التعلیقة علی قوله: «و التبعی منه من مقولة المعنی»: «لایقال: إنّ التبعی- بالمعنی المتقدم منه (قدس سره) فی مقدمة الواجب- ملاکه إرتکازیة الإرادة فی قبال تفصیلیتها، فالأصلی کالتبعی من مقولة المعنی، و لاتتقوّم الأصالة بالدلالة، و أمّا الأصلیة و التبعیة فی مرحلة الدلالة فشمول النهی لکلا القسمین واضحٌ لأنّا نقول: الإرادة التفصیلیة یمکن أن تکون مدلولاً علیها، فتدخل فی محل النزاع، بخلاف الإرادة الإرتکازیة». و فی التعلیقة علی قوله: «من غیر دخل لاستحقاق العقوبة»: «هذا یصحّ تعلیلاً للشمول للنفسی و الغیری، لا للأصلی و التبعی کما لایخفی، إلّا أن یرجع التعلیل إلی صدر الکلام، أو یکون فی قبال من یجعل الغیری تبعیا مطلقا، و النفسی أصلیا مطلقا کالمحقق القمی (رحمه الله)».

فیظهر من ذلک دخول النهی الغیری التبعی أیضاً فی محل البحث.

و التحقیق فی المقام: أنّه یکفی فی دخول المورد فی محلّ النزاع اقتضاء النهی الغیری للفساد بناء علی أحد الأقوال فی المسألة و هذا الملاک موجود هنا و إن لم نقل باقتضاء النهی الغیری للفساد.

القسم الرابع: النهی الذاتی المولوی النفسی التنزیهی
اشارة

فیه ثلاث نظریات:

إنّ الأعلام اختلفوا فی النهی التنزیهی أیضاً فبعضهم قالوا بدخوله فی محل النزاع مثل صاحب الکفایة (قدس سره) و بعضهم قالوا بخروجه عنه مثل المحقّق الأنصاری((1)) و المحقّق النائینی (قدس سرهما) .

النظریة الأُولی: عن صاحب الکفایة (قدس سره)

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) قال: إنّ ملاک البحث یعمّ التنزیهی و مع عموم الملاک فلا وجه لتخصیص عنوان البحث بالنهی التحریمی و الوجه فی ما أفاده هو التنافی بین ما یقتضیه النهی من الکراهة و المبغوضیة (و إن کانت قلیلة) و ما یقتضیه صحّة العبادة من المحبوبیة.

ص: 353


1- مطارح الأنظار، ص157.
النظریة الثانیة: عن المحقق النائینی (قدس سره)

إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) قال بخروجه عن النزاع و استدلّ علی ذلک بأنّ النهی التنزیهی عن فرد لاینافی الرخصة الضمنیة المستفادة من إطلاق الأمر، فلایکون بینهما معارضة لیقید به إطلاقه.

النظریة الثالثة: تفصیل المحقّق الخوئی (قدس سره) بین التفسیرین للنهی التنزیهی

((1))

إنّ النهی التنزیهی المتعلّق بالعبادة یمکن أن یتصور علی وجهین:

الوجه الأوّل: أن ینشأ من حزازة و منقصة فی تطبیق الواجب علی حصّة خاصّة منه من دون حزازة و منقصة فی نفس تلک الحصّة کالنهی المتعلّق بالعبادة الفعلیة مثل الصلاة فی الحمام و الصلاة فی مواضع التهمة.

و النهی التنزیهی علی هذا التفسیر خارج عن مورد النزاع، بداهة أنّه لایدلّ علی الفساد بل هو یدلّ علی الصحّة.

الوجه الثانی: أن ینشأ من حزازة و منقصة فی ذات العبادة، و النهی التنزیهی علی هذا التفسیر داخل فی محلّ النزاع ضرورة أنّ الشیء إذا کان مکروهاً فی نفسه و مرجوحاً فی ذاته لم یمکن التقرب به فهذا النهی یدلّ علی المبغوضیة الناقصة فی ذات العبادة و هذا یلازم فساد العبادة.

و تحصّل أنّ الحقّ هو ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) من التفصیل بین التفسیرین.

ص: 354


1- المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص137.
القسم الخامس: النهی الذاتی المولوی النفسی التحریمی

قال بعض الأساطین (حفظه الله): و هذا لا کلام فی دخوله، لأنه منشأ للفساد بلاإشکال.((1))

ص: 355


1- تحقیق الأصول، ج4، ص128.

المقدّمة الرابعة: معنی العبادة و المعاملة فی هذا البحث

بیان صاحب الکفایة (قدس سره):

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) ذکر خمسة معانٍ للعبادة و اختار منها اثنین (المعنی الأوّل و الثانی).

المعنی الأوّل: ما یکون بنفسه و بعنوانه عبادة له تعالی، موجباً بذاته للتقرب إلی حضرته، لولا حرمته، کالسجود و الخشوع له و تسبیحه وتقدیسه.

و استشکله((1))بأنّ هذا المعنی تضییق لدائرة البحث لندرة العبادة الذاتیة لانحصارها فی مثل السجود و الرکوع.

المعنی الثانی: ما لو تعلّق الأمر به کان أمره أمراً عبادیاً، لایکاد یسقط إلّا إذا أُتی به بنحو قربی، کسائر أمثاله، نحو صوم العیدین و الصلاة فی أیام العادة.

و استشکله أیضاً((2)) بأنّه یقابل التوصّلی و هذا المعنی للعبادة أعمّ من العبادة الذاتیة و الشأنیة.

المعنی الثالث: ما أفاده الشیخ (قدس سره) فی تعریف العبادة و هو ما أُمر به لأجل التعبد به((3)).

و یرد علیه أنّ هذا التعریف دوری لأخذ التعبّد فی تعریف العبادة.

ص: 356


1- تحقیق الأصول، ج4، ص129.
2- تحقیق الأصول، ج4، ص12.
3- مطارح الأنظار، ص158.

المعنی الرابع: ما أفاده المحقّق القمی (قدس سره) من أنّ العبادة ما یتوقّف صحّته علی النیة((1)).

المعنی الخامس: ما أفاده المحقّق القمی (قدس سره) أیضاً من أنّ العبادة ما لایعلم انحصار المصلحة فیها فی شیء.

بیان المحقّق الخوئی (قدس سره):

((2))

إنّ المراد من العبادة هنا «العبادة الشأنیة» بمعنی أنّه إذا افترضنا تعلّق الأمر بها لکانت عبادة، لا «العبادة الفعلیة» ضرورة استحالة اجتماع العبادة الفعلیة و الحرمة کذلک فإنّ معنی حرمتها فعلاً هو کونها مبغوضة للمولی فلایمکن التقرب بها و معنی کونها عبادة فعلا هو کونها محبوبة له و یمکن التقرّب بها و من المعلوم استحالة اجتماعهما کذلک فی شیء واحد.

و المراد من المعاملات کلّ أمر اعتباری قصدی یتوقّف ترتیب الأثر علیه شرعاً أو عرفاً علی قصد اعتباره و إنشائه من ناحیة و إبرازه فی الخارج بمبرز من ناحیة أُخری و من الطبیعی أنّها بهذا المعنی تشمل العقود و الإیقاعات فلا موجب عندئذ لاختصاصها بالمعاملات المتوقّفة علی الإیجاب و القبول.

وأمّا ما لایتوقف ترتیب الأثر علی قصده و إنشائه بل یکفی فیه مطلق وجوده فی الخارج کتطهیر الثوب و البدن فهو خارج عن محل الکلام.

ثم إنّ کلامه تعریض بما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) ((3))من أنّ تطهیر الثوب و

ص: 357


1- القوانین، ص154.
2- المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص138.
3- أجود التقریرات، ج2، ص203.

البدن ذوجهتین فإنّه یدخل فی محل النزاع من جهة و یخرج عنه من جهة أُخری.

توضیحه: إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) قال فی المقام:

لا إشکال فی دخول العبادة بالمعنی الأخص -أعنی بها الوظیفة التی شرّعت لأجل التعبّد بها- فی محل النزاع.

أمّا العبادة بالمعنی الأعم کغسل الثوب و أمثاله من مقدّمات الصلاة فهی من جهة وقوعها عبادة موجبة للتقرّب بها تدخل فی محل النزاع فعلی القول بدلالة النهی علی الفساد لاتصحّ عبادة مع النهی عنها؛ و أمّا من جهة آثارها الوضعیة المترتّبة علیها و لو لم تقع عبادة کطهارة الثوب المترتّبة علی غسله بالماء فلایدلّ النهی عنها علی فسادها.

و لا إشکال فی دخول المعاملة بالمعنی الأعمّ من العقود و الإیقاعات فی محل النزاع فلایختص بالمعاملة بالمعنی الأخص المتوقفة علی الإیجاب و القبول فالمراد من المعاملة فی محل البحث هو کلّ أمر إنشائی یسبّب به إلی أمر اعتباری شرعی.

ص: 358

المقدّمة الخامسة: تحریر محل النزاع

إنّ المنهی عنه سواء کان عبادة أم معاملة لابدّ أن یکون قابلاً للاتّصاف بالصحّة و الفساد کالبیع و الصلاة بأن یکون تارة تامّاً یترتب علیه ما یترقّب منه من الأثر لکونه واجداً لجمیع الأجزاء و الشرائط و تارة غیر تام لاختلال بعض ما یعتبر فی ترتّبه.

أمّا ما لایکون قابلاً للاتّصاف بالصحّة و الفساد بأن لایکون له أثر شرعاً مثل المشی علی الأرض أو کان أثره ممّا لاینفک عنه مثل الغصب و الإتلاف اللذینِ هما من أسباب الضمان فهما خارجان عن محل النزاع لعدم اتّصافهما بالصحّة و الفساد.

ص: 359

المقدّمة السادسة: تعریف الصحّة و الفساد

اشارة

إنّ الصحّة و الفساد من الأُمور الإضافیة یختلفان بحسب الآثار و الأنظار فربّما یکون شیء واحد صحیحاً بحسب أثر أو نظر و فاسداً بحسب أثر أو نظر آخر و هل یختلف معنی الصحة فی العبادات و المعاملات؟

هنا نظریتان:

النظریة الأُولی: عن صاحب الکفایة (قدس سره)

إنّ معنی الصحّة فی العبادات و المعاملات واحد و هو التمامیة.

النظریة الثانیة: عن المحقق القمی (قدس سره)
اشارة

إنّ المحقّق القمی (قدس سره) یعتقد باختلاف معنی الصحّة فی العبادات و المعاملات و لذا قال فی القوانین: «اختلف الفقهاء و المتکلّمون فی معنی الصحّة و الفساد فی العبادات فعند المتکلّمین هو موافقة الامتثال للشریعة و عند الفقهاء إسقاط القضاء».((1))

جواب صاحب الکفایة (قدس سره) عن نظریة المحقّق القمی (قدس سره):

إنّ اختلاف الفقیه و المتکلّم فی معنی الصحّة هو لاختلاف أغراضهم من الصحّة و إلّا فإنّ الصحّة عند الجمیع بمعنی واحد و هو التمامیة.

و أمّا غرض الفقیه فهو وجوب القضاء و الإعادة و لذا فسّر الصحّة بلزوم

ص: 360


1- القوانین (ط.ق): ص157 و (ط.ج): ص362.

سقوط القضاء و الإعادة و غرض المتکلّم هو حصول الامتثال الذی یوجب عقلاً استحقاق المثوبة و لذا فسّرها بما یوافق الأمر تارة و بما یوافق الشریعة أُخری.

ص: 361

تنبیه: فی أنّ الصحّة و الفساد عند المتکلّم و الفقیه حکم اعتباری أو حکم عقلی أو حکم شرعی؟
اشارة

هنا نظریات ثلاث:

النظریة الأُولی: عن صاحب الکفایة (قدس سره)

إنّ الصحّة عند المتکلّم حکم انتزاعی ینتزع عن مطابقة المأتی به للمأمور به کما أنّ الفساد ینتزع عن عدم المطابقة فلاتکون الصحّة و الفساد من الأحکام العقلیة و لا من الأحکام الشرعیة الجعلیة.

أمّا الصحّة عند الفقیه فتارة یلاحظ بالنسبة إلی الأمر الواقعی الأوّلی و أُخری بالنسبة إلی الأمر الواقعی الثانوی أو الأمر الظاهری.

أمّا الصحّة بالنسبة إلی الأمر الواقعی الأوّلی فمن اللوازم العقلیة المترتبة علی الإتیان بالمأمور به بالأمر الواقعی الأوّلی فیحکم بسقوط الأمر و لا موجب للإعادة و القضاء بحکم العقل فالصحّة بالنسبة إلی الأمر الواقعی الأوّلی لیست حکماً انتزاعیاً کما یقوله الشیخ الأنصاری (قدس سره) بل هو حکم عقلی.

أمّا الصحّة بالنسبة إلی الأمر الواقعی الثانوی و الأمر الظاهری فهی علی صورتین:

الصورة الأُولی: ما إذا بقی من ملاک الأمر الواقعی الأوّلی مقدار لم یقتضِ الأمر الواقعی الثانوی و الأمر الظاهری الوفاء بهذا المقدار و هنا یحتاج الحکم بالصحّة إلی تخفیف من الشارع و منّة منه علی المکلّف فیقتضی جعل حکم وضعی شرعی فالصحّة هنا حکم وضعی شرعی و لیست حکماً عقلیاً و لا انتزاعیاً.

ص: 362

الصورة الثانیة: ما إذا وفی المأمور به بالأمر الثانوی الواقعی و المأمور به بالأمر الظاهری بجمیع ملاک الأمر الواقعی الأوّلی فإنّ الصحّة حینئذ تکون مثل الصحّة فی الأمر الواقعی الأوّلی فتکون الصحّة حکماً عقلیاً (بمعنی أنّها من اللوازم العقلیة للإتیان بالمأمور به).

فتلّخص أنّ الصحّة عند المتکلّم حکم انتزاعی و أمّا عند الفقیه بالنسبة إلی الأمر الواقعی الأوّلی فحکم عقلی و بالنسبة إلی الأمر الواقعی الثانوی و الأمر الظاهری قد تکون حکماً وضعیاً شرعیاً و قد تکون حکماً عقلیاً؛ هذا فی العبادات.

أمّا الصحّة فی المعاملات فهی حکم وضعی شرعی فی المعاملات الکلّیة أمّا فی المعاملات الشخصیة فلیست مجعولة؛ وجه ذلک هو أنّ ترتّب الأثر علی المعاملة إنّما هو بجعل الشارع ترتّبه علیها و لو إمضاءً ضرورة أنّه لولا جعله لما کان یترتب الأثر علی المعاملة لأصالة الفساد؛ هذا فی کلّی المعاملة.

أمّا صحّة کلّ معاملة شخصیة فلیست حکماً وضعیاً شرعیاً بل هو من باب انطباق الکلّی علی أفراده؛ هذه نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) و هنا نظریتان أُخریان للمحقّق النائینی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما)

النظریة الثانیة: عن المحقّق النائینی (قدس سره)

إنّ الصحّة الظاهریة مجعولة و لکن الصحّة الواقعیة غیر قابلة للجعل.

توضیح ذلک ببیان تلمیذه المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)):

أمّا الصحّة الواقعیة فی العبادات فلاتقبل الجعل لأنّ العبادات لاتتّصف

ص: 363


1- المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص141 - 143.

بالصحّة و الفساد فی مقام الجعل و التشریع و إنّما تتّصف بهما فی مقام الامتثال و الانطباق.

فإذا جاء المکلّف بالصلاة فی الخارج فإن انطبقت علیها الصلاة المأمور بها انتزعت الصحّة لها و إلّا انتزع الفساد و من البدیهی أنّ انطباق الطبیعی علی فرده فی الخارج و عدم انطباقه علیه أمران تکوینیان و غیر قابلین للجعل تشریعاً، سواء کان فی الأمر الواقعی الأوّلی أم فی الأمر الواقعی الثانوی أم فی الأمر الظاهری.

أمّا الصحّة الواقعیة فی المعاملات فکذلک حیث إنّها لاتتّصف بالصحّة أو الفساد فی مقام الجعل و الإمضاء و إنّما تتّصف بهما فی مقام الانطباق و الخارج مثلاً: البیع ما لم یوجد فی الخارج لایعقل اتّصافه بالصحّة أو الفساد، فإذا وجد فیه فإن انطبق علیه البیع الممضی شرعاً اتّصف بالصحّة و إلّا فبالفساد و کذا الحال فی الإجارة و النکاح و الصلح و ما شاکل ذلک و بکلمة أُخری: إنّ الممضاة الشرعاً إنّما هی المعاملات الکلّیة بمقتضی أدلّة الإمضاء کقوله تعالی: (أَحَلَّ اللهُ الْبَیعَ)((1)) و (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)((2)) و (تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ)((3)) دون الأفراد الخارجیة فإنّ الأفراد إن انطبق علیها البیع الکلّی الممضی شرعاً حکم بصحّتها و إلّا فلا، و الانطباق و عدمه أمران تکوینیان غیر قابلین للجعل تشریعاً.

أمّا الصحّة الظاهریة فالصحیح أنّها مجعولة شرعاً فی العبادات و المعاملات.

أمّا فی العبادات فکالصحّة فی موارد قاعدتی التجاوز و الفراغ فإنّه لولا حکم

ص: 364


1- سورة البقرة(2):275.
2- سورة المائدة(5): 1.
3- سورة النساء(4):29.

الشارع بانطباق المأمور به علی المشکوک فیه تعبّداً، لکانت العبادة محکومة بالفساد لامحالة.

أمّا فی المعاملات فکالصحة فی موارد الشک فی بطلان الطلاق أو نحوه فإنّه لولا حکم الشارع بالصحة فی هذه الموارد لکان الطلاق مثلاً محکوماً بالفساد لامحالة.

النظریة الثالثة: عن المحقّق الخوئی (قدس سره)

((1))

إنّ الصحّة و الفساد فی العبادات غیر مجعولین شرعاً و فی المعاملات مجعولان.

أمّا فی العبادات فقد عرفت أنّهما منتزعان من انطباق الطبیعی علی الموجود الخارجی و عدم الانطباق فلاتکون الصحّة و الفساد قابلین للجعل.

أمّا فی المعاملات فالأمر فیها لیس کذلک لأنّ نسبة المعاملات إلی الإمضاء الشرعی نسبة الموضوع إلی الحکم لا نسبة المتعلّق إلی الحکم و هذا بخلاف العبادات کالصلاة فإنّ نسبتها إلی الحکم الشرعی نسبة المتعلّق لا نسبة الموضوع.

و إنّا قد حققنا فی محلّه أنّ موضوع الحکم فی القضایا الحقیقیة قد أُخذ مفروض الوجود فی مقام التشریع و الجعل دون متعلّقه و لذا تدور فعلیة الحکم مدار فعلیة موضوعه، فیستحیل أن یکون الحکم فعلیاً فیها بدون فعلیة موضوعه، فلا حکم قبل فعلیته إلّا علی نحو الفرض و التقدیر.

و من ناحیة أخری إنّ الحکم ینحلّ بانحلال أفراد موضوعه فی الخارج فیثبت لکلّ فرد منه حکم علی حدة.

ص: 365


1- المحاضرات، ط.ج. ج4، ص143.

ثمّ إنّ معنی اتّصاف المعاملات بالصحّة و الفساد إنّما هو ترتّب الأثر الشرعی علیها و عدم ترتّبه و الأثر الشرعی إنّما یترتّب علی المعاملة الموجودة فی الخارج دون الطبیعی غیر الموجود فیه.

و نتیجة هذه الأُمور هی أنّ المعاملات بما أنّها أُخذت مفروضة الوجود فی لسان أدلّتها یتوقّف فعلیة الإمضاء علی فعلیتها فی الخارج فما لم تتحقّق المعاملة فیه لم یعقل تحقّق الإمضاء لاستحالة فعلیة الحکم بدون فعلیة موضوعه، فإذا تحقّق بیع مثلاً فی الخارج تحقّق الإمضاء الشرعی و إلّا فلا إمضاء لما عرفت من أنّ الإمضاء الشرعی فی باب المعاملات لم یجعل لها علی نحو صرف الوجود لتکون صحّتها منتزعة من انطباقها علی الفرد الموجود و فسادها من عدم انطباقها علیه.

و قد تحصّل من ذلک أنّ المعاملات بما أنّها موضوعات للإمضاء الشرعی بطبیعة الحال یتعدّد الإمضاء بتعدّد أفرادها فیثبت لکلّ فرد منها إمضاء مستقل و انّا لانعقل للصحّة معنیً إلّا إمضاء الشارع لها من جهة شمول الإطلاقات و العمومات لها فمعنی صحّة البیع حکم الشارع بترتیب الأثر علیه و هو حصول الملکیة فالصحّة فی المعاملات أمر مجعول شرعاً.

ص: 366

المقدّمة السابعة: فی مقتضی الأصل العملی هنا نظریات أربع:

النظریة الأُولی: عن المحقّق الخراسانی (قدس سره)
اشارة

((1))

و ما أفاده قد یکون بالنسبة إلی المسألة الأُصولیة و قد یکون بالنسبة إلی المسألة الفرعیة.

أمّا بالنسبة إلی المسألة الأُصولیة:

فإنّه لا أصل فی المسألة الأُصولیة لیثبت الدلالة علی الفساد أو عدمها و الوجه فی ذلک هو عدم الحالة السابقة المعلومة لأنّ النهی أمر حادث و هو من حین حدوثه إمّا أن یدلّ علی الفساد و إمّا أن لایدلّ علیه و أمّا قبل حدوثه فلا نهی و لا حالة سابقة.

أمّا بالنسبة إلی المسألة الفرعیة:

فإنّ الأصل فی المسألة الفرعیة فی العبادات هو الفساد لعدم الأمر بالعبادة مع النهی عنها بل المراد بأصالة الفساد فی العبادات هو جریان قاعدة الاشتغال حیث إنّ الاشتغال الیقینی یوجب الفراغ الیقینی.

أمّا فی المعاملات فإنّ الأصل أیضاً هو الفساد بمعنی عدم ترتّب الأثر المقصود من المعاملة بمقتضی استصحاب الحالة السابقة و هو فی البیع مثلاً بقاء المال علی ملک مالکه.

نعم إذا کان هناک إطلاق أو عموم یدلّ علی صحّتها فلایجری أصالة الفساد لأنّها ترجع إلی الاستصحاب، و الإطلاق أو العموم مقدّم علی الاستصحاب.

ص: 367


1- کفایة الأصول، ص184.
النظریة الثانیة: عن المحقّق النائینی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّه لا أصل یعوّل علیه فی المسألة الأصولیة عند الشک فی دلالة النهی علی الفساد و عدمها سواء کان النزاع فی دلالة النهی علی الفساد لفظاً أم کان فی دلالته علیه عقلاً لأجل دعوی الملازمة بین الحرمة و الفساد و عدمها.

(أمّا إذا کان النزاع فی دلالة النهی لفظاً فقد مضی بیانه ضمن تقریر کلام صاحب الکفایة (قدس سره) و أمّا إذا کان النزاع فی الدلالة عقلاً فهو لعدم الحالة السابقة للملازمة بین الحرمة و الفساد لأنّ الملازمة إن کانت موجودة فهی من الأزل و إن لم تکن موجودة فکذلک من الأزل).

أمّا الأصل فی المسألة الفرعیة:

فیختلف بالنسبة إلی العبادات و المعاملات أمّا فی المعاملات فالأصل فی جمیع موارد الشک فی صحّة المعاملة یقتضی الفساد، لأصالة عدم ترتّب الأثر علی المعاملة الخارجیة و بقاء متعلّقها علی ما کان علیه قبل تحقّقها من دون فرق فی ذلک بین أن یکون الشک لأجل شبهة حکمیة أو موضوعیة.

أمّا العبادات فإن کان الشک فی صحتها و فسادها لأجل شبهة موضوعیة فمقتضی قاعدة الاشتغال فیها هو الحکم بالفساد.

و إن کان لأجل شبهة حکمیة فالحکم بالصحّة و الفساد عند الشک یبتنی علی الخلاف فی جریان البراءة و الاشتغال عند الشک فی الجزئیة أو الشرطیة أو المانعیة (فی کبری مسألة دوران الأمر بین الأقل و الأکثر الارتباطیین).

هذا کلّه بحسب ما تقتضیه القاعدة الأوّلیة و أمّا بالنظر إلی القواعد الثانویة

ص: 368


1- أجود التقریرات، ج2، ص212.

الحاکمة علی القواعد الأوّلیة فربّما یحکم بصحّة العبادة أو المعاملة عند الشک فیها بقاعدة الفراغ أو التجاوز أو الصحّة أو غیر ذلک.

فتحصّل من ذلک أنّ المحقّق النائینی و صاحب الکفایة (قدس سرهما) متوافقان فی عدم وجود الأصل بالنسبة إلی المسألة الأُصولیة کما أنّهما متّفقان فی أنّ الأصل بالنسبة إلی المسألة الفرعیة فی المعاملات هو الفساد بحسب ما تقتضیه القاعدة الأوّلیة و قد استثنی من ذلک صاحب الکفایة (قدس سره) وجود عام أو مطلق یدلّ علی الصحّة کما أنّ المحقّق النائینی (قدس سره) استثنی من ذلک القواعد الثانویة.

و لکنهما افترقا بالنسبة إلی الأصل فی المسألة الفرعیة فی العبادات فإنّ صاحب الکفایة (قدس سره) التزم بأصالة الفساد (التی ترجع إلی أصالة الاشتغال) و لکن المحقّق النائینی (قدس سره) فصّل فیها.

دفاع المحقّق الخوئی (قدس سره) عن صاحب الکفایة (قدس سره):

((1))

إنّ صحّة العبادة ترتکز علی أحد أمرین:

الأوّل: أن تکون مصداقاً للطبیعة المأمور بها و الثانی: أن تکون مشتملة علی الملاک فی هذا الحال

و لکنّ شیئاً من الأمرین غیر موجود أمّا الأوّل فلما عرفت من استحالة کون العبادة المنهی عنها مصداقاً للمأمور به و أمّا الثانی فلأنّه لایمکن إحراز اشتمالها علی الملاک إلّا بأحد طریقین: وجود الأمر بها و انطباق الطبیعة المأمور بها علیها و المفروض هنا أنّه لا أمر و لا انطباق فلایمکن إحراز اشتمالها علی الملاک، فإنّ

ص: 369


1- حاشیة أجود التقریرات، ج2، ص212؛ المحاضرات، ط.ج. ج4، ص163.

سقوط الأمر کما یمکن أن یکون لأجل وجود المانع مع ثبوت المقتضی له یمکن أن یکون لأجل عدم المقتضی له فی هذا الحال.

فبالنتیجة إنّ مقتضی الأصل فی العبادة هو الفساد مطلقاً.

النظریة الثالثة: عن المحقّق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

((1))

أمّا بناء علی أنّ المسألة عقلیة فلا أصل بالنسبة إلی المسألة الأصولیة.

و ذلک لأنّه إن قلنا: إنّ الصحّة هی من حیث موافقة الأمر فلامحالة تقع العبادة فاسدة بلا شک إذ لا أمر قطعاً للفراغ عن تعلّق النهی بالعبادة أوّلاً و عن عدم اجتماع النهی مع الأمر بها ثانیاً فلا شک حینئذ فی فساد العبادة.

و إن قلنا: إنّ الصحّة بمعنی موافقة المأتی به للمأمور به من حیث الملاک فالصحّة قطعیة الثبوت لأنّ المفروض تعلّق النهی بالعبادة لا ببعض العبادة، فالمنهی عنه مستجمع لجمیع الأجزاء و الشرائط الدخیلة فی الملاک.

نعم هنا نشک فی منافاة التقرّب المعتبر فی العبادة للمبغوضیة الفعلیة و مع عدم استقلال العقل بالمنافاة أو بعدمها لا أصل یقتضی أحد الأمرین.

أمّا بالنسبة إلی المسألة الفرعیة:

فإذا شککنا فی صحّة العبادة المنهی عنها فالأصل هو الفساد لاشتغال الذمّة بالعبادة المقرّبة و مع الشک فی صدورها قربیة لا قطع بفراغ الذمّة، فیجب تحصیل الفرد غیر المبغوض بالفعل.

و أمّا علی القول بأنّ المسألة لفظیة فلا أصل بالنسبة إلی المسألة الأُصولیة، لأنّ

ص: 370


1- نهایة الدرایة، ج2، ص391.

النزاع فی ظهور النهی فی الإرشاد إلی المانعیة و مع الشک فی هذا الظهور لا أصل فی المقام.

أمّا فی المسألة الفرعیة فالأصل هو الصحّة.

بیان ذلک: إنّ المفروض حینئذ (أی عند الشک فی دلالة النهی علی الفساد لفظاً) عدم منافاة الحرمة المولویة للعبادیة و عدم الحجّة علی المانعیة و مع الشک فی وجود المانع تجری أصالة عدم المانع فلا مانع من الصحّة.

النظریة الرابعة: عن بعض الأساطین (حفظه الله)

((1))

أما علی القول بأنّ المسألة عقلیة فلا أصل فی المسألة الأُصولیة و أمّا الأصل فی المسألة الفرعیة فهو الفساد سواء کان المنهی عنه عبادة أم معاملة.

و أمّا علی القول بأنّ المسألة لفظیة، فالأصل فی المسألة الأُصولیة موجود و هی أصالة الصحّة و وجه ذلک هو أنّ ظهور اللفظ فی الإرشاد إلی المانعیة تابع للوضع و الوضع مسبوق بالعدم و مع الشک فی الظهور یستصحب عدم الدلالة علی الفساد و معنی ذلک أصالة الصحّة.

أمّا الأصل فی المسألة الفرعیة فهو الفساد سواء کان النهی تعلّق بالعبادة أم بالمعاملة.

والتحقیق فی المقام أنّ ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) بناء علی کون المسألة عقلیة لا إشکال علیه فالحقّ هو أنّه لا أصل فی المسألة الأُصولیة، کما أنّ الأصل فی المسألة الفرعیة هو الفساد.

ص: 371


1- تحقیق الأصول، ج4، ص138.

ولکن بناء علی کون المسألة لفظیة فالأصل فی المسألة الأُصولیة موجود و هی أصالة الصحّة کما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله) .

و أمّا الأصل فی المسألة الفرعیة حینئذ فهو أصالة الصحّة کما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) لا أصالة الفساد کما قرره المحقّق الخراسانی (قدس سره) و تبعه بعض الأساطین (حفظه الله)، لأنّ جریان أصالة عدم المانع مقدّم علی جریان أصالة الفساد (التی أرجعها بعضهم إلی أصالة الاشتغال).

ص: 372

المقدّمة الثامنة: فی أقسام تعلّق النهی بالعبادة

قال صاحب الکفایة (قدس سره): إنّ متعلّق النهی علی خمسة أنحاء

الأوّل: أن یکون نفس العبادة کالصلاة فی أیام الحیض و صوم العیدین و لاینبغی الشک فی دخول هذا القسم فی محل النزاع.

الثانی: أن یکون جزء العبادة مثل قراءة العزائم فی الصلاة و هذا القسم أیضاً داخل فی محل النزاع بلحاظ أنّ جزء العبادة عبادة، إلّا أنّ بطلان الجزء لایوجب بطلان العبادة إلّا مع الاقتصار علی هذا الجزء (بالنحو المنهی عنه) لا مع الإتیان بغیره ممّا لا نهی عنه، إلّا أن یستلزم محذوراً آخر (کالزیادة العمدیة و لو فی غیر الأرکان).

الثالث: أن یکون شرط العبادة الخارج عنها مثل الطهارة الحدثیة و الخبثیة بالماء المغصوب و الشرط علی قسمین:

أحدهما أن یکون عبادة کالوضوء و ثانیهما أن یکون توصّلیاً کتطهیر البدن و الثوب عن النجاسة.

أمّا القسم الأوّل فالنهی عنه یدلّ علی حرمته و هی موجبة لفساد الشرط و هو یستلزم فساد العبادة المشروطة به و أمّا القسم الثانی فالنهی عنه یدلّ علی حرمته و لکن هی لاتوجب فساد الشرط و بطلان العبادة.

الرابع: أن یکون وصفها الملازم لها کالجهر و الإخفات، فالنهی عن الوصف الملازم مساوق للنهی عن موصوفه فیکون النهی عن الجهر فی القراءة مثلاً مساوقاً للنهی عن القراءة، لاستحالة کون القراءة التی یجهر بها مأموراً بها، مع کون الجهر بها منهیاً عنها فعلاً. فهذا القسم أیضاً داخل فی محل النزاع.

ص: 373

الخامس: أن یکون وصفها غیرَ الملازم کالغصبیة لأکوان الصلاة المنفکّة عنها فإنّ النهی عن الوصف غیرِ الملازم بناء علی القول بجواز اجتماع الأمر و النهی لایسری إلی الموصوف (و هی العبادة) و أمّا بناء علی القول بالامتناع و تقدیم جانب النهی (فی ما إذا اتحد الوصف غیرُ الملازم و الموصوف وجوداً) فالنهی یسری إلی الموصوف فیکون داخلاً فی محل النزاع.

و النهی عن العبادة لأجل الجزء أو الشرط أو الوصف علی وجهین:

الأوّل: أن یکون الجزء أو الشرط أو الوصف واسطة ثبوتیة لتعلّق النهی بالعبادة فالمنهی عنه فی الحقیقة نفس العبادة (فهذا من القسم الأوّل من الأقسام الخمسة).

الثانی: أن یکون الجزء أو الشرط أو الوصف واسطة عروضیة لتعلّق النهی بالعبادة و حینئذ المنهی عنه فی الحقیقة هو الجزء أو الشرط أو الوصف (و هذا من القسم الثانی أو الثالث أو الرابع أو الخامس من هذه الأقسام الخمسة).

إیرادات ثلاثة من المحقّق الإصفهانی (قدس سره) علی ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره):
الإیراد الأوّل:

إنّ الجزء أو الشرط أو ما اتحد مع العبادة إن کان بنفسه عبادة، فالنهی عنه نهی عن العبادة و لا مجال للبحث عن کلّ واحد منها، إذ لا فرق بین عبادة و عبادة.((1))

الإیراد الثانی:

إنّ ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من أنّ جزء العبادة عبادة لا موجب له، سواء

ص: 374


1- نهایة الدرایة، ج2، ص392.

کانت العبادة ما کان حسناً بذاته أو ما لو أُمر به لکان أمره عبادیاً، إذ لایجب أن یکون جمیع أجزاء العبادة معنوناً بعنوان حسن بذاته، بل یکفی کون المرکب بما هو مرکب معنوناً بعنوان حسن، کما أنّه لا أمر عبادی بکلّ جزء من المرکب، فلیس الجزء عبادة بأی معنی کان.

بل الوجه فی بطلان المرکب هو أنّ التقرب بالمبغوض أو بما یشتمل علی المبغوض غیر ممکن عقلاً و إن لم یکن الجزء بما هو داخلاً فی محل النزاع.

و هکذا الأمر بالمشروط إذا کان شرطه حراماً فإنّه لا وجه لسرایة الحرمة و لا لکون الشرط عبادة کلّیة بل الوجه فی البطلان أنّ التقرّب بالمتقید بالمبغوض کالتقرّب بالمبغوض و کذا الأمر بالمتقید بالمبغوض کالأمر به. ((1))

الإیراد الثالث

((2)):

إنّ ما أفاده من أنّ القسم الرابع من قبیل الوصف اللازم و الموصوف لازمه التعدّد فی الوجود فإذا کان الجهر و الإخفات کیفیّتین عرضیّتین قائمتین بالکیف المسموع فإنّ العرض و موضوعه متعدّدان فی الوجود علی المشهور و العبادة نفس القراءة الممتازة وجوداً عن إحدی الکیفیتین، فلیس النهی عن إحداهما نهیاً عن القراءة کی یکون نهیاً عن العبادة.

نعم إنّ المتلازمین لابدّ أن لایختلفا فی الحکم و لکن لا مجال لاتحادهما فی الحکم بسرایة النهی من الوصف الملازم إلی الموصوف (و الکلام هنا فی سرایة النهی إلی العبادة لا فی بیان حکم العبادة التی نهی عن وصفها الملازم) هذا بناء

ص: 375


1- نهایة الدرایة، ج2، ص393.
2- نهایة الدرایة، ج2، ص393.

علی مسلک صاحب الکفایة (قدس سره) و لکن المحقّق الإصفهانی (قدس سره) لایقول فی الجهر و الإخفات بذلک و لذا قال:

التحقیق هو کون النهی متعلّقاً بالعبادة، لأنّ الأعراض بسائط و لاتعدّد لجنسها و فصلها فی الوجود و إنّما یتمّ ذلک فی الأنواع الجوهریة، بل التحقیق أنّ الشدّة و الضعف دائماً فی الوجود، فالوجود الخاص الذی هو من العبادات منهی عنه و لا تعدّد بوجه من الوجوه.

و کذلک قال المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی القسم الخامس:

إنّ الکلام فی دخوله فی محل النزاع لا فی فساد العبادة لاتحادها مع المنهی عنه وجوداً بناء علی الامتناع و عدم کون النهی عن الغصب نهیاً عن العبادة بدیهی

هذا تمام الکلام فی المقدّمات و بعد إتمام المقدّمات یقع البحث فی مقامین:

ص: 376

المقام الأوّل: فی النهی عن العبادة

اشارة

نتکلم فیه حسب الأقسام الخمسة لمتعلق النهی:

القسم الأوّل: تعلّق النهی بذات العبادة

اشارة

هنا قولان:

القول الأوّل: اقتضاء الفساد
اشارة

قال بعض الأعلام باقتضائه للفساد مثل صاحب الکفایة و المحقّق النائینی و المحقّق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله) .

بیانات أربعة فی الاستدلال علی الفساد:
بیان الأوّل: عن صاحب الکفایة (قدس سره)

النهی یدلّ علی الحرمة، والصحّة لایجتمع مع الحرمة سواء فسّرناها بما یوافق المتکلّم أم فسّرناها بما یوافق الفقیه.

ص: 377

أمّا الصحّة عند المتکلّم فهی بمعنی موافقة الأمر و مع الحرمة لایبقی أمر حتّی یقال بموافقة الأمر، أمّا الصحّة عند الفقیه فبمعنی سقوط الإعادة و القضاء و الصحّة بهذا المعنی منوط بأمرین:

الأوّل: إتیان العمل بقصد القربة و الثانی: کون العمل صالحاً لأن یتقرّب به و مع الحرمة لایصلح العمل للتقرّب به.

لایقال: إنّ دلالة النهی علی الفساد هی فی ما إذا دلّ النهی علی الحرمة الذاتیة و لکن العبادة لاتتّصف بالحرمة الذاتیة، لأنّ المکلّف إن أتی بالعمل بدون قصد القربة لایکون عمله حراماً، و إن أتی به بقصد القربة یکون عمله تشریعاً محرّماً لأنّ العمل المفروض (الذی نهی عنه) لا أمر به و لابدّ للمکلّف حین إتیانه بقصد القربة أن یفترض له أمراً شرعیاً حتّی یقصد به القربة و هذا تشریع محرّم فهذا العمل إن أتی به بقصد القربة متّصف بالحرمة التشریعیة و مع اتّصاف العمل بالحرمة التشریعیة لاتتّصف بالحرمة الذاتیة، لامتناع اجتماع المثلین.

فإنّه یقال أوّلا: لا مانع من اتّصاف العبادة الشأنیة و العبادة الذاتیة بالحرمة الذاتیة أمّا العبادة الشأنیة فمثل صوم یوم العیدین و أمّا العبادة الذاتیة الفعلیة فمثل السجود لله تعالی و الوجه فی اتّصافهما بالحرمة الذاتیة هو ما فیهما من المفسدة الملزمة و المبغوضیة فی الحال الخاصّ (حین العیدین فی الصوم و حین الحیض فی السجود لله تعالی)

ثانیاً: لا مانع من اتّصاف ما یحرم بالحرمة التشریعیة بالحرمة الذاتیة و لایلزم اجتماع المثلین، لأنّ اجتماع المثلین یعتبر فیه وحدة الموضوع و أمّا فی ما إذا تعدّد الموضوع فلایلزم ذلک و الموضوع هنا متعدّد، لأنّ موضوع الحرمة التشریعیة الفعل القلبی و موضوع الحرمة الذاتیة الفعل الخارجی.

ص: 378

ثالثاً: لو لم یکن النهی هنا دالاً علی الحرمة، لکان دالاً علی الفساد و الوجه فی ذلک هو أنّ النهی لا أقلّ من دلالته علی أنّ العبادة لیست مأموراً بها، لأنّ النهی لایجتمع مع الأمر الفعلی و حینئذ إذا أتی بالعمل مع قصد القربة یکون حراماً تشریعیاً و الحرمة التشریعیة کافیة فی الفساد.

و المتحصّل من بیان صاحب الکفایة (قدس سره) هو أنّ الوجه فی الفساد هو عدم صلاحیة العمل للتقرّب به مع اتّصافها بالحرمة.

بیان الثانی: عن المحقّق النائینی (قدس سره)

((1))

إن اکتفینا فی صحّة العبادة باشتمالها علی الملاک (و هو مختار صاحب الکفایة و المحقّق النائینی و جمع من الأعلام (قدس سره) فالملاک الذی یحکم العقل بأنّ العمل یکون بقصده (أی بقصد هذا الملاک) متقرّباً إلیه تعالی إنّما هو الملاک الذی یکون فی حدّ ذاته علّة تامّة للبعث و لکن لم یأمر الشارع بالفعل الواجد لهذا الملاک من جهة تزاحمه و ما هو الأهم.

أمّا الملاک المعدوم أو الملاک المغلوب لغلبة ملاک النهی فکما یستحیل أن یکون داعیاً للمولی إلی البعث یستحیل أن یکون موجباً لصحّة التقرّب بما یشتمل علیه.

و اتّصاف العبادة بالحرمة یکشف کشفاً قطعیاً عن عدم ملاک الأمر فیها أو عن کونه مغلوباً لملاک طلبه لایصحّ التقرّب بها قطعاً.

مع أنّ فعلیة التقرّب بما یصلح أن یتقرّب به فی نفسه مشروطة عقلاً بعدم کونه مزاحماً بالقبح الفاعلی و بما أنّ العبادة المنهی عنها تصدر مبغوضة و متّصفة

ص: 379


1- أجود التقریرات، ج2، ص216.

بالقبح الفاعلی یستحیل التقرّب بها من المولی و إن کان فیها ملاک الوجوب أیضاً.

فتحصّل من بیانه أنّ الوجه فی فساد العبادة المنهی عنها أمران:

الأمر الأوّل: هو ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من عدم صلاحیة العمل للتقرّب به و وجّهه صاحب الکفایة (قدس سره) بحرمة العبادة و المحقّق النائینی (قدس سره) بما تکشف عنه حرمة العبادة من عدم وجود ملاک الأمر أو کونه مغلوباً.

الأمر الثانی: إنّ العبادة إذا اتّصفت بالقبح الفاعلی یستحیل التقرّب بها و إن کان فیها ملاک الوجوب.

بیان الثالث: عن المحقّق الخوئی (قدس سره)

((1))

إنّ النهی المتعلّق بذات العبادة یدلّ علی الفساد لثبوت الملازمة بین الحرمة و الفساد و السبب فی ذلک هو أنّ العبادة إذا کانت محرّمة و مبغوضة للمولی لم یمکن التقرّب بها لاستحالة التقرّب بما هو مبغوض له فعلاً، کیف؟ فإنّه مبعّد و المبعّد لایکون مقرّباً؛ هذا ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) .

بیان الرابع: عن بعض الأساطین (حفظه الله)

((2))

إنّه قال أوّلاً بأنّ الملاک المبتلی بمفسدة ملزمة غیر صالح للتقرّب به بحکم العقل و قال ثانیاً (فی جواب المحقّق العراقی (قدس سره) بأنّ ملاک المصلحة إنّما یصلح للمقرّبیة فی حال کونه غرضاً للمولی بأن یکون منشأ لأمره تعالی بما یشتمل علیه

ص: 380


1- المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص147.
2- تحقیق الأصول، ج4، ص143.

أو یتعلّق به غرضه و مع وجود الحرمة التی دلّ علیها النهی، یسقط ملاک الأمر عن کونه غرضاً للمولی.

فبالنتیجة إنّ الأعلام اختلفوا فی تقریر وجه الفساد فإنّ الوجه عندهم و إن کان عدم صلاحیة العمل للتقرّب و لکن وجّهه صاحب الکفایة (قدس سره) بحرمة العمل و المحقّق النائینی (قدس سره) بما یکشف عنه الحرمة من عدم الملاک (و هو عدم مقتضی الصحّة) أو مغلوبیة ملاک الأمر لملاک النهی (و هو من باب وجود المانع فی مرحلة الملاک) أو من جهة اشتراطه عقلاً بعدم مزاحمة القبح الفاعلی و المحقّق الخوئی (قدس سره) وجّهه بوجود المانع فی مرحلة آثار الفعل المأتی به و هو القرب و البعد فقال: المبعّد لایکون مقرّباً و بعض الأساطین (حفظه الله) وجّهه باشتراط کون المصلحة متعلّقاً لغرض المولی حتّی تکون صالحة للتقرّب بها.

القول الثانی: عدم دلالة النهی عن العبادة علی الفساد
اشارة

هنا نظریتان:

النظریة الأُولی: عن المحقّق العراقی (قدس سره)
اشارة

((1))

إذا کان النهی متعلّقاً بعنوان العبادة و کان مولویاً محضاً فهو غیر مقتضٍ للفساد إلّا من جهتین:

الجهة الأُولی: الإخلال بالقربة (و هذا الإخلال یتحقّق فی ما إذا علم بالنهی عن الفعل) و الجهة الثانیة: فقدان الملاک و المصلحة.

و لکن فیه أنّ النهی المزبور بما أنّه نهی مولوی تحریمی یدلّ علی قیام المفسدة

ص: 381


1- نهایة الأفکار، ج1-2، ص456.

فی متعلّقه و لایدلّ علی عدم وجود ملاک الأمر و المصلحة فیه؛ نعم مع الشک فی الملاک کان مقتضی الأصل هو الفساد.

یلاحظ علیه:

إنّ الأعلام القائلین بالفساد لم ینکروا وجود ملاک الأمر إلّا أنّهم قالوا بوجود المانع عنه أو بعدم وجود شرط تأثیره فی القرب و نتیجة ذلک عدم صلاحیة العمل للتقرّب و ما أشار إلیه المحقّق العراقی (قدس سره) من الإخلال بالقربة أعمّ من الإخلال بقصد القربة أو الإخلال بصلاحیة العمل للقربة و لکنه قیده بأنّه موقوف علی العلم به و ذلک یوجب انحصار الإخلال بما یختلّ به قصد القربة و لکنه بناء علی تعمیم الإخلال لعدم صلاحیة العمل للتقرّب (کما صرحّ به القائلون بالفساد) لابدّ من اختیار القول بالفساد.

النظریة الثانیة: عن المحقّق الحائری (قدس سره)
اشارة

((1))

الحقّ أنّه لایقتضی الفساد مطلقاً أمّا فی العبادات فلأنّ ما یتوهّم کونه مانعاً عن الصحّة کون العمل مبغوضاً فلایحصل القرب المعتبر فی العبادات به.

و فیه أنّه من الممکن أن یکون العمل المشتمل علی الخصوصیة موجباً للقرب من حیث ذات العمل و إن کان إیجاده مع تلک الخصوصیة مبغوضاً للمولی، فکما أنّا قلنا فی مسألة الاجتماع بإمکان أن یتّحد العنوان المبغوض و العنوان المقرّب نقول کذلک هنا من دون تفاوت فإنّ أصل الصلاة شیء و خصوصیة إیقاعها فی مکان مخصوص شیء آخر و إن کانا متّحدین فی الخارج.

ص: 382


1- درر الفوائد، ج1-2، ص187.

ثم قال فی التعلیقة علی کلامه: متی تعلّق النهی بالخصوصیة فالحقّ صحّة العبادة حتّی علی القول بالامتناع فی مسألة اجتماع الأمر و النهی و متی تعلّق بالخاصّ فالحقّ بطلان العبادة حتّی علی القول بالجواز فی مسألة الاجتماع.

إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) علی نظریة المحقّق الحائری (قدس سره):

((1))

أوّلاً: المفروض فی القسم الأوّل هو تعلّق النهی بذات العبادة فما أفاده من تعلّق النهی بلازمها و هی خصوصیة کون الصلاة فی الحمام (التی هی من لوازم الصلاة) خلف لمفروض البحث.

ثانیاً: إنّ کینونة الصلاة فی الحمام حصّة من طبیعة الصلاة فهما موجودتان بوجود واحد فمع النهی عن وجود الصلاة فی الحمام لایعقل أن تکون الصلاة ممّا یتقرّب به.

فتحصّل إلی هنا: أنّ النهی إذا تعلّق بذات العبادة یقتضی فسادها لأنّ النهی کما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) یکشف عن أحد الأمرین: إمّا عدم ملاک الأمر و إمّا مغلوبیة ملاک الأمر بالنسبة إلی ملاک النهی و حینئذ مع احتمال فقدان ملاک الأمر لاینبغی النزاع فی اقتضائها للفساد مضافاً إلی أنّ ما تقدّم فی بحث اجتماع الأمر و النهی -من أنّ المبعّد یمکن أن یکون مقرّباً من جهة أُخری غیر جهة المبعّدیة- مخصوص بباب الاجتماع حیث إنّ المجمع فی بحث الاجتماع ذو عنوانین فیمکن أن یکون بأحدهما مبعّداً و بالآخر مقرّباً و لکن النهی فی هذا البحث تعلّق بنفس العبادة و الشیء بالعنوان الواحد لایمکن أن یکون مقرّباً و مبعّداً، لأنّ لازم ذلک هو أن یکون الشیء الواحد بجهة واحدة مقرّباً و مبعّداً

ص: 383


1- تحقیق الأصول، ج4، ص148.

نعم یمکن أن یقال بأنّ العنوان الواحد (بحیثیة ذات العبادة) مقرّب و أمّا المبعّد فهو ذات العبادة بحیثیة تقییده بالخصوصیة لا من حیث هی هی، فعلی هذا یمکن أن یکون المبعّد مقرّباً.

فالحق هو القول بفساد العبادة فی ما إذا تعلّق النهی بذات العبادة.

ص: 384

القسم الثانی: تعلّق النهی بجزء العبادة

اشارة

فیه نظریتان

قال صاحب الکفایة و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) و بعض الأساطین (حفظه الله) بصحّة العبادة علی بیان یأتی إن شاء الله تعالی و فی قبالهم المحقّق النائینی (قدس سره) یقول بفساد العبادة.

النظریة الأُولی: عن صاحب الکفایة (قدس سره)

((1))

إنّه قال فی الأمر الثامن من مقدّمات البحث: إنّ بطلان الجزء لایوجب بطلان العبادة إلّا مع الاقتصار علیه، لا مع الإتیان بغیره ممّا لا نهی عنه، نعم إذا استلزم ذلک محذوراً آخر کالزیادة العمدیة و لو فی غیر الأرکان یوجب البطلان أیضا.

النظریة الثانیة: عن المحقّق النائینی (قدس سره)
اشارة

((2))

إنّ النهی عن جزء العبادة یدلّ علی فسادها.

توضیح ذلک: إنّ جزء العبادة إمّا أن یؤخذ فیه عدد خاص کالوحدة المعتبرة فی السورة بناءً علی حرمة القِران و إمّا أن لایؤخذ فیه ذلک.

ص: 385


1- کفایة الأصول، ص185 قال: «لا ریب فی دخول القسم الأول فی محل النزاع و کذا القسم الثانی بلحاظ أنّ جزء العبادة عبادةٌ إلّا أّن بطلان الجزء لایوجب بطلانها إلّا مع اإاقتصار علیه لا مع الإتیان بغیره مما لا نهی عنه إلّا أن یستلزم محذوراً آخر».
2- أجود التقریرات، ج2، ص217.

أمّا الأوّل -أعنی به جزء العبادة المعتبر فیه عدد خاص- فالنهی المتعلّق به یقتضی فساد العبادة لامحالة لأنّ الآتی بالجزء فی ضمن العبادة إمّا أن یقتصر علی الجزء فی تلک العبادة أو یأتی بعده بالجزء الذی هو غیر منهی عنه، و علی کلا التقدیرین لاینبغی الإشکال فی بطلان العبادة المشتملة علیه.

فإنّ الجزء المنهی عنه لامحالة یکون خارجاً عن إطلاق دلیل الجزئیة أو عمومه فیکون وجوده کعدمه، فإن اقتصر المکلّف علیه فی مقام الامتثال بطلت العبادة لفقدها جزءها، وإن لم یقتصر علیه بطلت من جهة الإخلال بالوحدة المعتبرة فی الجزء کما هو الفرض.

هذا مضافاً إلی أنّ تحریم الجزء یستلزم أخذ العبادة بالإضافة إلیه بشرط لا و یترتّب علی ذلک أُمور کلّها موجب لبطلان العبادة:

الأوّل: کون العبادة مقیدة بعدم ذلک المنهی عنه فیکون وجوده مانعاً عن صحّتها و ذلک یستلزم بطلانها عند اقترانها بوجوده.

الثانی: کونه زیادة فی الفریضة فتبطل الصلاة بسبب الزیادة العمدیة المعتبر عدمها فی صحّة العبادة.

الثالث: خروجه عن أدلّة جواز مطلق الذکر فی الصلاة، فإنّ دلیل الحرمة لامحالة یوجب تخصیصها بغیر الفرد المحرّم، فیندرج الفرد المحرّم فی عموم أدلّة بطلان الصلاة بالتکلّم العمدی.

أمّا الثانی -أعنی به ما لم یؤخذ فیه عدد خاصّ- فقد اتّضح الحال فیه ممّا تقدّم لأنّ جمیع الوجوه المذکورة، المقتضیة لفساد العبادة المشتملة علی الجزء المنهی عنه جاریة فی هذا القسم أیضاً، و إنّما یختصّ القسم الأوّل بالوجه الأوّل منها.

ص: 386

إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علی نظریة المحقّق النائینی (قدس سره):

((1))

أوّلاً: ما أفاده من أنّ تحریم الجزء یستلزم أخذ العبادة بالإضافة إلیه بشرط لا، یرد علیه: أنّ حرمة جزء العبادة لو کانت موجبة لاعتبار العبادة بالإضافة إلیه بشرط لا، لکانت حرمة کلّ شیء موجبة لذلک أیضاً، إذ لا فرق فی هذه الجهة بین کون المنهی عنه من سنخ أجزاء العبادة و عدم کونه من سنخها، فلابدّ من الالتزام ببطلان کلّ عبادة أتی فی ضمنها بفعل محرّم خارجی، کالنظر إلی الأجنبیة فی الصلاة، مع أنّه واضح البطلان(و هذا الإیراد یتوجّه إلی ما أفاده فی الوجه الأوّل).

ثانیاً: إنّ الوجه الثانی مختصّ بباب الصلاة مضافاً إلی أنّه مخدوش و الوجه فی ذلک هو أنّ صدق عنوان الزیادة یتوقف علی قصد الجزئیة بما یؤتی به فی الخارج من دون فرق بین کون المأتی به من سنخ أجزاء العمل و کونه من غیر سنخها.

نعم فی خصوص الرکوع و السجود لایتوقف صدق العنوان المزبور علی القصد المذکور لورود النصّ بذلک فی السجود و القطع بعدم الفرق بینه و بین الرکوع من هذه الجهة.

ثالثاً: إنّ الوجه الثالث أیضاً مختصّ بباب الصلاة مع أنّه یرد علیه أنّه لا دلیل علی بطلان الصلاة بالذکر المحرّم و إنّما الدلیل قد دلّ علی بطلانها بکلام الآدمیین و الذکر المحرّم لیس منه علی الفرض (و المیرزا النائینی (قدس سره) قد صرح فی أجود التقریرات((2)) بأنّ الذکر المحرّم لایدخل فی کلام الآدمیین).

ص: 387


1- حاشیة أجود التقریرات، ج2، ص218.
2- أجود التقریرات، ج2، ص219.

فالتحقیق أنّه لاتبطل الصلاة بإتیان الجزء المحرّم إلّا فی ما ورد النهی عنه فی خصوص الصلاة، المستفاد منه مانعیته عن صحّتها، و فی ما أتی به بقصد کونه جزءً من الصلاة الموجب لتحقّق عنوان الزیادة فیها کما عرفت و لکنه لا ملازمة بین النهی (الدالّ علی المبغوضیة) و المانعیة عن صحّة الصلاة.((1))

ص: 388


1- عرفت نظریة المحقق الخراسانی و النائینی فی القسم الثانی (تعلق النهی بجزء العبادة) و بقی نظریة الشیخ الأنصاری و المحقق العراقی و الإصفهانی: أما الشیخ فلم یذکر مختاره فی هذا القسم فی مطارح الأنظار علی ما تفحّصت. و أمّا المحقق العراقی فقال فی نهایة الأفکار، ج 2، ص457: «و أمّا النهی المتعلق بجزء العبادة ففیه أیضا الصور المزبورة من کونه تارةً ممحّضاً فی المولویة، و أخری إرشاداً إلی خلل فی الجزء، و ثالثة فی مقام دفع توهّم الواجب الفعلی أو المشروعیة الفعلیة، أو الإقتضائیة. فالنهی المولوی فیه أیضا غیرُ مقتضٍ لفساد الجزء إلّا من جهة الخلل فی القربة الذی عرفت أنّه مترتب علی العلم بالنهی لا علی النهی الواقعی و أمّا النهی الإرشادی أو الواقع فی مقام دفع توهّم المشروعیة الإقتضائیة فهو موجبٌ لفساده و لکنّه بمعنی عدم وقوعه جزء للعبادة و إلّا فلایقتضی بطلان أصل العبادة، بل و لو قلنا حینئذ بفساد العبادة لابدّ و أن یکون من جهة النقیصة عند الإقتصار علیه، أو یکون من جهة الزیادة العمدیة بناء علی استفادة مبطلیة مطلق الزیادة العمدیة. نعم لو کان النهی فی مقام الإرشاد إلی کونه مخلّاً بأصل العبادة أیضا کما فی النهی عن قراءة العزائم فی الفریضة- علی ما هو قضیة التعلیل فی قوله علیه السلام: بأنّها زیادةٌ فی المکتوبة- کان مقتضیا لبطلان العبادة». و أمّا المحقق الإصفهانی فقال فی نهایة الدرایة، ج 2، ص393 فی التعلیقة علی قوله: «بلحاظ أنّ جزءَ العبادة عبادةٌ»: «لا موجب له، سواء کانت العبادة ما کان حسنا بذاته، أو ما لو أمر به لکان أمره عبادیا؛ إذ لا یجب أن یکون جمیع أجزاء العبادة معنونا بعنوان حسن بذاته، بل یکفی کون المرکب- بما هو مرکّب- معنونا بعنوان حسن، کما أنّه لا أمر عبادی بکل جزء، بل بالمرکب، فلیس الجزء عبادة بأی معنی کان بل الوجه فی بطلان المرکب أنّ التقرب بالمبغوض- أو بما یشتمل علی المبغوض- غیر ممکن عقلا، و إن لم یکن الجزء- بما هو- داخلا فی محل النزاع».

القسم الثالث: تعلّق النهی بشرط العبادة

اشارة

فیه نظریتان:

النظریة الأُولی: عن صاحب الکفایة (قدس سره)

قد تقدّم أنّ الشرط علی قسمین: الشرط العبادی و الشرط التوصّلی و النهی عن الشرط العبادی یوجب فساده و النهی عن الشرط التوصّلی یدلّ علی حرمته و لکن لاتوجب فساد الشرط و بطلان العبادة.((1))

النظریة الثانیة: عن المحقّق النائینی (قدس سره)
اشارة

((2))

إنّ شرط العبادة الذی تعلّق به النهی إنّما هو المعنی المعبّر عنه باسم المصدر (مثل الطهارة بالنسبة إلی الصلاة) و أمّا المتعلّق للنهی فهو المعنی المعبّر عنه بالمصدر (أی الأفعال الخاصّة من الوضوء و التیمم و الغسل) فما هو متعلّق النهی لیس شرطاً للعبادة و ما هو شرط لها لم یتعلّق به النهی.

فالطهارة التی هی شرط للصلاة لیست بعبادة و لم یعتبر فیها قصد القربة و الأفعال التی هی محصّلة للطهارة هی أفعال عبادیة و یعتبر فیها قصد القربة.

ص: 389


1- فی کفایة الأصول، ص185:«و أمّا القسم الثالث فلایکون حرمة الشرط و النهی عنه موجبا لفساد العبادة إلّا فی ما کان عبادة کی تکون حرمته موجبة لفساده المستلزم لفساد المشروط به و بالجملة لایکاد یکون النهی عن الشرط موجبا لفساد العبادة المشروطة به لو لم یکن موجبا لفساده کما إذا کانت عبادة».
2- أجود التقریرات، ج2، ص220.

فما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من تقسیم الشرائط إلی الشرط العبادی و الشرط التوصّلی باطل.

فتلخّص أنّ حال الشرائط حال بقیة الأوصاف فی أنّ النهی عنها لایوجب فساد المشروط أو المتّصف بها ما لم یکن النهی عنها نهیاً عن نفس المشروط أو المتّصف بها و أمّا إذا کان النهی عنها نهیاً عن نفس المشروط و الموصوف فلا إشکال فی فساد العبادة.

إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علی نظریة المحقّق النائینی (قدس سره):

((1))

أوّلاً: إنّ ما عبّر عنه باسم المصدر لایغایر المعنی الذی عبّر عنه بالمصدر إلّا بالاعتبار، فالمصدر باعتبار إضافته إلی الفاعل، و اسم المصدر باعتبار إضافته إلی نفسه کالإیجاد و الوجود فإنّهما واحد ذاتاً و حقیقة و الاختلاف بینهما بالاعتبار.

ثانیاً: إنّ ما أفاده من أنّ الطهارة شرط للصلاة لا الأفعال الخاصّة (مثل الوضوء و الغسل و التیمّم) یردّها أنّ ذلک خلاف ظواهر الأدلّة من الآیات و الروایات، فإنّ الظاهر منها هو أنّ الشرط لها نفس تلک الأفعال و الطهارة اسم لها و ما ورد من أنّ « الوضوء طهور» ظاهر فی أنّ الطهور اسم لهذه الأفعال دون ما یکون مسبباً عنه (فیظهر أنّ ما أفاده من أنّ شرائط الصلاة توصّلیة باطل لأنّ هذه الأفعال تعبّدیة فیصحّ تقسیم الشرائط بالتعبّدیة و التوصّلیة).

فتحصل أنّ الحقّ مع صاحب الکفایة (قدس سره) فإنّ الشرط العبادی لو نهی عنه

ص: 390


1- المحاضرات، ط.ج. ج4، ص156.

یکون الشرط فاسداً و بطلان الشرط لایوجب بطلان العبادة إلّا مع الاقتصار علیه (وزان ذلک وزان النهی المتعلّق بالجزء).((1))

ص: 391


1- و أمّا نظریة المحقق العراقی فی القسم الثالث ففی نهایة الأفکار، ج 2، ص458:«و أمّا النهی المتعلق بالشرط ففیه أیضا الصور المزبورة، فالنهی المولوی فیه أیضا غیرُ مقتضٍ لفساده إلّا إذا کان فیه جهة إرشادٌ إلی خلل فیه فیفسد و بفساده یفسد المشروط أیضاً فی فرض الإقتصار علی الشرط المنهی بلحاظ انتفاء المشروط بانتفاء شرطه». و أمّا نظریة المحقق الإصفهانی ففی نهایة الدرایة، ج 2، ص393 فی التعلیقة علی قوله: «بلحاظ أنّ جزء العبادة عبادة»: «... و هکذا الأمر بالمشروط- إذا کان شرطه حراما- فإنّه لا وجه لسرایة الحرمة، و لا لکون الشرط عبادة کلیة، بل الوجه فی البطلان أنّ التقرب بالمتقید بالمبغوض کالتقرب بالمبغوض، و کذا الأمر بالمتقید بالمبغوض کالأمر به».

القسم الرابع: تعلّق النهی بالوصف الملازم للعبادة

إنّ النهی عن الوصف الملازم نهی عن الموصوف بناء علی اتحاد العرض و موضوعه کما تقدّم فی کلام المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی المقدّمة الثامنة إلّا أنّه لیس قسماً علی حدة لأنّ الموصوف قد یکون جزء العبادة و قد یکون شرط العبادة (کما أنّ القراءة الموصوفة بالجهر و الإخفات جزء الصلاة).

ص: 392

القسم الخامس: تعلّق النهی بالوصف غیرِ الملازم للعبادة

و هذا القسم خارج عن مبحث النهی عن العبادة و داخل فی مسألة اجتماع الأمر و النهی و قد تقدّم أنّ المختار هو القول بجواز اجتماع الأمر و النهی.

ص: 393

ص: 394

المقام الثانی: فی النهی عن المعاملة

اشارة

هنا مطالب ثلاثة:

إنّهم اختلفوا فی دلالة النهی علی الفساد فی المعاملات فبعضهم قالوا بفساد المعاملة و بعض آخر مثل صاحب الکفایة (قدس سره) بصحّتها إجمالاً و المحقّق النائینی (قدس سره) قد فصّل((1)) بین تعلّق النهی بالسبب فلایدلّ علی الفساد و تعلّقه بالمسبب فیدلّ علی الفساد و بعض آخر مثل العلامة الحلّی (قدس سره) من المتقدّمین((2)) و المحقّق الخوئی (قدس سره) من المتأخرین قالوا بعدم دلالته علی الصحّة و لا علی الفساد (و قد نقل عن العلامة الحلّی (قدس سره) التوقف فی ذلک).

و قبل الورود فی البحث لابدّ من بیان محل النزاع فی المعاملات.

ص: 395


1- أجود التقریرات، ج2، ص227.
2- مبادی الوصول إلی علم الأصول، ص122.

المطلب الأوّل: فی تعیین محل النزاع

إنّ النهی عن المعاملة له أقسام ثلاثة:

الأوّل: أن یکون النهی إرشاداً إلی بیان مانعیة شیء عن المعاملة کالنهی عن بیع الغرر أو عن بیع ما لیس عندک((1)) و هذا القسم یدل علی الفساد قطعاً و خارج عن محل النزاع.

الثانی: أن یکون النهی عن الأثر المترتّب علی صحّة البیع بأن یدلّ علی حرمة ما لایحرم مع صحّة المعاملة مثل النهی عن أکل الثمن أو المثمن فی البیع مثل قَوْلِهِ (علیه السلام): «ثَمَنُ الْعَذِرَةِ مِنَ السُّحْت»((2)) و هذا القسم أیضاً یدلّ علی فساد المعاملة و خارج عن محل النزاع قطعاً.

الثالث: أن یکون النهی عن المعاملة کاشفاً عن مبغوضیته و هذا هو محل البحث بین الأعلام

ص: 396


1- المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص164 - 135.
2- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ عَنْ عَلِی بْنِ مِسْکِینٍ (سکن) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ وَضَّاحٍ عَنْ یعْقُوبَ بْنِ شُعَیبٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) قَالَ: ثَمَنُ الْعَذِرَةِ مِنَ السُّحْتِ. الوسائل: ج17، ص175، کتاب التجارة، أبواب ما یکتسب به، باب40، ح1.

المطلب الثانی: فی بیان الآراء

اشارة

هنا نظریتان:

هل یدلّ النهی المذکور علی فساد المعاملة أو لا؟ و منشأ ذلک هو الشک فی ثبوت الملازمة بین المبغوضیة (أو فقل: النهی التحریمی المولوی) و بین فساد المعاملة.

ثم لابدّ من ملاحظة المنهی عنه فإنّه قد یطلق العقد و المراد العقد السببی و هی صیغ العقود و الإیقاعات و قد یطلق العقد و یراد العقد المسبّبی و هو العنوان الاعتباری المحصّل من إجراء العقد و الإیقاع.

و أکثر الأعلام قالوا بسببیة الصیغ للمعنی الاعتباری المحصَّل (کما جاء فی کفایة الأُصول) و فی قبالهم المحقّق الخوئی (قدس سره) قال بعدم السببیة و لذا قال: الصیغ هی لإبراز الاعتبار النفسانی((1)).

فعلی هذا النهی قد یتعلّق بالسبب الذی هو عند المحقّق الخوئی (قدس سره) مبرز للاعتبار النفسانی و هو مثل النهی عن البیع إذا نودی للصلاة من یوم الجمعة.

و قد یتعلّق بالمسبّب و هو العنوان الاعتباری المحصَّل مثل النهی عن بیع المصحف للکافر حیث إنّ المنهی عنه هو تسلّط الکافر علی القرآن و تملیکه إیّاه.

و قد یتعلّق بالتسبّب مثل النهی عن تملّک الزیادة فی البیع الربوی فإنّ تملک الزیادة إن کان بسبب الهبة أو الصلح فهو جائز و لکنه إذا کان بالتسبّب عن البیع فهو منهی عنه و مثل التسبّب بالظهار لحصول البینونة بین الزوجین.

ص: 397


1- المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص169.
النظریة الأُولی: عن صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

(و هی عدم الدلالة علی الفساد بل الدلالة علی الصحّة فی النهی عن المسبّب و التسبّب).((1))

إنّ النهی الدالّ علی حرمة المعاملة لایقتضی الفساد، لعدم الملازمة فیها لغة و لا عرفاً بین حرمتها و فسادها أصلاً و ذلک لأنّ مدلول النهی هو الحرمة و أمّا الفساد فلیس مدلولاً مطابقیاً للنهی و لا مدلولاً التزامیاً له.

و من جانب آخر إنّ حرمة المعاملة تجتمع مع صحّتها بخلاف حرمة العبادة حیث قال بعضهم بأنّ حرمتها تستلزم مبغوضیتها و هی تنافی صحّتها لأنّ المبغوض لایصلح أن یکون مقرّباً ثمّ إنّ أباحنیفة و الشیبانی قالا بأنّ النهی عن الشیء یدلّ علی صحّته و نقل عن فخر المحقّقین (قدس سره) أنّه وافقهما فی أنّ النهی إذا تعلّق بالمسبب أو بالتسبّب یدلّ علی صحّة المعاملة دون ما إذا کان النهی متعلّقاً بالسبب المعاملی، و الوجه فی ذلک هو أنّ الحکم التکلیفی لایتعلّق إلّا بما هو مقدور للمکلّف فإذا تعلّق النهی بالمسبّب فلابدّ أن یکون البیع صحیحاً بحیث یترتّب علیه الأثر و یتحقّق المسبّب حتّی یصحّ النهی و إلّا لو لم یتمکّن المکلّف من إیجاد المسبّب فلا معنی للنهی عنه، و هکذا إذا تعلّق النهی بالتسبّب فلو لم یترتب الأثر الشرعی علی المعاملة فلا معنی للنهی عن التسبّب و هذا مثل التسبّب بالظهار لتحقّق البینونة بین الزوجین.

و أمّا إذا کان النهی عن السبب فلایدلّ علی الصحّة لأنّ السبب یکون مقدوراً و إن قلنا بفساده، نعم إنّه یمکن صحّته مثل البیع وقت النداء حیث إنّه منهی عنه و مع ذلک یقع البیع صحیحاً.

ص: 398


1- کفایة الأصول ص187.
إیراد المحقّق الإصفهانی (قدس سره) علی ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) أخیراً:

((1))

إنّ ما أفاده من أنّ النهی عن المسبّب أو التسبّب یدلّ علی الصحّة، لایمکن الالتزام به، لأنّ إیجاد الملکیة الذی هو معنی التملیک بالحمل الشائع متّحد مع وجود الملکیة بالذات و یختلفان بالاعتبار، فأمر الملکیة دائر بین الوجود و العدم، و لایتّصف إیجاد الملکیة بالصحّة، لأنّ وجود الملکیة لیس أثراً لإیجاد الملکیة حتّی یتّصف بلحاظه بالصحّة دائماً، لأنّ الشیء لایکون أثراً لنفسه.

أمّا الأحکام المترتّبة علی الملکیة المعبّر عنها بآثارها، فنسبتها إلیها نسبة الحکم إلی موضوعه لا نسبة المسبّب إلی سببه، لیتّصف بلحاظه بالنفوذ و الصحّة.

و منه یعلم أنّ النهی عن إیجاد الملکیة و إن دلّ عقلاً علی مقدوریته و إمکان تحقّقه بحقیقته، لکنّه لایدلّ علی صحّته حیث لا صحّة له و النهی عن السبب و إن دلّ علی مقدوریته إلّا أنّ وجوده لایلازم نفوذه فقول أبی حنیفة ساقط علی جمیع التقادیر.

النظریة الثانیة: عن المحقّق النائینی (قدس سره)
اشارة

((2))

قال المحقّق النائینی (قدس سره): الحقّ فی المقام هو التفصیل بین النهی المتعلّق بالسبب فلایدلّ علی الفساد و النهی المتعلّق بالمسبّب فیدلّ علیه.

أمّا عدم دلالة تعلّق النهی بالسبب علی الفساد المعاملة، فلأنّ مبغوضیة الإنشاء فی المعاملة بما هو فعل من أفعال المکلّف لاتستلزم عدم ترتّب أثر المعاملة علیها بوجه، ضرورة أنّه لا منافاة بین حرمة إنشاء البیع وقت النداء مثلاً

ص: 399


1- نهایة الدرایة ج2، ص407.
2- أجود التقریرات، ج2، ص227.

و حکم الشارع بترتّب أثره علیه فی الخارج، فیحتاج إثبات الفساد حینئذ إلی قیام دلیل آخر علیه غیر النهی و هو مفقود علی الفرض.

و أمّا دلالة تعلّق النهی بالمسبّب علی فساد المعاملة فلأنّ صحّة المعاملة تتوقف علی ثلاثة أُمور:

الأوّل: کون کلّ من المتعاملین مالکاً للعین أو بحکم المالک (مثل الولی و الوکیل) لیکون أمر النقل بیده.

الثانی: أن لایکون محجوراً عن التصرّف فیها من جهة تعلّق حق الغیر بها أو لغیر ذلک من أسباب الحجر، لیکون له السلطنة الفعلیة علی التصرّف فیها.

الثالث: أن یکون إیجاد المعاملة بسبب خاصّ و آلة خاصّة.

فإذا فرض تعلّق النهی بالمسبّب و بنفس الملکیة المنشأة مثلاً کما فی النهی عن بیع المصحف و العبد المسلم من الکافر کان النهی معجِّزاً مولویاً للمکلّف عن الفعل و رافعاً لسلطنته علیه، فیختلّ بذلک الشرط الثانی المعتبر فی صحّة المعاملة، أعنی به کون المکلّف مسلّطاً علی المعاملة فی حکم الشارع و یترتّب علی ذلک فساد المعاملة لامحالة.

إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) علی نظریة المحقّق النائینی (قدس سره):

((1))

إنّ ما أفاده مصادرة بالمطلوب لأنّ المحجوریة عن التصرّف التی هی الشرط الثانی من الشروط الثلاثة أمر وضعی و هی التی نقصد إثباتها بالمنع التکلیفی الدالّ علی المبغوضیة، فإن ثبتت الملازمة بین الحرمة التکلیفیة و المحجوریة عن

ص: 400


1- تحقیق الأصول، ج4، ص156.

التصرّف فنقول بالفساد و إن لم تثبت فنقول بعدمه و المحقّق النائینی (قدس سره) لم یستدلّ هنا بما یدلّ علی ثبوت الملازمة المذکورة فما أفاده قاصر عن إثبات مدّعاه.

ص: 401

المطلب الثالث: فی مقتضی النصوص فی المسألة

قد استدلّ بعضهم علی إثبات دلالة النهی عن المعاملة علی فسادها بصحیحة زرارة رواه الکلینی و الصدوق:

«عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ (علیه السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ مَمْلُوکٍ تَزَوَّجَ بِغَیرِ إِذْنِ سَیدِهِ فَقَالَ ذَاکَ إِلَی سَیدِهِ إِنْ شَاءَ أَجَازَهُ وَ إِنْ شَاءَ فَرَّقَ بَینَهُمَا قُلْتُ أَصْلَحَکَ اللهُ إِنَّ الْحَکَمَ بْنَ عُتَیبَةَ وَ إِبْرَاهِیمَ النَّخَعِی وَ أَصْحَابَهُمَا یقُولُونَ إِنَّ أَصْلَ النِّکَاحِ فَاسِدٌ وَ لَا تُحِلُّ إِجَازَةُ السَّیدِ لَهُ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام) إِنَّهُ لَمْ یعْصِ اللهَ وَ إِنَّمَا عَصَی سَیدَهُ فَإِذَا أَجَازَهُ فَهُوَ لَهُ جَائِزٌ»((1)) فإنّ قوله (علیه السلام): « إِنَّهُ لَمْ یعْصِ اللهَ» فإن أرید منه المعصیة الوضعیة فیکون معنی العبارة أنّه لم یفعل نکاحاً فاسداً وضعیاً و لذا أجازه السید فیکون العقد صحیحاً و هذا هو مختار المحقّق الخراسانی (قدس سره) .((2))

ص: 402


1- وسائل الشیعة، ج21، ص114، باب24، ح 1.
2- إختار هذا المعنی المحقق الخراسانی و العراقی و الإصفهانی و سبقهم فی اختیاره الوحید البهبهانی و المحقق القمی (قدس سره). و أمّا دلیلهم علی «حمل المعصیة علی مخالفة الحکم الوضعی و هو الإذن» فأمران: الأمر الأول: عصیان السید یلازم عصیان الله قال فی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص757: «و اعترض علی الإستدلال بالروایة جماعة- منهم المولی البهبهانی و المحقق القمی: أنّ المراد من المعصیة هو عدم مشروعیة نوع المعاملة فی أصل الشرع، فلا دلالة فی الروایة علی المطلوب و توضیحه: أنّ قوله علیه السلام: "إنّه لم یعص الله" لایمکن حمله علی ظاهره، ضرورةَ أنّ عصیان السید یلازم عصیان الله، فلابدّ من الحمل علی عدم الإذن». راجع نهایة الأفکار، ج 2، ص461. إیرادان علی الدلیل الأول: الإیراد الأول: من الشیخ الأنصاری قال فی مطارح الأنظار: «و ما ذکره من الصارف من أنّ عصیان المولی أیضا معصیة، لایوجب حمله علیه بعد احتمال ما ذکرنا من الحمل علی العصیان من غیر جهة أنّه فعل من الأفعال، مع کونه أظهر قطعا، لدوران الأمر بین تقیید العصیان بما ذکرنا و بین کونه مجازا عن عدم الإذن، و لا شک أنّ الأوّل أقرب». و قوله «ما ذکرنا» إشارة إلی هذه العبارة:: «إنّه علیه السلام إنّما فرع الصحة و الفساد علی معصیة الله و عدمها، و هو یحتمل وجهین: الأوّل: أن یکون المعاملة معصیة لله من حیث إنّه فعلٌ من الأفعال مع قطع النظر عن کونه معاملة موجبة لما هو المطلوب من إیقاع تلک المعاملة و الثانی: أن تکون معصیة لا من هذه الجهة، بل من حیث إنّها منهی عنها شرعا علی أحد الوجوه المتصورة فی النهی عن المعاملة، من حیث إنّها موجبة لترتب الآثار المطلوبة عنها. لا سبیل إلی الأوّل، فإنّ عصیان السید- أیضا- عصیان لله، فلا وجه لنفی العصیان عن الفعل الواقع بدون إذن السید علی وجه الإطلاق. فلابدّ من المصیر إلی الثانی، و هو یفید المطلوب، فإنّه یستفاد من التفریع المذکور أنّ کلَّ معاملةٍ فیها معصیة لله فاسدة، کما هو ظاهر الحصر». الإیراد الثانی: من المحقق النائینی قال فی أجود التقریرات ط.ق. ج 1، ص407: «و أمّا ما ذکر من تحقق عصیانه تعالی فی المقام لاستلزام عصیان السید له فهو و إن کان صحیحا إلّا أنّ المنفی فی الروایة لیس مطلق عصیانه تعالی بل خصوص عصیانه المتحقق بمخالفة نهیه الراجع إلی حقه تعالی علی عبیده مع قطع النظر عن حقوق الناس بعضهم علی بعض». الأمر الثانی: قرینة المقابلة حیث إنّ المراد من معصیة السید إنفاذ ما لم یأذن به السید قال فی مطارح الأنظار عند ذکر استدلال الوحید البهبهانی و المحقق القمی: «و یدل علی ذلک أنّ الأخذ بظاهر العصیان فی کلام الإمام غیر صحیح، إذ المفروض أنّ العبد لم یعص السید أیضا، لأنّ العصیان لایتحقق بدون النهی، و عدم الإذن المفروض فی السؤال أعمّ من النهی و عدمه». و قال فی نهایة الدرایة، ج 2، ص405 عند التعلیقة علی قوله: «و لایخفی أنّ الظاهر أن یکون المراد بالمعصیة»: «بیانه أنّ المعصیة کما تصدق علی مخالفته الحکم التکلیفی، کذلک علی الفعل الغیر المأذون فیه بإذن وضعی؛ إذ التسبب إلی ما لم یأذن به الله- تعالی- تصرّفٌ فی سلطانه- تعالی- کما أنّ إنفاذ ما لم یأذن به السید تصرف فی سلطانه، و هو المراد من عصیانه، فالمقابلة بین معصیة السید و معصیة الله- تعالی- بملاحظة أنّ التزویج- بما هو تزویجٌ- حیث إنّه لم ینفذه السید لعدم إذنه به، فهو عصیانٌ له، و حیث إنّه أنفذه الشارع بذاته، فهو غیرُ عاصٍ له تعالی»، و راجع نهایة الأفکار، ج 2، ص461. إیرادات ثلاثة علی الدلیل الثانی: الإیراد الأول: «مع عدم الإطّلاع أیضاً یکون معصیة لکونه تصرّفاً فی ملک الغیر بغیر إذنه». ذکر فی مطارح الأنظار عند توضیح استدلال الوحید البهبهانی و المحقق القمی أنّهما أشارا إلی هذا الإیراد ثم أجابا عنه. جواب الوحید البهبهانی و المحقق القمی عن هذا الإیراد: «و القول بأنّ مع عدم الإطّلاع أیضا ... مدفوعٌ بأنّ ذلک لایعدّ تصرّفا، کما قرّرنا فی الفضولی من أنّ مجرد إیقاع العقد لیس محرّما». ردّ الشیخ الأنصاری لهذا الجواب: قال فی مطارح الأنظار: «ربما یعدّ الإقدام علی مثل النکاح بدون إذن المولی و إن لم یکن مسبوقا بالنهی عصیانا و لایقاس ذلک بالفضولی، فإنّ الفرق بین إجراء الصیغة فی المال المتعلق بالغیر و بین الإقدام علی النکاح و الدخول المستلزم لتعلق المهر بذمة العبد- کما هو مورد الروایة الثانیة- فی غایة الظهور». الإیراد الثانی: من الشیخ الأنصاری قال فی مطارح الأنظار: «إنّ الروایة الاولی لیست صریحة فی عدم النهی، فإنّ قولنا: "بغیر إذن" قد یستعمل فی مقام العصیان أیضا، غایة الأمر عمومه لصورة عدم النهی أیضا، و حمل العصیان فی کلام الإمام علی عدم الإذن مرجوحٌ بالنسبة إلی حمله علی صورة وجود النهی». الإیراد الثالث: من المحقق النائینی و هو أنّ المراد من معصیة السید لیس إنفاذ ما لم یأذن به السید قال فی أجود التقریرات: « التحقیق فساد الإستدلال المذکور لأنّ صحته تتوقف علی أن یراد من العصیان فی کل من الموردین معنیً یغایر ما یراد منه فی الآخر و هذا خلاف الظاهر جدّاً».

ص: 403

و إن أرید منه التکلیفیة لا الوضعیة کما هو مختار المحقّق النائینی (قدس سره) ((1)) فتدلّ الصحیحة المذکورة علی أنّ ما کان معصیة لله تکلیفاً یوجب فساد العقد و لاینفع فیه إجازة سیده و أمّا إذا لم یکن ما فعله معصیة لله تکلیفاً کما هی الصورة المذکورة فی الروایة فلایقع العقد حینئذ فاسداً بل یتوقف علی إجازة السید.

فالمحقّق النائینی (قدس سره) یری دلالة الروایة علی أنّ النهی عن المعاملة یوجب الفساد و لکن الحق مع صاحب الکفایة (قدس سره) کما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله) ((2))لما

ص: 404


1- إختاره تبعا للشیخ الأنصاری.
2- تحقیق الأصول ج4، ص16. سبق بعض الأساطین فی ذلک المحقق الإصفهانی قال فی نهایة الدرایة: «و مما یؤید ذلک قول السائل فی روایة أخری- متحدة مع المذکورة فی المتن من حیث السائل و المسئول- ما لفظه: "فإنّه فی أصل النکاح کان عاصیا، فقال الإمام- علیه السلام: أتی شیئا حلالا، و لیس بعاصٍ لله و رسوله- صلّی الله علیه و آله" فیظهر منه أنّ قوله: "یقولون: أصل النکاح فاسد" مع قوله هنا: (فی أصل النکاح کان عاصیا) بمعنی واحد، و أمّا قوله- علیه السلام: "أتی شیئا حلالا" و نحوه فالمراد من الحلیة و الجواز هو المعنی اللغوی المناسب للوضع و التکلیف، و یؤیده قوله: "و لایحل إجازة السید له" فإنّ معنی الحِلّ هنا قطعا هو النفوذ؛ أی لاینفذه إجازة السید له، لا أنّه یحرمه أو یحرم الإجازة علیه. و فی روایة ثالثة فی مملوک تزوّج بغیر إذن مولاه: "أ عاصٍ لله؟ قال- علیه السلام- عاصٍ لمولاه. قلت: هو حرام؟ قال- علیه السلام: ما أزعم أنّه حرام ... الخ" و لو کان المراد بالمعصیة فعل الحرام لم یکن وجه للسؤال عن الحرمة بعد نفی کونه فاعلا للحرام، فهذه الروایة أظهر من غیرها من حیث إرادة أنّه لم یفعل ما لم ینفذه- تعالی- بل فعل ما لم ینفذه السید، و لا بأس بالسؤال عن الحرمة بعد النفوذ؛ لما ذکرنا مراراً من عدم الملازمة بین الحرمة و عدم النفوذ، و فیه إشارةٌ إلی عدم الملازمة عرفا أیضا، کما لا ملازمة عقلا، فتأمل».

ورد فی الروایة التالیة حیث قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام) « إِنَّمَا أَتَی شَیئاً حَلَالًا وَ لَیسَ بِعَاصٍ للهِ إِنَّمَا عَصَی سَیدَهُ وَ لَمْ یعْصِ اللهَ إِنَّ ذَلِکَ لَیسَ کَإِتْیانِ مَا حَرَّمَ اللهُ عَلَیهِ مِنْ نِکَاحٍ فِی عِدَّةٍ وَ أَشْبَاهِهِ»((1)) فما فی هذه الروایة الثانیة هی المعصیة الوضعیة لا التکلیفیة.

فتحصّل إلی هنا أنّ النهی عن المعاملة لایقتضی الفساد کما أنّه لایدلّ علی الصحّة.

ص: 405


1- وسائل الشیعه ج21، ص115.

ص: 406

الفهارس

اشارة

فهرس العناوین تفصیلا

فهرس الآیات

فهرس الروایات

فهرس الأعلام

ص: 407

ص: 408

فهرس العناوین تفصیلا

البحث الثالث: الضد

(فیه مقدّمات خمس و مقامان و تنبیه)

مقدّمات

المقدمة الأولی: هذه المسألة أصولیة أو فقهیة؟ (فیه وجهان) .................................. 17

الوجه الأوّل: تکون فقهیة ....................................................................................... 17

الإیراد علیه ........................................................................................................ 17

الوجه الثانی: تکون أصولیة ..................................................................................... 17

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) لکونها أصولیة ...................................................................... 18

المقدمة الثانیة: هذه المسألة عقلیة لا لفظیة .............................................................. 18

المقدمة الثالثة: المراد من الأمر و النهی فی عنوان البحث .......................................... 20

المقدمة الرابعة: المراد من الاقتضاء .............................................................................. 22

المقدمة الخامسة: المراد من الضد ................................................................................ 23

للضد اصطلاحان: فلسفی و أصولی ........................................................................... 23

المقام الأوّل: الضد الخاص

(قد استدلّ علی اقتضاء الأمر بالشیء للنهی عن ضدّه الخاص بوجهین:)

الوجه الأوّل علی الاقتضاء: المقدمیة ........................................................ 28

تمهید فی ذکر أنظار الأعلام فی المقدمیة ................................................... 29

مناقشات فی الوجه الأوّل: ..................................................................................... 32

المناقشة الأولی لصاحب الکفایة (قدس سره) ........................................................................ 32

ص: 409

جواب المحقق الإصفهانی و بعض الأساطین (حفظه الله) ............................................... 32

المناقشة الثانیة: لصاحب الکفایة (قدس سره) أیضاً ............................................................... 32

المناقشة الثالثة: و هی أیضاً لصاحب الکفایة (قدس سره) (إشکال الدور) .......................... 33

جواب المحقق الخوانساری (قدس سره) عن الدور ......................................................... 33

المناقشة الرابعة: و هی أیضاً لصاحب الکفایة (قدس سره) .................................................. 34

المناقشة الخامسة: للمحقق النائینی (قدس سره) .................................................................. 35

جوابان عن هذه الناقشة ............................................................................... 36

الأوّل: جواب المحقق الخوئی (قدس سره) ........................................................................ 36

الثانی: جواب بعض الأساطین (حفظه الله) نقضاً و حلّاً ................................................. 38

المناقشة السادسة: أیضاً للمحقق النائینی (قدس سره) ......................................................... 40

جواب المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................................... 41

المناقشة السابعة: أیضاً للمحقق النائینی (قدس سره) ........................................................... 42

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) ...................................................................................... 42

المناقشة الثامنة: أفادها المحقق الإصفهانی (قدس سره) ........................................................ 43

تحقیق المحقق الإصفهانی (قدس سره) ............................................................................. 44

إیرادان علی هذا التحقیق .............................................................................. 46

إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) ................................................................................... 47

الجواب عن هذا الإیراد .................................................................................. 47

المناقشة التاسعة: أفادها المحقق الخوئی (قدس سره) و هی تقریر للمناقشة الأولی .......... 48

تکملة فی تفصیل المحقق الخوانساری (قدس سره) فی المقدمیة .................................... 49

تحقیق بعض الأساطین (حفظه الله) فی ردّ هذا التفصیل .................................................... 49

الوجه الثانی علی الاقتضاء: الملازمة .......................................................... 53

مناقشتان فی الوجه الثانی ........................................................................................... 54

المناقشة الأولی: للمحقق الخوئی (قدس سره) ........................................................................ 54

المناقشة الثانیة: لبعض الأساطین (حفظه الله) ...................................................................... 55

أولاً بالنقض ................................................................................................... 55

ملاحظتنا علیه .......................................................................................... 55

ثانیاً بالحلّ ...................................................................................................... 56

ملاحظتنا علیه .......................................................................................... 56

ص: 410

المقام الثانی: الضد العام

(فیه أقوال خمسة:)

القول الأوّل: عدم اقتضاء الأمر بالشیء للنهی عن الضدّ العامّ (للمحقّق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین) 57

القول الثانی: الاقتضاء بنحو العینیة (لصاحب الفصول (قدس سره) ............................................ 58

القول الثالث: الاقتضاء بنحو التضمّن (لصاحب المعالم (قدس سره) ............................................ 59

القول الرابع: الاقتضاء بنحو الدلالة الالتزامیة اللفظیة (للمحقّق النائینی (قدس سره) ............. 59

القول الخامس: الاقتضاء بنحو الدلالة الالتزامیة العقلیة (لصاحب الکفایة (قدس سره) ........... 59

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) للقول الثانی ............................................................................. 60

تقریر القول الثالث .................................................................................................... 62

إیرادان علی هذا القول ......................................................................................... 62

بیان القول الرابع ....................................................................................................... 63

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................................................ 63

بیان صاحب الکفایة (قدس سره) للقول الخامس ....................................................................... 64

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................................................ 64

جواب عن هذا الإیراد .......................................................................................... 65

تحقیق المحقق الإصفهانی (قدس سره) .................................................................................... 65

تنبیه فی ثمرة المسألة

الثمرة الأولی .................................................................................................................. 69

الثمرة الثانیة...................................................................................................................

69

الثمرة الثالثة .................................................................................................................. 70

إیرادان علیها .............................................................................................................. 71

الإیراد الأوّل: و هو للشیخ البهائی (قدس سره) ....................................................................... 71

جوابان عن هذا الإیراد .................................................................................. 71

الأوّل: جواب صاحب الکفایة (قدس سره) ....................................................................... 71

الثانی: جواب المحقق الثانی (قدس سره) ........................................................................... 72

الإیراد الثانی: و هو للمحقق النائینی (قدس سره) و کلامه یبتنی علی أمرین ...................... 73

الأمر الأوّل ...................................................................................................... 74

إشکال المحقق الخوئی (قدس سره): هو متوقف علی کبری و صغری (استدلّ علی الصغری بوجهین) 74

ص: 411

الوجه الأوّل: و هو من المحقق الخراسانی (قدس سره) ............................................... 74

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا الوجه ................................................. 75

الوجه الثانی: و هو لجماعة منهم المحقق النائینی (قدس سره) .................................. 76

إیرادان من المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا الوجه ...................................... 77

الإیراد الأوّل: نقضاً و حلّاً ..................................................................... 77

الإیراد الثانی .......................................................................................... 79

یلاحظ علیه ...................................................................................... 79

تحقیق فی اعتبار القدرة فی متعلق التکلیف (هنا ثلاثة أقوال) ................ 80

القول الأوّل: ........................................................................................ 81

القول الثانی: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) .................................................. 81

إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علی هذا القول .............................................. 81

القول الثالث: نظریة المحقّق الخوئی (قدس سره) ................................................. 82

الأمر الثانی ............................................................................. 84

إشکال علی هذا الأمر ................................................................................. 84

جواب عن هذا الإشکال ............................................................................. 84

البحث الرابع: الترتب فیه مقدّمات خمس و مقامان

مقدّمات:

المقدمة الأولی ................................................................................... 94

المقدمة الثانیة: البحث عن الترتب عقلی لا لفظی ..................................................... 95

المقدمة الثالثة: البحث عن الترتب ثبوتی ..................................................................... 96

المقدمة الرابعة: للواجبین المتضادین ثلاث صور ......................................................... 97

فی الصورة الثالثة قولان .............................................................................................. 97

القول الأوّل: هی داخلة فی التزاحم (بیان المحقق النائینی (قدس سره) .................................. 97

القول الثانی: هی خارجة عن التزاحم (بیان المحقق الخوئی (قدس سره) ................................. 97

المقدمة الخامسة: فی جریان الترتب فیما إذا کان الواجب المهم مشروطاً بالقدرة شرعاً . 99

بیان المحقق النائینی (قدس سره) لعدم جریان الترتب .............................................................. 99

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی المحقق النائینی ...................................................... 100

تحقیق المحقّق الخوئی (قدس سره) لتصحیح الوضوء و الغسل فی هذا الفرع .................. 102

ص: 412

المقام الأوّل: أدلّة إنکار الترتب

الدلیل الأوّل: ما أفاده المحقق الخراسانی بطریق الإنّ .............................................. 103

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................................................... 103

الدلیل الثانی ............................................................................................................. 105

إیرادان علی هذا الدلیل: .................................................................................... 105

الإیراد الأوّل: إیراد المحقق النائینی (قدس سره) ................................................................. 105

جواب المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................................. 105

الإیراد الثانی: إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) .................................................................... 106

الدلیل الثالث...................................................................................

106

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................................................... 107

المقام الثانی: أدلّة القائلین بالترتّب

الوجه الأوّل: ذکره المحقق الخراسانی (قدس سره) ....................................................................... 113

إیراد المحقق الخراسانی (قدس سره) .......................................................................................... 114

الوجه الثانی: ذکره المحقق الخرااسانی (قدس سره) أیضاً .............................................................. 115

إیراد المحقق الخراسانی (قدس سره) .......................................................................................... 115

الوجه الثالث: ذکره أیضاً المحقق الخراسانی (قدس سره) ............................................................ 115

إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) ............................................................................................. 115

مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) .......................................................................................... 116

الوجه الرابع: ذکره أیضاً المحقق الخراسانی (قدس سره) و هو دلیل إنّی ..................................... 117

إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) ............................................................................................. 117

مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) .......................................................................................... 118

الوجه الخامس: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) بمقدّماته الخمس .................................. 118

المقدمة الأولی ......................................................................................................... 118

المقدمة الثانیة ......................................................................................................... 119

إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) ..................................................................................... 120

المقدمة الثالثة: فی إشکال یتوجه إلی المحقق النائینی (قدس سره)

........................................ 124

أجوبة خمسة عن هذا الإشکال من المحقق النائینی (قدس سره) ...................................... 127

إیراد المحقق الإصفهانی ................................................................................... 130

ص: 413

ملاحظتنا علیه ................................................................................................ 132

المقدمة الرابعة و هی أهمّ المقدّمات: ثلاثة تقادیر للحاظ الخطاب ................... 133

وجهان للفرق بین التقدیرین الأوّلین و التقدیر الثالث ................................... 135

إیرادات ستّة من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ................................................................. 136

الإیراد الأوّل ................................................................................................... 136

الإیراد الثانی .................................................................................................... 137

جواب بعض الأساطین (حفظه الله) .......................................................................... 137

ملاحظتنا علیه ......................................................................................... 137

الإیراد الثالث ................................................................................................. 138

الإیراد الرابع ................................................................................................... 138

ملاحظتنا علیه ......................................................................................... 139

الإیراد الخامس ............................................................................................... 139

الإیراد السادس ............................................................................................... 140

المقدّمة الخامسة ..................................................................................................... 140

إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) ..................................................................................... 141

الوجه السادس: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ............................................................. 142

تفاوت نظریة المحقق النائینی و المحقق الإصفهانی (قدس سرهما) ........................................... 142

بیان نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) ................................................................................ 143

إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) ......................................................................................... 143

جواب عن هذا الإیراد ........................................................................................ 144

الوجه السابع: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) ................................................................... 144

إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) .......................................................................................... 147

البحث الخامس: اجتماع الأمر و النهی

فیه مقدمتان و مقامان و تنبیه

المقدمة الأولی (فیها أمور أربعة)

الأمر الأوّل: عنوان البحث ................................................................... 151

عنوان البحث عند القدماء ...................................................................................... 151

ص: 414

نظریة المحقق النائینی (قدس سره) .......................................................................................... 151

ملاحظات ثلاث علیها ......................................................................................... 152

الأمر الثانی: النزاع کبروی أو صغروی؟ ..................................................... 153

هل یستحیل اجتماع الأمر و النهی بالذات؟ ........................................................... 153

هل یلزم علی الاجتماع التکلیف بالمحال؟ ............................................................. 153

الأمر الثالث: الأقوال فی المسألة (والمهم ثلاثة) ........................................... 155

القول الأول: الجواز ................................................................................................. 155

القول الثانی: الامتناع (هو مسلک المشهور) ........................................................... 162

القول الثالث: الجواز عقلاً و الامتناع عرفاً (هو مختار المقدس الأردبیلی) ........... 164

الأمر الرابع: هذه المسألة من صغریات التعارض أو التزاحم؟ ....................... 167

بیان المحقق النائینی (قدس سره): (للمسألة صور أربع) ......................................................... 167

المقدمة الثانیة: مقدّمات البحث علی نهج کفایة الأصول (و هی عشرة أمور) ....... 169

الأمر الأوّل: المراد من «الواحد» فی عنوان المسألة ....................................... 169

مقدمة فی أقسام الواحد .......................................................................................... 169

قولان فی المسألة .................................................................................................. 170

القول الأوّل: نظریة صاحب الفصول (قدس سره) ............................................................... 170

إیراد صاحب الکفایة و المحقق الإصفهانی (قدس سرهما) .................................................. 170

دفاعان عن صاحب الفصول (قدس سره) ................................................................... 171

1- دفاع المحقق البروجردی (قدس سره) ................................................................... 171

إشکال بعض الأساطین علی المحقق البروجردی ........................................ 171

2- دفاع المحقق الإیروانی (قدس سره) ........................................................................ 172

إشکال بعض الأساطین علی المحقق الإیروانی (قدس سره) .......................................... 172

القول الثانی: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) (و هی خالیة من الإشکال) .................. 172

الأمر الثانی: الفرق بین هذه المسألة و مسألة النهی عن العبادة (و فیه بیانات ستّة) 174

البیان الأوّل: ما أفاده المحقق القمی (قدس سره) .................................................................... 174

ملاحظتنا علیه .................................................................................................... 174

البیان الثانی: ما أفاده صاحب الفصول (قدس سره) .................................................................. 174

ص: 415

إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) .......................................................................................... 175

البیان الثالث: من المدقق الشیروانی (قدس سره) ...................................................................... 176

إیرادات ثلاثة علیه ............................................................................................. 176

البیان الرابع: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) ................................................................. 177

البیان الخامس: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................... 177

البیان السادس ......................................................................................................... 178

ملاحظتنا علیه .................................................................................................... 178

الأمر الثالث: مسألة الاجتماع أصولیة أو لا؟ (فیه خمسة أقوال) ............................... 179

القول الأوّل: إنّها من المسائل الأصولیة العقلیة ..................................................... 180

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) .................................................................................................

180

ملاحظة علیه............................................................................................................

181

القول الثانی: إنّها من المبادی الأحکامیة ................................................................. 181

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) .......................................................................................... 182

ملاحظتان علیه ................................................................................................... 182

القول الثالث: إنّها من المبادی التصدیقیة .............................................................. 183

بیان المحقق النائینی (قدس سره) ........................................................................................ 183

یلاحظ علیه ........................................................................................................ 184

القول الرابع: إنّها من المسائل الفقهیة ................................................................... 184

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) .......................................................................................... 184

القول الخامس: إنّها من المسائل الکلامیة .............................................................. 185

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) .......................................................................................... 185

الأمر الرابع: هذه المسألة عقلیة لا لفظیة ................................................................ 186

هنا أمران یوهمان اختصاص النزاع باللفظ ............................................................ 186

الأمر الأوّل ........................................................................................................... 186

إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) علیه ............................................................................ 186

الأمر الثانی ........................................................................................................... 186

إیرادان علی هذا الأمر .................................................................................... 187

1- إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) ............................................................................... 187

2- إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................................. 187

ص: 416

الأمر الخامس: شمول النزاع لجمیع أقسام الإیجاب و التحریم ............................. 189

هل یشمل النزاع الواجب و الحرام التخییری؟ (هنا قولان) ................................. 190

1- نظریة صاحب الکفایة (قدس سره): یشمل الأمرین ...................................................... 190

المناقشة فی نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) ................................................................ 190

2- نظریة المحقق الخوئی (قدس سره): لایشمل .................................................................. 191

بیان المحاضرات .............................................................................................. 191

بیان الدراسات ............................................................................................... 192

الأمر السادس: عدم اعتبار قید المندوحة فی جریان النزاع ...................................... 194

وجه لاعتبار وجود المندوحة ................................................................................... 194

بیان الکفایة لعدم اعتبار وجود المندوحة .............................................................. 195

مناقشة المحقق الإصفهانی (قدس سره) ................................................................................ 197

بیان المحقق الإصفهانی لعدم اعتبار وجود المندوحة ............................................. 198

نظریة المحقق النائینی (قدس سره) .......................................................................................... 198

نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................................................ 199

الأمر السابع: ارتباط المسألة بتعلّق الأحکام بالطبائع أو الأفراد ........................... 201

هنا توهمان ............................................................................................................. 201

1- یبتنی النزاع علی القول بتعلّق الأحکام بالطبائع .............................................. 201

2- یبتنی القول بالجواز علی القول بتعلّق الأحکام بالطبائع و القول بالامتناع علی الآخر

202

أجاب عنهما صاحب الکفایة (قدس سره) (و الجواب یتوقف علی بیان مقدّمات ثلاث) . 202

المقدمة الأولی فی بیان الفرق بین الطبیعة و الحصة و الفرد .......................... 202

المقدمة الثانیة فی بیان الاختلاف فی متعلّق الأمر ............................................. 203

المقدمة الثالثة فی معنی تعلّق التکلیف بالفرد ................................................ 204

تذنیب: هل یبتنی الجواز و الامتناع علی مسألة أصالة الوجود أو الماهیة؟ ........ 205

توهم أنّ مسألة أصالة الوجود أو الماهیة حیثیة تعلیلیة للحکم بالجواز أو الامتناع 205

بیان المحقق الخراسانی و الخوئی (قدس سرهما) فی دفع التوهم ......................................... 205

ملاحظتنا علیه .............................................................................................. 206

الأمر الثامن: هل تکون هذه المسألة من صغریات التعارض؟ ................................ 207

نظریة صاحب الکفایة (قدس سره): هنا مقامان (مقام الثبوت و فیه ثلاث صور و مقام الإثبات) ....... 207

ص: 417

مناقشات ثمان علیها ........................................................................................... 209

الأولی: ما أفاده المحقق النائینی و تبعه المحقق الخوئی (قدس سرهما) ............................. 209

الثانیة: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ........................................................................ 210

جواب بعض الأساطین (حفظه الله) ................................................................................ 210

الثالثة: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً ............................................................... 211

یلاحظ علیها ................................................................................................... 212

الرابعة ما أفاده المحقق النائینی و المحقق الخوئی (قدس سرهما): فی المسألة ثلاث صور... 212

1- بناء علی القول بالجواز و عدم المندوحة تدخل فی کبری التزاحم ............... 213

2- بناء علی القول بالجواز و وجود المندوحة اختلف العلمان (قدس سرهما) ................... 213

3- بناء علی القول بالامتناع تدخل فی کبری التعارض ....................................... 214

الخامسة: ما أفاده فی المحاضرات ....................................................................... 216

یلاحظ علیها ................................................................................................... 216

السادسة: ما أفاده فی المحاضرات أیضاً .............................................................. 216

السابعة: ما أفاده فی المحاضرات أیضاً ............................................................... 217

الثامنة: ما أفاده فی المحاضرات أیضاً ................................................................. 217

الأمر التاسع: إحراز وجود الملاک فی الحکمین .......................................................... 218

بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) ............................................................................................

218

مناقشات أربع من المحاضرات علی هذا البیان ................................................ 219

الأمر العاشر: ثمرة البحث ........................................................................................... 229

بیان صاحب الکفایة (قدس سره) .............................................................................................. 229

مناقشات خمس من المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا البیان ...................................... 232

جواب بعض الأساطین (حفظه الله) عن المناقشة الأولی و الثانیة و الثالثة ..................... 233

المقام الأوّل: دلیل القول بالامتناع

نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره) بمقدماتها الأربع .............................................................. 241

المقدمة الأولی: تضاد الأحکام فی مرتبة الفعلیة (نظریة الأعلام فی هذه المسألة أربع) ....... 242

الأولی: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) و هی وقوع التضاد فی مرحلة لفعلیة ........... 242

الثانیة: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) و هی عدم التضاد بین الأحکام ................. 245

ص: 418

الثالثة: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) ........................................................................... 251

یلاحظ علیها ................................................................................................... 252

الرابعة: نظریة بعض الأساطین (حفظه الله) ....................................................................... 253

یلاحظ علیها ................................................................................................... 255

المقدمة الثانیة: متعلّق الأحکام هو المعنون (و فیها نظریتان) ............................ 257

النظریة الأولی: عن المحقق الخراسانی (قدس سره) ............................................................. 257

النظریة الثانیة: عن المحقق الإصفهانی (قدس سره) ............................................................. 258

بیان بعض الأساطین (حفظه الله) .................................................................................. 259

المقدمة الثالثة: تعدد العنوان لایوجب تعدد المعنون .......................................... 261

نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره) .................................................................................. 261

بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) ...................................................................................... 261

المقدمة الرابعة: الموجود بوجود واحد له ماهیة واحدة ....................................... 263

توهمان ذکرهما صاحب الفصول (قدس سره) ..................................................................... 263

دفع صاحب الکفایة (قدس سره) لهذین التوهمین ............................................................ 263

المقام الثانی: أدلّة القول بالجواز (و هی خمسة)

الدلیل الأوّل: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ................................................................ 267

الدلیل الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) ................................................................... 273

مناقشات ثلاث علیه ................................................................................................ 275

المناقشة الأولی: للمحقق الخوئی (قدس سره) ...................................................................... 275

المناقشة الثانیة: للمحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً ............................................................. 276

تتمة للمناقشة الثانیة (فیها مطالب أربعة) ................................................... 277

المطلب الأوّل: لا مانع من اتّحاد الغصب مع الصلاة خارجاً (أفاده المحقق الخوئی تبعاً للمحقق الإصفهانی (قدس سرهما) 277

المطلب الثانی: توهم بعض الأعلام أن الصلاة من مقولة الفعل فلایعقل أن یکون أجزاؤها من مقولة الوضع 279

إیراد المحقق الإصفهانی و الخوئی (قدس سرهما) .................................................... 279

المطلب الثالث: السجود متّحد مع الغصب (أفاده المحقق الإصفهانی و الخوئی (قدس سرهما) ...... 279

المطلب الرابع: هل الحرکات المتخللة بین الرکوع و السجود و غیرهما مصادیق للغصب 280

ص: 419

المناقشة الثالثة علی الدلیل الثانی ....................................................................... 284

الدلیل الثالث: ما أفاده المحقق القمی و الشیخ الأنصاری (قدس سرهما) .................................. 285

إیرادات ثلاثة علیه .................................................................................................. 285

الأوّل: ما أفاده المحقق الخراسانی و النائینی (قدس سرهما) ..................................................... 285

الثانی: ما أفاده فی تحقیق الأصول ........................................................................... 286

الثالث: ما أفاده أیضاً فی تحقیق الأصول ................................................................ 286

الدلیل الرابع: ما یستفاد من کلام المحقق القمی (قدس سره) ................................................... 287

إیرادان علی هذا الدلیل .......................................................................................... 287

الأوّل: إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) .................................................................................. 287

جواب هذا الإیراد ............................................................................................. 287

الثانی: ملاحظتنا علیه ............................................................................................... 288

الدلیل الخامس ........................................................................................................... 289

جوابان لصاحب الکفایة (قدس سره) عن هذا الدلیل .............................................................. 289

الجواب الإجمالی ...................................................................................................... 289

الجواب التفصیلی و هو أنّ العبادات المکروهة علی ثلاثة أقسام ......................... 290

القسم الأوّل: کصوم یوم عاشوراء ..................................................................... 291

هنا ثلاثة طرق لحلّ المشکلة .......................................................................... 291

الطریق الأوّل: طریق الانطباق و هو مختار الشیخ الأنصاری (قدس سره) ........................ 291

مناقشة المحقق النائینی (قدس سره) ........................................................................ 291

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................................... 292

إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) ............................................................................ 293

یلاحظ علیه ............................................................................................. 294

الطریق الثانی: طریق الملازمة ......................................................................... 294

الطریق الثالث: طریق إرشادیة الأمر .............................................................. 295

نظریات ثلاث بالنسبة إلی القسم الأوّل .................................................... 295

الأولی: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) ............................................................... 295

مناقشتان علیها للمحقق الخوئی (قدس سره) ....................................................... 297

الثانیة: نظریة المحقق العراقی (قدس سره) ............................................................... 298

ص: 420

إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) علیها ............................................................. 298

الثالثة: نظریة المحقق الإصفهانی و الفشارکی (قدس سرهما) ....................................... 298

بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) ..................................................................... 298

بیان المحقق الفشارکی (قدس سره) ..................................................................... 299

إیرادات ثلاثة علی هذه النظریة ........................................................ 300

الأوّل: إیراد المحقق الحائری (قدس سره) ...................................................... 300

جواب المحقق الإصفهانی عن هذا الإیراد ..................................... 300

الثانی: إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) .......................................................

301

یلاحظ علیه..................................................................................

301

الثالث: إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) أیضاً ............................................ 301

ملاحظة علیه .............................................................................. 301

تکملة حول صوم یوم عاشوراء (أفادها بعض الأساطین (حفظه الله)) ................................... 302

فی حکم صوم یوم عاشوراء أقوال ................................................................... 302

1) الحرمة ...................................................................................................... 302

الاستدلال علی هذا القول ......................................................................... 302

إیرادات أربعة علی هذا الدلیل .......................................................... 302

الأوّل و الثانی و الثالث من بعض الأساطین (حفظه الله) ..................................... 302

یمکن أن یلاحظ علیه ........................................................................ 305

الإیراد الرابع ...................................................................................... 306

2) الکراهة .................................................................................................... 306

الاستدلال علی القول الثانی ....................................................................... 306

الإیراد علی هذا الدلیل.......................................................................

306

3) الاستحباب ................................................................................................. 307

الدلیل علی هذا القول ............................................................................. 307

مناقشة بعض الأساطین (حفظه الله) فی هذا الدلیل ........................................... 307

4) نظریة بعض الأساطین (حفظه الله) ........................................................................... 308

القسم الثانی: کالصلاة فی الحمام ........................................................................ 309

جواب صاحب الکفایة (قدس سره) عن هذا القسم بوجهین ............................................ 309

کلام المحقق النائینی (قدس سره) حول القسم الأوّل و الثانی............................................. 309

إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) علی هذا الکلام علی القول بالامتناع ..................... 311

ص: 421

القسم الثالث: کالصلاة فی موضع التهمة .......................................................... 311

جواب صاحب الکفایة (قدس سره) عن هذا القسم بوجهین ............................................ 311

تنبیه فی الاضطرار إلی ارتکاب الحرام (هنا مقامان)

المقام الأوّل: فی الاضطرار إلی الحرام لا بسوء الاختیار (و فیه فائدة) ..................... 313

بیان المحقق النائینی (قدس سره) ...............................................................................................

313

إیرادان علی نظریة المحقق النائینی (قدس سره) فی القسم الثانی........................................

315

الأوّل: إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................................... 315

ملاحظة بعض الأساطین (حفظه الله) .............................................................................. 316

الثانی: إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) و هو اثنان ......................................................... 316

1- إیراده علی بیان المحقق النائینی (قدس سره) فی الدورة الأخیرة .................................. 316

2- إیراده علی بیان هذا المحقق فی الدورة الأولی ........................................... 317

فائدة: فی حکم الصلاة عند الاضطرار لا بسوء الاختیار (هنا صورتان) ................. 318

الحالة الأولی: إذا لم یتمکن من الخروج (فیها ثلاثة أقوال) ............................. 318

الأوّل: لزوم الصلاة مع جمیع الأجزاء و الشرائط (اختاره صاحب الجواهر و المحقق الخوئی (قدس سرهما) 318

استدلال صاحب الجواهر (قدس سره) علی القول الأوّل ................................................... 318

الثانی: لزوم الاقتصار علی الإیماء بدلاً عن الرکوع و السجود اختاره المحقق النائینی (قدس سره) 319

استدلال المحقق النائینی (قدس سره) .............................................................................. 319

إیرادان علی هذا الدلیل ........................................................................... 320

الإیراد الأوّل: إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) ........................................................... 320

الإیراد الثانی: إیراد صاحب زبدة الأصول ................................................... 321

الثالث: نظریة بعض الأساطین (حفظه الله) .................................................................... 321

الحالة الثانیة: إذا تمکن من الخروج (و فیها صور ثلاث) ................................. 321

المقام الثانی فی الاضطرار إلی الحرام بسوء الاختیار (فیه جهتان) ............................. 324

الجهة الأولی: حکم الخروج فی حد ذاته (و فیها أقوال خمسة) .......................... 324

1) الحرمة ........................................................................................................... 324

إشکال بعض الأساطین (حفظه الله) علی هذا القول ........................................................ 324

ص: 422

2) نظریة المحقق القمی (قدس سره) (الوجوب و الحرمة فعلاً) ....................................... 324

إیرادات أربعة علی هذا القول ........................................................................ 325

الإیراد الأوّل و الثانی من صاحب الکفایة (قدس سره) ....................................................... 325

یلاحظ علیها ............................................................................................ 325

الإیراد الثالث من صاحب الکفایة (قدس سره) أیضا..........................................................

325

یلاحظ علیها ............................................................................................ 326

الإیراد الرابع: من بعض الأساطین (حفظه الله) ................................................................ 326

3) نظریة صاحب الفصول (قدس سره) ............................................................................... 327

إیرادان علی هذا القول ................................................................................... 327

الأوّل: إیراد المحقق الخراسانی و النائینی (قدس سرهما) ..................................................... 327

یلاحظ علیه ............................................................................................. 327

الثانی: إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) ......................................................................... 328

4) نظریة الشیخ الأنصاری و المحقق النائینی (قدس سرهما) ............................................... 328

إیرادان علی هذا القول ................................................................................... 329

الأوّل: إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) .......................................................................... 329

الثانی: إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................................ 330

5) نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) ................................................................................ 330

إیراد المحقق النائینی (قدس سره) .................................................................................... 332

جواب المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................................... 334

الجهة الثانیة: حکم الصلاة فی المکان الغصبی (و فیها صور ثلاث) .......................... 337

البحث السادس: اقتضاء النهی عن العبادة أو المعاملة فساد المنهی عنه

(فیه مقدمات ثمان و مقامان)

مقدمات

المقدمة الأولی: الفرق بین هذه المسألة و مسألة الاجتماع .................................... 343

بیان صاحب الکفایة (قدس سره) .............................................................................................. 343

إیراد المحقق العراقی (قدس سره) ........................................................................................ 344

ص: 423

دفاع بعض الأساطین (حفظه الله) عن صاحب الکفایة (قدس سره) ................................................... 345

المقدمة الثانیة: هل تکون هذه المسألة عقلیة أو لفظیة؟ ...................................... 346

بیان المحقق النائینی (قدس سره) لکونها من غیر المستقلات العقلیة .................................... 347

المقدمة الثالثة: فی دخول أقسام النهی فی محل النزاع ............................................. 348

قال بعض الأساطین (حفظه الله): النهی خمسة أقسام ........................................................... 348

القسم الأوّل: النهی التشریعی ........................................................................... 348

القسم الثانی: النهی الذاتی الإرشادی .................................................................. 348

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) لخروج هذا القسم عن محل النزاع ................................ 348

القسم الثالث: النهی الذاتی المولوی الغیری (فیه ثلاث نظریات) .................... 349

الأولی: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) ....................................................................... 349

الثانیة: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) ...................................................................... 349

الثالثة: نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره) ................................................................... 351

القسم الرابع: النهی الذاتی المولوی النفسی التنزیهی (فیه ثلاث نظریات) ..... 353

الأولی: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) ................................................................... 353

الثانیة: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) .................................................................. 354

الثالثة: تفصیل المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................... 354

القسم الخامس: النهی الذاتی المولوی النفسی التحریمی ........................... 355

المقدمة الرابعة: معنی العبادة و المعاملة فی هذا البحث ....................................... 356

بیان صاحب الکفایة (قدس سره) .............................................................................................. 356

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................................................... 357

المقدمة الخامسة: تحریر محل النزاع ........................................................................ 359

المقدمة السادسة: تعریف الصحة و الفساد (و فیها نظریان) ................................. 360

النظریة الأولی: عن صاحب الکفایة ....................................................................... 360

النظریة الثانیة: عن المحقق القمی ........................................................................ 360

جواب صاحب الکفایة (قدس سره) عن هذه النظریة ........................................................ 360

تنبیه: فی أن الصحة و الفساد عند المتکلم و الفقیه حکم اعتباری أو حکم عقلی أو حکم شرعی (هنا نظریات ثلاث) 362

النظریة الأولی: عن صاحب الکفایة (قدس سره) ..................................................................... 362

ص: 424

النظریة الثانیة: عن المحقق النائینی (قدس سره) .................................................................... 363

النظریة الثالثة: عن المحقق الخوئی (قدس سره) ....................................................................... 365

المقدمة السابعة: فی مقتضی الأصل العملی (هنا نظریات أربع) ............................ 367

الأولی: نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره) ........................................................................... 367

الثانیة: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) .............................................................................. 368

دفاع المحقق الخوئی عن صاحب الکفایة" ..................................................... 369

الثالثة: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) ........................................................................... 370

الرابعة: نظریة بعض الأساطین (حفظه الله) ........................................................................... 371

المقدمة الثامنة: فی أقسام تعلّق النهی بالعبادة ....................................................... 373

بیان صاحب الکفایة (قدس سره): متعلّق النهی علی خمسة أنحاء ........................................ 373

إیرادات ثلاثة علیه من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ....................................................... 374

المقام الأوّل: فی النهی عن العبادة

(نتکلّم فیه حسب الأقسام الخمسة لمتعلّق النهی)

القسم الأوّل: تعلّق النهی بذات العبادة (هنا قولان) ............................................. 377

القول الأوّل: اقتضاء الفساد (فیه بیانات أربعة) ................................................... 377

الأوّل: بیان صاحب الکفایة (قدس سره) .............................................................................. 377

الثانی: بیان المحقق النائینی (قدس سره) .............................................................................. 379

الثالث: بیان المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................................. 380

الرابع: بیان بعض الأساطین (حفظه الله) ............................................................................ 380

القول الثانی: عدم الدلالة علی الفساد (فیه نظریتان) ........................................... 381

الأولی: نظریة المحقق العراقی (قدس سره) ........................................................................ 381

یلاحظ علیها ....................................................................................................... 382

الثانیة: نظریة المحقق الحائری (قدس سره) ........................................................................ 383

إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) علیها ............................................................................. 383

القسم الثانی: تعلّق النهی بجزء العبادة (و فیه نظریتان) ....................................... 385

الأولی: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) و هی صحة العبادة ............................................ 385

ص: 425

الثانیة: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) و هی فساد العبادة ........................................... 385

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیها ................................................................................ 387

القسم الثالث: تعلّق النهی بشرط العبادة (فیه نظریتان) ...................................... 389

النظریة الأولی: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) ................................................................ 389

النظریة الثانیة: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) ................................................................ 389

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیها ................................................................................ 390

القسم الرابع: تعلق النهی بوصف الملازم للعبادة ................................................... 392

القسم الخامس: تعلق النهی بوصف غیر الملازم للعبادة ...................................... 393

المقام الثانی: فی النهی عن المعاملة

(هنا مطالب ثلاثة)

المطلب الأوّل: فی تعیین محل النزاع ......................................................................... 396

النهی عن المعاملة له ثلاثة أقسام و محل النزاع القسم الثالث ........................... 396

المطلب الثانی: فی بیان الآراء (هنا نظریتان) ............................................................. 397

الأولی: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) .............................................................................. 398

إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیها .......................................................................... 399

الثانیة: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) .............................................................................. 399

إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) علیها ............................................................................. 400

المطلب الثالث: فی مقتضی النصوص فی المسألة ....................................................... 402

ص: 426

فهرس الآیات و الروایات

الآیات:

(أَحَلَّ اللهُ الْبَیعَ)................. 364

(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)................. 364

(تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ)............... 364

الروایات:

إِنَّمَا أَتَی شَیئاً حَلَالًا وَ لَیسَ بِعَاصٍ للهِ إِنَّمَا عَصَی سَیدَهُ وَ لَمْ یعْصِ اللهَ إِنَّ ذَلِکَ لَیسَ کَإِتْیانِ مَا حَرَّمَ اللهُ عَلَیهِ مِنْ نِکَاحٍ فِی عِدَّةٍ وَ أَشْبَاهِهِ 405

إِنَّهُ لَمْ یعْصِ اللهَ.................... 402

إِنَّهُ لَمْ یعْصِ اللهَ وَ إِنَّمَا عَصَی سَیدَهُ فَإِذَا أَجَازَهُ فَهُوَ لَهُ جَائِزٌ 402

ثَمَنُ الْعَذِرَةِ مِنَ السُّحْت........... 396

سَأَلَا أَبَا جَعْفَر ٍالْبَاقِرَ (علیه السلام) عَنْ صَوْمِ یوْمِ عَاشُورَاءَ؟ فَقَالَ کَانَ صَوْمُهُ قَبْلَ شَهْرِ رَمَضَانَ فَلَمَّا نَزَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ تُرِکَ 305

سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) عَنْ صَوْمِ یوْمِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ (علیه السلام) صَوْمٌ مَتْرُوکٌ بِنُزُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَ الْمَتْرُوکُ بِدْعَةٌ. 302

ص: 427

سَأَلْتُ الرِّضَا (علیه السلام) عَنْ صَوْمِ یوْمِ عَاشُورَاءَ وَ مَا یقُولُ النَّاسُ فِیهِ فَقَال.... وَ هُوَ یوْمٌ یتَشَأَّمُ بِهِ آلُ مُحَمَّدٍ علیهم السلام وَ یتَشَأَّمُ بِهِ أَهْلُ الْإِسْلَامِ وَ الْیوْمُ الَّذِی یتَشَأَّمُ بِهِ أَهْلُ الْإِسْلَامِ لَا یصَامُ وَ لَا یتَبَرَّکُ بِه 297

سَأَلْتُهُ عَنْ مَمْلُوکٍ تَزَوَّجَ بِغَیرِ إِذْنِ سَیدِهِ فَقَالَ ذَاکَ إِلَی سَیدِهِ إِنْ شَاءَ أَجَازَهُ وَ إِنْ شَاءَ فَرَّقَ بَینَهُمَا 402

صَامَ رَسُولُ اللهِ (صلی الله علیه و آله) یوْمَ عَاشُورَاءَ..... 294

صُمْهُ مِنْ غَیرِ تَبْییتٍ، وَ أَفْطِرْ مِنْ غَیرِ تَشْمِیت وَ لَا تَجْعَلْهُ صَوْمَ یوْمٍ کَمَلا 307

فَإِنَّهُ یکَفِّرُ ذُنُوبَ سَنَةٍ.............. 294

فَمَنْ صَامَهُ أَوْ تَبَرَّکَ بِهِ حَشَرَهُ اللهُ مَعَ آلِ زِیاد 297

ص: 428

فهرس الأعلام

الرسول (علیه السلام) ....................... 294

أمیر المؤمنین (علیه السلام) .............. 303, 307

الإمام الباقر (علیه السلام) 302, 303, 305, 402, 405

الإمام جعفر الصادق (علیه السلام) ...... 297, 307

الإمام الرضا (علیه السلام) ................... 297

الف)

إبراهیم النّخَعی.................. 402

ابن أبی عمیر..................... 307

ابن إدریس....................... 307

ابن قولویه....................... 307

ب)

بعض الأساطین 19, 29, 32, 38, 47, 49, 55, 58, 92, 132, 137, 143, 154, 171, 172, 179, 189, 210, 219, 222, 233, 235, 237, 244, 253, 257, 259, 293, 298, 301, 302, 307, 308, 311, 316, 317, 321, 322, 324, 326, 328, 336, 337, 345, 346, 348, 355, 371, 372, 377, 380, 381, 383, 385, 400, 404

ج)

جعفر بن عیسی.................. 297

ح)

الحکَم بنَ عُتَیبة................... 402

ز)

زُرارَة بن أَعین.............. 305, 402

س)

السید [المرتضی]................. 156

ص: 429

السید الطباطبایی................. 102

السید الفاضل صدر الدین....... 157

السید الفشارکی................... 89

السید المجدّد المیرزا الشیرازی.. 89, 103

السید المحقّق الطباطبایی الیزدی... 100

السید المحقّق المیرزا الشیرازی...... 100

ش)

الشیخ الأنصاری 31, 49, 92, 100, 179, 189, 207, 214, 285, 293, 328, 329, 332, 346, 362

الشیخ البهائی................ 71, 179

الشیخ جعفر الکبیر کاشف الغطاء... 88

ص)

صاحب الجواهر 307, 318, 322, 323, 347, 350

صاحب الحدائق.................. 302

صاحب الفصول 58, 60, 170, 171, 172, 174, 175, 178, 194, 263, 327

صاحب الکفایة 32, 33, 34, 48, 60, 64, 71, 74, 90, 103, 113, 114, 115, 116, 117, 118, 124, 153, 162, 169, 170, 171, 172, 175, 176, 177, 179, 182, 186, 187, 189, 190, 194, 195, 201, 202, 203, 205, 207, 208, 209, 210, 211, 212, 214, 216, 217, 218, 222, 229, 230, 232, 233, 235, 236, 237, 240, 241, 242, 243, 257, 259, 260, 261, 263, 265, 266, 267, 284, 285, 287, 289, 295, 309, 312, 325, 327, 329, 330, 331, 332, 334, 336, 337, 338, 343, 344, 345, 347, 351, 353, 356, 360, 362, 363, 367, 368, 369, 372, 373, 374, 376, 377, 379, 380, 381, 385, 389, 390, 395, 398, 399, 402, 404

صاحب المعالم.................. 59, 62

صاحب الوسائل................. 307

صاحب منتقی الأُصول........... 244

صدر المتألهین...................... 45

الصدوق.............. 305, 307, 402

ع)

عبدالله بن سنان.................. 307

عَبْدِالْمَلِک........................ 297

ص: 430

العلامة الحلّی..................... 395

العلاّمة المجلسی.................. 159

علی بن إبراهیم................... 307

عماد الدین المشهدی الطبری....... 307

ف)

الفاضل الکاشانی................. 157

الفاضل المدقّق الشیروانی..... 157, 176

الفضل بن شاذان................. 157

ک)

الکلینی.......... 157, 305, 307, 402

م)

المحقّق الأردبیلی............ 156, 186

المحقّق الإصفهانی 32, 41, 43, 44, 65, 67, 90, 97, 120, 130, 131, 132, 134, 136, 137, 140, 141, 142, 143, 144, 147, 152, 153, 155, 170, 173, 179, 182, 183, 189, 197, 198, 202, 203, 204, 244, 245, 249, 252, 253, 254, 255, 257, 258, 259, 260, 261, 265, 266, 267, 268, 269, 272, 279, 280, 281, 284, 298, 300, 301, 345, 370, 371, 372, 374, 376, 392, 399

المحقّق الأنصاری................. 353

المحقّق الإیروانی.................. 172

المحقّق البروجردی.......... 153, 171

المحقّق الثانی.... 72, 81, 88, 168, 199

المحقّق الحائری 89, 248, 299, 300, 382, 383

المحقّق الخوانساری 31, 33, 34, 49, 51, 52, 156

المحقّق الخوئی 18, 36, 41, 42, 43, 48, 54, 55, 58, 60, 63, 64, 71, 74, 75, 77, 79, 81, 82, 84, 94, 97, 98, 99, 100, 102, 103, 105, 106, 107, 116, 118, 177, 179, 180, 182, 184, 185, 187, 189, 190, 191, 199, 203, 205, 207, 209, 210, 211, 212, 214, 215, 219, 232, 237, 238, 244, 251, 254, 257, 265, 275, 276, 279, 280, 281, 284, 292, 293, 297, 307, 315, 316, 318, 320, 322, 323, 330, 336, 346, 348, 349, 354, 357, 363, 365,

ص: 431

369, 377, 380, 381, 385, 387, 390, 395, 397

المحقّق العراقی 90, 144, 147, 179, 203, 212, 214, 298, 344, 345, 380, 381, 382

المحقّق الفشارکی........... 298, 299

المحقّق القمی 155, 174, 175, 194, 285, 324, 328, 352, 357, 360

المحقّق النائینی 25, 35, 38, 39, 40, 42, 43, 54, 59, 63, 72, 73, 76, 79, 81, 84, 89, 94, 97, 99, 100, 102, 105, 118, 120, 124, 125, 127, 130, 132, 133, 136, 137, 140, 142, 143, 151, 152, 155, 167, 179, 181, 183, 198, 199, 203, 207, 209, 212, 213, 214, 219, 262, 273, 275, 276, 280, 284, 285, 291, 292, 295, 297, 309, 313, 314, 315, 316, 317, 319, 320, 321, 322, 323, 327, 328, 330, 331, 332, 334, 335, 337, 338, 345, 346, 347, 349, 350, 353, 354, 357, 358, 363, 368, 369, 377, 379, 380, 381, 383, 385, 387, 389, 390, 395, 399, 400, 401, 404

مُحَمَّدُ بْنُ عَلِی بْنِ الْحُسَینِ........... 305

مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ................... 305

المفید............................ 307

المقدس الأردبیلی.................. 164

ص: 432

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.